في ذكرى رحيل الفارس – عادل أبو هاشم
ترجل الفارس ياسر عرفات ” أبو عمار ” وهو الذي وقف شامخـًا صامدًا في وجه العدو الصهيوني وكل مؤامرات المتآمرين والعملاء .
ترجل الفارس الذي نذر حياته للكفاح والنضال من أجل أشرف قضية يمكن أن يدافع عنها إنسان بروحه وفكره ووقته .
ترجل الرمز الذي أصبح اسمه و كوفيته يرمزان إلى أشرف و أعدل قضية على وجه البسيطة .
فهما اختصار للقضية الفلسطينية ، وهما عنوان لكل الشرفاء و الأحرار في هذا العالم من أجل الحرية و العدالة و قهر الظلم و رفض الاحتلال .
ترجل فارس الفرسان بعد أن حمل الشعلة طوال أربعين عامـًا تضئ لنا الطريق طريق الخلاص .. طريق الحرية .. طريق الكرامة .. طريق العودة إلى فلسطين .
فقد كانت العودة قضية راسخة في وجدانه ..
من أجلها قاتل .. ومن أجلها أستشهد ..
من أجلها ترك كامب ديفيد الثانية ..
و من أجلها حوصر في مقر المقاطعة في رام الله يقاوم الصلف الصهيوني و الجبروت الأمريكي .
ومن أجلها أرتكب الصهاينة جريمتهم البشعة باغتياله بالسم .
ترجل القائد والمعلم والرمز الرئيس ياسر عرفات .. هذا المقاتل الصلب الذي ما فارقت البزة العسكرية جسده .. وتحمل شظف العيش وعشرات محاولات الاغتيال الصهيونية ، والتهديد اليومي بالقتل والتصفية ،وارتضى صابرًا ومصابرًا ومرابطـًا في سبيل الله والحق حصار ثلاث سنوات بين أربعة جدران مؤمنـًا بقضيته التي نذر حياته لها .
ترجل الفارس عن حياتنا بجسده الطاهر ، و لكنه بقي محفوراً في الذاكر الفلسطينية المليئة بالأمال و الآلام .
كان لا يخشى الإستشهاد في سبيل الله والوطن ، فقد كان يعلم تمامـًا أن لا خيارات أمام الشعب الفلسطيني سوى الفوز باحدى الحسنيين النصر أو الشهادة ، وأدرك تمامـًا أنه ” مشروع شهادة ” منذ صغره ، وأن درب فلسطين معبد بالدم و محفوف بالمهج والأرواح ، وعلى هذا الدرب يمضي كل يوم شهيد وتتعاظم التضحيات ، وكلما سقط شهيد حمل الراية من بعده مجاهد يمضي على درب الشهادة ، ففلسطين ملء القلوب ومحط السائرين إلى الحرية والإستقلال .
لقد أدرك ” أبو عمار ” أن فلسطين طوال عهود التاريخ يحفر أبناؤها خندق التحرير بدمائهم ، ويروون التراب ، ويسقون نبت الجهاد والفداء والنضال ، فشلال الدم الذي يتدفق على الأرض الفلسطينية المقدسة هو الدم الطهور الذي يحفر في الأعماق خندق الإنتصار الكبير .
لقد طلب ” أبو عمار ” الاستشهاد بنفسه ، وعمل له ، وسعى إليه، فمنحه الله الشهادة .
وأكرمه الله ــ سبحانه و تعالى ــ أنه دفن في الأرض التي أحبها ــ التي كان دأبه وديدنه الذود عنها ــ في عرس فلسطيني مهيب ، فأحبته هذه الأرض التي كانت في قلبه وعقله وروحه وجوارحه .
ترجل فارس الفرسان ياسر عرفات ” أبو عمار ” ليلحق بإخوانه وأبنائه ورفاق مسيرته النضالية و الجهادية شيخ الشهداء الشيخ أحمد ياسين ، وأمير الشهداء خليل الوزير ” أبو جهاد ” ، وعبد العزيز الرنتيسي ، و غسان كنفاني ، و صلاح خلف ” أبو إياد ” ، و أبو علي مصطفى ، والمهندس إسماعيل أبو شنب ، و الدكتور فتحي الشقاقي ، و أبو يوسف النجار ، والدكتور إبراهيم المقادمة ، و كمال عدوان ، والقادة سعد صايل ، صلاح شحادة ، هايل عبد الحميد ” أبو الهول ” ، الشيخ نزار ريان ، كمال ناصر ، سعيد صيام ، و ماجد أبو شرار ، و الجمالين منصور و سليم ، وغيرهم من مئات القادة و الكوادر وآلاف الشهداء من المناضلين و المجاهدين الذين زرعوا مشاعل الحرية والكرامة في ذاكرة الأمة التي لا تـنطفئ ، والذين أدركوا وهم يروون بدمائهم الطاهرة تراب فلسطين الطهور بأن المسافة الموصلة إلى النصر ما زالت بعيدة ، ولكنهم آمنوا كذلك بأن دماءهم الزكية تضيف خطوات واثقة على الدرب السائر في تجاه شرف وعزة وكرامة الأمة .
