قراءة متواضعة في مسيرة الشاعر الفدائي والشهيد القائد عبد الرحم محمود
قراءة متواضعة في مسيرة
الشاعر الفدائي والشهيد القائد عبد الرحم محمود
في ذكرى استشهاده بتاريخ 13 / 7 / 1948..!
بقلم : أكرم عبيد
لاشك أن الأدب الفلسطيني المقاوم كان وما زال له الأثر الكبير في تعريف العالم بقدرة الفلسطيني على الإبداع بعدما شكلت القضية الفلسطينية التحدي الأكبر للأمة بعد أعظم كارثة حلت بالشعب الفلسطيني لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها في العالم بعدما انتقل من الاحتلال الاستعماري البريطاني الى الاحتلال الصهيوني دون أي فرصة ليلتقط شعبنا الفلسطيني المقاوم أنفاسه ويقرر مصيره بنفسه
وقد تميزت هذه المرحلة بإبداع الأديب الفلسطيني الذي كرس إبداعه للعمل الوطني في تمجيد ثورات شعبه وانتفاضاته المتتالية في مواجهة المحتل مفتخرا بتضحياته الجسام من اجل دحر الاحتلال واستعادة كامل حقوقه الوطنية المغتصبة في فلسطين
وقد اثبتت هذه المرحلة أن الأدب المقاوم كان السمة الأساسية من سمات عصر الثورات ضد الغزاة المستعمرين في مرحلة التحرر الوطني التي أكدت على أهمية العلاقة الجدلية بين الأدب والسياسة والمقاومة المسلحة ضد الغزاة المستعمرين وخاصة أن الشعر لعب دورا تحريضيا مميزا للجماهير على الثورة في مواجهة المستعمرين ومقاومتهم بكل الأشكال والوسائل الكفاحية وفي مقدمتها الكفاح الشعبي المسلح
من أهم أدباء هذه المرحلة في فلسطين الأديب والشاعر الكبير إبراهيم طوقان وتلميذه النجيب الشاعر المقاوم الشهيد عبد الرحيم محمود وزيتونة فلسطين أبو سلمى
أما الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود فقد امتطى صهوة القلم والبندقية في آن معاً ولفت الأنظار ونال الإعجاب بين أبناء شعبه وأمته وكل أحرار العالم لما قدمه لبلاده من شعر حماسي يزخر بمعاني المقاومة البطولة والصمود مترجماً القول الادبي لفعل ميداني مقاوم ليشكل المثل والعبرة والنموذج الكفاحي المقاوم الأرقى حين قدم نفسه قرباناً على مذبح الوطن بعد أن اختار الكفاح المسلح الشكل الرئيسي لمقاومة المحتل إلى جانب أشكل النضال الأخرى وفي مقدمتها الكلمة الحرة التي قد تكون في بعض الأحيان بقوة الطلقة الشجاعة المصوبة نحو العدو الصهيوني
ولد الشهيد القائد عبد الرحيم محمود سنة 1913 لأسرة فلاحيه فلسطينية مناضلة في بلدة عنبتا قضاء طولكرم في فلسطين تعلم في مدارسها الابتدائية وانتقل إلى مدينة طولكرم لاستكمال دراسته الإعدادية ثم انتقل إلى مدينة نابلس للدراسة الثانوية بمدرسة النجاح الوطنية من عام 1928م حتى 1933م (التي أصبحت فيما بعد جامعة النجاح الوطنية ) وتتلمذ في هذه المدرسة على يد الأستاذ الشاعر إبراهيم طوقان والأستاذ د. محمد فروخ، وأنيس الخولي، وقدري طوقان
وبعد تخرجه من المدرسة التحق في مدرسة البوليس الفلسطيني لمدة عام ثم استقال من الخدمة رافضا أن يكون تحت أمرة مدير البوليس البريطاني المحتل وعاد إلى مدينة نابلس عام 1933 ليدرس اللغة العربية وآدابها في مدرسة النجاح وبقي معلما في هذه المدرسة حتى انطلاقة ثورة الشهيد القسام عام 1936
وتميز الشاعر الشهيد بنبوغه الشعري الفطري المبكر في طفولته فأحاطه والده الشيخ عبد الحليم محمود بالرعاية لأنه كان محبا للشعر ذواقا لمعانيه الخلاقة وشجعه على تنمية هذه الموهبة الفطرية التي أبدع فيها وأصبح شاعرا مقاوما من أهم شعراء فلسطين والوطن العربي الكبير
في 14 أغسطس 1935م زار قرية عنبتا الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية (الملك سعود فيما بعد)، فألقى عبد الرحيم بين يديه قصيدة وكان عمره اثنين وعشرين عامًا قال فيها:
يا ذا الأمير أمام عَيْنِـك شاعرٌ
ضُمَّت على الشَّكوى المريرة أَضْلُعُهْ
المَسجد الأقصى أَجِئْتَ تَزُورُه؟
أم جئـت من قِبَلِ الضِّبَـاع تُوَدِّعُهْ؟
وهنا يتضح بُعْدُ نظر الشاعر الشاب ورؤيته الواقعية للظروف العربية شعوبًا وحكامًا.
