في الشكوى للمُشتكى منه! – عبد اللطيف مهنا
في الآونه الأخيرة، تزايدت شكوى سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال وعلت نبرتها، وفي هذه المرة من طرفين معاً. من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحكومة رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، أو بالأحرى من مواقف الإثنين، ترامب ونتنياهو، منها…مشكلة السلطة، وبالتالي السر في هذه الشكوى، أن المشتكية لا ترى أن مشكلتها الأساس وأم كل شكاواها، بل والسبب في كل ابتلاءات واقع الحال الفلسطينية، هي في اتفاقية أوسلو الكارثية، التي هي أصلاً، أي السلطة، ً من نتاجها وافرازاتها!
وإذ نستطرد، فهي لا ترى أن مشكلتها مع السياسات الأميركية وليس مع الإدارات الأميركية المتعاقبة على اختلافها، باعتبار أن وشائج العلاقة بين واشنطن وثكنتها المتقدمة في قلب الوطن العربي هي أصلاً عضوية وتخادمية، وبالتالي لا يمكن إلا أن تكون كما هي عليه دائماً، انحيازاً، ورعايةً، واسناداً، لعدوانيتها، كما ولن تكون إلا كذلك مستقبلاً.
وكذا الأمر، بالنسبة لشكاواها الدائمة من السياسات الاحتلالية، والتي تتحدث بما يشير إلى كون مشكلتها هي في غطرسة نتنياهو وعدوانية حكومته الرازحة تحت نير مزيج مكوناتها اليمينية المتطرِّفة، وليس مع السياسات المعبرة عن ثوابت الاستراتيجية الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية التهويدية، والتي لا من حاجة للقول بأنها لم ولن تتغيَّر او تتبدَّل ما دام هذا الكيان الغازي المغتصب قائماً…المشكلة هنا، ومع الطرفين، هي اوسلوية بامتياز، أي محكومة سلفاً بالحول الانهزامي في الرؤية لطبيعة الصراع، وبالتالي ما تحصده هو حتام المنسجم مع مقدماته ولا يخرج عنها، بحيث لا تقوى بالضرورة حتى على تشخيصه، وعليه، لا من مندوحة في أن تذهب في شكاواها مثل هذا المذهب.
في البدء راهنت هذه السلطة على غيث “صفقة القرن” الترامبوية، التي حملتها رياح وعود صاحبها ابان حملته الانتخابية الرئاسية، وعلى مشجب برقها الخلبي علَّقت وهم “حل الدولتين” الموعود، لكنما مواسم ترامب اللاحقة عملت عملها المؤدي إلى تبخُّر مثل هذا الوهم، فبات من ثم مصدر شكوى المشتكية منصبٌّ على ما تسميه غموضاً، ولو ارادت الدقة لقالت تنصلاً، ترامبوياً مما اوحت به بداياته، إذ يصب حصاد راهنه في بيدر نتنياهو وبما يتفق مع سياساته.
من ما تقدَّم، على سبيل المثال، ما نقلته صحيفة “هآرتس” عن رئيس السلطة، ومنه قوله: ” لقد التقيت بمبعوثين لترامب أكثر من عشرين مرة منذ ولايته كرئيس للولايات المتحدة، وفي كل مرة أكدوا لي مراراً وتكراراً مدى اعتقادهم والتزامهم بحل الدولتين ووقف البناء في المستوطنات، وناشدتهم أن يقولوا نفس الشيء لنتنياهو لكنهم امتنعوا، وقالوا سنرى ولم يعودوا إليَّ”…هذا بالنسبة للأميركان، الذين لا يبدوا أنه قد يشفع لديهم كون ” قوات الأمن الفلسطينية تطلع إدارة ترامب على كافة الخطوات التي تتخذها في الحرب ضد الإرهاب”، كما قال، والمقصود ب”الإرهاب” هنا بالطبع هو المقاومة الفلسطينية، فماذا عن المحتلين؟
قال إن السلطة “قد اقتربت مؤخراً” من الكيان، وهي “مستعدة لاستئناف نوع من التعاون الأمني، بيد أن (إسرائيل) لم تستجب لهذا العرض”، ومع ذلك فقد أصدر تعليماته لأجهزة السلطة الأمنية “بزيادة الرقابة على الأفراد الذين قد يكونوا مسؤولين عن شن هجمات في المسجد الأقصى”…مكتب نتنياهو لم يني وسارع للنفي قائلاً: إن ما دعاها “ادعاءات عباس حول التنسيق الأمني كانت كاذبة”، لكنه في نفيه لم يوضح هل يقصد مسألة اعلانه وقف التنسيق الأمني مع المحتلين إثر مواجهات الحرم القدسي الأخيرة، وهذا ما كررت مصادرهم نفيه في حينه وظلت تنفيه، أم مسألة حديثه عن “التقارب الأمني” الذي قوبل بصدودهم كما نقلت عنه “هآرتس”.
بيد أن الشكوى تبلغ مداها فتعيدنا لذات الرؤية للصراع التي اشرنا إليها بدايةً، أو تلك التي تعتبر المشكلة مع نتنياهو وليس مع مبدأ الاحتلال، وفي مسالمته لا مقاومته…ذلك حين نسمع قولاً من مثل: إن “المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية) تقول دائماً أنني شريك، هذا يتناقض مع ما يقوله رئيس الوزراء (الإسرائيلي)، إننا نعمل بشكل أفضل مع المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية) أكثر من رئيس الوزراء (الإسرائيلي)”!!!
…وفي لقاء لرئيس السلطة مع وفد لحزب “ميرتس” الصهيوني برئاسة زعيمته زهافا غالؤون، نقلت ذات الصحيفة أن الأخيرة قد خاطبته قائلةً: إن “اختيار معاقبة سكان قطاع غزة بقطع الكهرباء ليس خطوة صحيحة وغير شرعية في هذا الوقت، ويجب إيجاد طريقة أخرى لحرمان حماس من قوتها دون المساس بالمدنيين”. فكان رده على ما قالته هو التوعُّد بالمضي قدماً في المزيد من مثل هذه الإجراءات العقابية طالما لم تستجب حماس لما يطلبه منها…
… وليس هذا فحسب، فهو إذ يرى أن إعادة ملايين الفلسطينيين لديارهم بات أمراً “مضحكاً”، يؤكد لوفد “ميرتس” بأنه “لن يعود أي لاجئ إلى داخل إسرائيل دون موافقة (الإسرائيليين)”، بل و”يريد من جانب آخر أن يكون السكان العرب في (إسرائيل) جزءاً من المجتمع (الإسرائيلي) وأن يشاركوا الأمة”…من هم السكان؟ ومن هي الأمة؟
وفق منطق المتحاورين، السكان هم فلسطينيو المحتل من فلسطين العام 1948، أما الأمة فهي “اليهودية” !!!