فوق التراب…. لحظة العناق الوفية – د. لبنى مرتضى
تتدرج مع الكلمة الندية والشكل الرمز العصي تفصح حالات عن جبل عن رابية عن حجر يتفأ بظلاله جندب أو نملة تسعى تتقفى خطو فلاح يملأ كفه ليبذرها بين التراب والتراب..
كل أغاغني المطر وأصوات الريح ترانيم مسائية لعيون التراب.. لأن التراب وماحوله من نور يعطي العشب للجندب لنملة الماشية أبدا.. نحو طريق الرزق نحو الطير الصغير الذي يملأ معدته بها وهي مثل جدنا الصوفي الأول مستغرقا بعالمه الفسيح وهو يضع أطراف أصابع كفه على شاربيه البيض لايذكر السنين والوديان والصخور التي قطعها بمهدته؟ ليبني من الطوب والخشب المعتق بيوتا صغيرة فوق التراب ليتركها ويعبر الى الجبل ثم ليعبر الى القصيدة_ المغناة الى الله.. ويمتلئ في كل برهة في لحظة العناق مع الطلمة الوفية والشكل الرمز العصي لألوان لم تعطنا سر مفاتنها بعد , لأطفال قادمين لم نشاهد جمال ملاحمهم بعد.. لكن القمر حدثنا عنهم طويلا والنجوم أهدت عتبات بيوتهم التي سيعبرون منها الى الحقل زرقة أذيالها االبيضاء.. النور شاهدهم قبلي وأكد أنهم سيأتون مع الثلج.. لكن الثلج صار حلما من لونه على أرض ترابنا..كم رسمنا عليه واقمنا من كتله وجوها واكتافا واجسادا بقيت واقفة الى يومنا هذا تمنح حياتنا أكثر وقارا وجدية.
هل كنا نحلم حين نخلطه مع رائق الدبس ونأكله مع الجيران بمعالق الفضة.. في اليوم الثاني يغطي أرض الدار والحديقة والكرم والبيدر ونستغرب كيف تجرأت القطة وتجولت تاركة اثار أقدامها شواهد على عصيانه وتحديه للعصي ذاته…
هاقد كبرنا الان وركبنا القطارات والطائرات ولم يخطر ببالنا ان نحمل معنا الى منفانا صورا لعدونا الجميل لكن اثار اقدامه لم تزل بالقلب وفي شباك الذاكرة الطفولية المضاءة بالتحدي معه.
هل كان خصما نبيلا؟ نعم.. لم يخطر بباله الهجرة يوما بل ترك أبناؤه بسلام يتكاثرون بين الحجارة السوداء يهبون خلف الصخور قيفز القطيع مرتعدا…
ياليتها بقيت تلك الرؤى والأماني..يقول صديقي في رسائله بأن الاغنام تبخرت والذئاب شارفت على الانقراض لأن دمار ما مر من هنا على هذا التراب الحزين والجندب نام والطيوم غيرت أماكنها ولم تعد تجد بيوت الخشب والطين والاسمنت المسلح.
توضع كتلا صماء لاطعم فيها ولا رائحة للشيح تفوح… القمر الطليق شحت أنواره وصور جدي وأبي معلقة في الجدار.. والجدار أملس لاطاقية فيه تؤنس السراج.
خطاي في وادي الزمان بطيئة ويداي فوق السطر ترسم دائرة البداية..
وجهي في مهب الريح تكحله الرمال لا العشب يسمع صوتي المبحوح ولا حجارة جدي قربية من ناظري.. ماشيا عبر الصحاري رايتي الاشجار واشواقي مبثوثة في الغيوم البيض
ترخي جدائلها الحقول علي
ويفرش الندى دربي اليك
تقرأ وجهي الطيور
ينحظر صوتي الأليف
لانك تسكن قلبي.. لانك غزال الخزام ان لم عيناك تفتح لي هذا المدى .. فمن أكون؟؟
لاحجر يسمعني.. لا الضوء يكفيني.. خطاي في وادي الزمان..بطيئة ويداي فوق السطر ترسم دائرة البداية.. وجهي في مهب الريح تكحله الرمال.
يمر الحب ملاطفا وجهي.. ويحمل أصابعي بقايا الالوان التي رسمت فيها مايشبه اشجارك التي تطاولت اغصانها نحو مجرات قديمة اسماها جدي بنات نعش واسماها العرب الرحل طريق التبانة..
مرت قوافل الابل والخيل
والحصادون مضمخون
وبنوا في وادي السرحان
اسوارا من حجارة سوداء
وفي الصباح أقاموا عرسك الأبيض
رافعين البيارق ورايات الحمام..