وبعد اسْتُشْهِاد الشيخ المجاهد عزالدين القسام يوم 20 نوفمبر 1935م أصبح الشيخ القَسَّام مثلاً أعلى للمقاومة وإرهاصًا للثورة التي بدأت بإضراب يوم 20 أبريل 1936م انضم عبد الرحيم محمود لصفوف الثورة كان له الشرف في المشاركة في صفوف كتائب الجهاد المقدس بقيادة المجاهد عبد الرحيم حاج محمد وعَبَّر عن دوره وموقعه المقاوم وعرف عن نفسه في الميدان وقال :
نحن لم نحمل المشاعل للحريق ولكن للهدى والتنوير
نحن لم نحمل السيوف للهدر بل لإحقاق ضائع مهدور
أمتي إن تجر عليك الزعامات فلا تيأسي ذريها وسيري
رتلي سورة السلام على الأرض وغني أنشودة التحرير
كما قال محرضا شعبه على الثورة ومقاومة الغزاة المحتلين
واغصب حقوقك في الحياة قط لا تستجديها
إن الألى سلبوا الحقوق لئام
هذي طريقتك في الحياة فلا تحد
قد سارها من قبلك القسام
كما قال في أروع روائعه
يا أيها الشعب العظيم أجدت للمجد الطلاب
من عاش ما بين الوحوش يكن له ظفر وناب
وكذلك قال :
أتينا الحياة فلي نصيب كما لك أنت في الدنيا نصيب
فلم تعدو وتغصبني حقوقي وتطلب أن يسالمك الغصيب.
ولما خمدت الثورة عام 1939م لم يحتمل البقاء في فلسطين بعد ملاحقته من قبل سلطات الاحتلال الإنجليزي والعصابات الصهيونية فغادر إلى دمشق ومنها إلى العراق وظل ثلاث سنوات عمل خلالها مدرسًا للغة العربية والتحق بالكلية الحربية ببغداد بين عامي 1939 و 1942 وتخرج ضابطًا برتبة الملازم أيام الملك غازي بن فيصل بن الحسين أسهم في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد البريطانيين، وكان له جولات في مجال الأدب مع شعراء العراق الأعلام كالرصافي والجواهري، أما القصائد التي أرسلها فكانت تزخر بحنينه واشتياقه للوطن، وأشهرها :
تلك أوطاني وهذا رسمها
في سويداء فؤادي محتفر
يتراءى لي على بهجتها
حيثما قلبت في الكون النظر
وتعرف أثناء وجوده في العراق على المجاهد القائد عبد القادر الحسيني والقائد الجماهيري فؤاد نصار وتأثر بفكره اليساري الاجتماعي ودعا العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين لتقدم الصفوف في الثورة ومقاومة الغزاة المحتلين البريطانيين والعصابات الصهيونية المستوردة من كل أصقاع العالم وقال :
يا أيها الشعب العظيم أجدت للمجد الطلاب
من عاش ما بين الوحوش يكن له ظفر وناب
وعندما هدأت الأوضاع في فلسطين لانشغال إنجلترا بالحرب العالمية الثانية وخمدت نيران الثورة العراقية عاد عبد الرحيم إلى فلسطين وعمل مدرساً بمدرسة النجاح الوطنية مرة ثانية في نابلس وواصل مسيرته الكفاحية ضد الزحف الصهيوني وتميزت هذه الأعوام من حياته بغزارة عطائه الشعري وكتب معظم قصائده بين الأعوام 1935 و1948 بين فلسطين والعراق والشام
وتزوج من ابنة خاله ورزق منها فيما بعد بطفلين وبنت هما الطيب وشقيقه طلال ورقية وبسبب الظروف الصعبة وتضيق الخناق عليه اضطر للخروج إلى بيروت والانضمام إلى جيش الإنقاذ وانتقل إلى سورية لتلقي المزيد من التدريبات ليعود إلى فلسطين بعد صدور قرار التقسيم عام 1947 مقاتلاً صلباً وشارك في معركة بيار عدس في فوج حطين كما شارك في معركة رأس العين وكان مقاتلاً باسلاً وجسوراً وبسبب شجاعته وانضباطه في المعارك التي خاضها في مواجهة العصابات الصهيونية وقطعان الاحتلال البريطاني تم تعينه آمراً للانضباط في مدينة طولكرم ثم نائباً لآمر فوج الناصرة وشارك في الناصرة بمعارك عدة في مواجهة الغزاة والتي توجها في بطولة قل نظيرها في معركة الشجرة بتاريخ 13تموز عام 1948 التي أصيب فيها إصابة قاتلة فاستشهد وقد شيع نفسه قبيل استشهاده في هذه المعركة المشرفة عندما قال لرفاقه المقاتلين
