“قناديل ملك الجليل” لابراهيم نصر الله: – مهند النابلسي
سيناريو مفترض لملحمة تاريخية فريدة للبطولة الفلسطينية القيادية…
*في القرن الثامن عشر، وعلى ضفاف بحيرة طبرية وفي جبال الجليل ومرج بني عامر، بدأ رجل من عامة الناس رحلته، نحو اكبر هدف يمكن ان يحلم به رجل في تلك الأيام: تحرير الأرض وانتزاع الاستقلال واقامة الدولة العربية في فلسطين، متحديا بذلك حكمة أكبر دولة في العالم آنذاك (الدولة العثمانية) وسطوتها المنبسطة على ثلاث قارات: اوروبا وآسيا وأفريقيا…كان اسمه “ظاهر العمر الزيداني” (1689 – 1775).
*أنا اخاف من الموت، لكن انطفاء قنديلي قبل انطفاء قناديلكم، لا يمكن أن يخيفني، سأدفع الموت ما استطعت الى خارج طبرية، ولعلي استطيع أن ادفعه أبعد من ذلك في يوم ما!
*مذهولا كان يسير، كما لو أنه يسير في حلم، الى أن ايقظته واحدة منهن بيد تربت على كتفه: ما دمت اشتريت قنديلا أبها الجميل، فان عليك أن تضيئه لتتمكن من رؤية حسنك وتتمكن من رؤية حسننا أكثر!
*في الخيل عزة لا يستطيع الانسان أن يفهمها، انها تحزن ولا تبوح، وتتألم ولا تنكسر يا ظاهر. كأن ما تسرب من الفرس البيضاء الى داخلك، لم يكن حليبها وحدها، ولكن عليك أن تتذكر انك انسان اولا واخيرا. قالت له نجمة.
*اريد شعبا كاملا من الأبطال، لا شعبا من الخائفين بين هذين البحرين: بحر الجليل وبحر عكا. البطولة الحقيقية في ان تكونوا آمنين الى ذلك الحد الذي لا تحتاجون فيه لأية بطولة اخرى..
*هذه البلاد بلادك وبلادي يا سعد مثلما هي بلادهم. هذه بلاد كل من يجرؤ على الدفاع عنها، اما الجبناء فلا بلاد لهم، لأن جبنهم هو بلادهم الوحيدة الاي باستطاعتهم ان يرحلو ا اليها الآن، دون أسف عليهم!
*أصبحت كرامة الناس فوق أي اعتبار، وحقوقهم خطا احمر لا يجرؤ احد على الاقتراب منه.
*كان القنديل الأول قنديله والثاني قنديل يوسف والثالث قنديل ظاهر: حدق في الشعلات الثلاث، الشعل المضيئة غير العابئة بشيء سوى فرصها بقدرتها على تبديد بحر الظلام!
*باشر ظاهر استعداده، شكل قوة من الف وخمسمائة رجل، من طبرية وما حولها، من حلفائه عرب الصقر، وبدا بتدريبهم بما يكفل دخول القلعة ورد برسالة…
*لم نأت الى هنا الا لننتصر..خاطب الظاهر عسكره بصوت مجلجل.
*العهد وخطوات الريح: لم تكن الناصرة بحاجة الى حرب كي يدخلها ظاهر، اذا انطلق بهدؤ من عرابة ودير حنا وطبرية وصفد، ليضم اطرافها اليه، ويبسط نفوذه وحمايته عليها، وعلى مرج بني عامر.
*كان جبل نابلس ملكا خاصا لسلاطين آل عثمان، وكان المال المقرر عليه خمسمائة كيس في السنة، يدفعها شيوخ الجبل لوزير دمشق، ليرسلها بدوره الى اسطنبول مباشرة، ولذا كانت تلك اول معركة يخوضها ظاهر ضد الدولة العثمانية، لانها الحرب الاولى التي يواجه فيها أشد حلفاء الدولة اخلاصا لها ودفاعا عن مصالحها.
*لكن ما آراده ظاهر قد حدث: أن تكون كل أراضيهم الساحلية تحت سيطرته. ولم يكن هناك أكثر فرحا من أهالي المرج والناصرة، الذين رأوا قوة الجرار تلك تعود الى قفصها، وتحكم بنفسها اغلاق الباب على نفسها.
