قصة حياة الصفصافي محمد أحمد حسين أبو عيشة – نضال حمد
محمد أحمد حسين أبو عيشة – أبو ماجد -:
ولد في الصفصاف بداية الثلاثينيات من القرن الفائت، شهد سقوط الصفصاف وعاش فصول النكبة، تهجر ولجأ مع عائلته الى لبنان، لكنه قرر العودة الى فلسطين حيث عاش حتى وفاته في مخيم عين الماء – العين – قرب نابلس في فلسطين المحتلة.
محمد أحمد حسين أبو عيشة رجل صفصافي من بلدتنا الصفصاف عندما حصلت نكبة شعب فلسطين في سنة 1948 ويوم سقوط بلدة الصفصاف كان شابا في مقتبل العمر. سمعت من والدي المرحوم أبو جمال حمد أنه عاد الى فلسطين وسكن في الضفة الغربية. حديث والدي عن الرجل بقي راسخاً في عقلي لأنه بعد النكبة لم يبقى في فلسطين سواه من رجال الصفصاف. بالإضافة لعدد من النساء الصفصافيات كن متزوجات من رجال من عائلات أخرى ومن أشخاص من قرى جليلية أخرى. اذكر منهن: عمتي عطرة أحمد حمد – أم فؤاد حسين – في دير حنا. وابنة عم والدي المرحومة فاطمة علي حمد متزوجة من شخص من آل منصور في بلدة مجد الكروم، وهي أم الأسير المحرر والمناضل الوطني الفلسطيني المعروف منير منصور أحد قادة شعبنا في فلسطين ال 1948. وأحد مؤسسي حركة كفاح. كذلك امرأة من آل الزغموت كانت حتى قبل سنوات قليلة تسكن في بلدة الرينة ومتزوجة من شخص هناك، لا أدري إن لازالت حية أم توفيت. كذلك امرأة من آل فرهود بقيت تعيش في بلدة الجش حتى توفيت قبل سنوات قليلة. بالمناسبة إذا كان هناك من يملك معلومات اضافية عن نساء بلدتنا اللواتي بقين في فلسطين بعد النكبة الرجاء تزويدي بها.
في الصورة الشهيد عبدالله أحمد حسين أبو عيشة شقيق المرحوم أبو ماجد
بالعودة لقصتنا الأساسية وهي قصة الراحل أبو ماجد أبو عيشة فقد حصل ذات يوم في أوسلو وكان ذلك قبل نحو 15 عاماً التقيت بالصدفة بإحدى حفيداته. فخلال عملي هناك رئيسا للجالية الفلسطينية في النرويج، أبلغني أصدقائي النرويجيين من العاملين في حقل التضامن مع الشعب الفلسطيني في النرويج بوجود وفد من شبيبة حركة فتح في ضيافة شبيبة حزب العمال النرويجي. قمت بدعوة الوفد للقاء مع الفلسطينيين في أوسلو لسماع أخبار الوطن المحتل. واثناء اللقاء تعرفت على الحفيدة فسعدنا معاً بهذه الصدفة ,انصب حديثنا يومها عن الصفصاف.
منذ عشرات السنين وأنا مهتم بجمع المعلومات عن بلدتي الصفصاف وعن تاريخها وأهلها وناسها وبالطبع لست وحدي من فعل أو لازال يفعل ذلك، إذ هناك آخرين من البلدة اهتموا ولازالوا مهتمين بتدوين تاريخ بلدتنا. في بداية عملي الاعلامي ومع الطفرة الالكترونية التي شهدها العالم مع الانترنت قررت سنة 1998 أن أفتتح موقعا اعلاميا وسميته الصفصاف نسبة لبلدة الصفصاف. وجعلت فيه قسماً خاصا ببلدة الصفصاف. وأخذت أنشر في القسم المذكور حكايات الصفصاف وأخبار أهلها بشكل عام. خلال تتبعي للمواقع الاعلامية والالكترنية عثرت في يوم من الأيام على مقابلة كان أجراها موقع زامل مع المرحوم أبو عيشة.
