في ذكرى أحمد حسين – عادل سماره

“لن يفهمه أعاجم النفط الأذلاء ومن تذلّلَ لهم“

كان الصباح كئيبا بشعاً بشاعة لا تليق بالصباح ابداً فقلما هو هكذا، أتاني صوت الرفيق رجا إغبارية:
” مات أحمد لحسين وظليت لحالك“.
حقاً، ارتحل المثقف المشتبك حقا ودوماً .
قد يصح قول رجا، ففي زمن وضيع جمهوره كالذي نعيشه حين يكون “البطل”نفطياً” يقدم فلسطين للغاصب الصهيوني على فراش من شوك أتذكر ما قلته لنفسي ذات يوم:” أنا بين الجميع ووحدي” . ولكن: لا، غيري وأنا سنخلق الآلاف الذين سيقتُلون ولا يُقتلون.
لذا، قال أحمد حسين على ضريح أخيه راشد حسين لحظة دفنه في قريتهما “مُصمُص“
وفَّيْت عهدك والعُهود وفاءُ… إنا على درب النضال سواءُ
نم في ثراك فلست أول فارسٍ… قتلته اعين أرضه النجلاءُ
هو أحمد حسين الذي وفَّى الوعد والعهد ليقول في تحديه لكل سقوط وكل منهزم وقد استبد به القهر:” …ولكن هيهات…فكم من فارس تبقى على ساحة الإلتزام“!
لقد رأى بوضوح وبصيرة، ولذا، نقدهم جميعا، بل للحق إحتقرهم/ن جميعاً، فدفنوه حياً، وكنا نقاتل كي نرفع عنه أطنان التراب ونحولها شعراً وورداً.
هو أحمد حسين الذي كشف هشاشة وخطورة الخطاب الهجري، بتأكيد اسبقية العرب، وهو الذي تصدى للشيوعية التحريفية بإصراره أن فلسطين عربية فقط فكان مع رعيل صالح برانسي ومنصور كردوش في أول حركة قومية بعد اغتصاب 1948 هي حركة الأرض ثم الجبهة الشعبية.وهو الذي، اعتبر أن م.ت.ف غدت جثة يُخرجونها ويبولون عليها كي تبصم على تنازلاتهم ثم يعيدونها إلى الجدث، وها هي اليوم هكذا حتى بن زايد يفعل بها! يا للهولْ.
أحمد حسين، ابو شادي هو الذي جادل مختلف هياكل التطبيع بشرف وشهامة فهو لم يُنكر ولكن لم ينحني لطاقاتهم وخاصة عميد التطبيع إميل حبيبي الذي كافئه الكيان بإصدار طابع بريد باسمه وصورته، وتلميذ إميل حبيبي أي محمود درويش الذي كتب ناعيا إياه “يا معلمي”! وهو الذي وضع عزمي بشاره في موقعه التطبيعي الخطير واندهش بوصفي إياه “فتى الموساد” .
كنت قد قرأت عمله القصصي الوحيد والمبكر “الوجه والعجيزة” عن فشل الحب بين شاب عربي وفتاة يهودية وكلاهما من القاع الطبقي وناقشنا ذلك عديد المرات بأن اليهودي المغلق المنغلق على خصوصيته المتوهمة المتضخمة لن يغادر تعاليه الزائف. وهذا ما لم يفهمه بعد كثيرون ويتكاثروا داعين بل ناعبين وناعين لدولة مع الكيان بل مع المستوطنين وتحتضنهم أحضان/خِلجان تآكلت بالنحت.
لا زلت اذكر حين سألته عن فتى الموشاف الذي عاش في موشاف مع فتاة يهودية فكتب اب شادي:”… ليس لدي علم بشيء سوى انني اشتبهت اشتباها بأنه مفتوح على كل انواع العلاقات، وقد أدى هذا إلى توقف علاقتنا”.(انظر عادل سماره، قراءة مختلفة لاستحقاق أيلول، “كنعان”، العدد 147 خريف 2011 ص ص 58-85، والإلكترونية الأعداد 2716،2718، 2720، 2723و2724) . لا يعرف أحمد حسين أن فتى الموشاف كما فتى الموساد يجوبون الوطن العربي اليوم ويحلُّون ضيوفا كباراً!!!
أحمد حسين لو اختلفتَ معه في وجود الله لا تختلف معه في نقده المالح وشعوره بالقرف حد الاختناق من معظم القيادات.كان مختلفا عن الأكثرية، لم يشك ابداً في مشروع عبد الناصر وبقي على وفائه لصدام حسين رغم كل ما وقع فيه بسطاء الوعي شرفاء الموقف وارتحل يوم 28 آب 2017 وهو يبكي دمشق. لم يكن كالصغار الذين يعبدون شخصا ويرونه الله. كان عروبيا ولكل شرفاء العرب.
في الحوار والاشتباك والخناق مع أحمد حسين كنت أحبه حربا واشتباكاً، وحين أتوفر على بعض النقود اتصل به فيقول: “يعني بدك تقول لي إنك بتحبني” فأنهال عليه بما يجب!!
في الحوار معه اكتشفت أن قوتي ليست من أدراكي لهشاشة الاحتلال بل هشاشة القيادات جميعاً التي تصب زيتها في سراج الاحتلال وها هو زيت الكاز يحرقنا ولم تُغلق تشققات كعاب العملاء هناك بعد؛ وقد أفرغوا ذاك الزيت في جوف كل شريف هناك وأشبعوا بطن كل جائع وضيع من المحيط إلى الخليج وابعد.
في حبه حيفا أوصلني ليقين أن زوج نوح لو وقفت على الكرمل لصد البحر وطوفانه.

