في مثل هذا اليوم ٥ شباط ١٩٧٨ تعرضت لمحاولة إغتيال – محمد صفا
في مثل هذا اليوم منذ ٤٢ عاما ٥ شباط ١٩٧٨ تعرضت لمحاولة إغتيال في بلدتي برج رحال بوضع ٦٠ كيلو ت.ن.ت في منزلي فقتل المجرم ونجوت أنا بإعجوبة واليكم تفاصيل انشرها للمرة الاولى:
القصة الكاملة لمحاولة اغتيالي في 5 شباط 1978:
اغتيال تجربة ثورية لإرهاب المناضلين وقوى التغيير برج رحال كانت قاعدة الانطلاق للسلطة الشعبية.
صمت والدي كان اقوى من صوت الانفحار.
سأستمر في النضال من أجل سلطة وطنية شعبية حتى الرمق الأخير.
كل المؤشرات كانت تشي بأن قوى الاقطاع وسلطتهم وأزلامهم ومكاتبهم الثانية والعاشرة واجهزتهم السرية المرئية المحلية والاقليمية لن تبقى مكتوفة الايدي ازاء نشاطنا السياسي وطروحاتنا الجذرية بالدعوة لبناء سلطة شعبية وعقد مجالس شعبية وتحريض العمال الزراعيين والطبقات الفقيرة على التحرك والتنظيم والانتفاض، والتدريب على السلاح وحراسة البلدات وتسيير دوريات واستحداث مواقع دفاعية في قرى الجنوب الأمامية والعلاقة المتينة مع المقاومة الفلسطينية تدريبا وتسليحا.
الدعوة الى بناء السلطة الشعبية لم تتحول الى اجراءات عملية لانها مرتبطة بنضج الظروف وقبول الناس والمشاركة فيها وقيادة ثورية مجربة ومواقف القوى المختلفة محليا واقليميا، ولكن مجرد الدعاية الاعلامية كانت تزعج رجالات الاقطاع وملاكي الاراضي واجهزة الدولة المنهارة والمستترة.
انهم يخافون. يرتعبون من مجرد الجهر بسلطة الشعب. أحنوا رؤوسهم للعاصفة وتظاهر العديد منهم في معظم المناطق اللبنانية بأنهم يؤيدون شعاراتنا ولكن في الخفاء كانوا يرسمون ويخططون للخلاص من هذا الوباء الثوري الذي إن استمر وتصاعد سيطيح بسلطتهم وإمتيازاتهم.
لقد تحولت برج رحال الى بؤرة ثورية وقاعدة انطلاق لتنظيم رابطة الشغيلة وللتحريض السياسي والحملات الاعلامية والنقابية ليس لبنانيا فقط بل على المستوى العربي باحتضان العديد من الثورين والمناضلين العرب الهاربين من انظمة القمع والاستبداد.
– يا محمد ريّح راسك لن تصل الى نتيجة ولن يسمحوا لكم
– يا محمد روح عابيروت وبطيخ يكسر( بعضو)
– يا محمد صار عندك ولد اهتم ببيتك وعيلتك
محاولة دفعي الى اليأس وإسداء النصائح المشفرةهو الاغتيال المعنوي تمهيدا للاغتيال الجسدي، ويبدو ان قرارا اتخذ وحان تنفيذه: اغتيال محمد صفا هو القرار والحل للخلاص من افكارهم وإزعاجهم وشعاراتهم ومجالسهم الشعبية.
” في 5 شباط 1978 وقبل الاجتياح “الاسرائيلي” في منتصف آذار 78 أو التمهيد له دوّى انفجار كبير في منزلي الساعة الواحدة والنصف ليلا، انفجار تردد صداه في مدينة صور والبلدات المجاورة ولم تسلم العديد من البيوت من تكسير زجاج نوافذها.
في ذلك اليوم زوجتي قررت ان تزور اهلها في منطقة الواسطة(مفرق الزرارية) وكان معها المولود الاول قاسم.
اما أنا فذهبت الى منزل الرفيق الراحل زهير عزالدين (ابو صخر) قضيت السهرة عنده وعدت الى المنزل الساعة التاسعة مساء.
