كنعان النشرة الإلكترونية – في هذا العدد:
■ في رحيل المفكر سمير أمين
- إرتحل الرفيق المفكر سمير أمين، إرتحل الجبل، عادل سمارة
- نظريته عن «المركز والأطراف» ثورة في الفكر الاقتصادي: «اليسار البديل» يفقد سمير أمين، عثمان تزغارت
■ بيئة- رأس المال ضد صحة الإنسان، الطاهر المعز
■ عملية تحرير ادلب: كيف تذلل سورية العوائق وتنطلق، امين محمد حطيط
■ قراءة في كتاب”حلم رام الله: رحلة في قلب السراب الفلسطيني”
● ● ●
إرتحل الرفيق المفكر سمير أمين، إرتحل الجبل
عادل سمارة
الأرض المحتلة
لم أجد أمام هذا الموقف الخلودي معنى لقول الرثاء أعلى من أن تحضرني ربما الجملة الأولى في أسطورة جلجامش: “هذا الذي رأى كل شيء، فغنِّي بذكره يا بلادي”. استعيد هذه الجملة الأبدية البقاء حيث تليق بالرفيق والزميل المفكر سمير أمين، ولكن تصدَّني حالة بلادي، لا مستقبلها . سوف يذكر سمير أمين إنتاجه الفكري العميق والرصين.
تصدَّني حالة بلادي ديالكتيكيا بالضبط والتحديد، جدل الرؤية التي اضاء بها امين هذا العالم وخاصة عالم وطننا العربي، والصدُّ في مواجهة ذلك من طبقات الكمبرادور وقوى الدين السياسي التي ترمي الوطن بقطع من الليل/العتمة. لهذا بالتحديد لم يرحل سمير أمين بل ارتحل لأن فكره يقاتل طبقياً بعده إلى ما شاء الكون أن يستمر. وسيستمر. ويصدني حال الكوكب الذي تحرقه نار الرأسمالية بل الثورة المضادة التي عاش وارتحل سمير أمين وهو يقاتلها. لم يُلقي سيف الفكر من دماغه.
سمير امين، ليس الماوي الأخير، لأن الفكر ليس سلعة صناعية معمِّرة حيث الأطول عمرا منها عشر سنوات. الفكر يعيش إلى الأبد وخاصة الفكر الشيوعي الإنساني ومنه تاجه المساهمات الماوية.
سمير امين قاتل فكريا وميدانيا من أجل الاشتراكية بل الشيوعية. كان أكثر مفكري الشيوعية الذين اضطر أهل الفكر البرجوازي/ أي ادوات الاستعلال والحرب والموت للرد عليه، وكذا مفكري التحريفية السوفييتية. وسمير أمين قرر أن يبقى في العالم الثالث دون الانقطاع عن العالم بأسره. لم تتمكن أكاديميا الغرب المركزاني من اختطافه ببريقها فعاش في إفريقيا ولم يبتعد عنها حيث غاص في رحمها وحسب. هو انتقال بمسافة متر واحد. وسيحرس فكره هذا الجدث المقدس إلى الأبد. بقي على الأرض وفي الأرض مبتعدا عن وجه التراب مترا واحدا، وظل مبتعداً عن الطبقات الحاكمة بُعد النقيض التناحري عن نقيضه.
عاش وارتحل مع الثورة وللثورة، ورأى جيداً ان قوى الدين السياسي ليست الغد بل هي الأمس مستميتة لتكسب صبحاً جديداً فكان منها الليل والدم والموت والفقر والتبعية.
وإذا كان البعض من أعماله قد نُقل إلى العربية أو وُضع بالعربية، فإن ثروته التي لا تقل أهمية هي في مجلة مونثلي ريفيو Monthly Review التي منها تعرفت إلى إنتاجه بعد خروجي عام 1972 من سجون الكيان الصهيوني وتتلمذت على هذه المدرسة ومنها سمير أمين.
ليس هنا مقام الحديث الطويل، نظريا علميا او عاطفياً، نعم لنا عواطف ومحبة ايضاً بل نحن الأجدر بها لأن سمير امين الشيوعي الذي عاش للناس لا لذاته. وهذا معيار الشيوعية الحقيقية لأنها الناس وهي الناس، هي الطبقات الشعبية في صراعها ضد الاستغلال والفساد واللصوصة والدم والحرب والعسف والعنف الذي يأكل جسد البشر وثنايا تاريخه.
التقيت سمير امين في مؤتمر في باريس عام 1995، وأسعدني ما دار بيننا من حوار وأحرجني تواضعه حيث أصر على ان يترجم حديثي الطويل في ذلك المؤتمر العالمي.
وأحتفظ له بما هو أهم حين قال لي ذات يوم، بعد كارثة اتفاقات اوسلو، مغتبطاً: “أنا قادم إلى جامعة بير زيت”. فوجئت، فقلت له لكنها تحت الاستعمار الاستيطاني الاقتلاعي ومجيئك تطبيعٌ. قال: اللهْ مفيش استقلال! قلت له ومن قال لك أننا لسنا تحت النعال! ألغى الرجل الرحلة، ولم يكن لي سوى التقاط خطورة مروجي استدخال الهزيمة وخبثهم. كان من السهل خِداع سمير امين وغيره من المفكرين الذي لا يهرمون نضالياً لكن قوة إعلام وأكاديميا اللبرالية والتبعية يمكن ان يضلل كثيرين.
