فيلم “غودزيلا”(2014): – مهند النابلسي
يقظة “الوحش النووي” والسرد الشيق “الكلاسيكي”!
هناك بموقع التجارب النووية بجزيرة “بكيني أتول”، وأثناء حدوث تجربة نووية تجريبية في العام 1954، ينهض على اثرها وحش خرافي من أعماق المحيط “الباسفيكي”!
بهذا المشهد “التسجيلي” المثير يستهل فيلم “غودزيلا” الجديد، ثم ننتقل للعام 1999، حيث يقوم العالمان سيرازاوا (الممثل كين واتنابي) وجراهام (سالس هوكينز) باجراء أعمال تنقيب في منجم فيليبيني ناء قديم، ليكتشفا داخله هيكل عظمي عملاق وبيضتين ضخمتين، كما لوحظ انزلاق “مسخ غامض” خلسة للبحر، أما في اليابان فتحدث اهتزازات زلزالية “غير معهودة” في محطة “جانيرا” النووية، حيث يقوم مشرف المعمل التجريبي جو برودي (بريان كرانستون) بارسال زوجته ساندرا(جوليت بينوشي) مع فريق متخصص لمركز المفاعل بغرض فحص “المجسات”، وبينما الفريق محشور داخل المفاعل، يحدث انفجار غير متوقع مهددا بتسريب الاشعاعات للخارج! وتفشل حينئذ ساندرا والعاملين معها من الهرب والنجاة، حيث ينهار المعمل الضخم بثواني ويتحول لركام كنتيجة لهزة ارضية قوية…ويتم اعتقال فورد لدخوله منطقة “الهزة الأرضية” لمعاينة تفاصيل ماحدث، ثم يسافر ابنه الشاب جو(آرون تايلور جونسون) بعد خمسة عشر عاما لليابان، لكشف ملابسات الحادث الذي أودى بحياة والدته، ويقنع أبيه فورد لمصاحبته ، متخليا عن وظيفته الحالية كخبير تفكيك متفجرات في البحرية الأمريكية، والذي يعيش مستقرا بآمان حاليا في سان فرانسيسكو مع زوجته الي (الممثلة اليزابيت اولسن) وابنه الصغير سام (كارلسون بولد)، ويتملكه حنين جارف لزيارة منزلهم القديم في المنطقة المنكوبة، كما يسعى لاستعادة “قرص حاسوبي” (فلوبي ديسك) المفروض احتواءه على بيانات “زلزالية” قديمة سجلت قبيل انهيار المعمل، ولكن دورية الحراسة تقبض عليهما ويعتقلان معا في غرفة خاصة داخل انقاض معمل الطاقة المنهار، حيث يلاحظان قيام العالمين “شيرازاوا وجراهام” باجراء بحوث على “مسخ وحشي ديناصوري” عملاق، قبل ان يطلق هذا الوحش “مسخا مجنحا ضخما” ليقوم بتدمير بقايا المنشأة والطيران بعيدا، ويتعرض فورد في أثناء هروبهما لجروح بالغة يموت على ائرها، بينما ينضم الثلاثة “شيرازاوا وجراهام وجو” للبحرية الأمريكية بقيادة الأدميرال ستينز (دافيد ستراهيري) برفقة حاملة الطائرات ساراتوغا للحاق جميعا بالمسخ الهارب ومحاولة الامساك به!