لم ارغب النوم في غرفة الجلوس التقليدية، حيث المدفأة، وفضلت الانتقال في تلك الليلة الى غرفة النوم الخاصة.
وضعت مسدس” التوغاريف” على السرير الثاني وغفوت. ارادوها الغفوة الاخيرة .الساعة الواحدة والنصف قوة خفية رفعتني عاليا وارتطمت على السرير. لم أشعر أو أسمع دوي الانفجار: استيقظت وكأنني نائم في العراء، السماء زرقاء، الباب الحديدي فتح طوعا من قوة الانفجار، جزء من سقف غرفة النوم وجدرانها سقطت على السرير الثاني. قلت في نفسي وانا ارتدي ملابسي، احتمال هزة أرضية أو قصف “إسرائيلي”، ولم ترد ببالي مسألة الاغتيال.
خرجت من بين ركام المنزل حيث بقيت الزاوية الملاصقة لبيدر البلدة السرير الذي نمت عليه، تصدعت ولكنها لم تسقط فانقظتني.
اطلقت 3 رصاصات من حارسي”التوغاريف” وخرجت لأرى ماذا يحدث خارجا؟ لا هزة ولا قصف “اسرائيلي”. كل المنازل نائمة هادئة.
وحده المنزل المشاكس غفا فوق ركامه. أيقنت انها محاولة قتلي واغتيالي.
المرحوم والدي واخي عباس هرعا مسرعين،
صمت والدي ابو علي كان أقوى من صوت الانفجار ” 5 شباط 1978″ يوم عطلة في البلدة، العمال ، ورش الليمون، تسمروا أمام البيت المهدم :
– جرافة جاءت ليلا وهدمت المنزل
– كان يلعب بالمتفجرات والقنابل
– البعض ظن أنني اصبحت مجنونا، اذ كيف
لم أفقد صوابي واربعة غرف تساوت مع الارض؟؟؟؟
إقتربت مني سيدة فاضلة : انت نبي والله حماك لانك لم تؤذ حدا.
شباب البلدة وشيبها لم يذهبوا الى اعمالهم، فشرعوا يفتشون بين الركام غضبا عما تبقى من جسد القاتل.
يصرخ المرحوم ابو علي الشيخ هذه جلدة إذنه ويدوسها برجله…
بعد ساعة من البحث تبين ان واضع العبوة الناسفة القاتل قد قتل وصار جسده جزءا من الركام، صار غبارا وليس بقايا انسان، درس بليغ لكل قاتل ومرتزق مصيره ان يصبح رمادا.
حضرت سيارة الاسعاف، جمعت بعد جهد عفن المجرم الذي علمنا بعد انتشار خبر الانفجار انه من( آل المنور )من المخيم المجاور لبلدتنا، وسمعنا كلاما نسب الى زوجته بأن سيارة جاءت ليلا وطلبوا منه ان يشارك في تنفيذ عملية عسكرية ضد القوات “الاسرائيلية” في منطقة العرقوب واعطوه ظرفا بداخله ستون ألف ليرة لبنانية.
القاتل قيل أنه ينتمي الى منظمة الصاعقة والمخابرات السورية، والرأي العام : الفلسطينيون لان القاتل فلسطيني.
منيح يا استاذ محمد هلي تدافع عنهم جاؤوا لقتلك.
لم يتهم احد أجهزة السلطة وازلام الاقطاع ومحاسيبهم، الفلسطينيون هم السبب!!
أهداف الجريمة هي التي تحدد الجهة المنفذة وليس جنسية القاتل.
تحاليل كثيرة ومختلفة.
أولا الصدفة هي التي حالت دون قتلي، اذ ان عبوة ال ت. ن. ت والتي قدرت ب 60 كيلو زنرت بالغرفة الوسطى حيث توجد مدفأة المازوت، وزيارة زوجتي وطفلي لذويها وانتقالي الى غرفة ثانية حال دون نجاح عملية الاغتيال.
