قصة قصيرة طريفة جديدة بعنوان: “المدير الذي يفكر بقدميه”:- مهند النابلسي
“بقي لساعات طوال وهو يحاول عبثا وضعنا في الصورة حتى تحول نفسه لصورة”!
هكذا سماه اليابانيون، لأنه عند حدوث مشكلة تقنية ما، يهرع راكضا لمكان العطل ويثير الضوضاء ويستعرض تواجده لائما الاخرين ومنتقدهم، بينما لا يفكر او يفعل شيئا حقيقيا لحلها، وعندما يطلب منه شرح موضوع ما، يكثر من تعبير “لكي أضعكم في الصورة” واصفا مجريات ما يحدث في ارجاء المصنع هنا وهناك من مشاكل، دون القدرة على وضع الحلول والاقتراحات، حتى أن احد المهندسين الظرفاء علق على تكراره الممل لكلمة “الصورة” قائلا: “بقي لساعات طوال وهو يحاول عبثا وضعنا في الصورة حتى تحول نفسه لصورة”! …وعندما علم بوجود لجنة فنية لانجاز “مخطط استراتيجي لتوزيع وتخزين واستخدام الطوب الحراري”، انقهر لتجاهله وارتباط الموضوع بالادارة العامة المركزية بدون الرجوع اليه، لذا فقد استدعى المهندس رئيس اللجنة على عجل، وطلب منه أن يشرح بعجالة الخطوط العريضة للتقريرالمعقد باستخدام مخطط توزيع الطوب في المصنعين، فلم يستوعب شيئا، فطلب بعصبية اعادة الشرح، ولكنه عجز هذه المرة عن الفهم ايضا، فنفذ صبر المهندس المسؤول، فقال انه من الصعب افهامه فحوى التفاصيل لعمل معقد استغرق أكثر من ستة اشهر وتطلب العمل لساعات طوال ومراجعة السجلات القديمة والسفر للمصنعين، فاجابه المدير مترصدا: “اي أنك تعني بأني حمار لا افهم”، فنفى المهندس أنه اطلق عليه لقب الحمار، ففاجئه المدير الحاقد المضطرب قائلا:”هذه والله فرصة سانحة لي لطردك فورا من العمل”! وسترى، واتصل بالفعل بنائب المدير العام للشؤون التقنية الذي كان يدعمه ويتواطىء معه، فنصحه هذا الأخير بالاتصال هاتفيا بنفس المدير العام التنفيذي صاحب القرار الفوري في هذه الحالة، وملمحا بأنه سيمهد للمدير بالموضوع وسيحرضه على فصل مهندسنا “المسكين” عاجلا، وبالفعل اتصل صاحبنا “مدير المصنع” مباشرة بالمدير العام التنفيذي، شارحا له التفاصيل وفحوى الاهانة البالغة، ولكن المدير انفجر ضاحكا وهو يدخن الغليون كعادته، وحادث مهندسنا مستفسرا، طالبا منه ملاقاته في مكتبه في بداية الاسبوع القادم، وعندما ذهب المهندس وهو يتوجس قلقا من وجود مؤامرة محبكة ضده، لاحظ تفهم المدير العام بل وتعاطفه التام معه بل وطلب منه “الصبر”، ومن ثم تم ايفاده بعد حوالي الشهرين كرئيس فريق تدريب لبلد خليجي لمدة سنتين، وقد تضاعف راتبه لثلاث مرات، وهكذا كان و”عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم”، اما المفارقة الغريبة هنا فتعزى لكون نائب المدير العام “بلديات” المهندس (اي من نفس مدينته في الضفة الغربية، ويدعي وجود قرابة ما مع عائلته من جهة الأجداد)،…وسلامة تسلمكم وربنا يسعدكم وعسى أن تعجبكم هذه القصة الحقيقية!
مهند النابلسي/مهندس وكاتب وباحث/