كورونا … ودفاع في حقل ألغام – د. عادل سماره
لن تفنى البشرية، فمقومات البقاء أوسع واقوى من عوامل الفناء رغم الأسماء المتعددة لهذا الوباء. فالحياة مقاومة سواء بجرأة الشعوب أو بقلق الفرد على بقائهما. مقاومة الطبيعة ومقاومة أعداء الحياة. بدأ الإنسان مقاومة الطبيعة بعقله لحماية جلده العاري. ولكن الملكية الخاصة ألقت على البشرية وجوب مقاومة استعباد واستغلال الإنسان للانسان.
هذا إلى أن وصلت البشرية مرحلة فارقة من حيث أفق التطور ومجال الاستغلال معاً. فقد شهد القرن التاسع عشر ثورة علمية تقنية انعكست في الصناعة مما سمح ب:
تراكم هائل للمنتجات ومن ثم للثروة.
وجشع موازٍ لها لدى من يملكون!
ورغم أن هذا قد نسف تشاؤمية القس روبرت مالثوس الذي ادعى القلق من تفوق متتالية تزايد البشر على متتالية تزايد الغذاء، وهي التشاؤمية التي تدعو للحروب والأوبئة كي تتوازن المتتاليان.
ولكن الحروب بين مَن وضد مَن؟
وهنا تظهر إيديولوجيا الدين السياسي الإنجليكانية التي تعني حروب الأبيض ضد مختلف الأجناس، وحروب الإنجليكانية حتى ضد الطوائف المسيحية الأخرى، اي الكاثوليك فما بالك ببقية الأمم والألوان وحروب الصهيونية ضد كل العالم/الغوييم. وحيث اصبحت الحروب المباشرة غير كافية أو هناك روادع تحول دون الاستخفاف بإشعالها، صارت المالثوسية الجديدة والداروينية الجديدة آليات لحروب الأوبئة المصنًّعة.
لكن مالثوس والداروينية الجديدة لا يعملان لصالح الرأسمالية بمعزل عن الاقتصاديين وخاصة المؤسسين نظرياً للاقتصاد السياسي البرجوازي وتحديدا آدم سميث الذي كتب بان العمال الايرلنديين بل وشعوب المستعمرات كسالى ومتخلفين.
بدوره فإن إدوارز لونج قد برر في كتابه ” تاريخ جمايكا” استعباد السود الأفارقة وكتب لأن الأفارقة ينتمون الى نوع آخر غير الأوروبيين وبأنهم اجلاف حيوانات لصوص لا يمكن الثقة بهم ويؤمنون بالسحر. وهذا نفس ما كتبه المستشرق الفرنسي إرنست رينان عن العرب.
كما كتب فريدريك لِيْست الألماني بأن الشعوب غير الأوروبية، مثلا الآسيوية لا يمكنها ان تنجز تقدماً أو حضارة مستقلة. هذا إن لم نتحدث عن ما كتبه هيجل عن “شعوب بلا تاريخ” فكان فيلسوف النازية والجمال معاً، كيف معاً!
لذا، وكما علمنا التاريخ، العبرة في أخذ العبرة من الأحداث وخاصة الهائلة والموجعة منها.
ما كتبه مُنظِّرو الرأسمالية سميث وليست ولونج، ومنظّرو الدين السياسي خدم الرأسمالية (مالثوس خاصة) ولاحقا هنري كيسنجر 1974 الذي نادى بتقليل عدد سكان العالم إلى الثلث، وطلعا لا يقصد البيض الإنجليكان واليهود، هو جوهر رؤية طرف أو معسكر في هذا الكوكب للحياة، إنه المنهج الذي يقوم على العنصرية والتفوق واحتقار الآخر إلى حد استباحة دمه، وهو ما يتجلى سياسياً اليوم في السياسات الأمريكية وخاصة المحافظين/الجمهوريين، وميثولوجياً عنصرية لدى الصهيونية وما تنص عليه من اعتبار بقية البشر حيوانات لخدمة اليهود.
بدأت بهذه المقدمة كي أصل لتوضيح لماذا أدافع عن طرفين، دفاعاً نقدياً وليس دفاعاً متعصباً باعتبار أن لهما ديباجتان نقيضتان لديباجة رأس المال والمتعصب الأبيض الشمالي، وأقصد الشيوعية/الاشتراكية والعروبة (فلسفة وتطبيقاً).
يقوم المبدأ الاشتراكي على محاولة الوصول إلى افضل عدالة ممكنة، وإلى وقف استغلال الإنسان للإنسان لإعادة الصراع ليكون فقط ببن الإنسان والطبيعة. في سياق تحقيق هذا الهدف يحصل النضال ضد راس المال من أجل تحرير جهد الإنسان للإنسان نفسه وليس جهد إنسان لآخر وهذا يصطدم طبعا بالملكية الخاصة التي يتمترس ورائها من يملكون بغض النظر عن حجم ثرواتهم التي كلما كانت أكبر كلما كانوا اشد جشعاً وتوغُّلا/إيغالاً في ممارسة الاستغلال.
ولكن، في سياق التثقيف والعمل والتطبيق للاشتراكية تحصل أخطاء كثيرة وربما ضخمة وخطيرة، ولكن، رغم كل هذا، يبقى مبرر الاشتراكية حقيقي واساسي وضروري لأن الهدف أساساً خدمة البشرية وهذا أساس التناقض والتفوق على الرأسمالية التي مبتدأها ومنتهاها استغلال الإنسان للإنسان.
