فلسطين وطننا … (إسرائيل) ليست دولتَنا – رجا أغبارية
أسقط برلمانُ الدولة اليهوديّة الصهيونيّة القناعَ عن ماهيّة دولة إسرائيل الاستعماريّة ــــ العنصريّة، التي زرعتْها الإمبرياليّةُ الأوروبيّة في فلسطين، كي تبترَ جسدَ الأمّة العربيّة، وتَحُولَ دون وحدتها، مشكّلةً بذلك قاعدةً متقدّمةً لها في المنطقة، تواصل تهديدَ استقلال الأمّة العربيّة ونهبَ ثرواتها وتكريسَ تخلّفها الذي أنشأه الاستعمارُ نفسه. وكلّنا يعيش في السنوات الثماني الأخيرة، على الأقلّ، تبعاتِ هذا المشروع الخبيث الذي أطلّ به علينا الاستعمارُ تحت غطاء “حقوق الإنسان” و”الديمقراطيّة” و”التعدديّة الطائفيّة،” بهدف إعادة إنتاج تقسيم المقسَّم من الوطن العربيّ عبر ما يُسمّى “الربيع العربيّ.”
وكانت الأممُ المتحدة قد اشترطتْ على قادة الحركة الصهيونيّة عام 1948، مقابلَ الاعترافِ بدولتهم، أن “تطبِّقَ دولةُ إسرائيل مساواةً في الحقوق الاجتماعيّة والسياسيّة لكلّ مواطنيها،” وأن توافقَ على قرار التقسيم (رقم 181) وقرارِ حقّ العودة (رقم 194). وقد قبلتْ إسرائيلُ تلك الشروطَ، غير أنّها لم تطبّقْ هذا البندَ أو غيرَه، بل مارستْ “سيادتَها اليهوديّة”على الفلسطينيين، الذين أصبحوا سكّانَها بسبب اغتصاب وطنهم، وبفضل قرار الأمم المتحدة المذكور الذي ورد في “وثيقة الاستقلال” الإسرائيليّة.
وعليه، فإنّ “قانون القوميّة” الأخير ينبغي أن يُسقِطَ رسميًّا اعترافَ الأمم المتحدة بإسرائيل لأنّه جاء في الأصل مقابل شرطٍ لم تطبِّقْه إسرائيل!
أكثر من ذلك: الأممُ المتحدة، بل دولُ العالم جميعها، لم تجبرْ إسرائيل على تنفيذ أيٍّ من قرارات الأمم المتحدة الكثيرة المتعاقبة. فهل يتوقّع أحدٌ أن تعيدَ الأممُ المتحدة النظرَ في وجود هذه الدولة المعربدة عالميًّا، التي تتصرّف فوق القانون الدوليّ، بفضل حاميتها أمريكا، التي أصبحتْ رأسَ الإمبرياليّة العالميّة؟!
انعكاس قرار الأمم المتحدة على فلسطين 48 وإسرائيل
الشرط الدوليّ أعلاه تحوّل إلى برنامجٍ سياسيّ، قوميّ ومطلبيّ، للحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ الذي وقّع على “وثيقة الاستقلال” الإسرائيليّة، وشارك منذ البرلمان الأوّل في عضويّته. كذلك الحال في قضيّة “المساواة في المواطنة” وغيرها، الأمر الذي أصبح ينسحب على برنامج “القائمة المشتركة” برمّتها، وأصبح هو المبرِّرَ الأساسَ لدى دعاة “التكتيك” و”إحراجِ إسرائيل اليهوديّة” من أجل دخول الكنيست، ومشاركةً مبدئيّةً من طرف الذين يعتبرون أنّ إسرائيل تجسّد “حقّ تقرير مصير اليهود في البلاد” (فلسطين).
كان من المفروض أن تطبِّق إسرائيلُ هذا الشرط كتحصيل حاصل، من دون أن تخوض عليه جماهيرُ الداخل معاركَ، ومن دون أن تَدفعَ أيَّ ثمن سياسيّ أو وطنيّ مثل دخول الكنيست أو الهستدروت، ومن دون أن تلجأ إلى تبريراتٍ تخلط بين حقّنا في العيش تحت الاحتلال (كشرط دوليّ) وبين المشاركة في الكنيست الصهيونيّ، ومن دون أن تعتبر حقَّنا في العمل والتعليم والعلاج الطبّيّ والتنقّل والحصول على ميزانيّات السلطات المحلّيّة (وما الى ذلك من الحقوق) مطابقًا تمامًا لضرورة دخول كنيست الدولة اليهوديّة.
