فيلم الناجي لتوم هانكس(2000): غياب التشويق وهيستيريا العزلة
مهند النابلسي
*تتحطم الطائرة التي يستقلها تشاك نولاند(توم هانكس) أثناء قيامه بانجاز مهمة عاجلة ليلة عيد الميلاد بجنوب المحيط الهادىء، لكنه ينجو باعجوبة وينجح بالوصول لجزيرة معزولة، حيث يضطر للعيش وحيدا لأربع سنوات معزولا ومحروما من كل مكونات الحياة العصرية، ويسعى جاهدا للمحافظة على حياته وصحته العقلية، فيما يفترض زملاؤه وخطيبته كيللي(هيلين هانت) أنه مات…وتجبره حالته المأساوية على تعلم كيفية البقاء حيا بظروف قاهرة والمحافظة على تماسكه النفسي.
*يغامر المخرج روبرت زيميكس بفيلم “الناجي” بتقديمه مغامرة استكشافية للنفس البشرية والجزيرة المعزولة على حد سواء، يركز بطلها أولوياته للبقاء على قيد الحياة في ظل ظروف صعبة وبيئة طبيعية بدائية قاهرة، ويضطر الممثل البارع هنا توم هانكس للتركيز على مهارات التعبير بلغة الجسد وتعابير الوجه وبالحد الأدنى من الحوار، تماما كحالة روبرت ريدفورد بفيلم ضياع كل شيء(2013) مع اختلاف التفاصيل والملابسات، حيث يتحطم قارب الأخير بسبب عاصفة بحرية هوجاء ويتوه بالمحيط لعدة أيام ولا نعرف بالتحديد مصيره، ونراه يكافح مستبسلا للبقاء غلى قيد الحياة، تائها بمياه المحيط ومحاطا بأسماك القرش التي تتربص به بالأسفل…تكمن فرادة “ريدفورد” بقدرته الفذة على التعبير الصامت واستخدامه الفذ لحركات وتقاسيم الوجه والعينين مع مراعاة سنه الذي تجاوز ربما الخامسة والسبعين، فيما يزعق توم هانكس “الثرثار” بوجهنا بأحيان كثيرة، كما يحادث باستمرار لعبة صنعها للمحافظة على سلامته العقلية مع اعتبار الفترة الطويلة التي قضاها منعزلا بجزيرته النائية! كما يختلف فيلم ريدفورد عن فيلم هانكس باحتوائه على قدر من التشويق والترقب والغموض(فنحن لا نعرف سبب اقدامه على الابحار وحيدا بالمحيط، وبدا وكأنه يخاطب شخصا ما معتذرا ويائسا ومحبطا في بداية الشريط!)، فيما ينعدم ذلك التشويق تقريبا بفيلم “الناجي”، مع التنويه بأداء هانكس المميز وبراعة باقي الممثلين “وكاميرا التصوير الدقيقة”، كما برع المخرج بتقديم عمل سينمائي فريد بطريقة فنية رفيعة مستغلا “نجومية هانكس” لجذبنا، وبالحد الأدنى من المؤثرات الخاصة التي برع باستخدامها بفيلم “فوريست غامب” ودون ان يشعرنا بالملل، ولكنه عجز عن الغوص بأثر العزلة الرهيبة على النفس البشرية والسلوكيات الاجتماعية، فقدم لنا فيلما “تجاريا” نمطيا مسليا (عكس ما فعل المخرج شاندور بفيلمه اللافت) … وللمقارنة فقد استعاض المؤلف الموسيقي البارع “أليكس ابريت” بأصوات الأعاصير البحرية والمطر وحركة القارب وطقطقات الأشياء وهمسات الأسماك المفترسة ودمجها ببراعة مع صوت الجيتار بفيلم “فقدان كل شيء” ليخرج لنا بموسيقى تصويرية آخاذة شيقة تصلح بديلا لأي حوار او ثرثرة ! ولكننا لا يسعنا سوى الاعجاب بعملي “زيميكس وشاندور” من منطلق قدرتهما على تصوير “العناد والاستبسال البشري” بمواجهة الآقدار وقوى الطبيعة الجامحة، والتي توصل لنا بذكاء رسائل عدة أهمها “أهمية التواصل البشري” للانسان العصري التائه والمأزوم!