في الذكرى الخامسة والثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا.. جريمة لا تزال بلا عقاب – المستشار رشيد موعد
صباح 16/9/1982 لم يستيقظ أهالي مخيمي صبرا وشاتيلا كبقية بني البشر، إذ كانوا نياماً بالإكراه، وإلى الأبد.
كبرى الجرائم حدثت في تلك الليلة في هذين المخيمين ارتكبها الصهاينة وأعوانهم بحق السكان من فلسطينيين ولبنانيين، واستمرت ثلاثة أيام بلياليها.
صبرا وشاتيلا.. مخيمان من اثني عشر مخيماً في لبنان، يقعان جنوب العاصمة اللبنانية بيروت.
بعد اجتياح الكيان الصهيوني يوم 6/6/1982 لبنان وصلت قواته إلى مشارف العاصمة بيروت، وكانت ذريعة الاجتياح، قيام أحد الفلسطينيين بإطلاق النار على الديبلوماسي الصهيوني في «لندن» المدعو «شلومو آرغوب» لتدخل بعدها القوات الصهيونية الأراضي اللبنانية، وترتكب أفظع الجرائم بحق الشعبين العربيين الفلسطيني واللبناني، ورغم أن منفذي هذه المجزرة المباشرين كانوا من الميليشيات اليمينية اللبنانية، لكن مخططيها والمشرفين عليها والمشاركين في بعض مراحلها كانوا قادة جيش الاحتلال الصهيوني وعلى رأسهم أرئيل شارون وزير الحرب وروفائيل إيتان رئيس الأركان آنذاك..
ففي أوج الحرب “الإسرائيلية” ضد الشعب العربي الفلسطيني والحركة الوطنية اللبنانية، قامت قوات يمينية لبنانية قدر تعدادها باثني عشر ألف مسلح باقتحام المخيمين الوادعين، حيث بدؤوا بذبح عدد كبير من سكانهما من نساء وشيوخ وأطفال، وكذلك بيوت بكاملها هدمتها الجرافات فوق ساكنيها.. وأصبحوا جثثاً مكدسة فوق بعضها أشبه بدمى لا حياة فيها، وأخذوا يطلقون النار على الأهالي عشوائياً.
لقد جرت في المخيمين مذبحة حقيقية مازالت من دون عقاب، هذا ما قاله الصحفي الروسي سيرغي سيدوف لكونه كان شاهد عيان وقت الحادث وتابع يقول:
«بعد أن خيمت نشوى القتل على المجرمين، بدؤوا يوفرون الرصاص والذخيرة الحيّة، واستبدلوها بالسكاكين والحربات والفؤوس لقتل أكبر عدد ممكن من النساء والشيوخ والأطفال العزل المدنيين الآمنين في بيوتهم.. وقاموا بخنق البعض بالحبال، كما أحرقوا البعض الآخر، وسحقوا ما تبقى بالجرافات وهم أحياء».
حتى أن الصحافة الأمريكية المتعاطفة مع الكيان الصهيوني أجبرت أمام فظاعة الهلوكوست الجديد على الاعتراف بأن مسؤولية تلك المجازر، والجرائم تقع على عاتق المتزعمين الصهاينة الثلاثة مناحيم بيغين رئيس الوزراء ووزير الحرب أرئيل شارون وروفائيل إيتان رئيس الأركان آنذاك.
فقد كتبت صحيفة «تشيكاغو تربيون» عام 1982 تقول: (علينا ألا نصدق «إسرائيل» بعد الآن.. فالقادة الإسرائيليون ادّعوا حاجتهم لضمان أمن جنوب لبنان وحاصروا العاصمة بيروت، وزعموا أنهم لن يدخلوها، لكنهم فعلوها.. ودخلوا).
وثائق سرية أشارت إلى أن أمريكا كانت على علم مسبق بمجازر صبرا وشاتيلا، ويرجح أن لها يداً في هذه المجزرة، فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عام 2012 عن وثائق سرية تظهر علم واشنطن بذلك، حيث أظهرت هذه الوثائق حواراً جرى بين كل من وزير الحرب “الإسرائيلية” شارون ومبعوث أمريكي إلى المنطقة، يظهر فيها تنسيقهما في غض الطرف عن ارتكاب ميليشيات توالي «إسرائيل» لهذه المجزرة.
