في هذا العدد:
■ عدو مأزوم وليس بعضه … وماذا عنَّا بحصر الصراع دينياً؟ عادل سماره
■ لأن انتصار سورية لن يبقى في داخلها، رفعت إبراهيم البدوي
■ ليبيا: من معركة القرضابية رمز الوحدة الوطنية عام 1915 إلى إستراتيجية الناتو للفوضى منذ عام 2011، ألبا غرناطة شمال أفريقيا
■ أميركا تتجسس على حلفائها … و”إسرائيل” تتجسس عليها، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري● ● ●
عدو مأزوم وليس بعضه … وماذا عنَّا بحصر الصراع دينياً؟
عادل سماره
اعتاد الكيان أن يعتدي وينتهك ويتوحش دون رد حتى لو أقل من ملائم. لذا، وهو ملجوم اليوم يعيش أزمة استعادة ماضٍ لم يعد ممكنا وربما حتى لو بثمن باهظ. عدو لو كان يعلم أن كتفنا سيوازي كتفه أو يقترب منه ذات زمن لما اختار اغتصاب فلسطين أي لما وافق أن يُؤتى به إلى فلسطين حيث من السهل عليه أن يطرح عنه اساطير شعب مختار وأرض الميعاد …الخ كمرتكزات من قش.
كان التفكير الغربي الراسمالي الاستعماري ومن ثم الإمبريالي بأن المطلوب قاعدة عدوانية/مخفر، مخلب قط ضد كامل الأمة العربية.
يعود اعتياد الكيان على الشعور بالقوة إلى صورة بل حقيقة الأنظمة العربية التابعة للإمبريالة وخاصة البريطانية. ألم يقل ونستون تشرشل رئيس وزراء العدو البريطاني عام 1945 حينما قيل له بأن العرب سيغضبون من تمكين المستوطنين من إقامة دولة في فلسطين حيث قال بما معناه: “واصلوا ذلك ولن يجرؤ اي كلب عربي على الاعتراض“.
كان تشرشل على ثقة بأن الأنظمة العربية هي من تمفصلات سياسة بريطانيا وفرنسا ليس فقط في “فرق تسد” بل لأن الكيانات العربية الرسمية هي من صنعهما. فهي أنظمة تم تركيبها على اشلاء الوطن الذي يجب أن يتوحد، لذلك فوظيفتها القتال لبقاء التجزئة ومن ضمنها بقاء الكيان. وعليه، فإن وجود هذه الأنظمة والكيان هو وجود يربطه حبل سُرِّيْ.
ما حصل في حرب الاستنزاف بعد 1969، وحرب أكتوبر اللتين رغم تآمر حاكم مصر أحرز الجيشان السوري والمصري انتصارا بلا شك. هذا على صعيد الجيوش النظامية، أما على صعيد المقاومة فقد كان تحرير جنوب لبنان وانتصار 2006 وفي غزة 2014 و 2021 كانت كل هذه تحديات كلبشت يد الكيان. لذا يعيش أزمة أن يعتدي أم لا، أن يلجم المستوطنين أم لا. فعدم الاعتداء ولجم المستوطنين هو تاكيد عجز الجيش وخلخلة الإيديولوجيا الاستيطانية وخسران هذين المقومين يعني نهاية مؤكدة، لا يهم متى! والعدوان وإفلات المستوطنين يعني بالمقابل الاستعداد لدفع ثمن متدرِّج لا يعرف العدو سلفا مدى تدرجه.
وهنا يجب التذكير بأن العدوان ليس مشروطا بقدرة أو رغبة نتنياهو وحده، بل مجمل قيادة الكيان سواء العسكرية أو السياسية وهذا ابعد من حكومة نتنياهو اي يشمل الحكومة المتوقعة مما يعني أن اي عدوان هو من الكيان ككل وليس فقط من أحد أطرافه لأن المشكلة لديهم ليست مناقشة مدى العدوان ولا أحقاد شخص بل كيف يُعيدوا ما فقدوه من إمساك مطلق ومريح بقرار العدوان.
