كاتب “إسرائيلي”: حل الدولتين عقبة أمام السلام – أحمد الدَبَشْ
صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت، ومكتبة كل شيء ـ حيفا، النسخة العربية من كتاب، “عشر خرافات عن إسرائيل” (ط1، 2018)، للبروفيسور والمؤرخ “الإسرائيلي”، إيلان بابيه، نقلته إلى العربية الباحثة والمترجمة الفلسطينية سارة عبد الحليم.
يقع الكتاب في 231 صفحة من الحجم المتوسط، ويفند بابيه في هذا الكتاب، جملة من الأفكار المتنازَع حولها أو الخرافات، كما يصفها، المتعلقة بأصول دولة “إسرائيل” وهويّتها.
يتصدى بابيه، في هذا الكتاب، لعشر خرافات، “التي تبدو في الخطاب (الإسرائيلي) السائد كحقائق غير قابلة للطعن” (ص 8)، حيث تبنّتها الماكينة الإعلاميّة ودعمتها المؤسّسة العسكريّة وردّدتها النخب السياسيّة والأكاديميّة على نحو مضلِّل، لتشكّل هذه الخرافات الأساس الذي تستند إليه ممارسات دولة الاحتلال، ممعنة في تكريس سياساتها الاستيطانيّة الاجتثاثيّة القائمة على طرد سكان البلاد الأصليّين، أي الشعب الفلسطينيّ، ومواصلة ممارساتها العنصريّة بحقّهم، ومن ثم إطالة أمد الصراع.
ويتناول الكتاب عشر خرافات تأسيسية أو جملة خرافات شائعة، معروفة لأي شخص على علاقة ـ بطريقة أو بأخرى ـ بالمسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية (ص 8)، عبر ثلاثة أجزاء، الجزء الأول، يناقش فيه مغالطات الماضي، ويتكون من ستة فصول، والجزء الثاني، يناقش مغالطات الحاضر، ويتكون من ثلاثة فصول، والجزء الثالث، نظرة إلى المستقبل، ويحتوى على فصل واحد، وخاتمة عن “إسرائيل” الاستيطانية الاستعمارية في القرن الواحد والعشرين.
يسرد بابيه في كتابه تلك الخرافات على النحو الآتي:
الجزء الأول: مغالطات الماضي
1 ـ فلسطين كانت أرضا خالية:
في الرواية الصهيونية التي يتم الترويج لها في مناهج التعليم “الإسرائيلية”، كما في وسائل الإعلام، أن فلسطين “كانت خالية، ومقفرة، وجرداء قبل وصول الصهيونية” (ص 18). يفند بابيه، هذه الخرافة بالقول: “كانت فلسطين، إبان فترة الحكم العثماني، مجتمعا يشبه باقي المجتمعات العربية المحيطة به. فأولا، لم تكن فلسطين في العموم تختلف كثيرا عن دول شرق المتوسط، ولم يكن الشعب الفلسطيني معزولا ومحاصرا، بل كان منفتحا على التواصل والتفاعل مع الثقافات الأخرى، كجزء من الإمبراطورية العثمانية الأكبر. ثانيا، بما أنها كانت منفتحة أمام التغيير والتحديث، بدأت فلسطين تتطور كدولة قبل وصول الحركة الصهيونية إليها؛ فعلى أيدي بعض الحكام المحليين المتحمسين مثل ظاهر العمر (1690 ـ 1775)، تم تحديث وتنشيط مدن مثل حيفا، وشفا عمرو، وطبريا، وعكا. ومن خلال علاقات التجارة مع أوروبا، ازدهرت شبكة الموانئ والبلدات الساحلية، في حين كانت مدن وبلدات الداخل تتاجر مع المناطق القريبة منها. وعلى النقيض تماما من الصحراء، كانت فلسطين جزءا مزدهرا من بلاد الشام” (ص (18- 19). وقد أدى استعمار فلسطين من قبل الحركة الصهيونية إلى كارثة بالنسبة للسكان الأصليين الذين يعيشون هناك (ص 23).