إنّ كلَّ ما فعله القانونُ الجديد هو قوننةُ ما هو قائم على الأرض. وهذه حقيقة يعرفها أعضاءُ الكنيست العرب أكثرَ من أيّ مواطن عاديّ. إلّا أنّ تمسّك بعض الفلسطينيين الأبديّ بكرسيّ الكنيست يستند إلى “مبدأ،” هو اعتبارُ إسرائيل “دولةَ المشاركين فيها.” هؤلاء يلهثون خلف سرابِ تحويل عنصريّتها إلى ديمقراطيّة، فيحصدون تجميلَ صورتها لدى المجتمع الدوليّ، وشرعنتَها، بحيث تظهر وكأنّها تطبِّق قرارَ الأمم المتحدة الذي أوجدها، ويمنحون نتنياهو فرصةَ التبجّح أمام العالم بأنّ “عرب إسرائيل” هم الوحيدون في الشرق الأوسط الذين يتمتّعون “بالديمقراطيّة”!
إنّ الفلسطينيين الذين قبلوا وجودَ إسرائيل مبدئيًّا، على حساب تقسيم أرض وطنهم وتقسيم شعبهم من خلال “حلّ الدولتين،” ملتزمون بدولة إسرائيل، ويقبلون بلعبتها “الديمقراطيّة،” على الرغم من معارضتهم الرسميّة للقوانين العنصريّة التي سنّها برلمانُها ضدّ شعبهم. فهم لا يقومون بأيّة تظاهرة أو عمليّة احتجاج إلّا بإذنٍ من شرطة “دولتهم” العنصريّة، بما في ذلك ضدّ قانون “قوميّة الدولة” اليهوديّة! وكلُّ ما يتوقون إليه هو أن تعيش إسرائيل بسلام في المنطقة، وضمن حدود 78% من أرض فلسطين، إلى جانب دولة فلسطينيّة تقوم على 22% ممّا تبقى من أرض فلسطين. بيْد أنّ هذا الهدف نفسَه قد تبخّر رسميًّا بعد “قانون القومية” اليهوديّة، الذي يؤكّد أنّه لن يكون هناك حقُّ تقرير مصير على أرض فلسطين إلّا للشعب اليهوديّ، وعلى كامل حدود دولة إسرائيل… علمًا أنّ هذه “الحدود” لا يحدّدُها أيُّ قانونٍ إسرائيليّ حتى الآن، وإنّما تصل ــــ عمليًّا ــــ إلى حيث يصل الجيشُ الصهيونيّ!
ماذا فعل “قانونُ القوميّة” بكلّ البرامج وقرارات الأمم المتحدة أعلاه؟
لم يأتِ هذا القانونُ بجديد من حيث الجوهر. فإسرائيل مارستْ يهوديّتَها في كلّ مناحي الحياة، بشكل عمليّ ورسميّ، من دون هذا البرواز، وذلك من خلال سياسة السلحفاة التي انتهجها حزبُ العمل، الذي أقام الدولة.
في السنوات العشر الأخيرة انتهى دورُ تيّار حزب العمل في إسرائيل، وانفرد الليكود (ومعه كلُّ اليمين الفاشيّ) بالسلطة، لينتقلَ بذلك إلى مرحلة قولبة الواقع الممارَس في قوانينَ أساسٍ لتهويد كلّ أرض فلسطين، ولقوننة سيادة المهاجرين اليهود على السكّان الفلسطينيين الأصليين.
من هنا طالب نتنياهو، وما يزال، محمود عبّاس بالاعتراف بإسرائيل دولةً يهوديّة. وعندما لم يحصل ذلك، جاء القانونُ الجديد كي يَفرض على كلّ مَن يعترف بإسرائيل (التي لم تَرسم حدودَها الدوليّة رسميًّا كا ذكرنا) الاعترافَ بما هي عليه في الواقع: دولة يهوديّة، عاصمتُها القدسُ الموحَّدة.