من جهة ثانية، وقف كامل الغرب بل كامل الثورة المضادة علانية مع الكيان سلاحا وسياسة وإعلاما، وهذا يعزز احتمال العدوان ولو بشكل موضعي وتكتيكي، اي دخول مستوطنين إلى الأقصى، ومصادرة أرض في هذه القرية اوتلك، لأن فلسطين ليس الأقصى وحده وليست القدس وحدها. علينا أن نُقلع عن القراءة الدينية البحتة للصراع فالعدو هنا ليس فقط لاحتلال الأماكن المقدسة. ألم يحصل تدنيسها بعد عقود من اغتصاب الوطن بأكمله! بل هي أول الأماكن التي يسمح ب “الحرية ” فيها إذا اعطيناه فلسطين. صحيح أن تحريك مشاعر المسلمين والمسيحيين مهم، ولكن دون أن نوصلهم لحظة ضياع البوصلة بأن المغتصب هو الوطن اساسا وأخيراً.
في المقلب الآخر، فإن محور المقاومة حتى وقت الانتصار يعاني إشكالات حادة. ففي حين تتم محاولات مصالحة دمشق مع حماس تخرج علينا حماس بموقف في اليمن موقف “حياد” !! اي حياد في مقاومة شعب ضد انظمة وقوى الدين السياسي والصهيونية والإمبريالية! بقول مختصر، ما يشد حماس هو إيديولوجيا الدين السياسي التركي وفلوس قطر والطائفية . بل كأنها في موقفها من اليمن كأنما تقول لإيران كونوا طائفيين كي نبرر طائفيتنا! فاي استثمار سيء للمقاتلين ضد العدو.
من جهة أخرى هناك تلاقٍ أو تقاطع، ليس شرطاً أن يكون مقصوداً بين إعلام حماس وإعلام الإمبريالية والصهيونية في تكبير دورها وكأنها وحدها التي قاتلت !!!مع أن ما تميزت به هو نتاج التحيُّز لها في التسليح؟ وهذا خلل في محور المقاومة. والسؤال هو: ما الهدف من غمط دور الآخرين؟ هل هو تهيئة حماس لتكون عروس التسوية المقبلة!
إن قيام العدو بعدوان أمر محتمل وهذا يعني أن يكون الجميع على جاهزية للرد.. وربما لخذلان الموقف والرد كان تصريح حماس في اليمن تصريح خلخلة المحور لا تماسكه.
هذا دون أن نخوض في قيام سيدها التركي باستيطان صهيوني في سوريا إلى جانب الاستيطان الكرصهيوني.
ملاحظة1: يقول إيلان بابيه: معظم الصهاينة لا يؤمنون بالله ولكن يؤمنون أنه وعدهم بأرض الميعاد.
ملاحظة 2: منصور عباس يستخدم الله ويخدم الصهيونية.
● ● ●
لأن انتصار سورية لن يبقى في داخلها
رفعت إبراهيم البدوي
أطلق «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» تقريره النصفي الذي تضمن مجموعة نقاط رفعت لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كتوصية بما يخص الملف السوري يحذر من مغبة تطبيع العلاقات بين سورية والدول العربية أو الإقدام على سحب القوات الأميركية من سورية لأن في ذلك اعترافاً واضحاً بفشل المشروع الأميركي فيها وفي المنطقة.
التقرير النصفي لـ«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» جاء تحت عنوان: «التداعيات السياسية لتطبيع الدول العربية مع بشار الأسد» والذي يعبر عن آراء فريق أميركي يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية في سورية متجاهلاً خروج الملايين من السوريين للتعبير عن نصر مبين حققه السوريون بتصميمهم على إيلاء ثقتهم المطلقة بالرئيس الأسد.