كنت سعيداً بما دار بيننا من حوار حول أكثر من مسألة كان دائماً على الدرجة الأعلى من الشرف النظري الثوري. وإذا لم يكن بين الثوريين نقاش وخلاف وجدل، فما معنى الزعم بأن مسار الديالكتيك إلى الأعلى، مسار التاريخ إلى الأمام، او قول ناظم حكمت:”إن أفضل سِنِيْ العيش حتما هي التي ستاتي” وإتيانها الفكري الأكيد هو في الجدل والحوار.
في القول في ارتحال سمير أمين يحضرني المتنبي لا شك بقوله:
نُعدُّ المشرفية والعوالي…وتقتلنا المنون بلا قتالِ
ونرتبط السوابق مُسرجاتٍ…وما يُنجينَ من خبب الليالي.
ولكن إحذروا السطو على فكر سمير أمين، سرقة مواقفه وخاصة من ثعالب مطلية بالأحمر الذي تكشَّف عن تواطؤ مع المحافظين الجدد والوهابية النفطية الريعية والصهيونية، ولم ينكشف بعد كل شيء.ألم يتم السطو على مواقف تشى جيفارا ممَّن خانوا كوبا وفنزويلا وإبداع ناجي العلي من قاتليه!
سيبقى فكر سمير أمين يضيء الليالي العتيمات، إقرؤوه واحموه وانقلوه إلى الآتي زمناً وبشراً.
● ● ●
نظريته عن «المركز والأطراف» ثورة في الفكر الاقتصادي: «اليسار البديل» يفقد سمير أمين
عثمان تزغارت
عن 87 عاماً، انطفأ المفكر وعالم الاقتصاد المصري (1931 ـــ 2018)، أحد أكثر الباحثين العرب تأثيراً في الفكر الاقتصادي العالمي منذ منتصف القرن الماضي. من رحم الحراك العالمثالثي، الذي انخرط فيه باكراً، وشكّل لازمة في مساره الفكري والنضالي، نحت سمير أمين ثلاثيته الأشهر
باريس | غيّب الموت في باريس، المفكر وعالم الاقتصاد المصري سمير أمين (1931 ـــ 2018)، أحد أكثر الباحثين العرب تأثيراً في الفكر الاقتصادي العالمي منذ منتصف القرن الماضي. من رحم الحراك العالمثالثي، الذي انخرط فيه باكراً، وشكّل لازمة في مساره الفكري والنضالي (ظل حتى وفاته يرأس «منتدى العالم الثالث»)، نحت سمير أمين ثلاثيته الأشهر «التراكم على الصعيد العالمي» (منشورات ابن خلدون – بيروت – 1973)، «التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة» (دار الحقيقة – بيروت – 1974) و«التطور اللامتكافئ» (دار الطليعة – بيروت – 1974). ثلاثة كتب مرجعية طوّر فيها سمير أمين نظرية اقتصادية اشتهرت باسم «نظرية المركز والأطراف» ثوّر من خلالها الفكر الاقتصادي الحديث، منطلقاً من حقيقة تاريخية تتمثل في كون المركز الرأسمالي الغربي حقق هيمنته الاقتصادية على مرحلتين: الأولى استندت إلى أنماط تراكم عنفية، كالنهب والعبودية والاستعمار، بينما ارتكزت الثانية إلى التفوق التكنولوجي ومردودية رأس المال.
من هذا المنطلق، خلص صاحب «الإمبريالية والتطور اللامتكافئ» (منشورات منتصف الليل – باريس – 1976) إلى أن لحاق الأطراف غير الغربية بالمركز المهيمن، لا يمكن أن يتحقق إلا عبر خلق مراكز أخرى، لأن «تطور الأطراف تصده أنظمة التبادل غير المتكافئ. وبالتالي لا يمكن لاقتصادات الأطراف أن تخرج من الحلقة المفرغة للتبعية إلا عبر إطلاق أنماط تطور لها مركزيتها الخاصة».
هذه النظرة الطليعية خوّلت سمير أمين الإسهام في نقد التجارب الشيوعية السوفايتية والماوية، اللتين تحمس لهما في شبابه. لكن تلك الرؤى النقدية لم تنطلق من ردة فكرية، بل استندت إلى مرجعيات أصولية ماركسية. بالتالي انصبت في إطلاق تيار «اليسار البديل»، ذي المنحى العالمثالثي، الذي كان سمير أمين أحد أقطابه، إلى جانب مفكرين طليعيين كبار، أمثال فرانز فانون، وعلي شريعتي، وأندريه غودار فرانك وسيمون ماليه، وغيرهم.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انبرى صاحب «قطع الصلة، من أجل الخروج من النظام العالمي» (منشورات لاديكوفيرت – باريس – 1986) لمقارعة الهيمنة الأحادية الأميركية، من خلال سلسلة من المؤلفات التي أصدرها تباعاً عن منشورات «لارماتان» في باريس، ومن أهمها: «إمبراطورية الخراب، العولمة الرأسمالية الجديدة» (1991)، و«الإدارة الرأسمالية للأزمة» (1995)، و«تحديات العولمة» (1996)، و«نقد روح العصر» (1997).
هذه الإسهامات البحثية جعلت من سمير أمين أحد المرجعيات الفكرية الأبرز للتيارات المناهضة للعولمة التي برزت مع مطلع الألفية الجديدة. تيارات لم يكتف صاحب «الفيروس الليبيرالي» (منشورات «لو تون دي سوريز» – باريس – 2003) بالانخراط فيها كناشط من خلال «منتدى العالم الثالث» الذي كان يرأسه إلى غاية وفاته، بل واكبها أيضاً بالفكر والتنظير، من خلال أعمال عدة، منها «الهيمنة الأميركية وإنمحاء المشروع الأوروبي» (منشورات «لارماتان» ــ باريس ــ 2000)، و«ما بعد الرأسمالية الخرفة، من أجل قرن 21 غير أميركي» (منشورات برس أونيفرسيتير دو فرانس – باريس – 2002)، و«من أجل عالم متعدد الأقطاب» (منشورات سيليبس – باريس – 2005).