الآن، إذا ربطنا هذا القانونَ بقانونٍ سابقٍ آخر يُلزم أيَّ قانونٍ جديدٍ بوجوب تضمُّنِه بندًا يسري مفعولُه على “يهودا والسامرة” (الضفّة الغربيّة)؛ وإذا علمنا أنّ إسرائيل صادرتْ 65% من أراضي الضفّة، وأنّ مستوطناتِها ستتّسع ولن تُزال كما توهّم كلُّ جماعة “حلّ الدولتين”؛ وإذا أدركنا أنّ “قانون القوميّة” ينصّ على أنّه لن يكون في دولة إسرائيل حقٌّ في تقرير المصير إلّا “للشعب اليهوديّ”؛… أدركنا أنّ مَن سنّوا “قانونَ القوميّة” قد استغلّوا الظرفَ العربيّ والإقليميّ والدوليّ كي يُثبتوا دولةَ اليهود كما خطّط لها هرتسل، ضاربين عرضَ الحائط بالقرارات الدوليّة وبـ”وثيقة الاستقلال” بنصّها التكتيكيّ. وهذا هو تمامًا ما فعله أسلافُهم: إذ قبلوا قرارَ التقسيم، ثم زادوا احتلالَهم من 54% إلى 78% عام 1948، وصولًا إلى نسفهم حقَّ العودة وكلَّ المرتكزات السياسيّة التي تقف عليها الأحزابُ العربيّةُ في الكنيست، وتحويلِهم وجودَ المواطنين العرب الفلسطينيين (كما لغتهم العربيّة) إلى أمر طارئ. وهم سيتخلّصون من هؤلاء العرب في الكنيست إذا سنحتْ ظروفٌ قادمة، أو سيهجِّرون العرب الفلسطينيين برمّتهم في ظروف كارثيّة عالميّة جديدة!
في رأيي، ورأي كثيرين في العمل السياسيّ، أنّ هذا القانون جاء تمهيدًا لضمّ الضفّة الغربيّة رسميًّا إلى دولة إسرائيل، ربّما في إطار “صفقة القرن.” ولذلك وضع القانونُ صيغةً جديدةً للواقع العنصريّ: إذ نقله من حالة الأبارتهايد، أيْ حكم الأقليّة على الأغلبيّة الأصلانيّة، كما كان الوضعُ في جنوب أفريقيا العنصريّة، إلى حالة حكم “الشعب السيّد” الآريّ، وذلك عبر ديمقراطيّة “الشعب السيّد.” فالحال أنّ عددَ الفلسطينيين في فلسطين التاريخيّة أصبح يعادل اليوم عددَ اليهود فيها، ومسألة الأغلبيّة غير مضمونة، ما يشكّل خطرًا ديمغرافيًّا على دولة إسرائيل إنْ بقي بندُ “المساواة” في دولة إسرائيل الكبرى الحاليّة. لذلك جاء اقتصارُ بند “حقّ تقرير المصير” على اليهود فقط.
هذا السيناريو يشكّل ردًّا أيضًا على أنصار “حلّ الدولة الواحدة” الذين يتبنّوْن مشروعَ “إقناع” اليهود الإسرائيليين بالتنازل عمّا حققوه على أرض الواقع، بغضّ النظر عن اسم هذه الدولة (إسرائيل أو فلسطين أو إسراطين…)، ومن خلال إقرارهم بأنّ الكفاح المسلّح الفلسطينيّ قد “فشل،” وأنّه يجب التفتيشُ عن وسائل جديدة “يقْبلها” الرأيُ العامُّ العالميّ كما حصل مع جنوب أفريقيا!
فهل يعتقد هؤلاء حقًّا أنّ إسرائيل، بعد ما وصلتْ إليه من ذروةٍ في القوة، ستتنازل وتقيم مع الشعب الفلسطينيّ دولةَ مساواةٍ على شاكلة جنوب أفريقيا الجديدة؟! أمْ أنّ هذا الطرح سيُدْخل شعبَنا في متاهةٍ جديدةٍ تؤدّي إلى ضياع قضيّته نهائيًّا!؟
حدود العنصريّة اليهوديّة
في هذا السياق أكرّر ما ذكرتُه أعلاه: أتوقّع ألّا تتوقّفَ الحكومةُ الفاشيّةُ عند هذا الحدّ، بل ستصل إلى مرحلةٍ تتخلّص فيها قانونيًّا من أعضاء الكنيست العرب غير الصهاينة، بشكلٍ متدرّج وفرديّ، وذلك بحسب قانون الإبعاد النهائيّ، الصادر مؤخّرًا عن الكنيست. وأضيف أنّ المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ سيكون مقترَحًا على فلسطينيّي الداخل من قِبل إسرائيل نفسها. وما زلتُ أذكر، في هذا الصدد، تصريحَ وزير المواصلات الصهيونيّ، يسرائيل كاتس، في صحيفة كلّ العرب، قبل عدّة سنوات، حين قال إنّه مع أن يصوِّت العربُ داخل إسرائيل لبرلمان الحكم الذاتيّ الفلسطينيّ (المجلس التشريعيّ)، وأن يصوِّت اليهودُ وحدهم للكنيست! ولم يتم تداول هذا التصريح.