التقرير الأميركي رفض الاعتراف بفشل المشروع الأميركي في سورية، ويدعو الإدارة الأميركية إلى عدم الانشغال بالتنافس الأميركي الصيني على حساب وجودها في سورية محذراً من أي تقارب عربي سوري لأن مثل هذا التقارب سيضر بالمصالح الأميركية في سورية والمنطقة كما وأنه يُقر أن هنالك حلفاً إقليمياً نشأ بقوة من البوابة السورية يتمثل بإيران وعلاقتها بمحور المقاومة في كل من العراق وفلسطين ولبنان من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى لأن دعم تلك الدول لسورية سيجعل من النفوذ السوري في المنطقة أقوى من ذي قبل وأن هذا النفوذ القوي سيغير الكثير من معايير وقواعد المشهد إقليمياً ودولياً. ويضيف التقرير بأنه إذا ما عاد النفوذ السوري بقوة فإنه ومن دون شك سيؤثر على الكيان الإسرائيلي وسيحرج المطبعين خصوصاً من خلال ضغط داخلي تبلورت ملامحه بأحداث فلسطين الأخيرة ويهدد أمن اتفاقيات السلام.
ويضيف التقرير: إن السماح للرئيس لأسد باستعادة الشرعية مع الخارج سيشكل خطأً استراتيجياً فادحاً لا يمكن تفسيره لأن المرجح في هذه الحالة أن تواجه الدول العربية التي وقعت مؤخراً على اتفاقيات التطبيع «إبراهام» مع إسرائيل ضغوطاً داخلية أكبر بسبب استمرار صدى القضية الفلسطينية، كما رأينا سابقاً من اتفاقات سلام بارد مع مصر والأردن لذلك فإن التطبيع مع الرئيس الأسد قد يؤدّي إلى تعبئة أكبر ضد الأنظمة العربية المحلية حيث سيُنظر إليها على أنها متواطئة بجرائم إسرائيلية ضد الفلسطينيين.
التقرير الذي رفع لإدارة بايدن حمل تحذيراً من تداعيات التطبيع العربي مع سورية ومما جاء في التحذير: ينبغي للإدارة الأميركية أن تولي اهتماماً وثيقاً بتنبيه حلفائها على تطبيع العلاقات مع الرئيس الأسد، ويجب أن تعمل بجد لثنيهم عن اتباع هذا المسار الخطير وغير الحكيم وقصير النظر ويجب على الإدارة الأميركية أن تشرح لهم أن إعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق تعني تمكين الرئيس الأسد من تنفيذ طموحاته وسيجعل حلفاء واشنطن في المنطقة يعانون من عواقب تثبيت انتصار سورية لأن التجارب أثبتت مراراً وتكراراً أن ما يحدث في سورية لن يبقى في داخل سورية.
ومعهد واشنطن هو معهد بحث أميركي تأسس في 1985 من قبل لجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية المعروفة اختصاراً «أيباك» والهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وأن «أيباك» كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك.
من خلال ما تقدم من توصيات في تقرير معهد واشنطن المعتمد في الإدارة الأميركية يتبين لنا التالي:
أولاً: الكشف عن النوايا الأميركية الاستمرار بحصار سورية وبعدم تنفيذ الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية والإفراج عن ثرواتها الطبيعية من أجل زيادة الضغط الاقتصادي.
ثانياً: الرعب الذي أصاب الإدارة الأميركية وحليفتها إسرائيل جراء نجاح عملية الانتخابات الرئاسية في سورية التي أفضت نتيجتها إلى تجديد ثقة الشعب السوري المطلقة بالرئيس الأسد وبخياراته وبتحالفاته الاستراتيجية.