المنحى الأممي لأبحاث وكتابات سمير أمين لم تمنعه من الاهتمام بالهم القومي العربي، فأول كتاب أصدره في باريس كان مخصصاً لـ «مصر الناصرية» (منشورات منتصف الليل – 1964). وفي مجال اختصاصه كعالم اقتصاد، أصدر «الأمة العربية، القومية وصراع الطبقات» (دار ابن رشد – بيروت – 1978)، و«المغرب العربي المعاصر» (دار الحداثة – بيروت – 1981)، و«الاقتصاد العربي المعاصر» (دار الرواد – بيروت – 1982). أبحاث دحض فيها الأطروحات التوفيقية التي كانت تروّج، آنذاك، لازدواجية اقتصادية يتعايش فيها الاقتصاد الحديث مع البنى التقليدية.
إلى جانب ذلك، كانت لسمير أمين إسهامات فكرية أخرى انصبت في الهم السياسي والاجتماعي العربي، ومن أبرزها «أزمة المجتمع العربي» (دار المستقبل العربي ـ القاهرة – 1985)، و«بعض قضايا للمستقبل» (دار الفارابي – بيروت – 1990)، و«حوار الدين والدولة» (بالاشتراك مع برهان غليون – المركز الثقافي العربي – بيروت – 1996)، و«في نقد الخطاب العربي الراهن» (دار العين – القاهرة – 2009).
وقد كان آخر تلك المؤلفات كتابه «العالم العربي: ربيع الشعوب؟» (منشورات تون دي سوريز – باريس – 2011)، الذي كان أول عمل بحثي سلّط على ثورات «الربيع العربي» نظرة نقدية، منذ الأشهر الأولى لانفجارها. بالرغم من التفاعل العالمي مع ثورات «الربيع العربي»، التي اعتُبرت في بداياتها إيذاناً بحراك عالمي من شأنه أن يؤسس لأنماط جديدة من الثورات الشعبية، إلا أنّ سمير أمين لم يتردد في التغريد خارج السرب، محذراً بعد أقل من ستة أشهر على هروب بن علي وسقوط مبارك، من المنزلقات والمخاطر التي تتهدد الثورات التي أطاحت بهما، متنبئاً بأن طابعها العفوي سيجعلها عرضة للاختراق والتلاعب من قبل التيارات الإسلاموية والقوى الغربية الكبرى.
:::::
“الأخبار”
● ● ●
بيئة- رأس المال ضد صحة الإنسان
الطاهر المعز
يُعْتَبَرُ “غليفوسات” (من تصنيع شركة “مونسانتو”) من أكثر المبيدات الفعالة المستخدمة للقضاء على الأعشاب الضارة، وتُسَوِّقُهُ “مونسانتو” تحت الإسم التّجاري “رونداب”، و”غليفوسات” هو عبارة عن مادة كيماوية تدخل في تركيب المبيدات التي تقضي على الأعشاب الضارة فقط دون التأثير على المحاصيل، ولهذا يتم استخدامها بشكل واسع منذ سبعينات القرن الماضي، ولكن مع الاستخدام المكثف تقل فعاليته ضد بعض الأعشاب التي تصبح مقاومة له ولا تتأثر به، ما يدفع المزارعين إلى زيادة كمية المبيد، وهو ما يزيد من مخاطره الصحية على البشر وعلى النّبات والمحاصيل الزراعية، وأشارت نتائج دراسات عديدة إلى “مخاطر احتمال إصابة الإنسان بمرض السّرطان”، ومن بينها دراسة أجرتها وكالة دراسات السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية (الأمم المتحدة)، واستنادًا إلى هذه الدراسات، صَنّفت منظمة الصحة العالمية (في نشرتها الصادرة في آذار/مارس 2015) مادة “غليفوسات” ضمن المبيدات المسببة للسرطان، وأفادت تقارير حديثة اكتشاف مادة غليفوسات في 14 نوع من الجعة (البيرة) في ألمانيا، وفي عدة أنواع من النبيذ الذي تم إنتاجه في كاليفورنيا، بما فيها النبيذ المنتج من عنب كروم حيوية يفترض أنها لا تستخدم أسمدة ومواداً كيماوية، بحسب موقع “ايكو ووتش” الأمريكي، وقد تصل هذه المادّة الخطيرة إلى جسم الإنسان عبر مياه الشُّرْب والمواد الغذائية أو العمل في المَزَارِع، وتتسرب هذه الالآثار السلبية إلى الجسم بطيء ويستمر تراكمها على مدى أشهر وسنوات، وتؤثر بشكل مباشر على البكتيريا الموجودة في الأمعاء، بحسب دراسة نشرتها مؤسسة “هاينريش بول” الألمانية…
تأسست شركة “مونسانتو” في بداية القرن العشرين في الولايات المتحدة، وتُشَغِّلُ أكثر من 23,3 ألف عامل وباحث وموظف، وتفوق عائداتها السنوية 15 مليار دولارا، واستحوذت عليها الشركة الألمانية “باير” للعقاقير والكيماويات في حزيران/يونيو 2018 مقابل 63 مليار دولارا، وشركة “مونسانتو” شركة ضخمة ومتعددة الجنسية (ذات مَنْشَأ أمريكي) ولها من المال ومن الخبرات والعلاقات ما يُطِيحُ بحكومة، فما بالك بتقرير يُصْدِرُهُ عُلماء في مختبر أو منظمة، ولو كانت هذه المنظمة عالمية وتُسمى منظمة الصحة العالمية… خَصَّصَت “مونسانتو” مبالغ هامّة لشراء ذمم عُلماء مَشْهُورين وَقُّعُوا تقارير علمية أعدتْها مونسانتو، للتشكيك في نتائج الدراسات التي تُظْهِرُ مَخاطر مادة “غليفوسات”، وشَهَّرَتْ “مونسانتو” ببعض العُلماء والباحثين، وتسببت في طَرْدِ بعضهم من العمل، وتمكنت من التفاوض مع مراكز بُحُوث وجامعات عديدة بهدف إصدار تقارير تدعو إلى “التّريّث” وتُؤَكّد “الحاجة إلى المزيد من الدراسات والأبحاث لتأكيد ما توصلت إليه الدراسات السابقة، عن مخاطر غليفوسات وتسببه في مرض السرطان”، وبلغ عدد البحوث والدراسات التي تُشَكِّكُ في صحة الأخطار التي يسببها حوالي 800 بحث مدفوعة الأجر، على مدى أربعة عقود، ينجزها في العديد من الحالات موظفوا مُخْتَبَرات الشركة ويُوقّعُها علماء بأسمائهم، مقابل مبلغ بمعدل 25 ألف دولار عن التقرير الواحد…