ونتساءل بمرارة :
هل يجرؤ أحد في الكيان الصهيوني على الإقدام على هذه الجريمة البشعة لولا الغطاء السياسي والاعلامي الذي اكتسبه هذا الكيان من قمة الهرم السياسي الأمريكي المتمثلة بالرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي جعل من نفسه ناطقـًا لوزارة الحرب الإسرائيلية محملا أطفال ونساء وشيوخ شعبنا مسؤولية أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية..؟!
لم تختلف نهاية ياسر عرفات ” أبو عمار ” عن بدايته إلا بمدى ما تختلف مراحل تطور مأساة الإنسان الفلسطيني ..!!
ولا تتصل نهاية ” أبو عمار ” ببدايته إلا بمدى ما تتصل حلقات هذه المراحل ..!!
من هنا لا تكون هذه النهاية قفزة أو تحولا وإنما هي تسلسل طبيعي بكل ما تحمله هذه الكلمة من مآس ..!!
لن تجدي الكلمات في رثاء فارس الفرسان ياسر عرفات ” أبو عمار ” .
فكل كتابة عنه ستكون ناقصة .. لأن قضيته لم تكتمل بعد .
ولن تجدي الحروف في التعزية .
ولن تجدي العبارات الحزينة في الإسهاب في فلسفة استشهاده .
فقد اختار فارس الفرسان بين التساقط أو السقوط شهيدًا ..
وقد اختار .. !!
عندما اختار ” أبو عمار ” طريق الجهاد والنضال فقد اختار طريق الشهادة ..!
ولأننا أمة من الشهداء ، وشعب الشهداء ، وكل فلسطيني هو مشروع شهيد ..
علينا أن ندرك أن كل الشعب الفلسطيني مطلوب للقتل عند الإسرائيليين ..!!
على الجميع أن يفهم أنه مطلوب للعدو..!!
أطفالنا .. نساءنا .. شبابنا .. شيوخنا .. قادتنا ..!!
حتى الهواء الفلسطيني مطلوب لعصابات القتلة ..!!
ولن نبكي فارس الفرسان ياسر عرفات ” أبو عمار ” ولن نبكي شهداءنا..!!
لن نبكيهم لأ نهم معنا لأنهم فينا .. وسيظلون معنا لأنهم سيظلون فينا .. !!
لذلك نحن لا نرثيهم .. ولا نبكيهم .. ولن نلبس السواد .. ولن نتقبل التعازي .. !!
عزاؤنا هو في الثأر لشهدائنا من قتلتهم .
عزاؤنا هو في مواصلة طريق النضال الجهاد الذي رسمه لنا ” أبو عمار ” وجميع شهداءنا الأبرار .
عزاؤنا في دحر العدو عن أرضنا الغاصبة .
عزاؤنا في أن لا تذهب دماء ” أبو عمار ” ودماء جميع الشهداء هدرًا .
عزاؤنا في مجابهة عدونا الأبدي والأزلي متكاتفين متحدين ، لأن أهدافنا واحدة حتى ولو اختلفت فينا السبل .
وليكن دم الشهيد فارس الفرسان ياسر عرفات ” أبو عمار ” ودماء الشهداء منارات نهتدي بها في طريقنا إلى الحرية والاستقلال .
حق فلسطين ودماء الشهداء علينا ألا نبكي فارس الفرسان ياسر عرفات ” أبو عمار ” ، وحق ” أبو عمار ” علينا أن نغبطه شرف الاستشهاد ، إنما الحقيقة القاسية والبشعة تبقى :
لقد خسر الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية هذا الرجل بإيمانه وإخلاصه وقدرته وجرأته .
لقد خسرنا القائد والمجاهد والرمز والأب والأخ والصديق ..
ولسوف نفتقده كثيرًا.. ولسوف نفتقده طويلا .