ثالثاً: إدراك الإدارة الأميركية والعدو الإسرائيلي أن انتصار سورية سيؤدي حتماً إلى انحسار النفوذ الأميركي الإسرائيلي الأمر الذي يشكل انقلاب الصورة لمصلحة الإطاحة بكل أشكال التطبيع الرخيصة والاتفاقات المذلة مع العدو الإسرائيلي وهذا ما يمنح سورية الأسد استعادة المبادرة في زعامة المنطقة العربية.
الرئيس الأسد في كلمته للشعب السوري عقب فوزه بالانتخابات عبر عن إرادة شعب ومحور مقاوم بأكمله وعن تصميم دولة تحترم دماء شهدائها وجرحاها وبأن سورية ستبقى عزيزة ثابتة في مواقفها مصممة على طرد المحتل الأميركي وباقي التنظيمات الإرهابية التي ترعاها تركيا وأميركا وإسرائيل مع بعض العرب حتى تحرير كل شبر من أرض سورية طوعاً أو كرهاً بالسياسة أو بالمقاومة ومهما بلغت التضحيات.
صحيح أن انتصار الرئيس الأسد يعني انتصار سورية وانتصار أصل العروبة وقلبها وبهذا فإن الرئيس الأسد لم يعد رئيساً لسورية أم العروبة وأصلها فقط بيد أنه وبهذا الانتصار وبالتأييد الشعبي الجارف الذي أدهش العالم فقد أصبح الأسد رئيساً مؤتمناً على محور المقاومة بأكمله وما اجتماعه بفصائل المقاومة الفلسطينية بدمشق إلا تأكيد على أن سورية هي الحاضنة والمرجع الأساسي لمحور المقاومة الرافض للسياسات وللمشاريع الأميركية الصهيونية الآيلة إلى تفتيت المنطقة وتشتيت مجتمعاتها وتدمير حضارتها وثقافتها ثم تسليمها للعدو الإسرائيلي.
إن الفرق بين سورية قلب العروبة وأصلها وبين بعض الدول العربية هو أن سورية أثبتت للعالم أنها حرة القرار وأن كل من حاول النيل من سيادتها يساوي صفراً على حين بعض الدول العربية التي تمتنع عن فتح سفاراتها في دمشق خوفاً من مخالفة إرادة البيت الأبيض هم في الحقيقة ليسوا أحراراً في أوطانهم لأنهم جعلوا من بلادهم بشعبهم وحتى من ثروات بلادهم رهائن لإرادة العم سام فيما هم لا يفقهون معنى السيادة الوطنية لأن الحر يبقى حراً ولا تأخذه لومة لائم ومن فوق الطاولة وليس من تحتها أو بالواسطة.
نختم بالقول: إن من يطالب بعودة سورية إلى الجامعة العربية فهو مخطئ لأن سورية هي أصل العروبة وقلبها ومن أراد العروبة الحق عليه العودة إلى سورية الأسد علانية وليس العكس لأن انتصار سورية لن يبقى في داخلها ولأنه سيكتب في كتب التاريخ لتقتدي به الأجيال العربية.
“الوطن”
الثلاثاء، 08-06-2021
● ● ●
ليبيا: من معركة القرضابية رمز الوحدة الوطنية عام 1915
إلى إستراتيجية الناتو للفوضى منذ عام 2011
عام 1915 عندما كانت ليبيا تحت حكم المستعمرين الإيطاليين في ملحمة وطنية ستبقى خالدة، استطاع الليبيون من مختلف المناطق والقبائل – لأول مرة في تاريخهم الطويل بعد مواجهة العديد من الغزاة الفراعنة،والإغريق، والقرطاجينيين، والرومان، والعرب، والعثمانيين -هزيمة المستعمر الإيطالي في معركة القرضابية.
هذه المعركة تبقى رمز الوحدة الوطنية التي شارك فيها جميع أبناء وطن واحد لتحقيق نصر غير مسبوق(انظر حول هذا الموضوع كتاب المؤرخ الإيطالي أنجلو ديل بوكا، “الإيطاليون في ليبيا و “غاز موسوليني.”)