أكّد بحث صدر في دورية ( Entropy ) وجوده مُبيد “غليفوسات” في العديد من الأغذية، كما أَكّد إمكانية تأثيره على الأمراض المزمنة والحديثة عبر تثبيطه عمل إنزيم ( Cytochrome P450 )، ولكن الشركة شَكّكَتْ بنتائج هذا البحث بتهمة “التحيز والتمييز”، وبلغت القوة بالشركة (ذات الذراع الطويل) حَدَّ التَّشْكِيك في نتائج بحوث منظمة الصحة العالمية، لكن تَكاثرت وتراكمت الحُجَج العلمية التي تُدِين مُنْتجات الشركة، حتى في الولايات المتحدة، مما اضطر إدارة الأغذية والعقاقير ( FDA ) إلى تنفيذ حملة واسعة لفحص المنتجات الغذائية، والتّثَبُّت من إمكانية احتواء العديد من المبيدات ومنها “غليفوسات”، على مواد مُضِرّة بالصحة أو مُسَرْطَنَة، ولكن نُفُوذ شركة “مونسانتو” كان أقوى وأكبر من نفوذ الوكالة الحكومية التي اضطرت لوقف الحملة…
تُواجه شركة “مونسانتو”، منذ بداية شهر تموز/يوليو 2018، مئات الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة (منها شكوى أكثر من 400 مُزارع) بعد أن أعطى القضاء الأمريكي الضوء الأخضر لقبول الدعاوى، بعد أسابيع من الدراسة وسنوات من النزاع القضائي، ويَدَّعِي مُقَدِّمو الشكاوى “إن مونسانتو على علم منذ مدة طويلة بأن المبيد يسبب سرطان الغدد الليمفاوية (لاهودجكن)، ولكنها لم تحذر المستخدمين”، بل بقيت تُرَكِّزُ على السعر الرخيص وعلى فعالية المُبِيد في القضاء على الأعشاب الضارة دون الإضرار بالمحاصيل الزراعية، وأقرت محكمة أمريكية بمدينة “سان فرنسيسكو” يوم الجمعة 10 آب/أغسطس 2018، وذلك لأول مرة، وبعد ثلاث سنوات من التّحَرِّي، بمسؤولية مبيد “غليفوسات” المستخدم في الزراعة، في إصابة البستاني الأمريكي، السيد “ديواين جونسون” بالسرطان (وعمره 46 سنة)، وقضت بتسديد الشركة المصنعة “مونسانتو” 290 مليون دولار كتعويض للضحية، بسبب إخفاء خطورة المبيدات التي تصنعها على صحة الإنسان، مما جعل السيد جونسون يُصاب بسرطان يصيب الجهاز اللمفاوي ولا ينفع معه علاج، وقد يفتح هذا الحكم الباب أمام آلاف الملفات الجديدة المشابهة، وأصدرت الشركة بلاغًا ذكرت فيه أنها ستستأنف الحكم، وأكدت أن مبيد “غليفوسات ليس مسرطنًا أبدًا، وغير مسؤول عن مرض المدعي”… المعلومات الواردة من أ.ف.ب + رويترز +
موقع مجلة “ديرشبيغل” الألمانية من 2016 إلى 11/08/18
● ● ●
عملية تحرير ادلب: كيف تذلل سورية العوائق وتنطلق
العميد د. امين محمد حطيط
مع الفراغ من معركة الجنوب واكتمال اجتثاث الإرهاب المتعدّد العناوين منه، بات منتظراً أن تتوجّه القوات السورية الشرعية مع حلفائها نحو الشمال الغربي لتحرير منطقة إدلب وريفها امتداداً إلى الريف الغربي لحلب والريف الشمالي للاذقية وربطاً ببعض الريف الغربي لحماه وصولاً الى الحدود مع تركيا. ومهما كانت طبيعة هذه المعركة والمحاذير والعوائق التي تمنعها او تتعجل اتخاذ القرار بفتحها مقيداً او حذراً، فإنّ الدولة السورية ومن رأس الهرم فيها حسمت الجدل وقرّرت التوجّه الى إدلب في سياق جدول الأولويات الموضوع لحرب تحرير سورية من الإرهاب ومن كلّ محتلّ أجنبي أياً كان هذا المحتلّ، كما قال الرئيس الأسد. وعليه لم يعد
السؤال هل تنفذ معركة إدلب، بل السؤال بات متى وكيف تكون عملية التحرير؟
ونبدأ بالزمان. وهنا نعتبر أنّ ما يشاهد على الأرض من تحضيرات متعدّدة الوجوه يعني وبكلّ وضوح انّ الإعداد للمعركة بدأ وهو قائم على قدم وساق، وقد ابتدأ فعلاً منذ اللحظة التي حسمت فيها معركة الجنوب استراتيجياً وعسكرياً، وقبل أن تنتهي ميدانياً أي منذ أن ظهر أنّ الإرهاب في الجنوب قد انهار ودخل مرحلة التصفية والاجتثاث النهائي، وبالتالي انطلقت الحكومة السورية في عملية التحضير لمعركة الشمال، بعد أن اتخذ القرار بإجرائها لاستعادة منطقة ذات خصوصية بالغة الأهمية الى كنف الدولة.