في تأبينه قلت:

لا كنتُ إن كان الكلام الأخير
كلمة عادل سمارة يوم 14 أكتوبر 2017 إلى لجنة تأبين المفكر العروبي الكبير أحمد حسين
(نُشرت في “كنعان” الإلكترونية، السنة السابعة عشر،  بتاريخ 15 تشرين الأول (اكتوبر) 2017)

وكان أن عاند جلجامش الردى لأيام ثلاثة ليقول آخر الكلام لإنكيدو، أمَّا لكَ أبا شادي فلن نقلهُ.
وأنت لم ترحل بل ارتحلت، وأنت النبي وأنت العَليُّ وأنت النديُّ، وأنت البعيد القريبُ إليَّ، وقد جاوزوا باب عقلي وعمري الشقيُّ.
أتمثّلُ شوقي لحافظ في قولته:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي…يا منصف الموتى من الأحياءِ
في يومك هذا أقف، وليس المُقام ولا الكلام الأخير، أتسمعني،؟ ما أسعدك وأروعك به ، إنه يوم أول كميونة عروبية شيوعية في عدن (14 اكتوبر). آه ما اجمل عنف التاريخ حين حرب الغوار، وما أقسى زمان العمالة والكفر يا عدن الذبيحة، ولكن اشتدي واصمدي فأنت على حواف عهد قرمط.
أُبيدت عدن، ولم تٌمحِي، وبقيتَ أنت بسيف الوعي والقول تقاتل لو تراخى الناس عنك. فلست الرحيل بل الارتحال تمترست في منزلة وسطى بين الحياة والموت تشاهدنا ونشاهدك وتسمعنا ولا نسمعك.
سيبقى سيف وعيك مسلولا بلا غمدِ، لعينيكِ حيفا يكون الرفض بالعِندِ.
وأنت تسمعني أقول اليوم أين أنت، وقد دخلوا خدر حيفا، ليحضرني ابا فراس بقولته:
“وفي الليلة الظلماء يُفتقدً البدرُ” .
عروبي أنت في عولمة الحروب على العرب، زمن الطوابير التي باعت، في زمن البيع والتطبيع، فليس أحَدَّ من سيف قولك وسيف وعيك.
أبا شادي، ألم يَبْلغك بان النصر صار دمشقياً؟
ترى هل طاردوك إلى هناك حيث حصنك الأبديْ؟
لم تطالب بشيء ولم تأخذ شيئا وأنت الذي قدم كل شيءْ. سلام عليك وانت الشهيد الممتد عقودا ثمانٍ. لعلَه بل إنه الأشد من الشهيد المشتد في زمن مكثف، في لحظة هي الأقصر ما في الزمان.
ثمانون عاماً ولم تهتزَّ ولم ترتدَّ. ثمانون عاماً وهم يطمسون ما أتيت به، ليُظهروا أدب البكاء ، أدب النحيب، أدب النقود، أدب التخارج والتغربن، أدبَ رفع اليدين مقروناً بعُري الكلام وعري الجسد.
أتذكر يوم قلت لك الصورة التي قلت لي، ما أشقى عقلك!
إذ قلت لك: تُرعبني لحظة ما قبل النوم. قبل الغفوِ يفك العميل المطبِّعُ صفحة وجهه، ينظرها، يبصق في وجه وجهه ، على صفحة وجهه ويقول: “كم كنت اليوم دنيئاً“.
متى غادرتَ حيفا؟ بل لم تغادر، أراك تغازل عينيها تُقبِّل شفتها التي واصل الله بعد اليوم السابع إبداعها ولم ينتهي بعدُ منها، هي ثغر فلسطين على البحار العميمة والعميقة.
تضاحكها وتهزأ وإياها بغُثاء بيروت الذي يشوه أرض المقاومة، باسم المقاومة، يستجلب التطبيع استجلابا أشد فحشا من الاستيطان.
أصغِ إلي، هي تعتاش على نسغ شعرك، رفضك، الذي لم يباريه مداد البحر ولا مطر السماء. فلا تقلق. تُعلق في جيدها الكرملي المديد وصاياك التي لا تُعدُّ بأن الأرض لكنعان، تقرأ كل صباح ترانيم قولك عن الهجريين والمتعاقدين، وتقول لبيك، أنا هنا بانتظارك بعد الإرتحال. فمن غيرك ظلَّ حيفاويا، وعروبيا حتى ارتحل؟