وإذا كان الوضع في ليبيا الآن، كما كتب البروفيسور روبرت شارفين في كتابه الشجاع الأخير “معمر القذافي، محاولة لتغيير العالم”، “فوضوي ومتقلب”، فإن الليبيين فقط هم من يستطيعون حل مشاكلهم آخذين في الاعتبار أن “ليبيا،مثلها مثل أي نظام سياسي في قلب علاقات القوة في الفترة التاريخية الحالية، لم تتمكن من الهروب من الأعباء الحاسمة التي تفرضها القوى المسيطرة “.
يجب على الطبقات العاملة التي كانت الداعم الحقيقي للسيد القذافي والجماهيرية أن تستعيد السيطرة على مستقبلها وأن تعارض ثقافة الإقليمية والمحلية لوضع حد لتشظي المجتمع الليبي.
وقد أشار الكاتب بحق إلى أنه على الرغم من شيطنة وتجريم الزعيم القذافيالمناهض للإمبريالية، الذي أصبح “هتلر الجديد” بالنسبة لمحتكري المعلومات وحكومات الاستعمار الجديد والمثقفين المستعبدين وأصدقاء اليسار الزائفين، فإن التضامن الشعبي الدولي، لم يظهر سوى القليل في حالة الجماهيرية العربية والليبية الشعبية والاشتراكية.
كما “بقيت قيادات الأحزاب الشيوعية الغربية باستثناء الحزب الشيوعي البرتغالي وحزب العمل السويسري على الهامش وكأنهم لم يفهموا طبيعة الثورة الليبية وتوفيقها وبعدها الإسلامي …. ”
وفي هذا الصدد، يعيد الكاتب للأذهان أن المعارضة الوحيدة الواضحة للثورة المضادة للقذافي كانت معارضة 42 حزباً يسارياً في أمريكا الجنوبية، ودول ألبا، مما يدل على أن اليسار الأوروبي أصبح غير قادر على مراعاة التعددية القطبية غير الغربية.
ونود أن نضيف أن هذا لم يكن هو الحال مع اليسار الغربي فقط. لقد تخلى العالم أجمع عن الجماهيرية.
إن المواقف المناهضة للإمبريالية والمواقف الاشتراكية،لثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969،والكتاب الأخضر والديمقراطية المباشرة،والميثاق الأخضر العظيم لحقوق الإنسان،والنظرية العالمية الثالثة لكشف المحتالين “حول الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان،والاشتراكية ” …. والتحريض على قيام الثورات الشعبية من خلال برنامج ” المثابة “، العالمية الجديدة،عجز عن إدراكها أو قبولها من قبل قطاعات من اليسار الغربي، بينما قام اليمين بقمعها.
أما بالنسبة للمناضل الشيوعي روبرت شارفين، فإن عدم الفهم الذي أدى إلى معاداة القذافي هو “مرض غربي حقيقي” بسبب الانغماس في الثقافة والنزعة العرقية.
لقد تم الآن استنفاذمقومات النظام الاقتصادي الأكثر تقدمًا في جميع أنحاء إفريقيا، مع مؤشر تنمية بشرية هو الأعلى في العصر الأفريقي، على الرغم من الصعوبات المتعددة. “الكهرباء نادرة، والغذاء والأدوية، والسوق السوداء، وكل ضروب التهريب التي يمكن تخيلهاتجري في مدينة طرابلس لوحدها تحت سيطرة 53 ميليشيا مسلحة تابعة لمحافظة نصبت نفسها (عبد الحكيم بلحاج) ممولة من قطر… ”
كما يلوح على البلاد في الأفق شبح التفكك المجتمعي بعد ثماني سنوات من عدوان الناتو. “فقد تفاقمت جميع الصراعات، وعادت جميع صراعات المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى الظهور،وأصبحت الدول الغربية”على الرغم من استعدادها للتدخل، تواجه العديد من المشاكل حتى في تحديد القوى التي قد تكون مفيدة لها “.