ويخبر جو لاحقا بأن هذا المسخ الوحشي المجنح المسمى “موتو” ماهو الا مخلوق خرافي قديم يتغذى بالاشعاعات النووية، وعندما خفت حدة الاشعاعات مع مضي الزمن وبردت قشرة الكوكب، اندس هذا المخلوق الكاسر لداخل “القشرة الأرضية” هاربا من مطاردة وحش خرافي أخر يسمى “غودزيلا”، استفاق فجأة كنتيجة للتجربة النووية التي اجريت في العام 1954 تحت أعماق المحيط، كما اخفقت التجارب النووية اللاحقة في القضاء عليه…ثم اكتشف جو بأن “موتو” كان يتواصل مع مخلوق ثالث غامض، وبعد مطاردات شيقة اكتشفت قوات خاصة أن المسخ “موتو” الهارب يتغذى من مفاعل حطام غواصة نووية سوفيتية ضخمة غارقة، وحدثت معركة نارية ضارية هاجمت فيها القوة البحرية الوحش “موتو” بالقرب من مطار “هونولولو” الدولي، وتزامن ذلك مع وصول الوحش الاسطوري “غودزيلا” متسببا بتسونامي هائل أدى بدوره لدمار العاصمة”وايكيكي”…وتزامن ذلك مع انبعاث “انثى موتو جديدة” من رفات نفس المسخ في موقع النفايات بجبل يوكا الفيليبيني، وقد انطلقت هذه باتجاه “لاس فيغاس” ودمرتها…ثم استنتج العلماء بأن الوحشين المجنحين الضاريين سيلتقيان للتزاوج قريبا بمكان ما…فقامت قوات البحرية بملاحقة “غودزيلا” متوقعة أن تتلاقى الوحوش الثلاثة بخليج “سان فرانسيسكو”، واطلق الأدميرال “ستينتز” خطة لقتل الوحوش الثلاثة بواسطة “قذائف نووية”، مما أثار اعتراض باقي العلماء وفي مقدمتهم “واتنبي”، متوقعين قيام “غودزيلا” بتدمير وقتل “زوجي الموتو”، بلا حاجة لهجوم نووي ملوث ولا تحمد عقباه، وقد عبر عن ذلك بجملة ذكية: “دع الوحوش تتحارب، ولنرى ما يحدث”! وهكذا تم تحميل قطار “برأسين نوويين”، كما لاحظ “ستينتز” أن ساعة “واتنبي” القديمة التي ورثها عن والده الراحل قد توقفت مع زمن تدمير هيرزشيما!
وفوجئوا بقيام “الموتو” المؤنثة باستهلاك الرأس نووي، بينما تمكنوا من نقل الرأس النووي الآخر جوا لمدينة “سان فرانسيسكو” ووضع على قارب، فقام “الموتو” الذكر بسرقة الرأس الآخر أيضا، ثم بنت الانثى “عشا” حوله بمركز سان فرانسيسكو…وبعد ان هزم الجيش بمواجهته العسكرية الضارية مع “غودزيلا” على جسر “البوابة الذهبية”الشهير، وافق الأدميرال “سنتنز” أخيرا على فكرة السماح لغودزيلا بمصارعة ” زوجي الموتو”المجنحين الشرسين، وبينما تدور معركة طاحنة بين الوحوش، يستغل جو ذلك للتسلل مع فريق متخصص لتفكيك الرأس النووي داخل العش هابطا بالمظلة، ثم يتحم الرأس الحربي ولا ينجح جو وفريقه من تعطيل مفعول القنبلة الزمنية، لذا لتفادي الانفجار الموقوت يتم نقل الرأس النووي بالقارب لتفجيره بعيدا بالبحر…وينجح جو بتدمير “العش” عازلا الانثى فيما ينجح “غودزيلا” بالانفراد بالذكر وقتله برميه بقوة كاسحة باتجاه ناطحة سحاب تنهار باتجاهه، فيما تقوم “الموتو الانثى” بقتل أعضاء الفريق وتدمير القارب، ثم يقوم”غودزيلا” غاضبا بقتل الانثى بواسطة “أنفاسه النووية” المرعبة، مما يؤثر على طاقته فينهار مؤقتا!…هكذا ينجح جو أخيرا بالذهاب بعيدا بالقارب المحمل بالرأس النووي، متزامنا مع اقتراب ميعاد التفجير، وينجح باعجوبة من النجاة بواسطة اخراجه بسرعة فائقة بواسطة طائرة يرسلها فريق الانقاذ وفي اللحظات الأخيرة الحابسة للانفاس!
ثم نشاهده باللقطات الأخيرة وقد انضم لزوجته القلقة وابنه الصغير، فيما يتم الاحتفال من قبل أجهزة الاعلام ومحطات التلفزة بغودزيلا الخارق كملك للوحوش الخرافية وكمنقذ للمدينة، وبمشهد معبر نراه يستيقظ على غير المتوقع، ثم ينظر للكاميرا ويطلق “زئيرا” مجلجلا خاصا معبرا قبل أن يعود لأعماق المحيط!