■ ■ ■

أحمد حسين:

تاريخُ الميلاد والنَّشأة

الاسم الكامل:احمد حسين حاجّ محمود اغباريّة
وُلِدَ في حيفا سنة 1938 لأسرةٍ فّلاحيّةٍ حديثةِ العهد بحياةِ المدينةِ. كان الوالدُ ثانيَ خمسةِ ابناءٍ ذكورٍ لفلاح ميسورِ الحالِ من عائلةٍ فلاحيَّةٍ متوسِّطةٍ هي عائلة ً اغباريّة . دفع جدّه والده منذُ بدايةِ نُضجِه ، نحوَ التِّجارة. لذلك انتقل مع اسرتة الى حيفا بعد وفاةِ والدهِ بسنواتٍ ليواصلَ مُؤَهلّهَ المَعيشيّ هناك. وبقيتِ الاُسْرة في حيفا الى ما قبل سقوطها في ايدي الهاغاناه بِقليل . هناك قَضى طفولته المبكِّرة والصّاخبة في كنف عائلةٍ متوسْطةِ الدّخل ، بين والدةٍ أمِّيّة ووالد مثقَّف بمقاييس المرحلة، لديه مكتبةٌ عامرةٌ بالكتب الدينيّةِ وكتبِ السِّيرِ الشعبيَّةِ والتّاريخِ وبعض كتبِ طه حسين وكتابِ مصرَ البارزين. وكانت علاقتهُ بحيفا مميَّزة جدّا في الحضور وفيما بعدُ في الذاكرة.

القريه: الجذور والسَّكن

لم تنقطع علاقتُهُ بمسقطِ رأسِ الأسرةِ ابدا حيثُ كان يعيشُ الاعمامُ والاخوالُ والقراباتُ المتشعِّبة.
كانت الزياراتُ المتبادلةُ أمرا شبه يَوميّ ، وكان لا يّكاد ينقطع عن زيارةِ اقاربه في مصمص وأم الفحم واللّجّون. ولكنّ اهمّ تلك الزيارات وامتعها كانت زيارته لبساتينِ اعمامه في مرج ابن عامر .
وكان جوّ البيت فلاحيَّا بالأساس يقوم على قيم العلاقات القروية. وبعد خروجهم من حيفا امتدّت نشأته في ام الفحم ومصمص ،حيثُ منزل الاسرة القديم . امّا وسَطُ النشأةِ العائليّ العامّ فيعود الى عائلةٍ فلاحَّية كبيرة تعود جذورها الابعدُ الى منطقة الخليل.
اكمل دراستة الابتدائية في ام الفحم، والثانويّة في الناصرة.ودَرَس ثلاث سنوات جامعيّة المَّ فيها بعلم النفس واللّغة الانجليزية والفقه اليهوديّ.

العمل

عمل مدرسا في مدارسَ متعددّةٍ لمدة 29 عاما.تقاعد مبكرا من خلال صفقه على خلفيّة تأزم العلاقة مع المسؤولين في وزارة المعارف . تفرغ للعملِ الأهليِّ والوطنيِّ فأسّس جمعّية العملِ التّطوعي ّ في مصمص ، ثم متابعا ميدانيّا لعمل المؤسسات الاهليّة في البلاد من قبل مؤسسة التعاون في جنيف . طُلِبَ اليه والى بعضِ الزملاءِ داخل المؤسّسة الاستقالة من العمل لأسباب فنية ظاهريّا ، وعلى خلفيّة غير معلنة هي موقف الرّفض لسياسة المؤسّسة المؤيدّة لأوسلو .