بيد أنّ اكتمال التحضير للمعركة مرتبط عضوياً بطبيعة تلك المعركة وخصائصها، حيث إننا نرى انّ هذه المعركة تتميّز عما سبقها بكثير من العناصر سواء في ذلك بما يتعلق بالمسلحين ومسارات التحرك أمامهم، أو بوجود المحتلّ الأجنبي فيها فضلاً عن مساحة المنطقة وموقعها الجغرافي واتصالها بتركيا.
ففي الميدان يحتشد ما يزيد على 65 ألف مسلح إرهابي البعض يقدّر هؤلاء بـ 100 ألف. وهو رقم مغالى فيه ويروّج له إما عن جهل أو عن سوء نية لتثبيط عزيمة الحكومة السورية والحلفاء لخوض هذه المعركة . وقد احتشدت هذه المجموعات الإرهابية إما تأسيساً في المنطقة منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه عملياتها الإرهابية في جسر الشغور في العام 2011 او بعد أن اعتبرت ملجأ للإرهابيين الذين هزموا في معارك أخرى على الأرض السورية واقتضت عمليات التسوية إخراجهم من الميدان ونقلهم الى مستودعات إدلب التي تحوّلت بعد الإنجازات العسكرية السورية في تحرير الأرض من الإرهاب الى الملجأ الأخير ومركز الثقل النوعي السياسي والاستراتيجي والعسكري الأساسي والأخير للإرهابيين والذي يعني أنّ خسارته من قبلهم تعني انتهاء العدوان على سورية والانتقال الى مرحلة جديدة ليس فيها شيء من المخاطر والتهديدات التي شكّلتها الحرب الكونية على وحدة سورية وموقعها الجيوسياسي ودورها الاستراتيجي الذاتي وفي الإقليم.
أما في الجغرافيا فإنّ المنطقة التي تزيد مساحتها عن 10.000 كلم2 وتتصل مباشرة بالحدود التركية ولمسافة تتعدّى ال 100 كلم، وهي منطقة من حيث الطبيعة منوّعة فيها الجبال والهضاب المناسبة لقتال الجيل الرابع، كما أن فيها بعض المنبسطات التي تتيح استعمال أسلحة الصدم المدرّع وحركة الآليات المجنزرة والمدولبة على حد سواء.
أما من ناحية التدخل الأجنبي، ورغم أن كل الحرب العدوانية على سورية إنما هي قرار أجنبي اتكأ على جماعات محلية، وأن كل ما قيل عن ثورة وما شاكلها إنما هو نفاق لتغطية هذا العدوان وتبريره، فإن اليد الأجنبية تحضر وتتدخل في تلك المنطقة بشكل مباشر وبقوة وأشد وضوحاً من أي منطقة سورية أخرى، حيث تحوّل الوجود التركي الذي كان يفترض أن يكون وجوداً متفقاً عليه في إطار عملية أستانة وما نجم عنها من منظومة مناطق خفض التصعيد، احتلالاً مكتمل العناصر والتأثير على مساحة تكاد تصل الى ثلث المنطقة المقصودة.
وعلى ضوء ما تقدّم ونظراً لهذا الخصائص فإن التحضير للمعركة أخذ بعين الاعتبار العوائق والقيود التي تعترض عملية التحرير المطلوبة، خاصة أن البعض يراهن او لا يزال يراهن على بعض الأوضاع الخاصة التي من شأنها أن تشكل عوائق وتمنع القيام بعملية تحرير واسعة وشاملة لكامل المنطقة ويطمح الى بقاء بعض المواقع خارج اليد السورية من أجل تحويلها أوراقاً مخارج أو تفاوض أو ضغط اثناء العملية السياسية التي تريدها القوى الأجنبية في مسار يأتي خلافاً لما يريده الشعب السوري.