احملوني احملوني
واحذروا أن تتركوني
وخذوني لا تخافوا
وإذا مت ادفنوني
لقد استشهد الشاعر الشهيد دفاعاً عن الأرض والشعب والحقوق الوطنية في ريعان شبابه وأوج عطائه وتم دفن جثمانه الطاهر في مدينة الناصرة التي أحبها وأحبته
وتميز الشاعر الشهيد في الأعوام الأخيرة من حياته الكريمة بنشاطه على الصعيدين السياسي والادبي حتى استشهاده ومنذ ذلك اليوم تفرد بين أبناء شعبه من الشعراء المبدعين بلقب الشاعر الشهيد بعدما جمع بين الاثنتين وأصبحت قصائده وشعره الوطني نموذجا مميزاً يحتذي به ومدرسة تنهل منها الأجيال المتعاقبة في المدارس والمنتديات والجامعات والمجتمعات المقاومة بعدما ترجم القول إلى فعل ميداني عندما قل قي قصيدته المشهور ة بعنوان ” الشهيد “
سأَحْمِلُ رُوحِي عَلَى راحَتِي
وأُلْقِي بها في مَهاوِي الرَّدَى
فإما حياةٌ تَسُـُّر الصَّـديْقَ
وإمَّـا مَمـاتٌ يَغِيْـظُ العِدا
وكتب الشاعر عبد الرحيم محمود هذه الأبيات في قصيدته الشهيرة ” الشهيد ” وعمره أربعة وعشرون عامًا تقريبًا.. وظلت كلماته هذه عهدا ووعدًا التزم بها حتى استشهد في معركة الشجرة بتاريخ 13 / 7 / 1948
بعد عشر سنوات من استشهاده تم تشكيل لجنة أدبية لجمع كل ما كتبه وأصدرت أول ديوان مهم من قصائده في عمان عام 1958 يضم سبع وعشرون قصيدة كانت منشورة في بعض المجلات الفلسطينية واللبنانية والسورية بالإضافة لجمع بعض ما احتفظ به ومعارف الشهيد وأصدقائه وأقاربه
وقد ذكر الأستاذ أنطوان شلحت الأديب النصراوي أن الجهد الأوفى الذي تحقق في جمع أعمال الشاعر الشهيد هو الذي أنجزه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة جمعا وتحقيقا والمعنون ب ” الأعمال الكاملة – عبد الرحيم محمود ، الديوان والمقالات النقدية ” الصادر عن دار الكرمل للنشر والتوزيع 1993 الطبعة الثانية – عمان . فيما صدر من قبل ديوان للشاعر عبد الرحيم محمود بعنوان (روحي على راحتي ) ونشر فيها تسع وعشرون قصيدة .
ويعتبر ديوان ” روحي على راحتي ” الذي صدر في العام 1985 عن منشورات مركز إحياء التراث العربي في الطيبة / المثلث طبعة منقحة ومدققة امتازت بجمع كل ما نشر في الصحف والمجلات عن الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود
ويبين المناصرة أن القيمة الإبداعية لمحمود بقيت منقوصة بين الشاعرين إبراهيم طوقان وأبو سلمى حتى اكتشاف الأعمال الكاملة له في العام 1988، لافتا إلى أن الطبعة الأردنية في العام 1958اقتصرت على 428 بيتا
ويرى المناصرة أن هذا الإصدار يرفع “الظلم” الكبير الذي وقع على محمود بعد استشهاده، معتبرا أنه رغم أن (مسألة استشهاده) جعلت الجماهير تتعاطف مع شخصيته البطولية، إلا أنها، بحسب المناصرة، ظلمته شاعرا حين حصرته في قصيدة “سأحمل روحي على راحتي”، “كأنه من شعراء الواحدة”!