2 ـ اليهود كانوا شعبا بلا أرض
تقترن الخرافة بأن “فلسطين أرض بلا شعب” بالخرافة الشهيرة الخاصة بـ”شعب بلا أرض”. وهنا يطرح بابيه سؤالا يُبنى عليه الكثير: هل كان المستوطنون اليهود شعبا حقا؟ يشير بابيه، إلى كتاب “اختراع الشعب اليهودي”، للبروفيسور “الإسرائيلي” شلومو ساند (ص 25)، الذي يدحض خرافة الشعب اليهودي أو النقاء العرقي! ويذكر بابيه، كتاب “القبيلة الثالثة عشر”، لآرثر كوستلر (1905 – 1983)، الذي طرح فيه نظرية مفادها أن المستوطنين اليهود ينحدورن من قبائل الخزر. (ص 37). ويستند بابيه في دحض هذه الخرافة على بعض الباحثين؛ من هؤلاء كيث وايتلام، وتوماس طومسون، إسرائيل فنكلشتاين، وشلومو ساند (ص 37).
3 ـ الصهيونية هي اليهودية
يجري بابيه، تقييما تاريخيا للمواقف اليهودية إزاء الصهيونية، “فقد نبذ رجال الدين الصهيونية باعتبارها شكلا من أشكال العلمنة والتحديث” (ص 40)، وعندما بدأت الصهيونية بالظهور في أوروبا، منع عدد كبير من الحاخامات التقليديين في الواقع أتباعهم من التعامل مع النشطاء الصهاينة؛ فقد اعتبروا أن الصهيونية تشكل تدخلا بمشيئة الله في بقاء اليهود في المنفي حتى مجيء المسيح. (ص 45 ـ 46).
ويشير بابيه إلى استخدام الحركة الصهيونية للكتاب المقدس في شرعنة احتلال فلسطين، أي “الوعد التوراتي كمسوغ رئيسي لاستعمار فلسطين” (ص 52). ويقول: “تعد الدراسات التوراتية اليوم عنصرا مهما وموسعا في المناهج التعلمية ـ مع تركيز خاص على الكتاب المقدس بوصفه يوثق تاريخا قديما يبرر المطالبة بالأرض. ويتم دمج القصص التوراتية والدروس الوطنية المستقاة منها مع دراسة المحرقة.
4 ـ الصهيونية ليست حركة استعمارية
يناقش بابيه الادعاء بأن “الصهيونية حركة تَحرر وطنية وليست استعمارية”، في حين أن الحجة المضادة تعمل على وضع الحركة في إطار مشروع استعماري، “فقد كانت الصهيونية حركة استعمار استيطانية، على غرار حركات الأوروبيين الذين استعمروا الأمريكتين، وجنوب أفريقيا، وأستراليا، ونيوزيلندا” (ص 61). فالطريقة الوحيدة أمام المستوطنين لتوسيع سيطرتهم على الأرض بحيث تتجاوز السبعة في المائة، ولضمان تحقيق أغلبية ديمغرافية حصرية، تتمثل في اجتثاث الشعب الأصلي من وطنه. وهكذا، فإن الصهيونية مشروع استعماري استيطاني، وهو مشروع لم يكتمل بعد.
ففلسطين لا تزال غير يهودية بالكامل ديمغرافيا”. (ص 70).
5 ـ الفلسطينيون غادروا وطنهم طوعا عام 1948:
يدحض بابيه، هذه الخرافة بالقول، “إن قيادات الحركة الصهيونية ومنظريها لم يستطيعوا تخيُّل تطبيق مشروعهم بنجاح دون التخلص من الشعب الأصلي، سواء بالتراضي أو عنوة” (ص 71). والنتيجة هي تطهير عرقي شامل (ص 74). ولا مناص من تعريف الأفعال الإسرائيلية في القرى الفلسطينية باعتبارها جريمة حرب، بل هي في الواقع جرائم ضد الإنسانية” (ص 78). كما يناقش هنا خرافات أخرى تتعلق بأحداث 1948، ويفندها بالأدلة.
6 ـ حرب حزيران (يونيو) 1967 كانت حربا لا بد منها:
يطرح الفصل التاريخي الأخير، تساؤلا حول ما إذا كانت حرب 1967 قد فرضت على “إسرائيل”، كما تروج الرواية “الإسرائيلية” أن دولة إسرائيل “لم تكن تملك خيارا”، أو أن الحرب التي “لم يكن بدُّ” من خوضها، بيد أن هذه خرافة، (ص 93).