خفايا الانتاج والتصوير والاخراج:
كلف هذا لشريط المذهل 160 مليون دولار، وفي العام 2004 أكد “يوشيميتسو يانو ” مخرج فيلم “غودزيلا مقابل هيدورال” المنتج بالعام 1971، بأنه حصل على حقوق الملكية الفكرية من شركة “توهو” اليابانية لانتاج هذه النسخة العصرية من “غودزيلا” بامكانات ال”ثلاثة دي والآي ماكس” وبكاميرا المصورالسينمائي الشهير “بيتر اندرسون”، كما أكدت الشركة المنتجة بأنها ستنتج الفيلم الجديد مطابقا للنسخة الكلاسيكية الشهيرة بالعام 1954 وليس طبقا لنسخة عام 1998، وبأن المخلوق الخرافي سيشبه “العظاية” الضخمة…تكمن المفارقة اللافتة هنا بان “غودزيلا” الذكي هنا يحارب وحوش ضارية همجية (مثله) ويتغلب عليها لمصلحة استمرارالحضارة الانسانية!
صرح المخرج البريطاني اللامع “جاريت ادواردز” بأنه سيخرج هذاالفيلم بطريقة مختلفة تماما عن نسخة العام 1998، وبانه سيكون مدهشا من جميع الوجوه السينمائية وكأنه يسرد لنا قصة “كارثة طبيعية” بأبعاد انسانية عاطفية، وبانه سيبدو في المحصلة كفيلم وثائقي (تحريكي) يتحدث عن مخلوقات وحشية (كأنها ديناصورات ما قبل التاريخ) وباسلوب يضاهي أفلام “الكوارث الطبيعية”، مع اضافة أبعادا درامية وعاطفية جاذبة، مصورا قوى الطبيعة المرعبة التي لا يقوى الانسان عيها، وبالفعل فقد نجح باخراج فيلم شيق وحابس للانفاس ومصور بطريقة “كلاسيكية” غير معهودة بأفلام الفانتازيا والخيال العلمي، حاملا بصمات السينما القديمة الجذابة!
يخفي الفيلم حقيقة ان تجربة “التفجير النووي” بأعماق المحيط الباسيفيكي بالعام 1954 كان هدفها الحقيقي يتلخص بالقضاء على الوحش النووي القابع بأعماق المحيط، بل أنه يتلاعب في ذكاء المشاهدين بالتركيز على مزايا التجربة النووية ومن ضمنها “خلق وحش” نووي قادر على حماية البشرية من احتمالات هجوم كائنات “كابوسية” شريرة مجنحة وكاسحة… كما يقدم الشريط تجربة فذة جديدة لمفهوم “اللابطولة” أكثر من النمط التقليدي المعهود “للبطل والشرير”، حيث تنتصر الطبيعة الجامحة بالصراع الضاري، وهي تتمثل هنا بالوحش الخارق “الطيب” غودزيلا.
يضاهي الشريط رؤيا “شبيلبيرغ” بفيلم “الفك المفترس” حيث لا يظهر الوحش الا بعد مرورحوالي الساعة من بداية العرض، وقد زاد ذلك من زخم التشويق والانتظار، ويركز على كون “غودزيلا” كنتيجة جانبية لتجربة نووية رائدة، ثم يقوم بالايحاء المعبر بعرض الكارثة النووية التي حدثت بمحطة الطاقة النووية، وهذه باعتقادي تبدو كتداعيات نفسية ايحائية للجرح النووي الياباني المزمن،ابتداء من كارثتي”هيروشيما وناجازاكي” وانتهاء بكارثة “فوكوشيما” قبل سنوات (في العام2011) والتي حدثت كنتيجة لتسونامي عاتي ضرب شواطىء اليابان، والغريب أن ستة جنرالات من أصل سبعة جنرالات أمريكيين أكدوا لاحقا بأنه لم تكن هناك ضرورة للهجوم النووي لايقاف الحرب كما ادعى الرئيس ترومان في حينه، وقد ثبت لاحقا “بالوثائق السرية الدالة” أن الهجوم النووي الضاري على اليابان كان يهدف أيضا لتوجيه رسالة قاسية “لستالين والاتحاد السوفيتي والعالم أجمع” والتلويح “بالعصا النووية الغليظة”، وقد تبين بالفعل وجود خططا استراتيجية معتمدة لقصف أهداف عديدة في الاتحاد السوفيتي للقضاء عليه كقوة عالمية منافسة!