وعليه، فإننا نرى أن سورية وعلماً منها بما يخطط ويحاك لمنع العملية فإنها اتخذت لكل موقف علاج وحل ينسجم مع المبادئ الرئيسية التي خيضت الحرب الدفاعية منذ نيّف وسبع سنين على هديها، ولذلك نرى ان معركة إدلب هي أيضاً ستكون تحت هذه المبادئ وإن ما يقال عن خصوصية وعوائق سيعالج وفقاً للاستراتيجية الدفاعية السورية وعلى ضوء القدرات المتاحة كما يلي:
بالنسبة لتعقيدات الميدان عسكرياً. فإنّ الأمر أبسط مما يهوّلون، حيث إن الحشد الإرهابي المؤلف من 65 ألفاً لن يكون كله في المواجهة في الميدان، بل إن بعضه سيكون في مواجهة البعض الآخر في عملية تنازع وتآكل إرهابي ذاتي. وقد بدا هذا في بالفعل في عملية تفكيك وتركيب المجاميع الإرهابية. والبعض الآخر سيكون جاهزاً للتسويات السلمية والخروج من الميدان طلباً للنجاة الذاتية من دون قتل بما يذكر بعمليات مشابهة أخرى حصلت مؤخراً في الغوطة ودرعا والقنيطرة وقد بدأ هذا فعلاً وإن بشكل خجول في البداية، أما الجزء المتبقي فقد أعدت له الدولة من القوى ما يكفي ويزيد عن احتياجات المعركة. ولهذا كانت ولا زالت عملية تحشيد القوى للهجوم مستمرة لتشكل رسالة قوية لمن يكابر ويُصرّ على القتال.
بالنسبة لمنظومة خفض التوتر والتي بمقتضاها نشرت في المنطقة أكثر من 32 نقطة مراقبة عسكرية من قوات إيرانية وروسية وتركية. فإن هذه المناطق بالمفهوم الحقيقي والمصطلح الذي يجب أن يعمل به وعلى أساسه قبلت به سورية، فإن هذه المناطق مرحلة انتقالية بين وضع الخروج على الشرعية والتمرّد والعدوان ووضع العودة الى الوطن وكنف الشرعية وليست في أي حال وضعاً نهائياً يجيز لأحد المس بوحدة الدولة وسيادتها وقرارها المستقل. وفي هذ المجال نجد أن تركيا نكثت بوعودها وباتت الدولة السورية في حل من التزاماتها بهذه المناطق إذ بدلاً من السير باتجاه الشرعية قامت تركيا ومعها بعض المجموعات الإرهابية بعمليات احتلال وامتنعت عن تصفية الإرهاب، حيث كان عليها أن تفعل. وبالتالي كما حدث في الغوطة وبعدها في الجنوب السوري لم يعد لخفض التوتر قيمة ولا يشكل بذاته عائقاً أمام عملية التحرير.
أما عن المواجهة العسكرية مع تركيا كما يتخوّف أو يروّج البعض، ورغم أننا لا نثق مطلقاً بالموقف والسلوك التركي خاصة أن القيادة التركية القائمة تميّزت بعدم الواقعية والجموح العدواني غير المشروع. وكانت منذ البدء رأس الحربة الأساسي في العدوان على سورية، رغم كل ذلك فإننا نرى أن المتغيرات الميدانية السورية والتقلبات في معادلات الإقليم ومتغيرات المسرح والعلاقات الدولية كلها تفضي إلى ما يشبه اليقين بأن تركيا لن تكون في موقع تناجز فيه الجيش العربي السوري القتال لتمنعه من تحرير أرضه من الإرهاب. فتركيا اليوم في قدراتها ليست كتركيا قبل سبع سنوات ومَن ينظر إلى علاقات تركيا مع إيران وروسيا وأوروبا وأميركا يعرف ماذا نقصد ويعرف كيف على تركيا أن تتصرف أو ماذا بإمكانها أن تفعل.
وعلى ضوء ذلك نرى عملية تحرير إدلب وكامل المنطقة المحيطة بها حتى الحدود الدولية مع تركيا، هي عملية لا بدّ أنها حاصلة وستكون عملية مركبة من عمل سياسي تصالحي، وقد بدأ قبل أن تبدأ المعركة وما نشهده اليوم من انقلاب البيئة الشعبية ضد المسلحين هو أحد الدلائل على ذلك، ومن عمل عسكري للضغط لاقتياد الجماعات الى العملية السلمية التصالحية، ويبقى العمل العسكري المحض الذي سيكون قاسياً في بعض المواقع، لكنه سينتهي الى اجتثاث الإرهاب وإخراج المقتل التركي من الأرض السورية، وما المسألة الا مسألة أيام قليلة وتطلق الصفارة إيذاناً بحلول الساعة الصفر بتوقيت دقيق تحدّده القيادة السورية صاحبة القرار الأول والأخير في عملية التحرير.
:::::
“البناء”
● ● ●
قراءة في كتاب”حلم رام الله: رحلة في قلب السراب الفلسطيني”
رام الله “عاصمة السراب”… حقائق صادمة
فتح ميديا – وكالات
قدم الصحافي “بانجمين بارت”، صورة مفصلة، ودقيقة، ومثيرة، وصادمة للأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، من خلال عمل ميداني، ومقابلات، وأرقام… تضمنها كتابه “حلم رام الله: رحلة في قلب السراب الفلسطيني”.
“بارت” الذي عمل مراسلا لصحيفة “لوموند” الفرنسية في رام الله ما بين عامي 2002 و2011، يتحدث عن طبقات استحدثت، وخطط لسلام اقتصادي، لإطالة أمد الاحتلال، وتحسين صورته، وعن مناضلين ومثقفين تخلوا عن المبادئ. من أجل أوهام عامة، ومكاسب خاصة.
ويدرك بارت من خلال كتابه استحالة بناء اقتصاد في ظل احتلال، وكذلك سلطة، ومؤسسات، ولكن هذا قد لا يكون وجهة نظر دول وطبقات وفئات تستفيد من الوضع الجديد، ومن أموال المانحين السياسية التي تتدفق تحت عنوان عام، لدعم مسيرة السلام، وتسريع حل الدولتين، ولكن ما يحدث في الواقع، هو قضم المزيد من أراضي الفلسطينيين، وتقويض أي أمل في حل الدولتين، وهو ما يدركه المانحون، من خلال التقارير العلنية أو المسربة، ولكنهم يستمرون في لعبة لا تنتهي، في وضع فانتازي.
