في ذكرى انطلاقة “حماس” الثالثة والثلاثين – عـادل أبو هـاشـم
لم يكن شهر ديسمبر عام 1987 م شهراً عاديا ..
إنه الشهر الذي نهضت فيه الحركة الإسلامية من تحت ركام وأنقاض الدمار الذي خلفه الاحتلال ، لتعلن فيه عن ميلاد حركة جهادية كبيرة يلفها بركان الغضب وتحفها رعاية الرحمن ، وتسطر بدماء أبنائها أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء في زمن عز فيه الرجال .
ففي السابع من شهر كانون أول “ديسمبر” عام 1987م تحولت حادثة الدهس المتعمدة التي تعرض لها أربعة من العمال الفلسطينيين وأودت بحياتهم بواسطة شاحنة يقودها مستوطن يهودي ، إلى الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية ، في سائر أنحاء الأراضي المحتلة عام 1967م .
ومنذ ذلك التاريخ وحتى ما يزيد على ستة أعوام لاحقة ، خاض الشعب الفلسطيني المنتفض والأعزل واحدة من أشمل وأشد حروب الاستقلال الشعبية على امتداد هذا القرن ، حيث سقط آلاف الشهداء وعشرات الألوف من الجرحى وكذلك المعتقلين .
وفي نفس الوقت والظروف ولدت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ، وتوقع الكثيرون لهذه الحركة بالاندثار والاضمحلال ، واعتبروها مجرد حالة عابرة اعتلت أمواج الانتفاضة ولن تلبث أن تتلاشى تحت وطأة ضغوط الاحتلال وقلة الموارد والإمكانات والازدحام الفصائلي في الساحة الفلسطينية ، ولكن بعد ثلاث وثلاثون عاماً من قيام حماس ، بدت هذه التوقعات مجرد فقاعات في الهواء ، حيث تمكنت حماس من مواصلة النضال ضد المحتل في ظروف صعبة للغاية، وصقلت الانتفاضة الشعبية المباركة الأولى ” انتفاضة الحجارة ” ( 1987 ــ 1993 م ) ، و انتفاضة الأقصى المباركة (2000 ـــ 2005 م ) ، و الحروب و الاجتياحات المتكررة للأراضي الفلسطينية حركة حماس تجربة نضالية متميزة في سجل جهاد الشعب الفلسطيني ، وقدمت الحركة قائمة طويلة من النماذج الفذة والبطولات الأسطورية ، حتى غدت حماس وشهداؤها ورموزها وكتائبها عناوين محفورة في ذاكرة الشعب الفلسطيني .
واليوم يمضي على انطلاقتها ثلاث وثلاثون عاما وهي ما زالت تقدم وتبذل خدمة للدين والوطن .
ثلاث وثلاثون عاما أصبحت الحركة فيها شوكة في عيون الأعداء ، ورقما صعبا لا يمكن تجاوزه .
ثلاث وثلاثون عاما على انطلاقها ومازال عودها حياً .. يافعاً .. قوياً ، ترويه دماء الشهداء ويزهو في عنان السماء .
ثلاث وثلاثون عاما على هذه الحركة الفتية غيرت خلالها وجه التاريخ الفلسطيني ، ورسخت لمرحلة جديدة من مراحل الصراع العربي الصهيوني ، وأرست قواعد المشروع الإسلامي الفلسطيني .
لقد برهنت حركة ” حماس ” على قدرة متميزة بامتصاص الأزمات وآثارها بتجميع الأفراد والخلايا وإجراء عمليات التنظيم والترتيب حسب الحاجة والظروف سواء في صفوف القيادة والكوادر ، أم على مستوى القاعدة والمجموعات الصغيرة المنتشرة في المناطق الفرعية والأحياء .
وأثبتت ” كتائب الشهيد عز الدين القسام ” الجناح العسكري للحركة بعملياتها الجهادية النوعية التي اتسمت بالجرأة المتميزة والتخطيط الدقيق والسيطرة على الموقف عند التنفيذ ، أنها ــ بفضل الله ــ أقوى من كل مخططات الصهاينة الذين يسخرون كل طاقات أجهزتهم الأمنية والاستخبارية وأدمغة مفكريهم وخبرائهم العسكريين .