وخلافا لما نعتقده،فإن الجماهيرية ستولد من جديد، فهي لم “تمت بقتل قائدها، وسيادة ليبيا لم تمح وصوتها في العالم لم ينطفئ”،فمعركة قرضابيةجديدة ممكنة، ويمكنها وضع حد لهذه الفوضى والنهب الاستعماري الجديد.
لقد كان دعمنا للجماهيرية ثابتًا على الدوام حتى عندما لم يكن هناك من يدعمها في الشوارع، ولسنا وحدنا. “يحتاج العالم إلى اختراع حق تدخل الشعوب” روبرت شارفين.
إعداد مكتب المعلومات
ألبا غرناطة شمال أفريقيا
03/05/2021
● ● ●
أميركا تتجسس على حلفائها
و”إسرائيل” تتجسس عليها
د. منذر سليمان وجعفر الجعفريتزامن إعلان البيت الأبيض عن زيارة الرئيس جو بايدن الأولى لأوروبا، من 11 إلى 14 حزيران/يونيو الحالي، مع تبلور أزمة ثقة علنية بين واشنطن وكبار حلفائها الأوروبيين، بعد الكشف عن “تنصّت وكالة الأمن القومي” على كبار السياسيين في ألمانيا والسويد والنرويج وفرنسا، عبر خطوط شبكة الانترنت الدانماركية تحت الماء من العام 2012 إلى 2014.
وقد شمل التنصّت “مراسلات الهاتف الخاص للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركيل، ووزير خارجيتها (السابق) فرانك فالتر شتاينماير، وزعيم المعارضة (آنذاك) بير شتاينبروك، والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون”.
استغلت واشنطن “اتفاقية الكابل” المبرمة مع الدانمارك في تسعينيات القرن الماضي للتجسس على المسؤولين الأوروبيين. تسمح هذه الاتفاقية لواشنطن بالوصول إلى “كابلات الاتصالات السلكية واللاسلكية في (أراضي ومياه) الدانمارك”. وقد آثرت الصمت بعد انتشار الخبر، تأكيداً على سياستها التي تعتبر “العمليات الاستخباراتية السرية أداة مشروعة”. أما الاستخبارات الدانماركية، “شريكتها في الجريمة”، فقد رفضت التعليق على ما نشر.
على الرغم من تحالفهما الاستراتيجي أثبتت واشنطن أنها لا تثق بالمستشارة الألمانية التي عارضت عدوان حلف الناتو على ليبيا في العام 2011، والكشف عن تجسس واشنطن على هاتف ميركل الشخصي في العام 2013، “لشكوكها في مدى توافق مصالح الآخرين مع مصالحها”، بحسب النخب السياسية في مركز أبحاث “مؤسسة أميركا الجديدة”. وتتجسد عدم الثقة بينهما فيما يخص السياسة الأميركية نحو روسيا، وإصرار ألمانيا على استكمال العمل في مشروع بناء أنبوب الغاز الروسي “نورد ستريم 2”.
مقارنة مع عدم الثقة المتبادلة بين برلين وواشنطن، تعزز الأخيرة سبل التعاون الاستخباراتي مع تحالف “العيون الخمس”، أي الدول الغربية الناطقة بالانكليزية، وهي أميركا وبريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا، والتي يشاع أنها “لا تتجسس على قادة بعضها بعضاً”. في حقيقة الأمر، استثمرت واشنطن بشكل دائم وسخي في مقر الاستخبارات البريطانية وقدراتها التي تعدّها “الأكثر قيمة للاستخبارات الأميركية”.
