في معنى ودلالات القرار الأمريكي لتشريع الاستيطان الصهيوني مي أحمد شهابي
في معنى ودلالات القرار الأمريكي لتشريع الاستيطان الصهيوني
مي أحمد شهابي
لا يمكننا بأي حال من الأحوال عزل قرار الأمريكي بتشريع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بمعزل عن مجموعة من الأحداث والتطورات الجارية راهناً، سواء داخل الكيان الصهيوني وما جرى ويجري في المنطقة العربية. أو فيما تواجهه إدارة ترامب، إذ بات واضحاً أن القرار الأمريكي الذي صدر فجأة ودون أي سياقات سياسية ترتبط بمجريات الحل أو الصراع العربي الصهيوني، في هذه اللحظة السياسية. والحدث الأبرز الذي يفسر اتخاذ مثل هذه الخطوة في هذه اللحظة، لا يخرج عن سياق محاولة أخيرة ويائسة لانتشال نتنياهو بعد أن باتت حظوظه بالحفاظ على موقعه كرئيس حكومة شبه معدومة لاسيما بعد فشل عدوانه الأخير على قطاع غزة والذي يصب في ذات الأهداف، لتحسين من موقعه الانتخابي على حساب الدم الفلسطيني. هذا إضافة لعوامل أخرى أهمها الفشل الذريع الذي تواجهه سياسات الإدارة الأمريكية على مختلف الصعد، دون أن نهمل إجراءات عزل ترامب الجارية. ولكن الأهم من ذلك كله هو حالة الاهتراء التي تشهدها المنطقة العربية وحالة فقدان الوزن التي تعيشها على مختلف الأوضاع السياسية على وجه الخصوص. وفي مقدمها استمرار حالة الانقسام المفجعة المستمرة في الصف الفلسطيني. والتي تترك آثاراً سلبية على نمط وأشكال حشد القوى والطاقات الفلسطينية في مواجهة السياسات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
واستكمال المشروع الصهيوني في بقية الأراضي العربية. سواء من خلال ما سمي بصفقة القرن أو الإجراءات التي عبرت عنها من خلال القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ووقف الدعم عن منظمة الأونروا والدعوة إلى تصفيتها والاعتراف بضم الكيان الصهيوني لهضبة الجولان. والذي يجري كله في ذات السياق الذي ذكر وهو فقدان حالة الوزن العربي والانقسام الفلسطيني. رغماً عن كل أشكال التصدي اليومية التي نشاهدها في كل أرجاء الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. من مسيرات العودة في غزة والمستمرة منذ عامين إلى مختلف أشكال المقاومة الشعبية التي تشهدها مدن وقرى الضفة والتي باتت حدثاً عادياً وتأخذ أشكالاً مختلفة.
وبالعودة إلى القرار الأمريكي فتكفي مراجعة الصحف الأمريكية وتصريحات عدد كبير من أعضاء الكونغرس ومرشحي القيادات الأمريكية ضدها كونها تهدد الاستقرار في الشرق الأوسط وتقوض عملية السلام على حد تعبيرهم، لمعرفة حماقة الخطوة الأمريكية وتزيد من عزلة الولايات المتحدة كونها تأتي مخالفة للسياسات الأمريكية على مدى عقدين. هذا عدا أنها لا تغير شيئاً في الواقع القانوني الدولي. إذ أن مختلف القرارات الدولية لمجلس الأمن الدولي ومختلف مؤسسات الأمم المتحدة تعتبر الاستيطان عملاً غير شرعي ويشكل عقبة في مواجهة السلام في الشرق الأوسط. وبالمثل أكد الاتحاد الأوروبي أن هذه الخطوة تشكل خروجاً على القرارات الدولية كما أكد على تمسكه بحل الدولتين.
في الوقت الذي رفض بقرار أوروبي استيراد منتجات المستوطنات وتأكيد ضرورة وسمها بكونها إنتاج المستوطنات كي لا يتم استيرادها. أما وكيل الأمم المتحدة، فقد أكد في تصريح له أن قرار الإدارة الأمريكية يدفع لإقامة دولة واحدة بطابقين يشكل الفلسطينيون الطابق الأسفل فيها، ولايحظون بالحقوق التي يحظى بها الإسرائيليون وبما يحيلها إلى دولة عنصرية على حد تعبيره. وحتى الصحافة العبرية لم تخرج عن السياق العام واعتبرتها خطوة في الفراغ. إذ أنها خطوة تهدد يهودية الدولة على حد تعبيرهم. إن كل ما سبق موضوع برسم القوى الفلسطينية والتي عليها تقديم الردود المناسبة التي تفقد هذا القرار على أرض الواقع، أولاً من خلال إنهاء الانقسام الفلسطيني فوراً، وإعادة توظيف الدعم الشعبي لتصفية كل ماتبقى من آثار اتفاق أوسلو السيء الصيت والتصدي بكل الأشكال المتوفرة لمواجهة العدو الصهيوني باعتباره الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق الفلسطينية. كما تثبت التجربة اليومية لنضالات الشعب الفلسطيني في مواجهة عدو لا يفهم ولا يردعه سوى المقاومة، والاستناد إلى جماهير الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده على قاعدة برنامج كفاحي مقاوم يرغم (الأصدقاء) والأشقاء على الكف عن سياسات التطبيع مع العدو الصهيوني والالتزام بالإقرار بحق الشعب الفلسطني بحقه بتقرير مصيره على أرضه وإحقاق حقوقه التاريخية.