*على بوابة الكنيسة البشارة، سجد وصلى، رفع يديه وشكر مريم العذراء، واستدار امام العيون المحدقة به، التي امتلأت، تأثرا بالدمع: كل ما يلزم الكنيسة من قناطير الزيت يتم احضاره لها في الموسم…
*لم يصل ظاهر شيئا حول رسالة وزير صيد، بقي صامتا. دار في الشوارع يساعد الناس، ويرفع الحجارة التي اغلقت ويصلح ابوابا تكسرت، ويعيد البضائع ويوزع الحلوى على الصغار…
*حق الدولة أن تأخذ الميري، اما اذلال الناس وتمريغ كراماتهم في الوحل فليس من حق الدولة، لأن الكرامة التي وهبنا اياها ربنا ليست ملكا للدولة..
*فتحت أبواب المدينة لتجار روسيا وايطاليا وفرنسا ومالطا والبندقية، وامتلأت بالمنسوجات القطنية والصوفية والسكر والأسلحة والورق والأواني الزجاجية، وعادت السفن التي جاءت محملة بهذا كله ممتلئة بالقطن والكتان والصوف والصابون والقمح والزيت والسمسم.
*…وانت تعرف، أن ظاهر الذي يبسط نفوذه اليوم على معظم بلاد فلسطين، استطاع أن ينشىء جيشا كبيرا، واستطاع ان يكسب دول كبرى بعلاقاته التجارية والسياسية معها، ولم تعد هناك دولة واحدة لها قنصل في بيروت او صيدا او دمشق…الا ولها قنصل في عكا يسير امور رعايا بلاده وعلاقات بلاده مع ظاهر.
*تلفت ظاهر حوله، فوجد أن كل ما يريده قد تحقق، فها هو يسيطر على الجنوب كله، ويبسط حكمه على عكا ويافا وحيفا والجليل وبلاد اربد وعجلون، واجزاء من سورية وحوران وصيدا وسواها، في حين كانت صور في يد حلفاءه المتاولة، وبيروت في يد حلفاءه الشهابيين..ولم يبق للدولة سوى ميناء طرابلس في الشمال..
*في فترة حكم ظاهر، تقاسم أهالي شفاعمرو بترتيب من ظاهر، اراضي المشاع فيما بينهم: الدروز والمسيحيون…وكانت عشرات العائلات السورية المسيحية وصلت الى شفا عمرو ايضا، بسبب انتشار الأمن والاستقرار والتسامح.
*رفض ظاهر، وأصر: لا اعطيهم اكثر مما اعطيتهم، وكتب لهما: وكي يكون لهم حقهم في الأمان في الآمان وتربية اولادهم دون خوف، حاربت اعدائي. كي تكون للناس كرامة حاربت اعدائي. وكي املأ هذه الطرقات بالامان حاربت أعدائي.
*في ظهيرة السابع والعشرين من شهر آب من عام 1770، وصل ذلك المركب الذي انتظره ظاهر اخيرا، حاملا تلك الجارية “الكرجية” (من جبال القفقاس)، التي لم ترى العين أجمل منها.
*ولي طلب أخير قبل ان انام، اريدك أن ترفع طرف غطاء العربة، لأني أظن أننا وصلنا الى تلك المنطقة التي كلما مررت عبرها، وقفت طويلا اتاملها…كانت واحدة من اجمل المناطق بين الناصرة وعكا.
*ها أنت تعود وتتذكر القناديل! هل انطفأ قنديلك في ذلك اليوم البعيد ام انه كان يخبىء ضوءه، يدخره لكي ترى كل ما رأيته، وتعيش كل ما عشته يا ظاهر حتى هذا اليوم؟!
*مقيدا بقي ظاهر في عكا، منتظرا وصول اخبار تبدد مخاوفه، فهو يدرك أن معركة دمشق هي اكبر معركة يخوضها، وان تحقيق النصر فيها، سيكون ذروة استقلال البلاد ما بين البحرين، دون ان تغيب القدس عن باله، لكنه ادرك ان ستنتهي ما ان تسقط دمشق.
*يوم ظاهر: كان النصر ساحقا، ومهيأ لاحتضان نصر آخر سريع وخاطف، حيث واصل جيش ظاهر مطاردة الجيش المهزوم حتى صيدا، وقبل ان يصلها، وصلت اخبار هزيمة الأمير يوسف، واخبار المطاردة، ففر العساكر تاركين المدينة، فأدرك ظاهر أن عليه أن بقص أجنحة دمشق كلها، بعد معركتين فاصلتين استطاع بهما القضاء تماما على هيبة الدولة وهيبة ونفوذ حلفائها، ولم يكن هناك افضل من حصار دمشق نفسها بالسيطرة على اربد وعجلون…
*هز ظاهر رأسه مستعيدا زمنا كاملا:
-ذات يوم بعيد قالت القناديل لاخوتي ما قاله الرمل لوكيلك!
