قراءة في كتاب ” جيش الإنقاذ وظلم ذوي القربى” – مصطفى عبد الفتاح
الضحية لا يمكنها ان تظلم ذوي القربى
أصاب في التقييم وأخطأ في النتائج
قراءة في كتاب ” جيش الإنقاذ وظلم ذوي القربى
“
مصطفى عبد الفتاح
كانت ضحكة عريضة تعلو وجه سعيد نفاع، تعبر عن فرح وسعادة غامرة، عندما ناولني كتابه الجديد ” جيش الإنقاذ وظلم ذوي القربى!” وهو يقول: “اول نسخة من الكتاب اهديها لك، لعلها تستفزك، واظن انها ستستفز الكثيرين”، وقد كتب في الاهداء أيضا: “الأخ العزيز الكاتب مصطفى عبد الفتاح، أتمنى ان تجد فيه ما يستفزك. تحياتي.” توقيع سعيد نفاع.
قلت له وانا ابارك له إصداره الجديد: شرف كبير لي ان أكون اول من تهديه إياه، واعلمك ان كتابك هذا قد استفزني حتى قبل ان يصدر، وانا بشوق لقراءته. سألني وعلامات الاستغراب تمتزج مع ضحكته التي ما زالت تملأ جميع مساحات وجهه: كيف ذلك؟ قلت: أتذكر عندما كَتَبْتَ نقدًا لروايتي “عودة ستي مدللة” وقد ذكرتُ أنا فيها جيش الإنقاذ ومعاملته السيئة للأهالي، طبعًا على لسان إحدى شخصيَّات الرواية. قال: نعم اذكر. قلت له: وأنا أذكر مُلاحظَتك اللاذعة حين قلت: حتى انت أيضًا أخطأت بحقهم!
لم أدرِ يومها مع من صنَّفتني ولماذا؟ وللأمانة، لم افهم ما قصدته بالتَّحديد؟ ولكني عرفت أنني ارتكبت خطأ بحقهم، فلم أكن قد تعمَّقت في دراسة هذه الحقبة من تاريخ شعبنا، او ربما قلت معلومة ما كان يجب أن أقولها، استفزني الحديث، فرحت أبحث في مصادري الكثيرة في المكتبة عن الخطأ الذي ارتكبته، ولماذا قُلْتَ لي تلك الملاحظة! أردت ان أصل إلى الجواب دون أن أسألك، خاصَّة وأنني أعتبر نفسي دارسًا ومحبًا للتَّاريخ وحاصل على اللَّقب الأول فيه والحقيقة لم ينقذني أيّ مصدر، وربما لم أتعمَّق بما فيه الكفاية، او لم أفهم ما وَصَلْت اليه أنتَ من مَوقف واستنتاج مُغاير عن السَّائد، بظلم ذوي القُربى، حتى جاء كتابك الذي استفزَّني قبل صدوره لأبحث فيه عن ضالَّتي.
لا اخفي عليك، عندما انتهيت من قراءة الصفحة الأخيرة، عاد بي الزمان الى أيَّام الطفولة، حينما جلست بحضن جدّي وقد بلَّلت الدموع عَينيه وهو يحدثني عن ابنه، أي عمّي الشَّهيد محمد عبد الفتاح، المسكوت عنه حتى الآن، والذي استُشهِد في معركة الدفاع عن القرية، في نفس المكان الذي استُشهِد فيه الشَّاعر نوح إبراهيم، لقد أصيب بجرحٍ عميقٍ في تلك المَعركة، فحمَلَه جدّي على حصانه جريحًا لينقله الى صيدا في لبنان، حيث نَزَف دون مُسعِف، حتى وصل الى مدينة صيدا جسدًا بِلا روح، وعاد به جدي، جسدًا، الى ارض الوطن ليدفنه فيه، رافضًا أيَّ مُساومَة على دفنه هناك، وقد رافقني هذا المَشهد كلَّ أيام حياتي، دون ان يفارقني ولو للحظة، حفظت كلَّ حرف من رواية جدي، رغم اني لم افهم من كلماته في حينه، غير الحُزن ومرارة الفُراق، بحثت عن اسمه، وأسماء رفاقه من القرية، في جميع كتب التاريخ، بحثت عنهم في سجلات وقوائم الشُّهداء، الذين سقطوا دفاعًا عن الوطن، دون جدوى، وها هو كتابُك يوقظ بي تلك الذّكريات التي لم أفهم سِرَّ السكوت عنها، غير الخوف المكتوم الذي رافقنا الى اليوم، وقد كنت أخاف من بوح خوفهم. ورواية المُنتَصر قد طغت على رواية المنكوبين والمهزومين، هل كان هذا من ظلم ذوي القربى ايضًا، لست أدري؟