كما أشار أن الشاعر الشهيد يعتبر من الشعراء الكلاسيكيين الفلسطينيين إلى جانب كل من أستاذه الشاعر والأديب إبراهيم طوقان وزيتونة فلسطين الشاعر لكبير أبو سلمى
ويقدم المناصرة في هذه الأعمال 1964 بيتا وست مقالات نقدية قام بجمعها وتحقيقها في مجلد صدر عن دار جرير للنشر والتوزيع
وضم المجلد إلى جانب الأعمال الشعرية خمسة مقالات نقدية للشاعر الراحل أولها كانت بعنوان “ليس دفاعا عن إبراهيم طوقان” وهو جاء في سياق ما أسماه المناصرة “معركة أدبية بين عبد الرحيم محمود من جهة ومصطفى الدباغ وكمال ناصر من جهة أخرى حول شاعرية إبراهيم طوقان”.
وجاء المقال الثاني في نقد “المواكب” لجبران خليل جبران مبينا أنه لا يقدم جديدا، ولم يجد فيه استعراضا شائقا وإنما “باب من الفكر المسموعة كثيرا”.
وفي مقال آخر يتوقف الشاعر الراحل عند “أصناف السارقين” معاينا السرقات الأدبية، ثم يقدم في مقال آخر “الأدب المسكين” لتنتهي المقالات بـ “فصل في الشعبذة
وإضافة إلى ذلك أصدرت عدة جهات فلسطينية ديوان الشاعر بإضافات فنية أو أبيات أو قصائد كاملة حصل عليها الباحثون والدارسون من أصدقاء وأقارب الشاعر أضافت بعدا أدبيا وثقافيا ومنحت الشاعر مزيدا من الخصوصية في المقاومة التي استشعرت منذ البداية خطر المؤامرة التي تحاك ضد فلسطين
وقال الشاعر المناصرة أن لشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود لا يميل إلى الشعارات بل كان يقرن القول بالفعل وفي قراءة موضوعية لأعماله أثبتت انه يمتلك حساً وطنياً عروبياً إسلاميا جهادياً تحرريا إلى جانب وجوديته وتأمله وتأثيره بفلسفة أبي العلاء المعري الشعرية
ويوضح المناصرة أن النصوص المكتشفة لمحمود في العام 1988 أظهرت امتلاكه فخامة لغوية، ومعرفة عميقة بلغة الموروث، مؤكدا أنه مثقف عميق عارف بأسرار اللغة العربية معتبرا أن معجمه الشعري في تلك النصوص والمقالات تراثي بالكامل .
ويلفت إلى وجود ظاهرتين فنيتين مهمتين في شعر عبد الرحيم محمود تتمثلان، أولا في قدرته على حسن تقسيم الجملة الشعرية أو البيت الشعري
وثانيا قدرته على صياغة السرد الشعري مع احتفاظه بالتوتر والكثافة الشعرية .
قد اختار الشاعر قافية المَدِّ أيًّا كان الحرف الأخير لهذه القصيدة الرائعة التي تصور ممات الرجال الشرفاء من أجل الوطن
ويخلص المناصرة إلى أن محمود كان “شاعرا عروبياً، طبقيا، إسلاميا، تأمليا، وطنيا متعددا رغم أن الشائع هو أنه شاعر وطني فقط
وقال في إحياء ذكرى إنشاء الجامعة العربية :
حلم لابت عليه نفوسنا أجمل بأن تتحقق الأحلام
جمع التشتيت فكل قطر درة في تاجه والوحدة النظام
أما على الصعيد الإسلامي
تأثر الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود بالإسلام، ومن أهم المؤثرات الإسلامية عليه كان والده الشيخ عبد الحليم محمود بالإضافة لتأثره بالشيخ عز الدين القسام الذي أسس لانطلاقة اكبر ثوره فلسطينية مسلحة عام 1936 في مواجهة الاحتلال الانكليزي والعصابات الصهيونية ومقاومتها حتى استشهاده.