الصدفة خيبت آمالهم وعطلت صاعق إجرامهم الصدفة جميلة وتصبح ضرورة للبقاء والاستمرار والحب والنبوغ. أليس أجمل نزهة عشق كانت صدفة؟ أليس اعظم الاختراعات كان صدفة؟
الصدفة ليست دائما صدفة، بل حتمية. قيل ان المجرم ارتبك وبدلا من الضغط على الصاعق البطيء ضغط على الزر السريع للعبوة، فقتل على الفور فيكون خطأه صدفة؟
ولكن المخططين لعملية الاغتيال كانوا يهدفون الى قتله معي، لإخفاء جريمتهم وهذا ليس صدفة.
انتقالي الى غرفة ثانية لأنام هي صدفة أحبطت عملية القتل ولكنها بالنسبة لي لم تكن صدفة .
الصدفة جزء من تطور الحياة والطبيعة والمجتمع.
إنفجار 5 شباط 1978 كان زلزالا في البلدة والجنوب .إنها عملية الاغتيال السياسية الاولى في المنطقة ولبنان.
برج رحال بعد 5 شباط 1978 ليس كما قبله، فعملية الاغتيال سبقها مراقبة وتخطيط طويل وشبكة منظمة، فأحدهم مثلا جاء الى منزل اهلي بحجة خياطة قميص عند اخي محمودللمراقبة وآخرون كانوا يرصدون تنقلاتي في البلدة وخارجها.
في اليوم التالي لعملية الاغتيال الفاشلة خرجت للتنزه قليلا، البعض صافحني خجلا . انا لا ألوم أحدا واتفهم ذلك . فالرسالة واضحة: تخويف الوجود الوطني والثوري والناس وارهابهم بأن مصيرهم سيكون مثل محمد صفا. لذلك لا يمكن عزل عملية الاغتيال عن برنامجنا السياسي والشعارات التي رفعناها وحرضنا عليها في البلدة وقرى الجنوب وحمل السلاح لمواجهة الاعتداءات الاسرئيلية والانخراط في صفوف الثورة الفلسطينية ،أو تبرأة الاقطاع السياسي واجهزته المختلفة من عملية الاغتيال خاصة بعد القرار الثوري التاريخي للرابطة بتطهير الجنوب من أزلام الاقطاع وأجهزته وخلاياه النائمة التي تنعق و تستيقظ مع كل اجتياح اسرائيلي وعدوان، بل أجزم هم المخططون والمحرضون والممولون والقاتل المجرم مجرد اداة للتنفيذ وللتمويه والتضليل.
واذا كان من دور لمواطن فلسطيني او لتنظيم فلسطيني أو جهاز مخابرات عربي فانه تقاطع مصالح وتنفيذا لتوجيهات الاقطاع السياسي وازلامه وكلابه والمعادين لكل ما هو وطني وثوري وفي مقدمتهم عملاء الاحتلال “الاسرائيلي” الذين أطلوا برؤوسهم في إجتياح ٧٨ والاجتياحات “الاسرائيلية” اللاحقة.
لم تكن عملية الاغتيال تستهدف شخصا إسمه محمد صفا مهما كانت امكانياته وقدراته السياسية والتنظيمية والجماهيرية، بل هي عملية اغتيال لتجربة ثورية غير مسموح لا محليا ولا اقليميا أن ترى النور والانتشار ولو دعاويا ورأس هذه التجربة في الجنوب هو محمد صفا (سعدون حسين) والذي لم ينقذه الاسم المستعار من الاغتيال والمطاردة.
استثمار عملية الاغتيال تسارعت واصبح وجودي في البلدة والجنوب مستحيلا.
فتقدمت بطلب نقلي من مدرسة برج رحال الرسمية الى بيروت لأسباب أمنية وعندما اجتمعت مع المسؤول التربوي في الجنوب الراحل وفيق حنينة في صيدا ورغم صعوبة النقل في تلك الفترة فقد وافق حنينة فورا على نقلي الى بيروت دون تقبيل الايادي وقال لي: إختر المدرسة التي تريد.
في المرحلة الانتقالية لتحضير عملية التهجير القسري الى بيروت نظمنا إحتفالا سياسيا في النادي الحسيني تنديدا بجريمة الاغتيال وباحتضان من الرفاق التاريخيين الاوفياء في جبهة التحرير الفلسطينية الرفاق: ابو نضال (يوسف المقدح)، علي عزيز ومحمد ياسين . واكب المهرجان رتل من السيارات العسكرية للجبهة لرفع معنويات الوجود الوطني في البلدة وتوجيه رسالة قويةو حازمة مفادها بأن محمد صفا ليس وحده والمجرمين مهما كانوا ولمن انتموا سيلقون العقاب الصارم.