قرأت الكتاب بِعِناية، أقول لك صراحة، لقد استفزني الكتاب مرَّة أخرى، فقررت ان اكتب انطباعاتي، وملاحظاتي التي قد تُسهم ولو بشيء بسيط في البحث عن الحقيقة، واستجلاء وَعيِنا الغائب في وبين سطور تاريخ نكبتنا التي ضاعت تفاصيلها الصغيرة وتاهت تفاصيلها الكبيرة في خضم الفوضى العارمة التي اصابت شعبنا جراء نكبتنا التي اصابتنا في الصميم، فقُلِبت الموازين واختلَّت المفاهيم وضَاعت او تاهت الحقيقة التي نبحث عنها اليوم في دفاتر الماضي. لا شك أنَّ الكاتب قد بذل كل ما في وُسعه من جهد من أجل الوصول الى الحقيقة مجرَّدةً من العواطف، ومُخاطِبةً العقل والمنطق، يقول البروفسور إبراهيم طه في مقدمة الكتاب ” فالمنكوب يحتمي بالنكبة لتجعله ضحيَّة مُعقمة مُحصَّنة ضد الحساب ومُحرَّمة على العقاب. فيأتي سعيد نفاع ليجتاح تُخوم الخطاب المُتراكم برؤية نافذة ثاقبة وكتابة نقديَّة مقامها وقوامها العقل. وحين يصير النَّقد عقليًا والعقل نقديًا عندها فقط يُمكننا الخروج من دائرة الخطاب النكبوي”. ص:11 وهذا كلام صحيح وصريح وصادق في المعنى وفي التوجه، ولكن الخروج من الخطاب النكبوي بحاجة الى فترة زمنية من النَّقاهة، حتى يستعيد الانسان عافيته ووعيه، تمامًا كخروج الغريق من بحر متلاطم الامواج الى الشاطئ وقد استعاد للتو وعيه.
استمتعت بالمعلومات الدقيقة والموثَّقة التي استعان بها الكاتب في بحثه، والتي تعتمد على المصادر التاريخية الموثقة من قبل شطري الصراع، الوثائق العربية والصهيونية، كما يفعل كل باحث ليخلَص الى الحقيقة الصافية، وبعيدًا عن العواطف.
في الحقيقة، هو استفزاز لطيف، عاقل لوعينا، يخاطب فيه العقل، يدعو الى المحاسبة والمراجعة، يدعو الى فتح صفحات التاريخ من جديد للبحث عن الحقيقة التائهة، وهي دعوة مباركة وتستحق الثناء، رغم انه يتهمنا بشكل مباشر، فهو يستفز وعينا من العنوان، يطالبنا بنفض الغبار العالق عنه، فنحن ذوي القربى الظالمون، “وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند، ونظلم من!؟ اننا نظلم من جاء مدافعا عنا وعن فلسطين وعروبتها! نظلم من قاتل واستشهد في الدفاع عن الوطن.
هل هذه شيمنا، واخلاقنا، وعاداتنا، ان نظلم ونغدر بصديق، او نُدير ظهرنا لحليف؟ وسؤال اخر، يصرخ في الأعماق، هل يستطيع شعب منكوب ضائع تائه، ضاعت أوراقه وانتُهكت حُرماته، أن يَظلِم أحدًا؟ هل يستطيع أكثر من البُكاء والعويل وقد تمزَّقت أشلاؤه؟ هل يستطيع أكثر من تضميد الجراح ولملمة الاشلاء ومحاولة النهوض كالعنقاء من تحت الرماد؟ وسؤال آخر ينادي، الا يحق لمن يتألَّم ويتوجع ان يصرخ، ان يسب ويشتم حتى نفسه في ساعة الغضب تلك، في لحظة الالم الحقيقي؟
لذلك يستفزُّنا الكاتب ويستفز فينا العقل والقلب والضمير، يستصرخ فينا وعينا للبحث عن الحقيقة، التي تاهت او ضاعت بفعل النَّكبة، ويدعونا لمراجعة الذَّات والتَّاريخ ووضع الأمور في نصابها الصحيح، رغم عُمق الجرح، الذي يرفض الزَّمن ان يداويه، والكاتب في هذا محق وصائب.