تم الاشتغال بعناية فائقة على صورة وحركات الوحش “غودزيلا”: فطوله يتجاوز ال110 متر، وحركاته مستوحاة من مزيج لحركات “الدب والدراجون الاسطوري والكومودور المتوحش”، كما يحمل سلوكه خليطا من سلوكيات “الكلاب الوحشية والنسور الكاسرة”، وتم دمج كل هذه المكونات لتنتج بالمجمل السلوك والوجه الوحشي لغودزيلا الخارق، كما تتكامل هنا المؤثرات الخاصة الخيالية لتكون الشخصية الوحشية المميزة، مع زئير معبر استغرق اعداده ستة أشهر بحيث يتم سماعه من حوالي خمسة كيلومترات (ثلاثة اميال)! تم التصوير بالعام 2013 باستديوهات أمريكية خاصة و”بفانكوفر” الكندية، واستخدمت عربات قتالية خاصة ومئتي جندي ككمبارس لتصوير المشاهد الحربية، وصورت مشاهد في مركز المؤتمرات كبديل لمشاهد “هونوللو”، وصورت مشاهد بكل من سان فرانسيسكو والفيليببين وطوكيو وبجزرهاواي في هونوللو، كم تم حشد أكثر من ألفي شخص بساحة مكشوفة في هاواي لتصوير بعض المشاهد الخاصة، وأكثر من مئتي شخص بساحل “وايكيكي”!
استخدم الفيلم مؤثرات صوتية معبرة لحوالي عشرين لحنا مؤثرا خاصا لأكثر من ساعة كاملة، وقام ماسترو الموسيقى التصويرية الشهير “الكسندر ديسبالت” بادارة الموسيقى التعبيرية، وهو نفسه المصمم الصوتي لأفلام “كلمة الملك وحالة بنجامين بوتون وفيلمي هاري بوترالشهيرين”، وتراوحت أسماء الألحان مابين: غودزيلا، محطة الطاقة، بالغابة، مطاردة غودزيلا، البوابة الذهبية، دخول العش، نصرغودزيلا ثم اللحن الأخيرالمعبر”العودة للمحيط”!
نفس ذري ناري وزئير نووي!
تلقى هذا الشريط مراجعات نقدية ايجابية، مع التأكيد على الايقاع البطىء التدريجي للفيلم، وطول فترة الانتظار قبل ظهور “غودزيلا” …ووصفه بعض النقاد بانه “دراما بشرية مدمجة مع قوة وحشية كاسرة لتحقيق مجد ناري بانفاس نووية خارقة وزئير وحشي”! كما هيأ المخرج ادوارد لظهورالهيبة الوحشية لغودزيلا، وجعله يزأر بيأس تجاه الكامير وكأنه يوجه لنا رسالة غامضة أعطت للوحش كاريزما وربما حضرتنا لجزء جديد مرتقب! أما عن اسلوب السرد السينمائي فهو يضاهي نمط “شبيلبيرغ” بفيلمي “الفك المفترس والجو راسيك بارك”، ويتطابق لحد ما مع منهجية فيلم “لقاءآت من البعد الثالث”، ونجد هنا التوازن المدهش ما بين السرد الدرامي الشيق وفنتازيا أفلام التحريك وخاصة بمشاهد معارك الوحوش الضارية، كما نلحظ مشاهد ساحرة كسقوط المطر فوق جسر سان فرانسيسكو، وكارثة القطاربصحراء نيفادا، وبدت براعة التشويق الانسيابي لجعلنا نتوقع دائما حدوث شيء ما، كما اظهر “الذكاء والوعي” بشخصية غودزيلا الجديدة، ونجح بتصوير حالات الذعر بواقعية حتى بالنسبة لتراكض الكومبارس، كما اظهر “الشفقة والتعاطف” الانساني متطرقا لثيمة “غياب الأب”، ومع التنويه لغياب الدور النسائي المحوري ربما بقصد، وفي المحصلة فقد تجاوز المخرج قدراته الابداعية وحقق فيلما لافتا أفضل من نسخة العام 1998، وكالعادة