أوضحت الوثائق السرّية التي كشف عنها المتعاقد السابق مع “وكالة الأمن القومي”، إدوارد سنودن، مديات التعاون الوثيق بين جهازي الاستخبارات الأميركي والبريطاني، ما دفع صحيفة “الغارديان” البريطانية القول إن وكالة الأمن القومي الأميركية موّلت ميزانية نظيرتها البريطانية “بنحو 100 مليون جنيه استرليني لمدة 3 سنوات في الحد الأدنى، لضمان نفوذها وسطوتها على برامج التجسس البريطانية”، منها نحو 15.5 مليون استرليني لتحديث مقرٍ استخباراتي موازٍ لها في مدينة “بود” الساحلية شمال شرق كورنوال (“الغارديان”، 1 آب/أغسطس 2013).
وأضافت الصحيفة أن سنودن حذّر من مخاطر العلاقة الوثيقة بين جهازي الاستخبارات المذكورين، “نظراً إلى جهودهما المشتركة في تطوير آليات تعينهما على التقاط مكالمات واتصالات عبر الانترنت وتحليلها، بل إن الجهاز البريطاني أسوأ من نظيره الأميركي”.
وأردفت في توضيح العلاقة الاستخباراتية قائلة إن “وكالة الأمن القومي تتحمل نصف كلفة موقع تنصت بريطاني في قبرص. وعليه، ينبغي للاستخبارات البريطانية الأخذ بعين الاعتبار وجهة النظر الأميركية عند إقرارها بأولوياتها العملياتية”.
لعل الجديد والأكثر خطورة في تعاون واشنطن ولندن الاستخباراتي استحداثهما نظاماً للتجسس على طائرات النقل المدنية منذ عام 2005، “لمراقبة الهواتف المحمولة جواً، وتتبّع إشارات الأقمار الاصطناعية والمحطات الأرضية السرّية”، وهو الأمر الذي أضحى متاحاً بعد سماح معظم شركات الطيران المدني باستخدام الهواتف الخاصة على متنها. من جانبه، نقل سنودن عن وثيقة داخلية لوكالة الأمن القومي في العام 2009 بأن “السماء يمكن أن تصبح مُلكاً للوكالة الأميركية”.
“تجسس إسرائيل” على أميركا
لم يكن الجاسوس مزدوج الجنسية جوناثان بولارد الأول أو الأخير في مسار التجسس “الإسرائيلي” على أركان الدولة الأميركية ومرافقها الرسمية والتجارية والفكرية، وهو الذي أمضى 30 عاماً خلف القضبان. وما فتئت الحكومات “الإسرائيلية” تسخّر ما استطاعت من موارد وجهود ومواطن ضغط من أجل إطلاق سراحه قبل انتهاء محكوميته، ما اضطر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق، جورج تينيت، التهديد بتقديم استقالته، في العام 1998، في حال رضخت إدارة الرئيس بيل كلينتون لضغوط “اللوبي الإسرائيلي”.
الثابت في علاقة الطرفين “المميزة” هو مسار طويل من التجسس المتبادل، أحدثها كان عثور الأجهزة الأمنية الأميركية على “أجهزة مراقبة للهواتف المحمولة قرب البيت الأبيض ومواقع أخرى حساسة في واشنطن” في العام 2019، ولكن لم يقم الرئيس السابق دونالد ترامب “بتوبيخ الحكومة الإسرائيلية” على فعلتها، كما درجت العادة. وأكدت الأجهزة الأمنية الأميركية مسؤولية “إسرائيل” في زرع أجهزة تنصت في أنحاء مختلفة من العاصمة واشنطن.
وعليه، تصدرت “إسرائيل” قائمة الدول النشطة في التجسس على الولايات المتحدة روسيا والصين، بحسب تقارير المسؤولين الأمنيين، كما وثقت نشرة النخب السياسية “بوليتيكو” ذلك بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2019. ونالت “إسرائيل” مرتبة “الاستخبارات الأجنبية المعادية” للولايات المتحدة، بموجب وثيقة استخباراتية سرّية في العام 2013.