يرى بابيه، أن “الاستيلاء على الضفة الغربية تحديدا، بمواقعها التوراتية القديمة، كان هدفا صهيونيا حتى قبل العام 1948، وهو ما كان منسجما مع منطق المشروع الصهيوني بشكل عام” (ص 105 ـ 106).
ويضيف، “إن احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة يمثل استكمالا للمهمة التي بدأت في عام 1948، يومئذ، استولت الحركة الصهيونية على 80% من فلسطين ـ وفي العام 1967 استكملوا عملية الاستيلاء على فلسطين” (ص 109).
الجزء الثاني: مغالطات الحاضر
7 ـ إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط:
من وجهة نظر عدد كبير من “الإسرائيليين” وأنصارهم حول العالم ـ حتى أولئك الذين قد ينتقدون بعضا من سياساتهاـ، فإن إسرائيل تعد في نهاية المطاف دولة ديمقراطية معتدلة، تسعى إلى عقد سلام مع جيرانها، كما توفر المساواة لجميع مواطنيها. (ص 113).
يبرهن بابيه، “بأن إسرائيل لم تكن دولة ديمقراطية قبل العام 1967. فقد انتهجت الدولة سياسة (أَطْلِق النار لتقتل) ضد اللاجئين الذين كانوا يحاولون استعادة أراضيهم ومحاصيلهم ومواشيهم” (ص 117).
وأضاف، “إن الاختبار الحقيقي لأي دولة ديمقراطية يتمثل في مستوى التسامح المتاح لديها إزاء الأقليات التي تعيش في كنفها. في هذا الخصوص، فإن إسرائيل أبعد ما تكون عن أن تكون دولة ديمقراطية حقيقية” (ص 117).
في النهاية، يقر بابيه، أن “إسرائيل تنتمي إلى مجتمع الدول غير الديمقراطية” (ص 128). ويشير إلى ما ذهب إليه البعض، عبر وصم “إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري (أبارتيد) أو دولة استعمارية استيطانية” (ص 128).
8 ـ خرافات أوسلو:
يتطرق بابيه، في هذا الفصل، إلى عملية أوسلو للسلام، ويشير إلى أن: “هناك خرافتان تتعلقان بعملية أوسلو؛ الأولى بأنها عملية سلام حقيقية، والثانية بأن ياسر عرفات تعمَّد تقويضها بإشعال الانتفاضة الثانية كعملية إرهابية ضد إسرائيل”، (ص 130).
بالنسبة للخرافة الأولى، يقول بابيه، “إن الحقيقة أكثر تعقيدا من ذلك، إذ كان من المستحيل تنفيذ بنود الاتفاق. فالادعاء بأن عرفات لم يحترم التعهدات الفلسطينية المحددة في اتفاقية 1993 لا يستند إلى أساس صحيح؛ إذ لم يكن بمقدوره تنفيذ تعهدات من المستحيل الالتزام بها (ص 131). لذا، في واقع الأمر، فإنه لا يوجد أي سبب في العالم يبرر قيام سكان أصليين بالتبرع بتقاسم وطنهم مع سكان مستوطنين ما لم يتعرضوا لضغوط شديدة. ومن ثم يتعين علينا أن نعترف بأن عملية أوسلو لم تكن مسعى سلميا منصفا ومتكافئا، وإنما تسوية وافق عليها شعب مهزوم وخاضع للاحتلال. وكنتيجة لذلك، أرغم الفلسطينيون على التوصل إلى حلول تعارض مصالحهم وتهدد وجودهم ذاته” (ص 133- 134).
ويضيف: “بما أن عملية أوسلو لم تكن عملية سلام حقيقة، فإن مشاركة الفلسطينيين فيها، وإحجامهم عن الاستمرار فيها، لم يكن مؤشرا على تعنتهم وثقافتهم السياسية كما يُزعم، وإنما رد فعل طبيعي إزاء المهزلة الدبلوماسية التي أحكمت السيطرة الإسرائيلية وعمقتها في الأراضي المحتلة” (ص 139).