فجمهورنا العربي لم يعي الكثير من المغزى الابداعي وانغمس بلا حماس بالشكل “التحريكي” السطحي لهذ الشريط السينمائي العبقري، كما لاحظت أن الكثير من كتاب السينما لا يتعمقون كثيرا بمغازي وثيمات أفلام الخيال العلمي ويصفونها بالابهار والسطحية و”البعد التجاري الصرف” والتسلية، كذلك فبعضهم لا يقدرون الجهد الهائل المبذول لتحقيق هذه الأفلام والذي يشمل كافة الأوجه “السينمائية والتقنية والتصويرية والصوتية والمونتاجية” ناهيك عن براعة “التمثيل والاخراج”، كذلك تتضمن معظم هذه الأفلام الباذخة الانتاج رسائل ومضامين صريحة وخفية لا يفضل اغفالها بالتعميم واللامبالاة… لذا فقد لجأت هنا بقصد للخوض في الكثير من التفاصيل والخفايا بغرض توعية المهتمين والمثقفين والنقاد السينمائيين المتعمقين.
مهند النابلسي
هامش ومرجع ذي صلة بالموضوع:
أنا الوحش: غودزيللا الكبير على الشاشة
محمـد رُضــا
«غودزيللا» يعود لجمهور يبحث عن الدهشة، لكن تاريخ هذا الوحش يعود إلى الخمسينات ويحاكي هموم القنبلة النووية منذ إلقائها فوق هيروشيما وإلى اليوم
بعد تسع سنوات على إلقاء القنبلتين النوويّـتين فوق ناغازاكي وهيروشيما، قام ستديو توهو الياباني بإنتاج فيلم حمل إسم «كوجيرو» أخرجه إيشيرو هوندا الذي كان عمل (قبل هذا الفيلم وبعده) مع المخرج الأكثر شهرةأكيرا كوروساوا كمخرج وحدة ثانية.
آنذاك، كانت السينما الأميركية بدأت بتقديم أفلام حول وحوش. كان هناك النوع المرعب المرتكز على الشخصيات الكلاسيكية (فرانكنستاين، الرجل الذئب، دراكولا…) وأفلام الرعب الممتزجة بنوع الخيال العلمي(«الشيء الآني من الفضاء الخارجي»، «غزاة ناهشو الجسد»…) وأفلام الرعب القائمة على الزومبيز والأشباح الشريرة («لعنة الناس القطط»، «مشيت مع زومبي» الخ…). فجأة إنبثق تجديد قوامه الأفلام التي تدور حول وحوش برمائية كما الحال في «مخلوق البحيرة السوداء» و«تارانتولا». «كوجيرو» (أو كما سمّاه الأميركيون غودزيلا) جاء بعد عام من إطلاق شركة مستقلة فيلم رعب حول وحش من أعماق الماء هو«وحش من 20,000 قامة» Beast From 20,000 Fathoms ليوجين لوري. بعض المصادر تقول أن ستديو توهو استوحى «كوجيرو» من الفيلم الأميركي الذي أنتج قبله بعام واحد (لا يعني ذلك أنه عرض في العام نفسه في اليابان ما دفع توهو لتقليده).
لكن عليّ أن أعترف، الفيلم الأميركي تناول حكاية دينوصور أوقظ من سباته تحت سطح الماء بسبب تجربة نووية تمّـت في البحار القطبية الشمالية. «كوجيرو» يتناول أيضاً حكاية وحش مائي (ليس دينوصوري تماماً)يخرج من أعماق الماء بعد وبسبب الإنفجار النووي. الرابط الياباني بين القنبلتين النوويتين اللتين أسقطا عليها وبين «كوجيرو» ومعظم ما ورد من أفلام يابانية شكّـلت من مسلسل بلغ عدد أفلامه حتى الآن 26 فيلماً، ما دفع المشاهد للربط بين الواقع والخيال والإستجابة للثاني على نحو أكثر قبولاً.