وكان لإستشهاد الشيخ القسام الأثر الكبير في اعتكاف الشاعر الشهيد على دراسة القرآن الكريم الذي تأثر بألفاظه في شعره وتجلى ذلك في قصيدته الشهيرة «البطل الشهيد »:
كل قلب لك فيه مصحف
فيه من ذكرك قرآن خلود
سور قد فصلت آياتها
لم تزل تتلى على الدهر الأبيد
وكان له باع شعري مهم على الصعيد الاجتماعي لم تميز به احد من قبله من الشعراء ومن أهم قصائده وروائعه التي خص بها العمال ” المصادر والموارد ” رثاء حمال عندما تأثر بوفاة حمال على رصيف حيفا دون أن يكترث به احد أو يهتم لوفاته فقال
قد عشت في الناس غريباً وها
قد متَّ بين الناس موت الغريب
والناس مذ كانوا ذوو قسوة
وليس للبائس فيهم نصيب
تأثّر عبد الرحيم محمود بالشعر العربي القديم حيث ظهرت في قصائده الألفاظ والتراكيب الكلاسيكية الوعرة وبرزت تقليدية عبد الرحيم محمود في موقفه من المرأة وخاصة في قصيدته “نون النسوة”، وقصيدة “حوشوا البنات من الشوارع” التي كتبها عام 1931 ويُطالب فيها البنات بالتحجّب عندما قال :
تلك الكواكب لا يليق .. بأن تبين عن المطالع
مشي البنات على الطريق .. يزيدنا فيهن مطامع
يا بنت فالتتحجبي …. كم في حجابك من منافع
لا تتركي سحر الجمــــــال .. لكل ذي عيـــن يطالـــــع
عرض البضائع في الأنـام .. مسببٌ رخص البضائــــع
والحسن خير بضاعــــــةٍ .. فلتحفظيه عن الشـــوارع
وكان الإصدار الأول لمؤسسة توفيق زياد للثقافة الوطنية والإبداع ومقرها الناصرة هو عن (عبد الرحيم محمود شاعرا ومقاتلا _في الذكرى الخمسين لاستشهاده في معركة الشجرة بتاريخ 13/7/1948 ) باكورة أعمال المؤسسة الأدبية وتم توزيع هذا الكتاب الذي حمل صورة الشاعر ووزع في المهرجان الذي أقيم في الناصرة تخليدا لذكراه في 13/7/1998 ويعتبر الكتاب ملخصا ومعبرا عن روح الشاعر و ذاته العظيمة مقاتلا وشاعرا .
لقد تميز الشاعر الشهيد بعدة عوامل من أهمها :
أولا : تميز في طفولته بالموهبة والنبوغ الشعري المبكر وقد أحاطه والده الشيخ بالرعاية لتنمية هذه الموهبة الخلاقة
ثانياً : لقد استفاد من دراسته في مدرسة النجاح الوطنية التي خرجت أهم النخب الوطنية في الأدب والثقافة والعلوم الأخرى وقد تتلمذ في هذه المدرسة على يدي أستاذه الشاعر الوطني الكبير إبراهيم طوقان الذي اهتم بالشاعر الشهيد وعره المميز .
ثالثاً : اهتم الشاعر الشهيد بالثقافة ودراسة أهم دواوين فحول الشعر العربي في مختلف العصور وكان من المهتمين بحضور المؤتمرات الأدبية والوطنية التي ألهب الحضور فيها بشعره الحماسي المحرض على الثورة ومقاومة الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية المستوردة لفلسطين المحتلة من كل أصقاع العالم .
رابعاً : تميز بشعره الإبداعي وحسه الوطني فكان الشاعر والمقاوم والشهيد هذه لسمات التي يفتقدها الشعراء الآخرين من أدباء الأرض المحتلة وخاصة انه اكتسب تجربة وخبرة ميدانية مهمة في الأدب والمقاومة بعدما تنق بين المدن والقرى السهو والجبال لمقاومة المحتلين كما استفاد من ملاحقة سلطات الاحتلال له في اكتساب مهارات المقاومة عندما غادر فلسطين لدمشق وبغداد وبيروت وتخرج من الكلية العسكرية العراقية برتبة ضابط وانضم إلى جيش الإنقاذ لمقاومة المحتلين إلى جانب إخوانه في الجيوش العربية بعد قرار التقسيم عام 1947 تعاظمت الأحداث فقرَّر شاعِرُنا أن يصل إلى آخر مدى من أجل تحرير وطنه، فتوجه إلى بيروت في يناير 1948م، ثم إلى الشام ليتلَقَّى تدريبات عسكرية على القتال وانضم إلى جيش الإنقاذ، ودخل إلى منطقة بلعا بفلسطين واشترك في معركة بيار عدس مع سَرِيَّة من فوج حِطِّين وشارك في معركة رأس العين، وفي إبريل 1948م عُيِّن آمرًا للانضباط في طولكرم، ثم مساعدًا لآمر الفوج في الناصرة.. وأخيرًا قاتل ببسالة في معركة الشجرة حتى اسْتُشْهِدَ فيها يوم 13/7/ 1948م وعمره خمسة وثلاثون عامًا.