العلاقة بحركة الأرض

لم تكن له علاقات تنظيميّة بحركة الأرض عند تاسيسها، ولكن كانت له نشاطاتٌ عمليّةٌ في اطارها من خلال بعض المشاركين في التأسيس وخاصّة شقيقه راشد حسين. كان حينها ما زال طالبا في المرحلة الثانوية ثانويّا .
وقد توثّقتْ علاقته بالنشاط البديل لمؤسسي الحركه بعد حلهّا. شارك مع منصور كردوش وصالح برانسي وزملاء اخرين في تنشيط العمل الأهليّ الوطنيّ والثقافيّ فقاموا بتأسيس جمعياتٍ أهليّةٍ منها “جمعيّة انصار السّجين”، بادر شخصيّا في ذات الاطار الى تأسيس مؤسسة الصوت ومجلّة “كنعان” والحركة القوميّه الاشتراكيّة ، وكتب دستورها المنشور في العدد الأول من مجلة كنعان التي كان أول رئيس تحرير لها إلى أن انتقلت رئاسة التحرير إلى الراحل نواف عبد حسن، ولاحقا إلى د.عادل سمارة حيث جمعتهما قِيَمٌ ورفاقية درب في مرحلة صعبة. فليس اشد صعوبة وقساوة من مواجهة مستدخلي الهزيمة وهم يتكاثرون بما هم فريق متقدم للثورة المضادة التي استهدفت الوطن العربي منذ القرن السابع عشر. وهذا يعني القتال على عدة جبهات جميعها هامة في الدفاع عن القومية العربية والوحدة والاشتراكية وجميعها مكثَّفة في الدفاع عن فلسطين. هذا ناهيك عن مواجهة ظلامية قوى الدين السياسي التي أسماها أحمد حسين “القوى الهجرية” في تاكيد منه على أن العرب والعروبة موجودة قبل الأديان وخاصة قبل قوى الدين السياسي. وفي تعبير عن قلَّة من صمدوا أمام هذا الزمن الصعب كانت عبارة أحمد حسين “فكم من فارس تبقى على ساحة الاشتباك” . لذا في الصباح الذي تلى رحيل أحمد حسين نعاه رفيق إلى عادل سمارة وقال له: “توفي أحمد حسين وبقيت وحدك”. لكن التاريخ يعلِّمنا بأن الأمة ولاّدة.
كان عضو في مركز احياء التراث الفلسطينيّ في مدينة الطيبة، الذي كان يرأسة المرحوم صالح برانسي.

الاعتقال

اعتقل مرّةً واحدةً لمدة أربعةَ عشرَ يوماُ على خلفّيةِ محاولةِ عقد اجتماعٍ قطريٍّ لمؤسّسات العمل الاهلي في الناصرة , وعدم استجابته شخصيّاُ لدعوة المثول أمام قائمقام المنطقةِ مع المبادرين الاخرين لعقد الاجتماع , للتّحادث . وكانت الحجّة الرسمية للاعتقال هي الاعتداء على جنديّ من حرس الحدود أثناء حملة تفتيشٍ في مكتبة جمعيّة ” العمل التطوعي -مصمص “. أفرج عنه بكفالة , ثم تم حفظ القضيّه بعد سنوات .

الاعمال الكتابيه

تتنوَّع كتاباته بين الأعمال المنشورة في كتب والأعمال المتناثرة في وسائلِ النشر من صحف ومجلات ومواقع إنترنت . وهذه الأخيرة ربّما توازي في الكمّ النصوص المطبوعه في كتب .

الكتب المطبوعة

زمن الخوف – مجموعة شعرّية – إصدار حركة أبناء البلد .
ترنيمة الرب المنتظر – مجموعة شعريّة – إصدار مؤسّسة الأسوار – عكا .
الوجه والعجيزة – مجموعه قصصيّة – إصدار مؤسّسة الصّوت لنشر التّراث الفلسطينيّ- الناصرة .
عنات أو الخروج من الزمن الهجريّ – رواية شعريّة – إصدار الصّوت – النّاصرة .
رسالة في الرّفض – مجموعة مقالات سياسيّة – إصدار مؤسسة سمارتك للكومبيوتر – الناصرة .
تداعيات حول ظاهرة إدوارد سعيد –مشاركة بحثيّة مطّولة في كتاب “إعداد” مع آخرين – إصدار مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية- رام الله .
بالحزن أفرح من جديد – ديوان من قصيدتين – إصدار مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية – رام الله .
قراءات في ساحة الإعدام – مجموعة شعريّة – إصدار مكتبة كلّ شيء – حيفا .
قصص للأطفال – مكتبة كلّ شيء – حيفا .

كنعان