بذل والدي جهودا كبيرة لانجاح الاحتفال وحث العديد من ابناء البلدة على الحضور.
تحدث في الاحتفال الرفيق علي عزيز مثمنا الدور النضالي والوطني الكبير لبلدة برج رحال وللمناضل الصلب محمد صفا الذي لا تلوى إرادته عملية قتل أو اغتيال. والقى الرفيق ابو عيسى (ناصر قنديل) ممثل رابطة الشغيلة كلمة عاهد فيها على اعادة بناء المنزل بجماجم الاقطاعيين!!
والقيت كلمة اكدت فيها على استمرار النضال ضد الاقطاع والطائفية وإستغلال العمال والفلاحين والمضطهدين وبقاء صوتي عاليا أقوى الى من ال ت.ن.ت وعملية الاغتيال .
قدم المتحدثين الرفيق محمود حيدر بقوله: من يأتي بيتي قاتلا يرتد عن بيتي قتيلا.
بعد مغادرتي تنظيم رابطة الشغيلة في العام 1977 واصلت نضالي السياسي والنقابي وأصدرت نشرة الارض وشرعت العمل تحت اسم ” الشبيبة الثورية”. واستمرت العلاقات الودية مع الرفاق في الرابطة رغم الافتراق التنظيمي.
ما يحز في نفسي ليس محاولة الاغتيال فالذي يختار طريق الثورة والمقاومة والتغيير يتوقع السجن والنفي والاستشهاد والفقر والعوز. الأقسى من الاغتيال ان تترك وحيدا مشردا تواجه مصيرك لوحدك.
لم أتعرض للاغتيال لأنني من آل صفا بل بسبب إنتمائي ونضالي في صفوف رابطة الشغيلة. هذا اصبح من الماضي ويكفيني تضامن الرفاق والاصدقاء من لبنانيين وفلسطينيين وابناء بلدتي والقرى المجاورة والتفافهم ومشاركتهم في احتفال الغضب والاستنكار لجريمة الإغتيال.
لم أندم ولا أضعفتني محاولة الاغتيال بل زادتني قوة وصلابة في مواصلة النضال من أجل سلطة شعبية وطنية بديلة لسلطة النظام الطائفي المولد للأزمات والحروب .أعتز بهذه التجربة الثورية العظيمة، أنتقدها ولا أتنكر لها وأحيي كل الرفاق قيادة واعضاء ومواطنين وكل الذين ناضلنا سويا لتحقيق الحلم برنامج السلطة الشعبية في تلك المرحلة من تاريخ لبنان . لقد حاولنا وبذلنا أقصى التضحيات لبناء تجربة ثورية جديدة تعمدت بدماء القائد الشهيد ظافر الخطيب وشهداء آخرين واذا كنا قد فشلنا ففشلنا ليس إنتقاصا من أهمية هذه التجربة التاريخية فالفشل نصف انتصار. وأؤكد وأعاهد في ذكرى مرور ٤٢ عاما على محاولة الاغتيال الفاشلة لكل رفاق النضال في الماضي والحاضر والمستقبل بأن ابقى أمينا لقضية التغيير الديموقراطي الجذري للنظام الطائفي القائم ولقضية الشعب الفلسطيني ومقاومة الاحتلال “الاسرائيلي” والدفاع عن حقوق الانسان ومناهضة التعذيب والاستبداد وحرية المعتقلين في سجون العدو “الاسرائيلي” وسجون الانظمة العربية والعالمية حتى الرمق الاخير .
بعد محاولة الاغتيال سكنت في منزل اهلي ريثما تكتمل ترتيبات المغادرة القسرية الى بيروت.
بعد 5 شباط 1978 بداية مرحلة سياسية جديدة في تاريخي السياسي والنضالي والشخصي وتاريخ بلدة برج رحال والجنوب.
(من مذكرات محمد صفا)