في انتظار كوشنر! – عبد اللطيف مهنا
حين يحلَّ المفترض أنه الحامل لبشارة “صفقة القرن” جارد كوشنر في المنطقة، سيجد في انتظاره حالتين تبدوان وكأنما لا من علاقة بينهما. حالة احتلالية مستشرسة وتهويدية تصعيدية محمومة، والأخرى اوسلوية فلسطينية تبدو إزاء الأولى وكأنما هي في عالم آخر…قرارات تهويدية متسارعة، وانتقام تصاعدي الحقد من المقدسيين عقاباً لهم وثأراً منهم جراء منجزات انتفاضة الأقصى النضالية وتطويقاً لتداعياتها المقلقة للمحتلين.
التهويد، توسعةً للمستعمرات القائمة وإقامة مستجدها، بات خبراليوم. أما المقدسيون، الذين قدَّموا في هبَّة أقصاهم الأخيرة أربعة شهداء وعشرات الجرحى و450 معتقلاً، وما فاقهم ممن يستدعون للتحقيق ويخضعون للتنكيل بهم، ومنهم طفلاً لم يتجاوز السابعة متهم بشتمه لمُستعْمِرة، والقبض على الجرحى في المستشفيات، فهم عرضة لقرارات الابعاد عن الحرم أو كامل البلدة القديمة، وهدم المنازل، والاستيلاء على العقارات، وتجريف المنشآت، ومصادرة أموال الشهداء، ودون أن ننسى همجية اطلاق الرصاص المطاطي عمداً على عيون الفتية المتظاهرين إبان الهبَّة…أضف لكله، تصعيد لافت في اقتحامات قطعان المستعمرين لساحات الحرم القدسي وانتهاك حرمتها، إذ بتفاخر احصت ما تدعى “جمعية الهيكل” عدد متطوعي هذه الاقتحامات فيما مضى من هذا الشهر وحده بأربعة آلاف، ومنذ بداية هذا العام بعشرين ألفاً.
ثم أمر آخر يخص اتفاقية أوسلو والسلطة التي هي من افرازاتها، وهو التوسعة اللافتة لنشاطات “مكتب الإدارة المدنية” الاحتلالية، والذي اعتبرته حكومة الحمد الله تجاوز لها وتقويض لعملها، وهو وإن لم يكن بالجديد، إذ لطالما كنا نقول أن الجنرال يوآف مردخاي هو الحاكم الفعلي لعموم الضفة وسائر تقسيماتها الأوسلوية، أ، ب، ج، لكن مستجده التصعيدي دفعها لاعتباره “إلغاءً لأوسلو”. وكأنما المحتلون قد أبقوا منها غير ما هو في خدمتهم! وزادت فعبَّرت عن خشيتها مما تراه “سحب البساط من تحت أقدام السلطة وتهيئة البديل في حال سقوطها أو حلها”.
هذا في الضفة التي باتت المداهمات والاعتقالات روتيناً يومياً في سائر نواحيها، فما بالك بغزة ومعتقلها الكبير المحاصر وحالة ناسه التي باتت فوق ما تحتمله طاقة البشر، وفلسطينيو المحتل إثر النكبة الأولى وما يعانونه، لاسيما بعد أن توصَّلت ذئبة الحقد المتطرِّف وزير الثقافة ميريت ريغف مع مستشار حكومتها القضائي افيحاي مندليلت على “تفاهمات” لتوسيع نطاق انظمة ما يعرف ب”قانون النكبة”، الذي أقرته حكومة الاحتلال عام 2011، سعياً لمحاصرة وتجريم نشاطات الفلسطينيين لإحياء ذكرى نكبتهم، وأخيراً حظر دخول مواطني أم الفحم الحرم القدسي واعتقال الشيخ رائد صلاح بتهمة التحريض.
قبل قدوم كوشنر وتحضيراً لمقدمة، أقر الكونغرس الأميركي ما يعرف بقانون “تايلور فورس” نسبةً لمستعمر صهيوني يحمل الجنسية الأميركية قتل في منطقة بيت لحم، ويقضي بحسم ما يعادل ما تقدِّمه مؤسسة رعاية شؤون أسر الشهداء والأسرى والجرحى الفلسطينيين من المعونة المالية التي تقدِّمها الولايات المتحدة للسلطة. وقبله أيضاً كان لافتاً تنبؤه سلفاً بحصيلة مهمته في لقاء مغلق تم تسريبه مع متدربين في الكونغرس حين قال، إن “هناك احتمالاً ألا تسفر جهود إدارة الرئيس ترامب في تحقيق أي نتيجه، وإن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد يبقى بدون حل”، وإنه يعتبر “نصب البوّاَبات الإلكترونية كان إجراءً أمنياً مبرراً” من قبل المحتلين.
وقد نمضي في تعداد مزايا صهر ترامب وفريقه الحامل لبشارتة، فنلحظ كون اختياره قد تم بعناية متصهينة واضحة، أو كأنما هي تمت وفق اختيار حاخامات “كريات اربع”، إذ أنه هو والمبعوث غرينبلت والسفير الأميركي في تل أبيب فريدمان، أو الثلاثي الذي عهد إليه ترامب أمر صفقته الموعودة، إلى جانب صهيونيتهم وانحيازهم للكيان الغاصب لفلسطين أيدولوجياً، ينحدرون من أوساط ذات اتجاهات يهودية ارثوذكسية متشددة وملتزمة بدعم المستعمرات وتشجيع التهويد في فلسطين المحتلة… بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، وفي معرض تعريفها بصهره وأبرز رجالات إدارته، اشارت صحيفة “هآرتس” إلى أن عائلة كوشنر “قد تبرَّعت على مدى سنين بمئات آلاف الدولارات لمؤسسات داخل المستوطنات اليهودية في الضفة، وضمنها مدرسة دينية يديرها الحاخام إسحاق شابير، الذي أصدر مصنَّفاً فقهياً بعنوان “شريعة الملك” أوجب فيه قتل الأطفال الرضَّع من العرب لتجنب خطرهم مستقبلاً”!
في ندوة عقدها مؤخراً “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط” في العاصمة الأميركية، أجمل ايتمار رابينوفيتش سفير الكيان المحتل في واشنطن سابقاً حدود وسقف التحرك الأميركي على الوجه التالي:
“إن التوصُّل لحل مؤقت ممكن، إذا أدرك الفلسطينيون أن الوضع الراهن ليس وضعاً قائماً، بل تحوَّل نحو ضم أراض إلى إسرائيل، ومن شأن الموافقة على حل مؤقَّت أن توقف هذا التحوُّل، ولو أنه لن يمنحهم دولة، وإذا كان نتنياهو والفلسطينيون على استعداد للتوصل إلى حل مؤقَّت، فبإمكان الولايات المتحدة أن تلعب دوراً وسيطاُ”!!!
يأتي كوشنر ليضغط على الفلسطينيين مستعيناً عليهم بأشقائهم العرب… وبالمقابل تنشغل تنفيذية المنظمة، التي استلت من غمد النسيان، لتدعو بقايا مجلسها الوطني ،الذي أكل عليه الزمان وشرب، للانعقاد للامعان في معاقبة غزة المحاصرة…ويؤكِّد عريقات: “إن الجانب الفلسطيني يواصل العمل مع إدارة الرئيس ترامب، وذلك لتحقيق خيار حل الدولتين على حدود 1967”!!!