اعتقد ان هناك بعض الأمور التي التبست على الكاتب، فقد خلط وبشكل واضح بين جيش الإنقاذ كأفراد او مجموعات وبين جيش الإنقاذ كتنظيم عسكري ومؤسسة عسكرية تشكلت من قبل الجامعة العربية وما ادراك ما الجامعة العربية، وهي بحاجة الى شرح مطوَّل، وهنا وقع سعيد في مصيدة التاريخ فراح يدافع عن افراد جيش الإنقاذ، الذي لا يختلف معه احد من افراد شعبنا الطيبين في صدقهم وعفويتهم في النّضال من اجل الحق العربي ومن اجل الوطن، حتى لو كان تصرّف أهوج فردي لبعضهم هنا او هناك، في حين يدور الحديث بوعي او بغير وعي، من قبل الشعب الفلسطيني حول تنظيم عسكري تابع للجامعة العربية وتحت إمرَتها، حتى لو كان أفراد هذا الجيش أكبر الوطنيين والمجاهدين والمدافعين عن فلسطين وعروبتها، لان الجامعة تابعة بشكل أو بآخر للرؤساء والملوك المعروف تاريخهم في العمالة والرجعية، وهي تابعة ومرهونة بالتالي للاستعمار البريطاني نفسه الذي أقامها من أجل إحكام السَّيطرة على العالم العربي برمَّته ومن أجل تسهيل مُهمَّته الاستعمارية في السيطرة والنفوذ، وبنظرة سريعة متفحصة للتاريخ نكتشف ان:
الملك عبد الله ومن أجل إقامة إمارته في شرق الأردن قويَّة قادرة كان يحلم بالسيطرة على فلسطين او أجزاء منها وإخضاعها لِحكمة فكان أقرب إلى العصابات الصهيونية، منهم الى الشعب الفلسطيني الذي لن يسمح له بذلك، الملك فاروق في مصر كان جُلَّ اهتمامه أنْ يمنع الملك عبد الله الأردني من السَّيطرة على فلسطين والوصول إلى الحدود المصرية وبالتالي أن يكون زعيمًا ذا سطوة وقوة وسيطرة في الشرق الأوسط، فلم يُفكر بفلسطين ولا باهلها ولا بمستقبلها.
وهناك لبنان تحت السيطرة الفرنسية ومسؤوليتها ان تمنع أي قتال على حدودها حتى لا توتِّر الأجواء مع بريطانيا الاستعمارية.
اما سوريا فكانت الدولة الوحيدة المعنية رغم ضعفها وقلَّة حيلتها، لأنها تشعر ان فلسطين هي جزء لا يتجزأ من سوريا الكبرى، والدّفاع عنها وتحريرها هو دفاع وتحرير لأرض الوطن من الاستعمار البريطاني ومن العدو الصهيوني الذي شكَّله الاستعمار ليكون خط سيطرته الأول على المنطقة.
بالإضافة الى الجهل المطبق على هذه الشعوب جراء حكم أربع مائة عام من الذل والاهانة التركية العثمانية، وتخيل بهذه الأجواء القاتمة ان تُقاتل من أجل فلسطين، وتخيل جيشًا من المُتطوّعين لا حول له، جرَّاء قيادة سياسية، مُتخاصمة مُتناحرة فيما بينها، عَميلة للاستعمار، وجاهلة في أفضل الأحوال.
هذه الصورة القاتمة لم يوضحها سعيد في حمية الدفاع عن المظلومين في جيش الإنقاذ، وسعيد كمحام نبيه، وله باع طويل في الدفاع عن الحق، وبحكم معرفتي به كانسان شديد الملاحظة، فاعتقد انه تجاهل الامر بشكل متعمد، كي لا يخدش الصُّورة التي أراد ان يرسمها حول جيش الإنقاذ، او لم يعطها حقها كي تظهر الصورة كاملة وعلى حقيقتها.