و من نافلة القول أنه مادامت هناك فئة نذرت نفسها للجهاد في سبيل الله فإن بركات ذلك الجهاد سوف تظهر تترا ، وهو ما شاهدناه خلال حرب ” العصف المأكول ” من الإنجازات النوعية الهامة في تطوير أسلحة القسام ضد العدو الصهيوني ، وهو ما يؤرخ لحقبة هامة جدا في جهاد شعبنا الفلسطيني .
لقد تدرجت ” حـركة حماس ” في امتلاك السلاح ، وكانت في كل مرة تسعى لاستخدام الأجدى وفق استطاعتها ، فبدأت ذلك بانتفاضة الحجارة مروراً بالكثير من الوسائل القتالية التي طورتها وامتلكتها كتائب القسام .
ولم يتوقف الابتكار القسامي عند حد معين بل كشفت عن المزيد من الأسلحة الأكثر تطوراً التي أفشلت العدوان على قطاع غزة عام 2008 ــ 2009 م ( حرب الفرقان والتي استمرت من تاريخ 27/12/2008م وحتى 18/1/2009م ) ، وأجبرت قادة العدو الصهيوني على وقف إطلاق النار من جانب واحد دون تحقيق أي من أهداف الحرب، وكان من أبرزها صواريخ ” غراد ” و قذائف ” RPG- 29 ” و Tandem ” ” وصواريخ من عيار ” 107ملم ” .
وفي حرب الأيام الثمانية ” معركة حجارة السجيل ” على قطاع غزة ( 14 / 11 ـــ 21 / 11 / 2012 م ) استخدمت كتائب القسام لأول مرة صواريخ بعيدة المدى بعضها محلي الصنع ضربت حتى 80 كلم في هرتسيليا ، ودكت لأول مرة في تاريخ الصراع مدن تل أبيب والقدس المحتلة و أسدود وأرغمت قيادة الاحتلال على رفع الراية البيضاء.
وفي حرب ” العصف المأكول ” على قطاع غزة ( 8 / 7 ـــ 26 / 8 / 2014 م ) استطاعت المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها و قواها المسلحة و بشعبها الأبي أن تصمد أمام آلة الحرب الصهيونية بكل أسلحتها البرية و الجوية و البحرية لمدة ” 51 يوماً ” ، حيث شارك في العدوان أكثر من مائة ألف جندي صهيوني ، و أوقعت المقاومة في صفوف العدو مئات القتلى و الجرحى ، و أسر العديد من جنوده .
ولأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني ــ (الأسرائيلي) تقوم المقاومة بقصف جميع المدن و البلدات الصهيونية في فلسطين المحتلة من المستوطنات القريبة من قطاع غزة إلى مدن حيفا و القدس و تل أبيب و اللـد و الرملة بئر السبع و مطار نيفاتيم العسكري و مطار اللـد الذي أغلق لأيام عديدة و مفاعل ديمونا في النقب .
وقد أرسلت كتائب القسام طائرات بدون طيار لتصوير مواقع العدو أطلقت عليها ” أبابيل1 ” ، وحلقت إحداها فوق وزارة الدفاع (الإسرائيلية).
لقد أظهرت السنوات الثلاثة والثلاثون الماضية أن حركة حماس لم تعد قوة محلية أو فصيلا فلسطينيا عاديا , فهذه الحركة التي لها رؤيتها ومشروعها السياسي الواضح صمدت أمام التحديات وتجاوزت كل محاولات التصفية والاستئصال , فصارت لاعبا أساسيا ورقما صعبا في المعادلة .
لم تقفز الحركة وجناحها العسكري إلى هذه المكانة المرموقة من فراغ أو بين ليلة وضحاها , بل يمكن القول إن هذه المكانة جاءت امتدادا طبيعيا لتاريخ طويل من العمل والمثابرة , وسجل حافل من التضحيات والشهداء والمعاناة .
لقد نجحت حركة حماس في البقاء لأنها وضعت دائماً مصلحة الشعب الفلسطيني ووحدته قبل كل شيء في مقدمة أولوياتها ، وبقيت رموز الحركة و قادتها عنواناً لمعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة ، وتعبيراً عن حقه الضائع ، وبقيت حماس ممثلة لإرادة الشعب الفلسطيني وتمرده ضد المحتل رغم ما واجهته في سبيل ذلك ، وظلت حدقات مجاهدو القسام ، وفوهات بنادق كتائب القسام مصوبة باتجاه صدر واحد هو صدر المحتل .