فيتوريو اريغوني عاش وأستشهد لأجل فلسطين
– بقلم نضال حمد
To Vittorio Arrigoni …
قبل سنتين عدت من جولة عمل ميداينة في عدة مدن ايطالية شملت امبيريا، جنوى، سان ريمو، تورينو، ميلانو، بولونيا وفلورنسة. هناك وقعت كتابي ( فجر العصافير الطليقة ) أو
L’alba degli uccelli liberi
الذي قامت بترجمته للايطالية الشاعرة والأديبة المغربية د. اسماء غريب. وعلى هامش الجولة أقيمت عدة ندوات تكلمت فيها عن الأوضاع الفلسطينية والعربية وخاصة الوضع في سوريا. وعن الرفيق الراحل الكبير فيتوريو اريغوني، الذي اغتيل في غزة على أيدي تكفيريين مجرمين مرتبطين بالاحتلال الصهيوني.
خلال وجودي هناك وتنقلي بين مدن ايطاليا رأيت بأم العين كيف كانت لجان التضامن الطليانية مع الشعب الفلسطيني تستنفر كلها وتستعد لاحياء ذكرى اغتيال واستشهاد المناضل الطلياني (الفلسطيني) الأممي الكبير. الذي كان شوكة في حلق الاحتلال الصهيوني في غزة، وكان بتقاريره وافلامه وكتاباته يفضح جرائمهم بشكل يومي وعلى مدار سنوات. لذا قرروا أن يتخلصوا منه.
رأيت التحضيرات فتذكرت الندوة التي جمعتني مع الشهيد فيتوريو عبر الفيديو كونفرنس. تحدث هو من قلب غزة المحاصرة وتحدثت انا من مخيم فياريجيو في ايطاليا الذي أقيم لعدة سنوات للتضامن مع شعب فلسطين واهل غزة المحاصرين، وتحت شعار ( أنا مع المقاومة). وأشرف على اقامته سنوياً الاتحاد الديمقراطي العربي الفلسطيني في ايطاليا – أوداب-.
أذكر وأتذكر كلماته الحماسية والأخرى العقلانية التي أسمعنا إياها ونحن نتجمع فوق مقاعدنا و حول الطاولات في خيمة كبيرة بالمعسكر، حيث دار الحديث والحوار بيننا جميعاً…
رفيقي الراحل!
كان الجميع بانتظارك لتكون شريكي تلك الليلة في ندوة حوارية، أنت تتكلم من فلسطين عن شعبها وأنا أتكلم من ايطاليا عن أصدقائنا هناك وفي كل أوروبا.
كنت يا فيتوريو فلسطينيا في حديثك وعملك أكثر من كثير من الفلسطينيين، وبالتأكيد أكثر من الارهابيين التكفيريين عملاء الصهاينة.
لم يكن اريغوني الطلياني الوحيد الذي عرفته في حياتي من المناصرين والمناصرات للقضية الفلسطينية والملتزمين والملتزمات بها خير التزام. سبق أن عرفت ومازلت أعرف الكثيرين منهم- ن خاصة أنني بعد إصابتي في حصار بيروت سنة 1982 سافرت وتلقيت العلاج في ايطاليا، حيث كانت تعتبر في تلك الفترة من الزمن أكثر الدول الأوروبية الغربية تفهماً للقضية الفلسطينية وفيها أكبر حركة تضامن عالمية مع الشعب الفلسطيني.
أحببت ايطاليا وشعبها وخاصة الرفاق المبدئيين ومنهم الشهداء فيتوري اريجوني وستيفانو كاريني وماوريتسيو موسولينو … وعدد كبير جداً من الأحياء الحاملين قضية فلسطين في قلوبهم وعقولهم.
عملية اغتيال اريغوني ستبقى وصمة عار تقبح جبين كل فلسطيني إذ لا يمكن تجاهل أن مختطفي وقاتلي فيتوريو من المرتبطين بالصهاينة. فهم الذين اختطفوه واغتالوه في غزة، مقدمين للكيان الصهيوني أكبر خدمة ممكنة في ازاحة هذا الاعلامي والنقابي والناشط السياسي العالمي الذي أحرج الصهاينة وكيانهم الارهابي كثيرا، عبر تقاريره المكتوبة والاخرى المصورة التي كان يرسلها من غزة المحاصرة وينشرها في الاعلام الايطالي والاوروبي والعالمي بشكل مستمر، ويقدم فيها معاناة أهل غزة مع الاحتلال الصهيوني، وعدم التزام جنود الاحتلال بأية مواثيق وقوانين دولية ولا بأية معايير والتزامات أخلاقية وانسانية.
يوم تأبين فيتوريو كتبت :
كيف تريدنا أن نتحدث عنك يا رفيق الدروب الفلسطينية الأممية الوعرة؟
كيف وألف ومليون كيف تراودني الآن وأنا أتذكر طلّتك علينا من غزة عبر الفيديو كونفرنس، أنت كنت حيث كان علي أن أكون في غزة بفلسطين، وأنا كنت حيث كان عليك أن تكون في فياريجيو بايطاليا، أنت تشارك شعبي مقاومته وصموده وتألقه وصبره وشجاعته، وأنا أشارك رفاقك من لجان التضامن الطليانية مع شعب فلسطين، مخيمهم التضامني الثالث تحت شعار ( أنا مع المقاومة ). وتحديداً مع مقاومة شعبنا في قطاع غزة المحاصر، وفي الجنوب اللبناني الأبيّ.
كنت في مخيم فياريجيو الذي يشارك فيه لنصرة شعبنا كل متضامن طلياني آمن سابقاً ومازال يؤمن حتى يومنا هذا (وبعد اغتيالك الجبان) بعدالة قضية الشعب الفلسطيني… مازلت أردد :
ملعونَةُ هي أدوات الجهل والتخلف والعمالة والتكفير والتزمت والاحتلال والقمع والظلم وعدم احترام حقوق الناس.
لأجل دمك نحن مطالبون بالعمل على ازالة كل ذلك من مجتمعاتنا وبلادنا ومن وطننا الكبير.