جاء في تلك المقابلة على لسان المرحوم أبو عيشة التالي:
(لم يكن هناك في الصفصاف راديوهات، نحن بقينا حتى سقطت صفد… اليهود قصفوا دار في سعسع جنبنا، كان فيها سلاح… قالوا لنا المساعده قادمة، وجيش الانقاذ قادم.
مرة صباحا وجد الرعيان مسكرات وأسلحة في الوعر، إشارة الى أن اليهود مروا من هناك. توقعت أن تصل الحرب الى نكبة، توقعنا ذلك بسبب سقوط صفد، قالوا أنه على كل عائلة في الصفصاف أن تشتري باروده وفشك، وعملنا حراسه ليلية واستحكامات وخنادق. مرة أسروا يهودية تتكلم العربية.).
هذه الرواية عن الأسيرة الصهيونية ورد ذكرها أيضاً في شهادة قدمتها لموقع الصفصاف سنة 2015 الحاجة فاطمة صبحة – أم محمد فرهود التي لازالت تعيش في لبنان. قالت التالي:
(ومن محاولات المقاومين لليهود قيام مجموعات المقاومه بقيادة (إدريس) وهو (شركسي) حيث كانوا يقومون بحفر الخنادق ليلا حول مستعمرة عين زاتانا وفي النهار يقوم اليهود بطم الخنادق بالتراكتور لمنع وصول المقاومين إلى المستعمره لأنهم كانوا عصابات يسكنون المستعمره ويحرسونها.
استمر المقاومون دون كلل بمقارعة هذه المستعمره والاشتباك مع حراس المستعمره المسلحين بالبواريد والرشاشات حتى إنتهت ذخيرتهم، فدخل المقاومون المستعمره وألقوا القبض على مطلق الرشاش فتبين أنها مجنده فإعتقلوها وجاؤا بها الى بلدة الصفصاف، وأنزلوها في بيت آل حوراني حيت كان يقيم مسؤولو الجيش السوري، أديب بيك الشيشكلي وجودت الأتاسي وحسن زينه. وضعت أسيره في حمايتهم وحرصا على حياتها كانت لا تأكل حتى يأكل الشيشكلي قبلها من الطعام وكذلك شرب الماء. ولم يعرف ماذا حل بها… هذه الأحداث كانت قبل سقوط البلدة.)
في حديثه لموقع زامل قال أيضاً:
(لم يكن هناك تدريب على السلاح وذات مرة أحد الأشخاص قتل شقيقه بسبب انعدام التدريب على استخدام السلاح. المهم الواحد حامل بارودة، ولم يكن هناك وقت للتدريب. كان عندنا حامية، وجيش الانقاذ استحكم عندنا لأنها منطقة استراتيجية لليهود، كان كل واحد عليه دور في الحراسه الليلية).
وأضاف في حديثه عن البلدة:
(كانت الزراعه شغالة، زرعنا دخان وعنب وتين وزيتون وقمح، اليهود ما كانو قريبين علينا، لانهم لسه في صفد، يعني شي ستة كيلومترات. كنا نشاهد صواريخ من صفد قادمة نحونا، المعركه الفاصلة شاركت فيها طئرات عصرية ورمت قنابل وقت العصر وقتل اثتنين أو ثلاثة من المدنيين. ما كان في مضادات. بقينا في بيتين شمال البلدة، على أساس الناس تكون مع بعض، باستثناء العسكريين، الحارة الشمالية والشرقية كان فيها شهيدان أو ثلاثة من المواطنين في البيت الواحد، انحشرنا. الموت مع الناس رحمة. كنا نعتبر كل مين يتعامل مع اليهود خائن، كان لكل مستعمره خنادقها اللي محضرينها مسبقاً).
في المقابلة تحدث المرحوم أبو ماجد عن كيفية مغادرة البلدة:
(نحن بقينا حتى الفجر، وحضر شخص وقال لنا أن البلدة سقطت، وقد ُرفعت الحطات البيضاء على المرتفع، ثم جاء ثلاثة جنود “يهود” من تحت، وقالوا الكل يدخل البيت، خرجنا من الشباك واتجهنا الى الجش ومن هناك الى يارون، بقينا في يارون اول يوم، ثاني يوم قالو انه تم قتل 15 شخص، منهم خالد الحوراني، وقالوا أن اليهود جمعوا 15 شخصاً وصفوهم على الرصيف ورشوهم “بالرصاص”، ورموهم في حفرة العين).