أما الخرافة الثانية، وهي إشعال الانتفاضة الثانية كعملية إرهابية ضد إسرائيل، يقول بابيه: “ثمة دليل كاشف من مراسلي الصحف الإسرائيلية بشأن كيفية إهمال تقاريرهم عن المراحل الأولى من الانتفاضة ـ كحركة غير عنفية يسحقها الجيش الإسرائيلي ـ من جانب رؤساء التحرير في صحفهم، وذلك بما يتناسب ورواية الحكومة (ص 142. (ويذهب بابيه في تفنيده لهذه الخرافة إلى القول، “إن الجيش الإسرائيلي كان يحتاج إلى تقديم استعراض ناجح”.
وقد خلص إلى أنه في صيف العام 2000، كان الجيش الإسرائيلي محبطا بعد هزيمته المذلة على أيدى حزب الله في لبنان. وكان هناك خوف بأن هذه الهزيمة جعلت الجيش يبدو ضعيفا، لذا كان في حاجة لاستعراض القوة. وكانت إعادة تأكيد هيمنتهم داخل الأراضي المحتلة هو عرض القوة المطلقة (ص 142). وتم تحقيق هذا الأمر من خلال عملية الدرع الواقي العسكرية البربرية في العام 2002 وبناء جدار الفصل العنصري، ونجحوا في قمع الانتفاضة مؤقتا (ص 144).
9 ـ خرافات غزة:
يقول بابيه: “الخرافة التي لا تزال تحظى بقبول واسع النطاق؛ هي أن مأساة الناس هناك سببها الطبيعة الإرهابية لحركة حماس. من جهتي ــ إيلان بابيه ــ سوف أدّعي بأنها حركة تحرير، ومشروعة في هذا الخصوص (ص 147). أما الخرافة الثانية، التي نحن بصددها هنا، هي أن الانسحاب من غزة كان بادرة سِلْم أو صلح، قوبلت بالعداء والعنف. أزعم بأن القرار كان جزءا من استراتيجية الغرض منها تقوية قبضة إسرائيل على الضفة الغربية، وتحويل قطاع غزة إلى سجن كبير يمكن حراسته ومراقبته من الخارج (ص 148). أما الخرافة الثالثة والأخيرة هنا، فهي ادعاء إسرائيل بأن الأفعال التي قامت بها منذ العام 2006 كانت جزءا من حرب دفاعية ضد الإرهاب.. هذه الحرب إبادة جماعية تصاعدية لسكان غزة” (ص 148).
الجزء الثالث: نظرة إلى المستقبل
10- حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدما:
الخرافة القائلة بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدما في تحقيق السلام. يشير بابيه إلى “أن حل الدولتين، اختراع إسرائيلي لم يكن الغرض منه تحقيق المستحيل، بل الإجابة عن السؤال المتعلق بكيفية إبقاء الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية دون دمج السكان الذين يعيشون هناك” (ص 182).
ويضيف، “إن حل الدولتين أشبة بجثّة يتم إخراجها من المشرحة من حين لآخر، فيتم هندمتها بصورة أنيقة، ومن ثم عرضها كشيء حي. وعندما يثبت مرة أخرى أنه لا توجد فيها ذرة حياة، يتم إرجاعها إلى المشرحة” (ص 183). ويؤكد بابيه “ضرورة دفن حل الدولتين، للتخلص من عقبة كبرى تحول دون تحقيق سلام عادل في إسرائيل وفلسطين” (ص 186).
الخاتمة
وفي خاتمة بابيه لكتابه، يكرر تأكيد الحقائق التالية، فلسطين لم تكن أرضا خالية، والشعب اليهودي كان له أوطانه؛ وقد تم استعمار فلسطين لا استردادها؛ كما تم طرد شعبها في العام 1948، ولم يغادروا طواعية.
يقول بابيه، “إن الشعوب المستعمَرة، حتى وفق ميثاق الأمم المتحدة، لديها الحق كي تناضل من أجل التحرر، حتى مع جيش، وأن النهاية الناجحة لمثل هذا النضال تكمن في تأسيس دولة ديمقراطية تشمل كل سكانها، ومن شأن نقاش بشأن المستقبل، متحرِّر من الخرافات العشر عن إسرائيل، أن يساعد ليس فقط في إحلال السلام لإسرائيل وفلسطين، كما هو مأمول، بل سيساعد أيضا أوروبا على التوصل إلى خاتمة مناسبة وضرورية لفظائع الحرب العالمية الثانية والحقبة المظلمة للكولونيالية”. (ص 190).
*كاتِب وباحِث فلسطيني
المصدر مجلة كنعان