بعد المجزرة بساعات قال مناحيم بيغن رئيس الوزراء آنذاك «غوييم هاركو.. غوييم» ومعناها أن الأغيار من غير اليهود قتلوا الأغيار أيضاً من غير اليهود، وهذا يدلل على أنه لا يهمه ما الذي جرى، ومن قتل من، ويعني ذلك أن حلفاءهم هم من قتل، فكأن الصهاينة الذين حاصروا بيروت نحو ثلاثة أشهر، وأشبعوها قصفاً وقتلاً ودماراً، لم يشاركوا في المجزرة، ولم يكونوا قد اجتاحوا العاصمة اللبنانية عقب مقتل الرئيس «بشير الجميل» آنذاك، وأيضاً رحيل القوات الفلسطينية عن بيروت الغربية ضمن اتفاق دولي لم يلتزم الصهاينة به، ولم يحترموه بقيادة وزير الحرب آنذاك أرئيل شارون، الذي خاطب جنوده عقب انتهاء المجزرة قائلاً «أهنئكم.. فقد قمتم بعمل جيد ورائع».
هذا يدلل على أن الصهاينة شركاء أساسيون في المجزرة، وقواتهم هي التي نقلت القتلة المجرمين لتنفيذ تلك المجزرة، وحتى تاريخه، لم تتم محاسبة أي مسؤول عن مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا، مع أن الكثيرين منهم مازالوا أحياء، وبعضهم يمارس أدواراً سياسية وإعلامية ونقابية.
الطبيبة البريطانية «سوى شآي إنخ»، وهي من أصل ماليزي، وصفت هذه المجزرة بأنها «كارثة حقيقية، لا يمكن وصفها جرت في مخيمي صبرا وشاتيلا».
أما الشهداء الذين ذبحوا ذبحاً وقتلاً بالرصاص ودفنوا تحت الأنقاض فقد تفاوتت أعدادهم مع تفاوت واختلاف المصادر، فبينما تحدثت بعضها عن استشهاد 3500، قالت مصادر أخرى: إن عدد الشهداء بلغ 7 آلاف من أصل 20 ألفاً هم سكان المخيمين، وتبين من الإحصاءات أن ربع الضحايا لبنانيون والبقية فلسطينيون.
علماً أن بعثة الصليب الأحمر التي كانت تنتشل الجثث أفادت بأنها سجلت فقط المزودين في جيوبهم بأوراق ثبوتية، ولم يتم تسجيل من كانوا مجهولي الهوية، وكان جيش الكيان الصهيوني قد ضرب طوقاً مساء الخميس 16/9/1982 أحكم بموجبه الخناق بشدة على المخيمين وأطلق القنابل المضيئة ليلاً، وقامت وحدة المدفعية “الإسرائيلية” في بيروت بإطلاق قنبلة إنارة واحدة كل دقيقتين لتسهيل دخول أفراد الميليشيات اليمينية إلى المخيمين، وشاركت في حصار المخيمين أكثر من 150 دبابة وآلية صهيونية.
بعد هذه المجزرة أدخل الكيان الصهيوني نفسه في معضلة مزدوجة، وهكذا أصبح مسؤولاً بصورة غير مباشرة عن هذا العمل الإجرامي الخطر، وعدَّ دخول المخيمات مخاطرة جسيمة وأن هذه المهمة قامت بها الميليشيات ولم تهدأ العاصفة إلا بعد أن رضخ بيغن في النهاية إلى طلب إقامة لجنة تحقيق مستقلة، حيث قامت هذه اللجنة بمهمتها وتفحصت المسؤولية الشخصية للمعنيين بالأمر في ثلاثة مجالات:
أولاً: دخول أفراد الميليشيات إلى المخيمات مع الأخذ بالحسبان خطر وقوع مذبحة.
ثانياً: إن الذين كان من واجبهم التحذير من الخطر لم يفعلوا ذلك.
ثالثاً: الذين تلقوا الأخبار الأولى عن المذبحة لم يهبوا لمنع استمرارها وقد شكلت لجنة للتحقيق في هذه المجازر باسم «لجنة كاهان» نسبة إلى القاضي كاهان وبذلك أوجدت لجنة التحقيق الصهيونية هذه وضعاً سياسياً جديداً في الكيان الصهيوني، فقد أدانت اللجنة كل من شارون وروفائيل إيتان حيث تنحى الأول كوزير للحرب عن منصبه، وإنهاء عمل الثاني كرئيس للأركان.
في اليوم الذي اعتزل فيه «شارون».. قال:
«إن خروجي من وزارة الدفاع سيؤثر في قوة «إسرائيل» الرادعة..» وبذلك أقر شارون بالمخاوف حين ربط مستقبل الكيان الصهيوني بمستقبله الشخصي، ولم يدرك أنه وعد “الإسرائيليين” بحرب واحدة على لبنان، فتطورت هذه الحرب إلى حرب ثانية أطاحت به وبمستقبله، ودفعته إلى الاستقالة لإدانته بمجزرة صبرا وشاتيلا.