في ذكرى يوم النكبة الفلسطينية – شاكر فريد حسن
في كل عام يحيي شعبنا الفلسطيني في الداخل ومناطق الشتات القسري ذكرى يوم النكبة ، التي كرست تهجيره وطرده من أرضه ووطنه وسلبه هويته الوطنية وطرده من قراه ومدنه ، وحولته إلى شعب منكوب لاجئ ومشرد في مخيمات الجوع والبؤس والشقاء ، وفيه نتذكر بحسرة ومرارة ذكرى ضياع الوطن وما حل بنا من مأساة إنسانية .
وقد غدت مسيرة العودة ، التي تنظمها لجنة المهجرين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر إلى القرى الفلسطينية المهدمة والمهجرة تقليداً سنوياً ، وذلك تعبيراً وتجسيداً عن رفضنا لمشاريع الاقتلاع والتشريد ، وتمسكنا بحق العودة إلى هذه القرى والمدن .
وفي يوم النكبة نقف على أطلال ذاكرتنا وعلى ما تبقى من معالم أثرية وتاريخية لقرانا المهجرة: اقرت وكفر برعم واجزم وصبارين وصفورية والبروة والدامون وميعار والزيب وكويكات وعمقا والكابري والغابسية وقديتا والمنشية والصفصاف وام الزينات وجبع وبلد الشيخ والبطيمات وابو شوشه وام الشوف والسنديانة والبصة واللجون وسحماتا وكفر عنان وغيرها الكثير .
وفي هذا اليوم يعصف ويشيع الشوق والحنين في داخل كل فلسطيني إلى مدننا الفلسطينية التاريخية العريقة بيسان وقيسارية ، حيث كان لنا في بيسان ارض وبيت وحاكورة وكرم عنب ونخيل وحقول تين وزيتون وصبار . فهي ضيعة ووطن الفلسطينيين المهجرين والمشردين في المنافي والمهاجر ، التي تسكنهم في أفئدتهم ومشاعرهم وعقولهم ، ولا يسكنون فيها وإنما تزورهم كل ليلة في حلمهم ونومهم ويقظتهم .
وبيسان تلك المدينة الكنعانية الفلسطينية القديمة ، التي شدت لها فيروز بصوتها الملائكي الدافئ ، تعود نشأتها إلى أكثر من 6000 سنة قبل الميلاد وعرفت قديماً باسم بيت شان ، وتشتهر بآثارها التي تدل على مكانتها وعظمتها عبر التاريخ ، ونذكر منها : الحصن وتل المصطبة والجسر والموقع البيزنطي القديم والمعابد الكنعانية .
أما قيسارية المستلقية الغافية على امتداد الساحل الفلسطيني وشاطئ البحر الأبيض المتوسط ، فهي قلعة تاريخية عريقة ذات موقع أثري ، بناها الكنعانيون وأفرغت من سكانها في عام النكبة ، وأثارها الإسلامية العربية الباقية ما زالت شاهدة على عراقتها ومجدها وأصالتها وشموخها، ومسجدها الساحلي الجميل المبني منذ العصر الأموي حولته المؤسسة الصهيونية إلى مطعم وخمارة .
إن الوعي الجمعي بأهمية إحياء ذكرى يوم النكبة يتزايد عاماً بعد عام ، بكل ما يرمز ويحمل من أبعاد ودلالات ومعان سياسية ووطنية ، وفي مقدمتها التمسك بالعودة وبحق العودة ، وحق المقاومة الشعبية حتى ينال شعبنا استقلاله ويسترد حقوقه المغتصبة بالكامل .
أخيراً ، فإن ذكرى النكبة خالدة وباقية وراسخة في أعماق كل أبناء النكبة ، الذين يتوقون إلى فجر الحرية والعودة . وكم نحن بحاجة في هذه المرحلة التاريخية العاصفة، التي تتعمق فيها المؤامرات على قضية شعبنا ، إلى تعزيز الشعور الوطني، وتفعيل شعر العودة والوطن ،وتأصيل أدب وثقافة العودة وتعريف أجيالنا الشبابية الفلسطينية الجديدة بمعالم فلسطين وأماكنها ومواقعها الأثرية المقدسة . وألف تحية لكل المشردين في مخيمات اللجوء المتعطشين إلى العودة وملامسة تراب الوطن ، ولنردد مع شاعرنا الفلسطيني الكبير هارون هاشم رشيد ، وبصوت فيروز العذب :” سنرجع يوماً إلى حينا / ونغرق في دافئات المنى / سنرجع مهما يمر الزمان/ وتنأى المسافات بيننا “.