قد يكون السبب الحقيقي وراء ادعاء سعيد او طرحه هذا الموضوع بهذا الوضوح وبهذه الصراحة، من ظُلم الأقليَّات المستضعفة، هو ما يصرِّح به هو نفسه في قضية مشابهة تعني الطَّائفة المَعروفية وظُلمها من قبل ذوي القربى كما فعلوا مع جيش الإنقاذ فيقول ” ما حدا بي الى ذلك ومنذ سنين هو كتاب دراسي وجدتني أجد حاجة لوضعه في غابة التاريخ او التأرخة. أولئك القوم الذين حملوا في غالبية الادبيات الفلسطينية خاصة والعربية عامة ما لم تكن لهم طاقة موضوعية على حمله من دور ومسؤولية في وعلى بعض جوانب في النكبة”. ص: 19، وسعيد مُحق في طرحه هذا، فنحن شعبٌ، يُحب بعضُنا او كلنا، أن يذهب الى العُموميات بدل الخصوصيّات، بمعنى أن يتَّهم مَجموع او كلّ، وهو يقصد فردا، وهكذا تضيع الحقيقة، وهذا نابع عَن ضعف، وجٌبن قول الحقيقة، المباشرة والصريحة للمتهم او الظالم، وهذه مصيبة.
الكتاب بمجمله عبارة عن مرافعة محام خبير متخصص، يبحث في تفاصيل التفاصيل يحاول ان يرسم صورة حقيقية واقعية مدعَّمة بالحقائق والدلائل والقرائن كما يفعل محام بارع في قاعة المحكمة، لإقناع القضاة بصدق ادعائه، بل ويترك للقارئ المساحة الكبيرة من اجل اجهاد الفكر وايقاظ الوعي واستخلاص النتائج والعبر، ولا اخفي عليك عزيزي القارئ، لقد عشت بعض جوانب النكبة كما رسمها سعيد نفاع، بكل تفاصيلها الدقيقة قدر الإمكان او قدر ما يُتيحه لنا التَّاريخ للاطِّلاع عليه، فهي تروي احداث التاريخ بتفاصيله من اجل الوصول الى الحقيقة، من اجل ايقاظ الوعي الحقيقي الصادق، المؤلم، الصَّادِم، ولكنه يوقظ فينا الحواس ويضع النقاط على الحروف ويضعنا امام حقيقتنا دون مواربة او رتوش، وسعيد نفاع الذي يسمي نفسه “المؤرخ المقتحم” ولو بقي المحام البارع في الدفاع عن جيش الإنقاذ امام ظلم ذوي القربى، لما لمته، فهو يبدا مرافعته بجملة يكررها في جميع فصول الكتاب تقريبًا وكانه يرافع في قاعة محكمة وعلى لسانه يقول ” باي حق نحن الباقون ندب في ظهر جيش الإنقاذ وقادته هزيمتنا ويصير هؤلاء الرجال الاتون من كل الاصقاع دفاعا عنَّا سبب هزيمتنا لا بل محط لعناتنا.” ص 19.وكأنَّ سعيد يريد ان يقول لنا اننا ابخسنا جيش الإنقاذ حقة، من اجل ان نرفع من شاننا ونبني لأنفسنا اسطورة النضال من اجل البقاء ففي صفحة 18 يقول: “هذا لا يعطينا حق بناء “اسطورة بقاء” نتجمل بها ونكبر بها على بقية أبناء شعبنا”
وباعتقادي انَّ جيش الإنقاذ كان كشاشة الحاسوب التي تعطينا صورة واضحة جدًا للوضع، وتزودنا بالمعلومات الدقيقة التي نريد، ونسينا انها مأخوذة من جهاز حاسوب مركون تحت الطَّاولة التي نجلس عليها، وعندما نغضَب من صورة المعلومات وقتامتها والتي تظهر على الشاشة، نقوم بلعنها، وسبها وقد نقذف، او نحطم الشاشة المسكينة، التي لا ذنب لها غير اظهار ما ارسله لها الحاسوب القابع مستكينا تحت الطاولة، او لعنة من غذَّاه بالمعلومات، هكذا لعنَّا جيش الإنقاذ المسكين، على اعتبار انهم هم الأنظمة العربية الفاسدة.
مع كل ذلك كان لزاما على الكاتب في بداية كتابه ان يبحث عن الأسباب الحقيقية والموضوعية لهزيمة الشعب الفلسطيني ومعه محيطه العربي ودخوله نكبة عام 1948، وكيف استُغِلَّ جيش الإنقاذ ليكون ورقة التين التي يغطي بها الحكام سوءاتهم.
من هنا يمكننا ان نسجل بعض الملاحظات التي اهملت، وكان بالإمكان ان تعطي صورة حقيقية ساطعة عن الموقف الشعبي تجاه جيش الإنقاذ وتوقظ فينا الوعي للبحث عن الحقيقة وإعادة كتابة التاريخ بصدق وامانة:
1 – يجب ان لا يفوتنا ان هذا الجيش المتطوع قد تشكل عام 1947 أي انه لم يتدرب على حمل السلاح وهو جيش شعبي غير قادر على خوض معارك كبيرة والانتصار بها. بالمقابل فان العصابات الصهيونية تأسست أولها عام 1921 البلماح مثلا عام 1941 الارغون 1931 شطيرن 1930. تنظيمات مدربه متعلمة خاضت الحرب العالمية الأولى والثانية تفهم أصول ومعنى الحرب، وتعرف نقاط قوتها ونقاط ضعفها.