*تلك الانجازات كلها، كانت كافية ليحلق ولو كان جبلا!
*تعرفين يا امي! لم تزل ليلة القناديل تلح علي بين حين وآخر. لقد اصبحت بعيدة، وظل قنديلي الذي انطفأ مشتعلا! ولكن منذ ذلك اليوم احسه يخبو اكثر فاكثر، كلما رأيت قنديلا احبه يطفأ، لقد انطفأ قنديل أبي ليكون لي قنديل.
*ابنائي! والله منذ أن كبرو لم ارهم يفعلون شيئا سوى ارسال الريح تلو الريح لاطفاء ما تبقى من ضؤ في هذا القنديل! كم يتمنون لي العتمة.
*تلفت ظاهر حوله، فوجد أن كل ما يريده قد تحقق، فها هو يسيطر على الجنوب كله، ويبسط حكمه على عكا ويافا وحيفا والجليل وبلاد اربد وعجلون، وأجزاء من سورية وحوران وصيدا وسواها (لم ينتبه الكاتب ولا الناشر لتكرار هذا النص في فقرة اخرى)!
*حين دخل الى يافا، في الأول من نيسان،لم يكن جيش محمد ابو الذهب بحاجة ملحة لخوض معركة! كان بحاجة لأخذ قسط من الراحة بين اشجار البرتقال والتوت والرمان، وبالقرب من نواعير مياه يافا العذبة، وعلى شاطىء بحرها الأكثر صفاء من اي بحر رآه ابو الذهب من قبل.
*ارسل علي الى ابيه أن يغادر المدينة، لأنه لا يريد أن يرى رأسه مقطوعا تحت قدمي ابو الذهب! ففي النهاية هو ابوه! ولن يرضيه أن يحدث له هذا!
*ارجوك ايها الأمير، هذا مقام مقدس عند المسيحيين وقريب الى قلوب المسلمين وهذا المزار ملجأ للفقراء والمساكين، والمقام كنيسة قديمة، ونحن لم نسمع من قبل ان احدا قام بهدم بناء بناه الأولون، فبالله عليك لا تفعل ذلك.
*صوب “الدنكلزي” واطلق رصاصته القاتلة، التي اصابت قلب ظاهر. لكنه لم يسقط، ظل واقفا والدم يتدفق من صدره، وعيناه مثبتتان الى وجه “الدنكزلي”، العينان نفسهما القويتان الثاقبتان. عند ذلك سحب الدنكزلي سيفه، واغار على ظاهر، وبكل قوته قطع عنقه، ففار الدم من جسده، متحولا الى اكبر شعلة قنديل يمكن أن يراها احد تحت الشمس وراحت تتقد وتعلو، وتعلو.
*خطا الدنكزلي الخطوة الأخيرة، ودفعه بقدمه، فسقط، وقربه كان هناك رأسه ملقى بعينين لم يفارقهما البريق.
هكذا انهي تلخيصي “المميز” لهذه الرواية الطويلة البالغة الاسهاب والتفاصيل (أكثر من 550 صفحة)، والتي تحفل بالتعبيرات الشكسبيرية “القدرية” والسرد التفصيلي السينمائي الدرامي المدهش، وكأن الروائي يكتب بقصد سيناريو سينمائي ملحمي لقصة منسية من قصص البطولات الفلسطينية التي حدثت قبل حوالي ثلاثة قرون، ولا يوجد مجال حقا للمقارنة مع الواقع الفلسطيني الحالي البائس، المتخم بالخلافات والانقسامات والزعامات والولاءآت وربما “الخيانات”، حيث ربما الحاجة ماسة لوجود عصري لزعيم فلسطيني فذ وتاريخي وقوي ومسلح بارادة حديدية مثل “ظاهر العمر الزيداني”!
مهند النابلسي* // mmman98@hotmail.com //
*الخص عادة الروايات بهذه الطريقة الموجزة التي تستند لسرد اهم الفقرات والجمل (من وجهة نظري النقدية)، ثم أذهب لتلخيص منهجية واسلوب الكاتب بشكل لافت، وباعتقادي ان هذا ملائم للكثير من القراء المثقفين المستعجلين (في عصر الانترنت الرقمي) واللذين لا يرغبون ربما بقضاء الساعات الطويلة لقراءة رواية ما، ولكنهم يهتمون بالالمام بالخطوط الرئيسية وتصفح احداثها الجوهرية.