وهذا يقتضي من البشر ذوي العقول والنفوس السليمة أن يبنوا على المبدأ الاشتراكي بهدف تطويره ونقده وتجاوز سلبياته بدل التمسك بالرأسمالية التي يتضح كل يوم بأنها لن تتغير إلى الأفضل لأنها لا تهدف سوى الاستغلال والتفوق والحروب واليوم الأوبئة مما يوجب اقتلاعها.
يتهمون الاشتراكية او الشيوعية بأنها ضد الإيمان، وهذا تزييف، فالشيوعية هي ضد الدين السياسي، ضد امتطاء الدين على يد الساسة والساسة هم الحكام وتوابعهم من مثقفي السلطات سواء الزمنية أم المؤسساتية الدينية.
أنظروا إلى الوطن العربي، تزعم جميع الأُسر /الأنظمة المَلَكية بأنها من سلالة النبي ويسمون أنفسهم الأشراف، ومن لا ينسبون أنفسهم للنبي يزعمون أنهم المسلمون الحقيقيون ولكنهم يحكمون بالسيف والنهب والقمع والاستعباد داخليا، وخارجيا هم توابع للراسمالية العالمية التي تعادي من ليس من لونها أو جغرافيتها وهذا ينطبق على حكام الخليج وتركيا .
لذا، في مواجهة الرأسمالية وأنظمة الدين السياسي حاولت القوى القومية التقدمية ذات التوجهات التنموية تغيير الواقع العربي إلى عالم جديد يرفض التبعية وينجز مستوى من التنمية وحتى الاشتراكية.
أتت هذا الأنظمة لمواجهة الاستعمار والتخلف والصهيونية وحققت الكثير من الإنجازات، وارتكبت الكثير من الأخطاء أيضاً، ولكنها انطلقت من هدف التحرر الوطني والاجتماعي، وهذا يعني وجوب البناء عليه وليس السقوط في خدمة المعسكر الذي مبتدأه ومنتهاه الاستعباد أو التبعية للسيد المستعبِد.
لذا، تضافرت الثورة المضادة ضد القوى القومية في الوطن العربي فكان تحالف الاستعمار والصهيونية والأنظمة التابعة وقوى الدين السياسي ضد مصر الناصرية وقد تمكنت مصر الناصرية من لجم قوى الدين السياسي/الإخوان إلى أن تمكنت جميع الثورة المضادة لإهلاك مصر سواء بعد عدوان 1956 ثم 1967 ولاحقاً إثر رحيل ناصر واستيلاء التوابع طبقيا وسياسيا وثقافيا على السلطة. وتحالفت نفس القوى ضد العراق ولاحقاً، إثر الربيع العربي ضد ليبيا وسوريا واليمن لتكشف تركيا عن دورها في معسكر الثورة المضادة هذا زاعمة أنها تحمل راية الإسلام.
ولكي نلاحظ التناقض والنفاق لدى قوى الدين السياسي تشكل تركيا مثالا فاقعاً، فهي أداة لأنظمة الغرب ضد المسلمين، وحليفة للكيان الصهيوني ضد فلسطين، وتعتاش إلى درجة كبرى من البغاء العلني وتزعم أنها دولة الخلاقة. أما المفارقة الهائلة فهي أن قوى الدين الإسلامي السياسي العربية تطالب باستعادة الاستعمار العثماني للوطن العربي، بينما يفرض ذكور هذه القوى على نسائهم استحالة الخروج من البيت بدون مُحْرِم وحين الخروج نجد في الشارع كتلاً مغطاة بالسواد أغلبها مرغمة! ولكي يهدم هؤلاء الأنظمة التقدمية، أجازوا جهاد النكاح!
يجادل رجعيو الدين السياسي واللبراليون والغرب كذلك بأن النظام السوري أصر على القتال مما قاد إلى ضحايا عديدة وتدمير هائل. ويعجز هؤلاء عن رؤية حقيقة أن النظام في سوريا والجيش والشعب قد صمدوا ولذا تدفع سوريا فاتورة الحرية والمقاومة. ولو كان النظام لا وطنيا، لهرب كما هرب حاكم الكويت حينما استعاد العراق مقاطعته رقم 19، وكما فعل زين العابدين في تونس ومبارك في مصر. ولكن من لا يؤمن بالمقاومة لا يدرك طعمها. إذن انت ستدفع ثمن وطنيتك لأنك لم تدفع وطنك ثمناً لسلطتك ومصالحك.
أسوق هذا الجدل بمناسبة أزمة وباء كورونا وتبيان الفارق بين التعاطي الإنساني للنظام الاشتراكي غير المكتمل في الصين سواء لشعبه أو العالم، وبين النظام الرأسمالي الدموي في الغرب وخاصة أمريكا حيث ينظر للبشر من منظور كم سيموت لأنني سوف أربح.
ملاحظة: تدعم قوى الدين الإسلامي السياسي اغتصاب تركيا لأراض سورية بزعم ان تركيا هي الخلافة: ولكن، هل يسمح الفرد منهم لأخيه حتى أخيه بالدم بأن يأخذ منه متجره، أو أرضه أو بيته!