ولكي أكون موضوعيًّا، فعليّ أن أؤكّد أنّ نظريّة “النقائض المطلقة التي يغذّي بعضُها بعضًا” صحيحةٌ في هذه الحالة. فاليمينُ الفاشيّ يلعب فعلًا في ملعب الفلسطينيين الذين يؤمنون بأنّ التحرير الشامل بديلٌ من الاحتلال الشامل لأرض فلسطين التاريخيّة، وأنّه ينبغي أن تقوم على هذه الأرض دولة واحدة، هي فلسطين الديمقراطيّة، بمساواة مطلقة بين جميع مواطنيها، نقيضًا لدولة إسرائيل الكبرى، اليهوديّة الكولونياليّة، القائمة حاليًّا.
لم تبقَ للمجتمع الدوليّ، ولكلّ الفلسطينيين والعرب الذين قبلوا “حلَّ الدولتين” حلًّا وسطًا بين فلسطين الشاملة وإسرائيل الكبرى، أيّةُ مساحةٍ للمناورة. فها هي إسرائيل الكبرى تصفع كلَّ مَن قَبِلها، وتردُّ يدَه الممدودة، مستندةً إلى حاميتها أمريكا، وإلى ضعف العرب، وإلى نذالة القيادة الوطنيّة الفلسطينيّة العاجزة والمنسِّقة أمنيًّا مع العدوّ!
الكرة في ملعبنا
تراوحتْ ردودُ الفعل العربيّة بين الصمت، والموافقة الصامتة (ربّما تنفيذًا لشيءٍ متَّفقٍ عليه بين أطراف “صفقة القرن” المبهمة)، وبيانات رفضٍ فلسطينيّةٍ علنيّة، والتذكيرِ بتصريحات فلسطينيّة سلطويّة قديمة كانت تقول إنّ لإسرائيل الحقَّ في تعريف نفسها كما تشاء.
أمّا في الداخل الفلسطينيّ (فلسطين 48)، فقد فتحت “القائمةُ المشتركة” حربَ التضليل والتخوين، ورفعتْ شعاراتٍ ضبابيّةً استغبائيّةً كثيفةً في وجهِ كلّ مَن طالب نوّابَها بالاستقالة من الكنيست تحت عنوان: “لو انسحبنا من الكنيست فسيحلُّ مكانَنا عربُ الأحزاب الصهيونيّة…” وكأنّ الحال لم تكن كذلك منذ العام 1948 حتى يوم الأرض عام 1976، أو كأنّ العرب لم يصوّتوا للأحزاب اليهوديّة الصهيونيّة بنسبة 85%، أو كأنّ التمثيلَ غير الصهيونيّ لم يقتصرْ على 3 مقاعد للحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ حتى جاء يومُ الأرض وقلب المعادلة، فبلغ عددُ أعضاء الكنيست العرب غير الصهاينة 13 عضوًا في تلك الدورة ، ونسبةُ التصويت الحقيقيّة لا تتجاوز 45%.
ومع ذلك لم يتحقّق أيُّ شيء لصالح العرب جرّاء هذا التغيير الإيجابيّ في التمثيل الكنيستيّ.بل توسّعتْ إسرائيل، فاحتلت ما تبقّى من فلسطين، وصادرتْ ما تبقّى لفلسطينيي الداخل من أراضٍ، وسُنّ “قانونُ القوميّة” اليهوديّة، وقوانينُ خاصّةٌ لهدم بيوت العرب، وازداد انخراطُ المواطنين الفلسطينيين في الخدمة الوطنيّة الإسرائيليّة، وفي التجنيد الطوعيّ والإجباريّ في الجيش الصهيونيّ. والقائمة طويلة!
إنّ هذا التغيير لا يتحمّل مسؤوليتَه أعضاءُ الكنيست العرب، الذين يستميتون لخدمة القضايا اليوميّة لأبناء شعبهم مقابل التزامهم بإسرائيل “دولةً يهوديّة وديمقراطيّة،” كما يوقّعون ويُقْسمون يمينَ الولاء. المعضلة كامنة في المجتمع الكولونياليّ اليهوديّ الذي يزداد تطرّفًا، وينتخب قيادةً فاشيّةً لا يوجد أيُّ أفقٍ لتغييرها.
