في الذكرى الخامسة لوفاة الفنانة الفلسطينية ريم بنا
أبدأ من النهايات حيث أن صديقتي ريم بنا توفيت ونحن على خلاف شديد في الموضوع السوري بالذات، أقول هذا بالرغم من أنها في آخر سنوات حياتها وعلاجها من المرض اللعين، خففت وقللت من الحديث في الموضوع السوري.
دائماً حرصت على أفضل علاقة ممكنة مع ريم وهي كذلك بادلتني نفس الحرص منذ تعارفنا قبل سنوات طويلة في اوسلو. كنت كتبت عنها وعن الفنانة النرويجية كاري بريمنس وما قدمتاه من أعمال فنية رائعة لأجل فلسطين في أوسلو وعموم النرويج. كذلك كتبت عن شراكتها في الانتاج الفني والموسيقي مع المنتج النرويجي المناصر لفلسطين إريك ليستاد ومجمعه الثقافي في أوسلو.. كما كنت أجريت معها حواراً طويلاً ربما سنة 2005.
منذ بداية ما سمي بالربيع العربي لم يعجبني موقفها ولم أتفق معه وعارضته بشدة وقلت لها ذلك مباشرة وفي أحاديث عديدة هاتفية ولقاءات مباشرة… وهي كذلك لم يعجبها موقفي وخبرتني بذلك وحاولت اقناعي بوجهة نظرها وكان يشاطرها في موقفها كثيرون من العرب والفلسطينيين في النرويج وأوروبا وفي العالم أجمع.
في ذلك الوقت كان صاحب الموقف الرافض لمذبحة الربيع العربي وللتآمر على سوريا كمن يسير في حقل ألغام… رغم كل شيء بالرغم من حملات العداء والتحريض ضدي بقيت متمسكاً بموقفي ومدافعاً عنه وعن سوريا بشدة وبقوة، وخاصة في اللقاءات التي كانت في غالبيتها تعج بالانتهازيين، بالمتطفلين، وبالذين بدلوا أثوابهم السياسية على مر تجربتنا الفلسطينية، وكنت أعرف بعضهم من زمن بيروت ودمشق وما بعد حصار بيروت 1982. منهم من توفي ومنهم من لازال حياً.
كنت دائماً أقول لا بد للطيبين وللمضللين منهم أن يصحوا يوماً ما… في وقت لاحق تغيرت مواقف البعض منهم ومنهن. عرفن وعرفوا حقيقة ما كان يجري.. فيما البعض الآخر من المتطفلين اليسارين والمتشددين الاسلاميين والمتأسلمين والآخرين الذين ركبوا موجة الربيع، إزدادوا عدواةً وتمسكاً بمواقفهم على طريقة عنزة ولو طارت.
يجب الاعتراف بأنه فيما بعد قام البعض بتغيير مواقفهم وأثوابهم من جديد كما فعلوا في عدة مرات سابقة… وصاروا يقدمون مواقف متشددة مرة مع سوريا ومرة ضدها. وكأن القصة استعراض مواقف ولعبة مواقف حسب المزاج وتبدل الأحوال على الأرض وفي الميدان السوري.
كانت ريم أختاً وصديقة ورفيقة وكان لها موقفها كما كل انسان عربي وبقيت كذلك حتى وفاتها الصادمة. لذا رفضت ولازلت أرفض الهجمات التخوينية عليها من قبل بعض المتشددين، خاصة من الطرف الآخر الذي شاركني الرأي والموقف فيما يخص سوريا بالذات.
عرفت ريم بنا فنانة ومناضلة فلسطينية لا تهادن ولا تبحث عن المال والشهرة فهي بنت بلد طيبة ومتواضعة… قلت لها بصراحة تامة رأيي بموقفها وبأنها ترتكب غلطة العمر في الموضوع السوري، كما ملايين السوريين والعرب والفلسطينيين. كان لدي أمل كبير بأنها سوف تعيش أكثر وتعيد النظر في موقفها وتعترف بخطأها. لكنها لم تفعل ذلك لأن المرض العضال لم يعطها مزيد من الوقت للحياة أكثر.
ريم بنا وطنية فلسطينية وبنت بلد نصراوية ومثقفة وفنانة أممية، عاشت وماتت وهي كذلك. لذا حتى بعد رحيلها بسنوات هي ليست بحاجة لشهادة من أي كان. فقد كانت عاشقة لشعبها ولقضيتها ولفلسطينها الكاملة. فهي منذ ولدت في الناصرة قرب عين العذراء، كبرت على حب الوطن والانتماء لهواء الجليل وللسير على درب السيد المسيح، درب الآلام المؤدي الى تحرير فلسطين، كامل تراب فلسطين…
بعد أن سافرت ريم للدراسة في الاتحاد السوفيتي عادت بتجربة جديدة وقدمت أعمالاً فنية فريدة وجديدة وحملتها مع قضية فلسطين الى العالمية. فأصبحت سفيرة للفن الفلسطيني في النرويج وفي بعض دول أوروبا.
اليوم في ذكراها الخامسة أستحضر اللقاءات الكثيرة التي جمعتنا وكلها كانت في النرويج كما تظهر ذلك عشرات الصور التي جمعتنا على مر السنوات الطويلة الماضية.
أقول لريم أرقدي بسلام فالنضال مستمر ومتواصل حتى يعود شعبنا الى كل فلسطين، وحتى تعود فلسطين الكاملة الى شعبنا، خالية من الغزاة المحتلين ومن المستوطنين المجرمين الارهابيين.
- توفيت ريم بنا في 24-3-2018
نضال حمد
25-3-2023