2 – اما بالنسبة للعدد فالأمر صادم الحديث عن 7700 جندي حسب دفاتر الجامعة العربية، 2500 منهم هم فلسطينيون اهل البلاد و5200 جندي متطوع من الأقطار العربية لا يملكون غير ارادتهم وشهامتهم وبعض الأسلحة التي لا تصلح لتحرير وطن، مقابل تنظيمات مدربة مجهزة بأفضل أنواع الأسلحة وعددهم لا يقل عن الخمسين ألف مقاتل.
3 – جيش الإنقاذ لا يحمل أيديولوجيا عميقة غير فكرة العروبة ووحدتها، وفكرة الجهاد الإسلامي، والايمان المطلق ان هذه البلاد للمسلمين دون عمق او تعمق بمفاهيم مثل هذه المصطلحات وإمكانية تطبيقها الفعلي على ارض الواقع، بينما يقف هذا الجيش امام عصابات تحمل أيديولوجيا صهيونية واضحة، وبعدًا سياسيًا وعسكريًا واضحًا وصريحًا عن الطريق والأسلوب ومراكز القوة والضعف في سبيل الوصول الى إقامة دولة يهودية على ارض فلسطين.
4-لم يكن يعرف او يع حتى ماذا يفعل بانتصاراته التي كان يحققها وبشجاعة فردية او جماعية صغيرة لذلك كانت انتصاراته مؤقته ما ان تبدأ حتى تتحول الى فشل وهزيمة او انسحاب غير مبرر.
5 – ماذا تريد من شعب يُهدَم عالمه فوق راسه تحل به نكبة وحالة ضياع شاملة وينظر الى جيش بالكاد اسمه جيش يحتل قرية ويسيطر على موقع ويبدو انه منتصر وإذا به في اليوم التالي ينسحب وكان شيئا لم يكن.
6-من اين سيعرف عامة الشعب المنكوب ان خلف هذا الجيش قيادة سياسية متواطئة مع الاستعمار وعميلة. ولا تصلح لتحرير نفسها فكيف تصلح لتحرير وطن. وبالتالي فان من يقف امامهم ويتركهم مع الله في العراء وينسحب فان من الطبيعي ان يكيلوا له التهم ويحملوه ما لا طاقة له على حمله.
من هنا نستخلص، أنَّ التقييم كان صادقًا وموضوعيًا وحقيقيًا بحيث وضع النّقاط على الحروف، فالأمر لم يكن نتيجة تقاعُس او تخاذُل او خيانة بقدر ما كانت هناك ظروف موضوعية قاهره أدَّت الى الهزيمة وفي مُقدمتها الفارق الكبير في التفكير، وفي فهم الواقع السياسي في العالم، وكيف يمكن استغلال الأوضاع المواتية ماديًا ومعنويًا من اجل تقرير مصير وشكل البلاد لاحقًا وهذا ما كان. وقد وُفِّق سعيد نفاع في نقل الصّورة بشكل جلي ورائع وواضح. ولكنَّه أخطأ في النتائج، فنحن وجيش الإنقاذ قد ظُلمنا، وكنا ضحية مؤامرة دنيئة، ولكنها لا تعفينا من قول الحقيقة، والاشارة بإصبع الاتهام الى المتهم الحقيقي.
وأخيرا حدثتني ستي مدللة وهي تستعيد ذكرياتها قالت: يوم فات جيش الانقاذ ع البلد قالوا بدنا نحميكو من اليهود فوتوا ع بيوتكم واطمئنوا، وكانوا يقاوموا وما يستسلموا وحرروا البلد وما خلوا الطير يقرب منها وفي ليلة من الليالي قمنا الصبح ما لقينا حدا من جيش الإنقاذ تركونا ورحلوا اجتهن أوامر يا ستي.
تحياتي لصديقي العزيز سعيد نفاع، على كتاب يستفز وعينا وضمائرنا، وانصح بقراءته مرتين حتى نُذَوِّت ما ذهب اليه سعيد نفاع، دون ان نجلد الذَّات.