لقد وضعتْ هذه الحكومةُ فلسطينيّي الداخل من “مواطنيها،” أكثرَ من غيرهم، أمام خيارٍ تاريخيّ: فإمّا قبولُ سيادة “الشعب السيّد” على الدولة فيكونَ العربُ حالةً استثنائيّةً فيها؛ وإمّا التمرّدُ على هذه المعادلة الجديدة، والخروجُ منها بالمطْلق، والالتحامُ بباقي قطاعات الشعب الفلسطينيّ، من أجل توحيد المصير وتوحيدِ آليّات الانتصار على هذا الكيان الغاصب لكلّ أرض فلسطين التاريخيّة. لقد أسقط الصهاينة كلَّ معادلات “الحلّ الوسط” و”التعايش المشترك” و”المساواة داخل الدولة” ــ ــ هذه الدولة التي لم تكن يومًا أفضلَ ممّا هي عليه اليوم من حيث تعاملها مع الفلسطينيين ونظرتها إليهم.
لقد فرضوا على الشعب الفلسطينيّ، برمّته، وحدةً تحت الاحتلال، بلونيْه المدنيّ والعسكريّ، ابتداءً من حرب العام 1967، إلى أن تقوننت اليوم.
إنّ أيَّ نضال شعبيّ قانونيّ لمقاومة القانون فقط، لا يكون مرتبطًا بسحب الشرعيّة عن دولة إسرائيل النوويّة، ولا بسحب اعتراف كلّ الفلسطينيين بها، أكانوا في السلطة أمْ في أحزاب الداخل الكنيستيّة، لا يَخدم سوى شرعيّةِ بقاء إسرائيل دولةً يهوديّةً كولونياليّةً وعنصريّةً رسميّة.
فليعترفْ بها كلُّ العالم، ما عدا الشعب الفلسطينيّ. إنهم يطلبون شرعيتهم منّا كما هم، وبمجمل قوانينهم، بعد أن ضمنوا دعمَ العالم لهم عام 1948، ولم يبق إلّا استسلامنا والتسليم بأرضنا وحقّنا في تقرير المصير على أرضنا.
البديل
* على مستوى الموقف، تجب العودةُ إلى المربّع الاول من عمر النضال التحرريّ الفلسطينيّ، وأعني “الميثاق القوميّ الفلسطينيّ،” لا “الميثاق الوطنيّ الفسطينيّ،” كي نعيدَ إلى قضيّتنا الفلسطينيّة بعدَها الشعبيَّ العربيّ، وبُعدَها المقاومَ العربيَّ والإسلاميّ، بعيدًا عن التعاطي مع الأنظمة العربيّة والإسلاميّة العميلة لإسرائيل وأمريكا ومعسكرهما المعادي.
* إعادة انتخاب المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ على الطريقة النسبيّة من كلّ الشعب الفلسطينيّ، بما في ذلك فلسطين 48، على أساس الميثاق القوميّ الفلسطينيّ، وذلك من أجل توحيد الشعب والقيادة وآليّة النضال لتحقيق برنامج الميثاق ببعده العربيّ، وإعادة القضيّة الفلسطينيّة إلى منزلتها، قضيّةَ الشعوب العربيّة برمّتها، ورأسُ حربتها الشعبُ الفلسطينيّ.
* على صعيد مناطق 48 بشكل مباشر: يجب الربطُ بين محاربة القانون الجديد وسحب الشرعيّة من الدولة. فقد أعاد هذا القانونُ معادلة “أنّ فلسطين وطنُنا، وإسرائيل ليست دولتَنا، ومصيرنا مع شعبنا لا مع دولة اليهود.” وما عدا ذلك، فإنّ أيَّ نضال يقتصر على إلغاء القانون، أو “تعديلِه” في إطار دولة اسرائيل، إنّما يؤكّد التمسّكَ بإسرائيل دولةً أبديّةً بيهوديّتها، وبـ”ديمقراطيّة الشعب السيّد” التي تحرص عليها!