يتابع أبو ماجد شهادته فيضيف:
(في اليومين الثالث والرابع أعدم اليهود آخريم من أهل البلدة، ومجموع الشباب الذين قتلوا تسعه وأربعون شخصاً. لقد قتلوا كل من كان قادراً على حمل السلاح من شباب ورجال البلدة. العين موجوده، فيها الجثث، والمياه مسحوبه، العين معروفة كتير، سبعه متر وعمقها نفس الشيء، ولا يوجد قربها غير دار البيك).
وعن اسبتسال أهالي البلدة وجيش الانقاذ في الدفاع عن البلدة قال:
(نحن دافعنا حتى الموت عن البلدة لكنها سقطت بعد معارك ودفاع مستميت، وظهر ذلك من خلال ردة فعل اليهود إذ بمجرد دخولهم البدة، قاموا بقتل تسعه وأربعون رجلا وشاباً). ورد الحديث عن الصمود في شهادات أخرى منها شهادة المرحوم أسعد زغموت.
قصة انسانية يرويها أبو ماجد في شهادته التاريخية:
(هذه القصة حصلت معي، اثناء هروبنا من الصفصاف بعد سقوطها باتجاه لبنان، كانت معي ابنة شقيقتي، طفلة صغيرة، فلتت من يدي، من الخوف والركض، وضاعت.. بقينا نبحث عنها، ثم عثر عليها أشخاص، وأفترقنا وما عدت أعرف أين أراضيها، بقي ضميري يؤنبني طوال عمري، من يوم النكبة. ومضت السنين ورحلت من لبنان الى الأردن وبعدها الى الضفة الغربية وسافرت إلى نابلس.
في يوم من الأيام في عهد السلطة الفلسطينية إذ بامرأة تتصل بي هاتفياً .. قالت كيفك خالي؟ وأخذت تبكي … فوراً عرفتها، إنها ابنة أختي (نوال ابراهيم جبر فرهود) التي أضعتها يوم النكبة. كانت عادت مع زوجها من ضمن العائدين مع السلطة الفلسطينية الى غزة. تواعدنا وألتقينا في قلقيلية. كنا أنا وأولادي على الشارع ننتظر وصول سيارات الأجرة من غزة، و”لما وصلت إحدى السيارات ما شفت حالي إلا وأنا بروح باتجاه هالمرأة وبنحضن بعضنا على الشارع وبنبكي”).
بعد فترة من الزمن عاد الشخص نفسه من موقع زامل لاجراء مقابلة جديدة مع أبي ماجد لكنه لم يجده في منزله بمخيم العين. فقد رحل الصفصافي الأخير في فلسطين المحتلة عن عالمنا تاركا خلفه أبناء وبنات وأحفاد وحفيدات يحفظون ويحفظن قصته وقصة الصفصاف من الألف للياء.
إرتأيت أن من واجبي أن أقص عليكم حكاية هذا الرجل الصفصافي، الفلسطيني الذي عاد الى فلسطين وعاش فيها تحت الاحتلال وشهد النكبة وعاش آلام النكسة. وخلال تتبعي لسيرته لاحظت أن اسم العائلة الصغيرة غير موجود في سجل عائلات الصفصاف الذي نشرته في موقعي. كما لم أره موجوداً في أي مكان مهتم بالصفصاف. وكنت اعتقد خطئاً أن الرجل من آل كردية – القاضي- لكن تبين لي أنه من آل ابراهيم الذين استقروا على لقب أبو عيشة قبل النكبة. وأن زوجته ضيا كردية هي شقيقة العم فؤاد كردية أطال الله في عمره وهو من أواخر عنقود جيل النكبة الصفصافي في مخيمنا عين الحلوة. ولكي لا أقع في الخطأ من جديد وبغية التأكد من معلوماتي اتصلت بالأخ احسان كردية، الذي تفضل مشكورا بتزويدي بالمعلومات بعد مراجعتها مع والده في عين الحلوة.
نضال حمد في 12-12-2020
موقع الصفصاف وذاكرة أهل الصفصاف