فلسطين وقف إسلامي – زهير كمال
بسم الله الرحمن الرحيم
وشهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.
قدم هذه العهدة عمر بن الخطاب حاكم الجزيرة العربية في العام 638 ميلادية للفلسطينيين في عاصمتهم القدس واستلمها وحافظ عليها المرجع الروحي للمدينة البطريرك سوفرونيوس، وصل مدى الحفاظ على هذه العهدة تسليم مفاتيح كنيسة القيامة – قدس أقداس الدين المسيحي حيث صلب المسيح على تلة الجلجلة – الى أسرة مسلمة تقوم بفتح أبواب الكنيسة صباحاً وتقفلها ليلاً، وتستمر هذه المهمة بالرغم من رمزيتها 1385 عاماً، وربما ستستمر الى ما شاء الله.
لم يقدم عمر عهداً لأية مدينة اجتاحتها الجيوش الإسلامية إلا للقدس وهكذا أصبح هناك علاقة خاصة بين فلسطين وبين أي حاكم مسلم في المنطقة. هذه العلاقة هي عقد بين الخلفاء، سواء كان الخليفة ملكاً أو رئيساً – ممثلاً لله ولرسوله وعهداً منهما – وبين أهل فلسطين في عاصمتهم القدس، فهم في كنف الحاكم وحمايته (الذمة) الى الأبد.
بمعنى أدق أن العهد الذي أعطاه عمر ألزم به من يأتي بعده من الحكام الى أبد الآبدين أو الى أن يرث الله الأرض وما عليها.
لن نتطرق في هذا المقال القصير إلى من حافظ على العهد ومن خانه من الحكام الذين تعاقبوا على هذه الأمة، ولكن هناك مثل ملفت في العصر الحديث.
بعد منتصف القرن العشرين، تصدى لقيادة الأمة العربية الرئيس جمال عبد الناصر الذي حمل راية فلسطين وراية تخليصها من الاستعمار الصهيوني، عندها تبوأت مصر مركزها المرموق بين الأمم فأصبحت رائدة لعدم الانحياز وزعيمة افريقيا بلا منازع وقبلة الأحرار في العالم، حتى الهزيمة التي لحقت بها عام 1967 لم تؤثر على وضعها الطبيعي الذي تستحقه والذي حصلت عليه بجدارة عبر حضارة استمرت آلاف السنين، واثبتت الوقائع ، فيما بعد، أن جيش مصر قادر على تحمل مسؤولياته والانتصار في الحرب عندما تتوافر له قيادة كفؤة مخلصة وأن الهزيمة ليست إلا عثرة بسيطة عملت على إيقاظ هذا المارد من غفلته .
عندما فرط السادات بفلسطين بدأ مركز مصر يتضاءل بين الدول وقد تتابع على حكم مصر رئيسين ساداتيين فتحولت مصر الى مجرد دولة رقم، لا يحسب لها حساب، الى درجة أنها أصبحت مهددة من دولة صغيرة بمصدر حياتها وهو نهر النيل ، فقدت مصر قوتها الناعمة وهيبتها، ولم تعد هبة النيل كما كانت منذ آلاف السنين.
عبر التاريخ الطويل لهذه المنطقة انتقل مركز الثقل بين مدن عديدة ، تارة كان في دمشق ، وأخرى في بغداد ثم القاهرة ، وها هو التاريخ يعيد دورته ويرجع مركز الثقل الى الجزيرة العربية في عاصمة جديدة في قلب نجد هي الرياض ، هذه المرة هناك اختلاف بسيط فالحاكم يسمي نفسه بِ خادم الحرمين الشريفين، وكلمة خادم هنا ليست دقيقة ولكنها تعني انه حافظ، قيم، وصي، حامي (custodian)
وبهذه المعاني التي حملها آل سعود لأنفسهم فإن هذا الوصف يعني أنه تكليف، لا تشريف كما يعتقد البعض.
انتقال مركز الثقل الى الرياض يعني انتقال الحفاظ على تنفيذ عهدة عمر إليها، أصبحت فلسطين في ذمة حاكم الرياض.
قد يقول بعض الخبراء إنه ليس في مقدور حاكم ما تنفيذ العهدة، هذا لا يضره بشيء، فلم يفرض أحد تحميل الحاكم فوق طاقته وطاقة دولته، ولكن عليه أثناء فترة حكمه أن لا يضر فلسطين وأهلها بالقيام بأفعال ما تساعد عدوهم وتشد من أزره، مثل الاعتراف به والتعامل معه، كما يفعل الساداتيون في منطقتنا الآن.
والحصول على مكاسب مادية مؤقتة، سواء كانت شخصية مثل الحفاظ على الحكم، أو لحماية الدولة من المخاطر الخارجية، والتي يمكن عملها بطرق أخرى، لا تبرر أبداً تدمير عهدة السلف. ولا تبرر بدء سابقة في التاريخ قد يكون لها عواقب غير محسوبة في المستقبل.
الحياة موقف، والتاريخ عادة ما يدور دورته ولا ينجو من دورته إلا الحكيم الرصين، ولنا عبرة فيما حدث في مصر ومصيرها المؤلم مع الساداتيين، رغم كل الأسف على صانعة الحضارة.
أما بالنسبة لذمة المؤمنين التي وردت في العهدة مباشرة بعد ذمة الخلفاء فهي ما زالت كما هي منذ توقيعها، فرغم كل المحن والمآسي التي تمر بها شعوبنا العربية فان عهدهم مع فلسطين لم ولن يتغير وهم ما زالوا مستعدين للتضحية بالغالي والنفيس من أجلها.