في برلين على شارع العرب وفلسطين – نضال حمد
على شارع “زونين أليه” أو كما يطلق عليه شارع العرب، تشرق شمس فلسطين، فنراها ونرى معها الأعلام الفلسطينية ترفرف على شرفة مقاهي ومنازل برلينية، ونشاهد مجموعة أعلام أخرى تلوح من بعيد في مقهى السلام ومقهى آخر مجاور هو مقهى انفينيتي لصاحبيهما الفلسطينيين من مخيمات لبنان.. نجد فلسطين حاضرة في المقهيين العامرين في كل الأوقات تقريباً، المليئين بالزبائن وعشاق الأركيلة أو الشيشة.. السلام وانفينيتي ملاصقين لبعضهما وهما دائماً عامرين بالزبائن والمُشَيّشين. هناك نرى حنظلة وخارطة فلسطين وأشياء فلسطينية عديدة.. بالقرب منهما محلات تبيع التحف والأشياء الفلسطينية من العلم الى الكوفية الى الطعام واللباس والخ.. هناك نجد أن حنظلة لازال واقفاً بانتظار العودة الى الوطن. وبالقرب منه هناك لوحة للبلاد وصورة لشهيد ولقطة معبرة من مخيمات تنتظر العودة فقد ملت الانتظار في الشتات.. مخيمات ناسها يتمشون ويكزدرون على الرصيف البرليني في مخيم “نيكولن” الألماني، هذا إن صح التعبير النضالي – من نضال حمد- . وألمانيا مثل بريطانيا سبب رئيسي في نكبة شعبنا وضيياع فلسطيننا وتثبيت الاحتلال “الاسرائيلي” في ديارنا.. كانت ألمانيا ولازالت مع العدو والاحتلال الارهابيين، ظالمين أم مظلومين. ولن تتغير سياستها حتى نزيلهما من أرضنا.
في مطعم عزام لصاحبه الصديق الحاج منصور عزام ابن بلدة حطين في فسلطين المحتلة وابن مخيم عين الحلوة في الشتات العربي، تجد نفسك وكأنك في مطعم ومقهى الشهيد أبو جميل – جمال زيدان، الذي سماه “المطعم الوطني” وكان يملك خِتماً يحمل إسم المطعم. رحل جمال ولحق به صديقنا، ابنه جميل، ثم لحقت بهما خالتنا أم جميل، ليتركوا خلفهم مخيماً حاولت البشاعة المنفلتة أن تقتل فيه كل شيء جميل.
في مطعم الحاج منصور عزام ببرلين يتهيأ للانسان كأنه في مطعم بسوق مخيم عين الحلوة، فرائحة الفلافل والحمص والشاورما تصل إلى الأنف أسرع من سيارات مارسيديس الألمانية التي تجوب الشارع طيلة الوقت. فيما أصوات العمال في المطعم تعيدنا الى المخيمات ولهجات سكانه، فكل عُمال مطعم منصور عزام من مخيمات لبنان وبعضهم من مخيمات سوريا… من الحطيني الى الصفوري والصفصافي والطيراوي والخ.
في أسواق الشام للصفصافي الزغموتي حسان، نجد أنفسنا وكأننا في دكان محيي الدين طه شريدي – أبو نزار- قريب وصديق والدي أبو جمال حمد رحمهما الله. محل ابو نزار شريدي كان مجاوراً لمحل عم حسان، المكوجي، الشيخ حسين وهو أيضاً صديق لوالدي.. المحل كان أيضا بقرب زاروب دخلة بيت عائلته. في برلين بأسواق الشام سوريين وفلسطينيين وعرب ومسلمين وأجانب مهاجرين وألمان، فلا صقور حرب ولا حمامات سلام. هنا في برلين يحيا المخيم وتحيا فلسطين في منفى بعيد، أولاده يصحون وينامون على حلم العودة.
في زيارتي قبل أيام لشارع العرب تذكرت وافتقدت صديقي الراحل “لطفي طه” بالذات لحظة مررت بالقرب من مقهى أبو اسكندر ولم أجد لطفي ولا دراجته (محمولته المزودة باعلام فلسطين واعلام فصائل الكفاح) وأعلام بعض الدول الأخرى.. افتقدته للطفي، لكنني مع الأصدقاء هناك وجدت نفسي في مخيمٍ كبيرٍ ومديد أعادني الى عين الحلوة واليرموك وبرج البراجنة وبرج الشمالي وصبرا وشاتيلا والرشيدية ومار الياس وضبية والمية ومية والجليل والبص والمعشوق والشبريحا والبارد والبداوي… في المخيم البرليني تذكرنا مخيماتنا الشهيدة مع ابناء مخيم النبطية وتل الزعتروجسر الباشا…
هناك على رصيف الشارع ومع الشيشة والقهوة والشاي شدني الحنين إلى الحنين، الى أيام المدرسة الابتدائية وصف الأستاذ المرحوم أبو ياسين. وتذكرته أكثر وأكثر في ضاحية “فيدينغ” حيث كنت في ضيافة رفيق الصف الأول ابتدائي والمدرسة الابتداية والمتوسطة، المدرسة الأولى، أخي خالد النصر، خالد الجميل، فهو نصرٌ من ولصفورية ورجلٌ شهمٌ من برلين وفلسطين.
على شارع “زونين أليه” في مقر هيئة إغاثة اللاجئين خلف مسمكة المحيط لمنصور عزام وأولاده، برفقة العم محمود المقدح رفيق السلاح والجراح.. في ضيافة الأخ منصور وبحضور الصديق غسان بدران ابن مخيم الجليل قرب بعلبك ومع صحن حمص فلسطيني النكهة والطعم ومع حساء سمك السلمون النرويجي قضيت وقتاً جميلاً.
ثم توجهت بعد ذلك من جديد الى ضاحية “فيدينغ” التي تشبه نوعا ما شارع العرب البرليني لألتقي ببرهان ياسين، فتى المخيم النشيط. من هناك الى سوق الحميدية البرليني حيث أبو حسن خير وحيث التراث الشرقي وذكريات مخيم نهر البارد، ومع محمود نجل رفيقي الاستاذ الراحل حميد عبد العال، والد أخي اياد، رفيق التجربة والزمن الجميل مع الرفاق الجميلين. عند خير مع محمود والبطيخ والأستاذ أبو سامر ثم إلى مقهى الباردوني الفلسطيني غير بعيد عن محل خير.
من النادر أن أزور برلين ولا ألتقي بأبي أمين (عبد خطار) سفير البداوي في عاصمة الرايخ. لكن في هذه السفرة لم أتمكن من لقاء كثيرين، أحبة ورفاق وأصدقاء ومنهم ابن عمتي وصديقي أبو شادي أيوب.. وصديقي عفيف العلي ورفيقي الأستاذ أبو نزار شناعة… لم يكن وباء كورونا فقط هو السبب بل ضيق الوقت وعدم التواصل مبكراً وتعقيدات السفر بالسيارة مسافات طويلة يعبر خلالها الانسان بلدانا ومدنا وبلدات عديدة، ربما في غالبيتها يقطن أصدقاء أو أقارب أو معارف.
على فكرة لاحظت خلال تلك الزيارة وكأن وباء كورونا لم يصل بعد الى مسامع عرب برلين فهم يحيون ويواصلون يومياتهم وحياتهم مثل زمن ما قبل الجائحة والوباء.
وداعا برلين والى لقاء جديد.
وداعا برلين والى لقاء جديد.
نضال حمد 21-06-2020