قرارات ترامب في الحرب الإقتصادية – محمود فنون
(بدون أرقام )
لا شك أن القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب برفع الرسوم الجمركية والضغط على الدول الشريكة في التعامل الاقتصادي يستهدف إعانة الاقتصاد الأمريكي عامة ودعم ميزانية الدولة بشكل خاص.
فالإقتصاد الأمريكي يعاني من أزمة متفاقمة بدأ تفجرها عام 2008 ولا زالت عميقة ومستمرة حتى اليوم .
ولكن لهذه القرارات أثر عكسي في المدى القريب .
فهي وإن كانت تشكل رافدا للميزانية من جهة ، فهي من جهة ثانية ستنعكس على أسعار السلع والمنتجات الإمريكية المرتبطة بالمواد الإقتصادية المستوردة وبالتالي ستنعكس سلبا على التضخم دون ان تقدم معالجة جدية لنتائج الأزمة الإقتصادية المستفحلة . هي معالجات آنية وترقيعية فقط .
كما انها ستنعكس على العلاقات الدولية بعامة وخاصة على علاقات الإقتصاد الأمريكي بالدول التي استهدفتها مثل هذه الإجراءات ، وحيث ستقوم هذه الدول بمقدار نديتها لأمريكا باتخاذ خطوات مضادة تؤثر على قدرات التصدير للإقتصاد الأمريكي .
وقبل الإستمرار أود أن أذكر ملاحظة هامة مفادها : أن تضعضع الإقتصاد الأمريكي يعكس نفسه على اقتصاديات العالم من جهة ويضعف النظام الرأسمالي على شكل تهالك من جهة ثانية. مما دفع ويدفع العديد من الدول الرأسمالية لتضع على اجندتها نوع من التفهم لهذه السياسات والإجراءات وربما الإستعداد لمحاولة دعم الإقتصاد الأمريكي بما هو عمود الخيمة للنظام الرأسمالي العالمي. كما أن العديد من الدول التابعة ترى استمرار وجودها رهن باستمرار وقوة النظام الأمريكي كما هو حال دول الخليج وتركيا وعدد من الدول الإفريقية والعديد من الدول الأخرى التي عبرت بالممارسة عن تفهمها ودعمها للإقتصاد الأمريكي منذ عام 2008م وعلى حساب قدراتها الذاتية .
بالإضافة إلى ذلك فإن هذه السياسات تثير الكثير من الجدل داخل الولايات المتحدة وخارجها .
فهي اولا تتعارض مع مبدأ حرية التجارة التي دافعت عنها السياسات الأمريكية وضغطت من أجل تطبيقها منذ أواسط القرن الماضي وتشكلت منظمة التجارة العالمية التي دست انفها بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في اقتصاديات معظم دول العالم وحاربت السياسات الحمائية التي كانت تنتهجها الكثير من الدول وخاصة ما يسمى بدول العالم الثالث وكثفت نشاطاتها بعد سقوط الإتحاد السوفييتي وظهور الشركات العابرة لحدود الدول . وقد دافعت السياسة الأمريكية عنها بمقدار ما كانت ترى انها تعبر عن مصالح نمو وتطور وهيمنة الإقتصاد الأمريكي أساسا والإقتصاد الرأسمالي بعامة .
واليوم تتخذ الإدارة الأمريكية مواقف حمائية تقلص مدايات حرية التجارة وتتلقى سياسات مقابلة وندية من الصين وتركيا وتواجه صعوبة مع المانيا وبعض الدول الأوروبية .
إنها سياسة امتصاص الأموال والثروات بشكل سافر ليس فقط من اقتصاديات الدول بل كذلك من موازناتها نقدا مباشرا كما مع دول الخليج ومن تركيا بشكل غير مباشر.
كما انها تستهدف دولة عظمى هي الصين لدفعها إلى تعديل ميزانها التجاري مع امريكا .
ومع هذه السياسة هناك سياسة العقوبات التي تستهدف محاصرة اقتصاديات الدول التي لا تدور في فلك أمريكا مثل روسيا والصين وإيران وفنزويلا والتي تمتلك مقدرات محلية عالية تستطيع انتهاج سياسات تنموية متحررة من الهيمنة الأمريكية وخارجة عليها .
كما فرضت على حلفائها الأوروبيين زيادة موازنات الجيوش وتطوير الأسلحة وقدرات الجيش .
هل هذا يكفي لحماية الإقتصاد الأمريكي والنظام الرأسمالي العالمي ؟
إن هذه السياسات تمثل حالة ترقيعية قد تساهم في إطالة عمر النظام الرأسمالي وربما تجاوز أزمته الحالية التي مضى عليها ما يزيد على عشر سنوات ( امتدت ازمة التسعة وعشرين من القرن الماضي إلى عام 1933 واستمرت حتى انفجار الحرب العالمية الثانية عام 1939 ).
ولكن الكثير من عوامل معالجة الأزمة غائبة تماما ولا زالت البنوك والبورصة على حافة الخطر مما دفع ترامب للقول إن إقالته من منصبه ستؤدي إلى انهيارات في البورصة وسوق المال تجعل الجميع فقراء .
إنني لا أعتقد أن حربا عالمية قد تساهم هذه المرة في معالجة أزمة النظام الرأسمالي العالمي فلا حاجة لإعادة تقاسم العالم كهدف أساسي من الحرب .بل ومن السهل تصدير البضائع ورؤوس الأموال وإقامة قواعد عسكرية حيث يشاءون وفرض اسعار السلع الأساسية وامتصاص ثروات وخزائن الدول التابعة دون عائق وإثارة حروب الوكالة والحرائق المختلفة واستعمار مباشر كما العراق وأفغانستان وبزعامة أمريكا دون منافس (كانت ألمانيا وإيطاليا عام 1939م منافستان لبريطانيا وفرنسا وتريدان المشاركة في التقاسم وأخذ حصتيهما من السوق .)
كما أن النظام الرأسمالي الذي يواجه المخاطر من أزماته واستعصاءاته لا يواجه قوى اجتماعية ثورية تهدد وجوده وهو في حالة الأزمة . والقوى التي تظهر في وجه النظام فهي ليست مؤهلة لقلبه بل هي تحمل دعوات إصلاحية وسرعان ما تهدأ.فغياب القوى والأحزاب الثورية الإشتراكية يجعل النظام في مأمن من الثورة وإن كان ليس في مأمن من القلاقل التي تؤدي إلى إضعافه وخاصة في الدول الأوروبية.
______