في الذكرى ال 26 لرحيل طلعت يعقوب – نضال حمد
بعد أيام قليلة تحل ذكرى رحيل رفيق جليل ومناضل وطني فلسطيني كبير قدم حياته لأجل القضية ولم يبخل حتى رحيله بأي شيء لأجل ديمومة الثورة وصيانة الكفاح المسلح واستمرارية النضال الوطني الفلسطيني على درب تحرير كامل تراب فلسطين المحتلة.
هذا الشهيد الشاهد، الحيّ في ضمير شعبنا ومع رفاقه الأوفياء والشرفاء، هو الرفيق طلعت يعقوب أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية.
لا يمكن الحديث عن تجربة الثورة الفلسطينية المعاصرة وروادها وقادتها دونما التطرق لأبي طارق أو “أبو يعقوب”. حيث كان الرجل قدوة لرفاقه في التضحية والتواضع والكبرياء والعطاء والانتماء. عاش متواضعا وزاهدا مثل بقية أبناء مخيمات شعبه ورفاقه الفدائيين، أبناء القواعد وجيل التحرير. رشاشه على كتفه وغضب وغضب وغضب. لم تغره المناصب والألقاب ولا كان يحب الكاميرا والظهور الاعلامي، حيث لم يظهر إلا نادرا. عمل بصمت وبإصرار فأصاب هنا وأخطأ هناك، وجل من لا يخطئ. فحقيقة الأمر واضحة ومفادها أن الذين يعملون يخطئون بينما الذين لا يعملون كيف لهم أن يرتكبوا الأخطاء. وخطأ طلعت يعقوب الرجل الجليل والفدائي الشهم والشريف والقائد المثال أنه لم يكن حاسما ولا كان جازما في التعامل مع الذين انشقوا عن الجبهة وشوهوا مسيرتها وسيرتها. لأنهم فيما بعد ارتكبوا الجرائم بحقها وشوهوا تاريخها. إذ أنه إنتظر كثيرا وحاورهم مرارا على أمل أن يعودوا لرشدهم ويبدو أنه لم يكتشفهم إلا متأخرا. في هذا الأمر بالذات كنت شخصيا شاهدا على وصول رفيقنا أبو يعقوب لقناعة بأن هؤلاء انشقوا ولن يعودوا. حيث قال لي في وارسو عاصمة بولندا ومقر حلف منظومة الدول الاشتراكية سابقا، خلال جولة حوار مع المنشقين عن الجبهة. قال لي حرفيا: “يا رفيق نضال احذر من هؤلاء لأنهم انشقوا ولن يعودوا وسقطوا”. هذا الحديث دار بيننا في فندق فكتوريا في وارسو في أيار – مايو سنة 1984 . أي بعد الانشقاق بسنة ونصف تقريبا.
لكن ولكي نكون منصفين ولا نحمل طلعت يعقوب وحده مسؤولية ما حصل رغم حبنا الشديد له واحترامنا الكبير لشخصه ولنضاله المشهود له في كل الساحات والمحطات التي عرفتها ثورتنا وجبهة التحرير الفلسطينية، فقد كانت ظروف الساحة الفلسطينية والعربية كذلك أقوى وأكبر مما يحتمل أو يطاق. وكانت جبهة التحرير الفلسطينية تضم مجموعة من الكوادر النظيفة والشريفة ومجموعة أخرى من المنتفعين والمتسلقين، الذي ساهموا غدرا وخيانة في تدمير التنظيم وتعزيز الانشقاق فيه. لن أذكر هنا أسماء هؤلاء لأن التاريخ يحفظ أسماءهم فأبناء الجبهة يعرفونهم جيدا ويذكرونهم بالألقاب والأسماء والمناصب.
جبهة التحرير الفلسطنيية أصبحت إحدى ضحايا أصحاب المصالح والمنافع، وكذلك ضحية للقيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية التي امتهنت شق الفصائل وتقزيمها وتفتيتها خدمة لمشاريعها وبقاؤها متنفذة ومهيمنة على مقدرات الثورة والمنظمة. هنا نستطيع القول أن تلاقي مصالح القيادة المتنفذة مع مصالح المنشقين ساهمت في ضرب وحدة الجبهة وشقها وتراجعها. وفي اضعاف دور طلعت يعقوب ورفاقه الذين خاضوا نضالا عظيما لأجل البقاء والاستمرار، حيث أنهم حوصروا ماليا وماديا واعلاميا وأمنيا وجغرافيا واقليميا وسياسا وتنظيميا من قبل فلسطينيين وعرب. ورغم سنوات الجوع والحصار الطويلة التي استمرت منذ الخروج من بيروت سنة 1982 وحتى يومنا هذا إلا أنهم استمروا وصمدوا وحافظوا على استقلاليتهم. وصمدت معهم عائلات الشهداء والأسرى والجرحى التي عانت الويلات بسبب عدم توفر المرتبات والمخصصات المالية. وجدير القول بهذه المناسبة انه ليس سهلا أن تحافظ على استقلاليتك وسلامة موقفك السياسي في محيط متآمر و بحر عاصف وعاتي كنت تبحر فيه تقريبا لوحدك. فالإبحار عكس التيار قد يغرق السفينة بمن عليها.
في السابع عشر من نوفمبر – تشرين الثاني 1988 رحل طلعت يعقوب عن عالمنا في الجزائر العاصمة. قيل يومها أنه توفي نتيجة أزمة قلبية حادة. أما أنا فلم أقتنع بما قيل ولدي رأي آخر بقضية وفاة طلعت يعقوب. أعتقد أن رفيقنا أبو يعقوب لم يمت ميتة طبيعية، بل مات بطريقة ما ولذا يجب البحث عن الأسباب التي أدت الى وفاته.
لماذا لا تكون هناك جهات كان لها منفعة ومصلحة في تغييبه في تلك الحقبة من الزمن الفلسطيني؟.
سؤال مشروع وضروري في سبيل معرفة سر وفاة طلعت يعقوب.
لذا ونحن على أعتاب الذكرى ال 26 لاغتيال رفيقنا الانموذج أطرح هذه القضية على كل من يهمهم الأمر :
اعيدوا فتح ملف وفاة طلعت يعقوب.
* الصورة للرفيق طلعت يعقوب في قاعدة فدائية للجبهة قرب صيدا جنوب لبنان سنة 1981