وأكد مدير قسم الموارد العالمية لمكافحة التجسس لدى “وكالة الأمن القومي” مكمن الخطر في مذكرة سرّية في العام 2008، بتحديده “إسرائيل” مراراً بصفتها أول مصدر تهديد للأمن القومي الأميركي، قائلاً: “أحد أكبر التهديدات التي تواجهها وكالة الأمن القومي مصدره وكالات استخباراتية صديقة، مثل إسرائيل”.
ومنذ أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001، عززت الأجهزة الأمنية الأميركية جهودها الاستخباراتية. ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أطلقت عليه “الميزانية السوداء” لمجمّع الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، تحدثت فيه عن رصد ميزانية تقدر بـ 52.6 مليار دولار لتلك الجهود في العام 2013 (“واشنطن بوست”، 29 آب/أغسطس 2013).
واستطردت الصحيفة قائلة إن “إسرائيل” جاء ذكرها في نواحٍ متعددة من من تقرير الميزانية المذكورة، بصفتها “هدفاً استخباراتياً رئيسياً”، ووصفت أيضاً بأنها “جهاز استخبارات أجنبي معادٍ” للولايات المتحدة.
الضابط السابق في الـ”سي آي إيه”، بول بيلار، بعد استقالته من الخدمة التي دامت 28 عاماً، كان شاهداً على عدد من حوادث تجسس “إسرائيل” على بلاده، أولها تجسس “الملحق العسكري “الإسرائيلي” في واشنطن، فرايم بن أرتزي” في العام 1948.
وقال لمجلة “نيوزويك” إن “الحركة الصهيونية أرسلت جواسيسها إلى الولايات المتحدة قبل إعلان قيام دولة إسرائيل”، وإنهم “حصلوا على المكونات الرئيسية لقنابلهم النووية من أميركا” (“نيوزويك”، 6 أيار/مايو، 2014).
تورد “وكالة الأمن القومي”، بين الفينة والأخرى، بيانات تتحدث عن “استهداف “إسرائيل” للحكومة الأميركية عبر أجهزة تنصت الكترونية، من ضمنها أجهزة هواتف محمولة مخترقة” اصطلح على تسميتها نظم “ستينغ راي”، والتي تقوم بخداع الأجهزة المحمولة لإرسال مواقعها وبيانات هويتها الخاصة ومحتوى البيانات المستخدمة، وهو ما كشفته نشرة “بوليتيكو” (12 أيلول/سبتمبر 2019).
واستطردت النشرة قائلة إن أحد ضباط جهاز مكتب التحقيقات الفيدرالي أكد أن قسم “مكافحة التجسس” لديه أجرى تحليلاً لتحديد مصدر تلك الأجهزة، “ومن الواضح أن “الإسرائيليين” كانوا مسؤولين” عنها.
يشكو ضباط الاستخبارات الأميركية من إفراط عملاء الاستخبارات “الإسرائيلية” في الثقة بنفسهم وإفلاتهم من العقاب. وقد أوضح المنسق السابق لمكافحة الإرهاب، دانيال بينجامين، الأمر في مقابلة مع نشرة “بوليتيكو”، قائلاً: “أبلغني مسؤول رفيع في الموساد بأن “إسرائيل” لا تتجسس على الولايات المتحدة. فرددت عليه بأن نقاشنا انتهى ما دام يشك في مستوى ذكائي” (“بوليتيكو”، 12 أيلول/سبتمبر 2019).
بناء على ما تقدّم، ليس المراد تحديد حوادث التجسّس المستمرة من تل أبيب ضد واشنطن، وعلى المستويات كافة، بل الإضاءة على زاوية كانت وسائل الإعلام الأميركية، الرسمية وشبه الرسمية، تتفادى الدخول في متاهاتها، تجنباً لعواقبها وما ستسفر عنه من تداعيات على مجمل المشهد السياسي الأميركي.
:::::
مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن
الموقع الإلكتروني:
http://thinktankmonitor.org/
______