وهناك خطواتٌ تمهيديّة بالإمكان القيامُ بها احتجاجًا على القانون، ومنها: انتخابُ لجنة متابعة، تكون بمثابة قيادة وطنيّة منتخبة، من دون أيّ ارتباط بمؤسّسات الدولة اليهوديّة وقوانينها، بل اعتماد النضال الشعبيّ لتحقيق حقوقنا المطلبيّة المشروعة. فالعمل الكنيستيّ يدور في دائرة الصفر من حيث الجدوى والإنجازات على كلّ الصعد. ومن الخطوات التمهيدية أيضًا: العملُ من أجل التكامل مع باقي قطاعات الشعب الفلسطينيّ بشكلٍ جماعيّ، لا حزبيّ فئويّ.
على النضال اليوميّ أن يتصاعد شعبيًّا من دون إذن المؤسّسة الإسرائيليّة في مختلف القضايا التي تواجهنا. فحقُّنا في العيش الكريم، والتعليم، والعمل، والتطبيب، والبناء، وإدارة شؤون بلداتنا العربية لتطويرها …. الخ، مكفولٌ أمميًّا. وهذا يستدعي صمتَ المضلِّلين، الذين يبرّرون خيارَهم المبدئيّ في العيش مع دولة اليهود ومؤسّساتها العنصريّة على حساب حقّ تقرير مصير شعبهم على كامل ترابه الوطنيّ.
إنّ هجوم هؤلاء على “حركة أبناء البلد،” وقيادتِها، وبرنامجِها، إنّما يؤكّد أنّ برنامج هذه الحركة هو بديلٌ لكلّ برامج الأسرلة المطروحة، خصوصًا بعد سنّ “قانون القوميّة” اليهوديّة الذي سحب من الأحزاب العربية المشارِكةِ في الكنيست كلَّ مقوِّمات استمرارها ونهجها وممارساتها. إنّ الهجوم على أخطاءٍ برنامجيّةٍ اضطرّت “الحركةُ” إلى اعتمادها في تسعينيّات القرن الماضي (عندما اختفى الاتحادُ السوفياتيّ وضُرب البعدُ القوميّ العربيّ وسقط برنامجُ التحرّر الفلسطينيّ الذي تخلّت عنه منظّمةُ التحرير حتى اليوم) هو هجوم تبريريّ وتضليليّ. فليس من المنصف اعتبارُ خطأ “حركة أبناء البلد” لمرّة واحدة، عندما شكّلتْ “حزبَ التجمّع،” أهمَّ من كلّ الانهيار الأمميّ والعربيّ والفلسطينيّ الذي حصل. يشرِّفنا أنّنا راجعنا أخطاءنا خلال فترة قصيرة، وأننا صحّحنا برنامجنا لنعيدَه إلى مربّعه الأول.
نحن في “أبناء البلد” نعتقد أنّ سقوطَ القناع عن جوهر الدولة اليهوديّة قد أعاد إلى الواجهة زمنَ تطبيق برنامج هذه الحركة، الذي يتوجّب علينا حملُه من خلال أداة تنظيميّة أشمل، لتتكامل قدر المستطاع الظرفيّ مع مشروع الميثاق القوميّ الفلسطينيّ. وسنفعل ذلك.
نتمنّى على مَن يناكفوننا للتغطية على خيارهم الإسرائيليّ في كلّ الظروف أن يعيدوا النظرَ، ولو مرّةً واحدةً، في علاقتهم بالدولة العبريّة: فإمّا فلسطنةٌ كاملة، وإمّا أسرلةٌ ذليلةٌ كاملة في الدولة اليهوديّة. نحن لا نطلب منكم الانسحابَ من الكنيست اليهوديّ الصهيونيّ لأننا لم نصوِّت لكم؛ وهذا شرفٌ لنا. لكنّكم مطالبون بسماع أصوات الشارع الذي صوّت لكم ويطالبكم بذلك!
في الختام أؤكّد أنّ جديد “قانون القوميّة” لا يتعدّى قوننةَ ما كان موجودًا. وعلى هذا الأساس بنينا برنامجَنا، ولم نعتبرْ مواطنتَنا في إسرائيل إلّا قسريّةً، وبقرار من الأمم المتحدة. وأهمُّ من كل ذلك تمسُّكُنا بأرض وطننا فلسطين، إلى أن تحين ساعةُ الخلاص الاستراتيجيّ، التي يروْنها بعيدةً ونراها قريبةً، ونستعدّ لها مع كلّ مقاومي شعبنا وأمّتنا، وبما تسمح به مكانتُنا الجيوسياسيّة.
شعارُنا في هذه المرحلة: فلسطين وطننا. إسرائيل ليست دولتنا. مصيرنا مشترك مع مصير شعبنا، وشعوب أمّتنا الشريفة.
أمّ الفحم (فلسطين)