يكتب بارت: “هذا البلد المستحيل والمأساوي والعبثي الرائع الذي يشبه بأجوائه روايات فرانز كافكا، ولويس كارول، اسمه فلسطين، أو بالأحرى الضفة الغربية”،
ويضيف: “رام الله أقل مجونا من تل أبيب وأقل بهرجة من بيروت، لكنها أكثر إثارة للدهشة من الاثنتين، وهي الآن الفقاعة الجديدة في الشرق الأدنى”.
“عاصمة السراب الفلسطيني” كما يسميها المؤلف، التي تتعرض لاقتحامات الاحتلال الليلية، ومحاصرة بالمستوطنات والحواجز، لا تكف عن محاولة الظهور بمظهر الحياة الطبيعية: “منذ عام 2007، تفتتح حانة جديدة أو مطعم عصري كل ثلاثة أو أربعة أشهر”، ومن هذه المطاعم من يحاكي الأناقة الباريسية، أو السحر اللاتيني. إنها الزبد التي تحاول إخفاء ما يدور في المدينة، التي يوجد فيها عدة مخيمات للاجئين، التي يزيد فيها الفقراء فقرا، في حين تتكون فيها طبقات سريعة الثراء، بقرارات فوقية، ترى بوجود مثل هذه الطبقات ضرورة لسلام من نوع خاص، والمقصود في الواقع سلام الاحتلال، وجعله احتلالا مقبولا ورخيصا، بل مربحا، فكل تدفق لأموال مانحة، هناك طرق كثيرة، ليذهب جزء منها إلى خزانة آخر احتلال، الذي يحظى بالتدليل.
خرافة المجتمع المدني
وينقل المؤلف عن دبلوماسي فرنسي قوله إن وكالات التنمية الدولية لا تتكلم سوى عن “تقوية المجتمع المدني، لكنها غالبا ما تفعل عكس ذلك؛ فهي تقوض قدرته على اتخاذ المبادرة وتحوّل المناضلين إلى مقاولين من الباطن، أي إلى زبائن”، يشدد هذا الدبلوماسي: “المساعدة الدولية في الأراضي المحتلة هي آلة ضخمة لنزع الصفة السياسية عن حركة التحرير الوطنية الفلسطينية”.
لقد أصبحت رام الله دون أن تدري أو تعترف، مركزا ماليا وسياسيا، مكانا معزولا للشخصيات الفاعلة، وعاصمة لدولة مفقودة. ينقل المؤلف عن ناصر أبو رحمة قوله: “منطقة رمادية، غير محتلة مباشرة، وليست حرة فعليا، وهي محاصرة ولكنها تعج بالحياة”. أما يزيد عناني فيقول: “تتحول المساحة العامة إلى مساحة تجارية. وتنتشر أشكال التنظيم المدني الليبرالي الجديد في كل مكان. انبثق عن هذا التحول وهم التعايش بين كل من الحرية والازدهار والاحتلال. إنه لـ(هبل) كامل.
لن تكسب رام الله شيئا، إذا أرادت أن تقلد دبي أو عمان”.
خطبة ابنة مروان البرغوثي
يظهر التناقض ما يرصده المؤلف بذكاء، في حفل خطبة ابنة القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي في فندق “موفنبيك”، الذي حضره كبار السياسيين، متسائلا إذا كان هؤلاء لاحظوا مستوطنة بساغوت اليهودية التي تطل على المكان من جبل الطويل: “هل وصلت أصوات موسيقى الحفلة وأصوات أبواق السيارات المتنافرة إلى آذان سكانها؟ لديهم منظر لا يحجب على (موفنبيك) من نوافذ صالوناتهم.
بساغوت هي حارس وسور في الوقت نفسه، وإحدى حلقات النظام الذي يمسك بفلسطين بين فكي كماشة”.
دبلوماسي فرنسي يتردد على المقاطعة، مقر رئيس السلطة محمود عباس، كثير السفر خارج الوطن، يخبر المؤلف بأن عباس يشبه “قائم مقاماً” أكثر منه رئيسا، وأن السلطة الحقيقية في الضفة الغربية هي إدارة الاحتلال في مستوطنة بيت إيل، على مسافة قريبة من المقاطعة.
فتح.. تتحكم في كل شيء
ويرى المؤلف أن أي حديث عن تغيير، يصطدم بطبقة المديرين العامين الذين تم توظيفهم بفضل علاقاتهم داخل حركة فتح: “حتى لو جلبنا إلى فلسطين الوزراء الـ25 الأكثر كفاءة في العالم، وحتى لو تم استيراد مائة مدير محترف، لن يكونوا قادرين على بناء مؤسسات. رؤية الدولة لا توجد إلا على الورق. لا يمكن أن تتحقق”.
ينقل المؤلف عن خبير أجنبي: “بناء الدولة في فلسطين تجربة وهمية أو افتراضية. مهما كان الجهد الذي تبذله، يهدده الواقع بمناقضته في كل لحظة”.
وهذا نقد مباشر لمسعى رئيس وزراء رام الله السابق الدكتور سلام فياض، الذي قدم نفسه خلال السنوات الماضية بصفته صاحب مشروع “بناء الدولة”، بل حدد لإعلان مثل هذه الدعوة عدة تواريخ. القانوني كميل منصور يقول بوضوح: “كل هذا خدعة؛ فياض ليس مغفلا. ما يحاول فعله هو إبقاء النظام على قيد الحياة، وكسب الوقت حتى الانفجار المقبل”.