النجاح الكبير للفيلم، بالإضافة إلى جودته في حدود نوعه، دفع هوليوود لشراء حقوقه والقيام بتصوير مشاهد يؤديها الممثل الأميركي رايموند بور Burr الذي لاحقاً ما عرف شهرة أوسع عندما لعب دور المحامي المقعد في مسلسل Ironside (مابين 1967و1975).
نجاح الأفلام الأولى من سلسلة «غودزيللا» دفع اليابانيين إلى الجمع بين هذا الوحش ووحوش أخرى (غير برمائية) مثل كينغ كونغ، أو آتية من الفضاء مثل «موثرا»، أو ضد وحوش بحرية أخرى مثل «غودزيللا ووحش البحر» الخ…
لم تكن هذه الأفلام على سوية واحدة. بعض الأفلام كان أفضل من بعضها الآخر حتى ضمن ما أخرجه هوندا منها. لكن العنصر الدائم هو ربط العلم السيء (كذاك الذي أدّى إلى إختراع القنبلة النووية) بولادة غودزيلا. كذلك قيام غودزيلا بتدمير المباني والجسور وتحويل المدن إلى أنقاض.
لكن من خلال ذلك برزت قيمة أخرى تداولتها غالبية الأفلام: غودزيللا قد يكون وحشاً مدمّـراً، لكنه كثيرا ما أنقذ الناس من تدمير المخلوقات الأخرى.
المفهوم هنا هو أن الجمهور الياباني، تبعاً للأفلام الأولى، كان يشعر بالتعاطف مع ذلك الوحش المخيف. هو لم يسأل أهل الأرض أن يجروا التجارب النووية أو يلقونها. لم يسألهم إيقاظه من أعماق المحيط. لذلك فإن خروجه ثائراً أصبح أمراً مفهوماً خصوصاً بإرتباطه الرمزي بما تسبب القنبلة النووية من تدمير جسيم. وهو سريعاً ما يدافع عن الناس عندما يهددهم موثرا أو كينغ كونغ أو ميشاغودزيللا (وحش آخر تم إبتكاره).
حتى أواخر الستينات كانت تلك الأفلام لا زالت تصوّر بالأبيض والأسود. إنتقالها إلى الألوان تدريجياً ثم على نحو دائم لم يحمل، للغرابة، جديداً نوعياً. ما جاء به هو إزدياد التكاليف ما أدّى إلى بداية إنحسار أفلام الوحش في الثمانينات والتسعينات لأن هوليوود تملك أكثر مما تملكه الشركات اليابانية من قدرات. رونالد إيميريش قام سنة 1999 بتحقيق فيلم ضخم بعنوان «غودزيللا» برهن على أن الجودة شيء والتكاليف الضخمة شيء آخر. هم إيميريش كان الإتيان بصورة جديدة لذلك الوحش، لكن اختياره لم يكن موفقاً على الإطلاق لأن الوحش لم يكن يشبه غودزيللا. المناط به لا زال قائماً على التدمير، لكنه وحش ليس لديه قضية.
على ذلك، قامت السينما اليابانية، سنة 2001, بتقديم فيلم كبير (ولو بالمقارنة مع أعمالها السابقة) حققه المخرجشوسوكي كانيكو تحت عنوان «غودزيللا، موثرا، كينغ غيدورا: الهجوم الكبير للوحوش الضخمة»
Godzilla, Mothra, King Ghidorah: Giant Monsters’ All-Out Attack.
كانيكو كان إختياراً مناسباً لأنه سبق له وأن أخرج ثلاثية من بطولة وحش آخر هو غامورا (حققها ما بين1995 و1999). خلال الفترة السابقة، تم إبتداع طرق لولادة تلك الوحوش. في «غودزيللا ضد دستروياه»وجدنا الوحش دسترويا وُلد بسبب سلاح هيدروجيني كان العلماء اخترعوا لضرب غودزيللا به. أما الوحش ميكاغودزيللا (2002) فهو مصنوع من جينيات غودزيللا نفسه.
President Obama to visit Hiroshima – first serving president to go to Japanese city hit by 1945 US nuclear attack bbc.in/1T1krc9