وحقيقة مشروع فياض، كما يعتقد المؤلف: “محاولة لتحديث البيروقراطية الفلسطينية، لم تنجز”.
مكتب رئيس السلطة
يرى المؤلف أن ممولي فلسطين، انحازوا إلى فتح، مثلا من أصل 1.2 مليار دولار دفعت في عام 2006، مر 700 مليون منها بمكتب رئيس السلطة محمود عباس.
المساعدات الدولية أيضا، كما يقرر المؤلف، هي صفقات تجارية، أغلبها مربح جدا، يستفيد منها الكثيرون كالمتعهدين، ووكالات التنمية الخاصة، وشخصيات سياسية وأكاديمية ومؤسسات محلية.
ويستقدم المتعهدون، الخبراء الأجانب، لأسباب تتعلق بالربح، في حين أنهم لا يقدمون عملا حقيقيا يمكن أن يخدم المؤسسات الفلسطينية، أحد الذين عملوا في برنامج لدعم القضاء الفلسطيني يعطي مثلا: “أذكر خبيرا أتى ليضع تقريرا عن أخلاق القضاة. كلف المانحين إقامته لمدة شهرين أكثر من مائة ألف يورو. لماذا؟ لتقرير من 17 صفحة لا فائدة منه إطلاقا”.
صناعة الإعانة
هناك طبقة محلية تكونت بعد استفادتها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة مما يسميه المؤلف “صناعة الإعانة”، وتتكون من “مديري منظمات غير حكومية، ومشرفين على مشروع تنمية، مستشارين سياسيين في منظمة دولية أو أساتذة في جامعة بيرزيت، يتقاضون معاش مستشار في القطاع الخاص”.
لم تثر هذه الطبقة، التي تتركز في حي الطيرة، غرب رام الله، من خلال الأملاك العقارية، أو الانتماء لحركة فتح، أو من شركات عائلية: “بل في المعاشات بالدولار (بين 3000 و10000 في الشهر) وتراخيص التنقل داخل “إسرائيل” وتذاكر سفر لحضور مؤتمرات في الخارج. تلتقي بهم في مطاعم المدينة الأنيقة، في حفلات القنصليات وفي قاعة الشخصيات الهامة لجسر اللنبي، نقطة المرور بين الضفة الغريبة ومطار عمان، حيث تعفيهم مكانتهم الاجتماعية من الانتظار إلى ما لانهاية، الذي هو نصيب مواطنيهم الأقل حظا منهم”.
هذه الطبقة هي التي تعطي رام الله: “وتيرتها السريالية وهويتها المفصومة، تتنازع بين الحرية والازدهار والاحتلال والاستعمار”.
هذه الطبقة تحظى بدعم المانحين: “الذين كانوا مقتنعين بأن ظهور طبقة وسطى عليا، حريصة على رغادة عيشها، يساهم في استقرار السلطة الفلسطينية، وبالتالي حل النزاع”، ولكن في واقع الأمر، لا يوجد قناعة بحل النزاع، وهو ما يقال خلف الكواليس، وإنما إيجاد أرضية لاحتمال احتلال طال أكثر من اللازم.
النخب المثقفة تبيع خبراتها
النخب المثقفة كانت جاهزة لبيع خبراتها، مثلا: “تحمست البرجوازية المثقفة التي تدور في نطاق جامعة بيرزيت، سارع كثير من أفرادها إلى تأسيس منظمات غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان، لدراسة الديمقراطية أو لتعزيز دور المرأة، كلها مواضيع كانت جزءا لا يتجزأ من برامج الأحزاب والنقابات، التي أُعيدت صياغتها استجابة لشواغل المانحين. بذلك، دخلت هذه النخبة المثقفة في مسار تغريب يتيح لها سهولة أكبر للحركة الدولية وزيادة للموارد لا يستهان بها”.
محاولة الحفاظ على الوضع القائم، وإدارة الصراع وليس حله، أدت إلى فتح خزائن البنوك، التي كانت سابقا تنتهج سياسة متحفظة، لإطلاق برامج إقراض، جعلت نسبة كبيرة من الـ160 ألف موظف في السلطة، يكدون لسد ما اقترضوه. ينقل المؤلف عن الاقتصادي سام بحور: “مجتمعا غارق في الدين لا يتمرد على السلطات القائمة. عندما تستدين لتشتري منزلا أو سيارة، لا تنزل لتحتج في الشارع”.
يقول المؤلف: “لقد تَحَوّل قراصنة الجو، خاطفو الطائرات في سبعينات القرن العشرين وقاذفو الحجارة في الثمانينات، الذين كان يعبدهم الثوار في العالم بأسره. يشيد بهم خبراء صندوق النقد الدولي. هل سيعيد هذا التغير للفلسطينيين حريتهم؟ لا أحد يدري. أمّا اليوم، فهو يساهم أولا في ازدهار أعمال حفنة من ذوي الامتيازات”.
يضيف “بعد انطلاق مسيرة السلام، سنة 1993، تم إدماج تقريباً كل شباب الانتفاضة الأولى في دوائر الأمن التابعة للنظام الجديد. وحصر الحماس القومي باتجاه بناء نواة جيش. في نهاية السنوات تَحَوّل بعض مقاتلي الانتفاضة الثانية إلى حراس في المتاجر أو الفنادق ذات الخمسة نجوم. وتحول الهوس الثوري إلى الدفاع عن القطاع الخاص”.
:::::
المصدر: ” فتح ميديا”
______
- تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على
Kana’an – The e-Bulletin
السنة الثامنة عشر – العدد 4830
14 آب (أغسطس) 2018