كولمبو التركي – رشاد أبوشاور
كولمبو التركي
وابن سلمان مقترف الجريمة
وأنا أتابع كملايين البشر في العالم ما يحيط بجريمة قتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية يوما إثر يوم لما فيها من إثارة وتشويق، تذكرت مسلسل كولمبو الجذّاب الذي تابعت الكثير من حلقاته المسليّة.
كان المفتش كولمبو يعرف المجرم، ويبدأ في محاصرته بالتفاصيل والوقائع، بينما المجرم الواقع في المصيدة يتهرّب، ويحاول التملّص من تهمة القتل، ولكن كولمبو الصبور الدؤوب يستمتع بسوق التفاصيل وهو يحاور المجرم وكأنه يستفسر منه، وببراءة عن جوانب الجريمة، مضيقا المصيدة عليه، ليوتره ويدفعه للاعتراف بنفسه، بعد أن ييأس من أي إمكانية للإفلات من الاعتراف بالجريمة بمحض إرادته!
كولمبو التركي وما أن أعلن عن وقوع الجريمة حتى تصرّف بهدوء، وشرع في تسريب تفاصيل صغيرة يوما بعد يوما، عبر صحافته، ومنها المقرّبة من الرئيس التركي أردوغان – صحيفة يني شفق- وكأن الأمن التركي بأجهزته المتعددة يعرف أن الجريمة وقعت، ويعرف أيضا مقترفها.
نحن نتابع ونرى: هناك جريمة وقعت في القنصلية السعودية وهي المكان المحدد للجريمة، وهناك ضحية تدّعي القنصلية أنه غادرها بعد مراجعته لها بشأن طلاقه من زوجته، وزواجه من امرأة تركية.
الأتراك سألوا: إذا كان قد غادر القنصلية فأين هو؟
سرّب الأتراك خبرا عن قدوم طائرتين فيهما مجموعتان حضرتا لقتل الخاشقجي، وغادرتا فيما بعد…
عرفنا أن مجرمي القنصلية ، بعد قتل الخاشقجي ألبسوا ملابسه لأحد رجال أمنهم .. شو هالهبل؟ هذا يذكرنا بما فعلته مخابرات القذافي التي قتلت الإمام الصدر وألبست أحد رجالها جبّته وعمامته وأرسلته إلى روما وأنزلته في أحد الفنادق. ( الأنظمة العربية يجمعها الغباء والبلطجة..ولا عجب! )
ضجّة في العالم ..وصدمة لما سّرب من معلومات عن طريقة القتل وأداتها: تقطيع الجثّة بالمنشار..وأخيرا : سحب الدم من جسد جمال الخاشقجي بإشراف طبيب سعودي حضر مع المجموعة التي نفذّت الجريمة.
أين ( قطع) الجثّة؟
السعودية اعترفت بعد الضجّة العالمية بأن الخاشقجي قتل، بعد أن تبرّأت، ثم لبّستها لبعض أعضاء فريق القتل..وتوعدت بمحاكمتهم، وأوحت بأنها ستعدمهم!
المهم إبعاد تهمة الأمر بالقتل عن ولي العهد ابن سلمان الأرعن والمتوحش، ولذا كان التخبط.
كولمبو التركي الصبور وطويل البال واصل تضييق الخناق على المجرم الحقيقي الذي أمر بالقتل: ابن سلمان..ولم يقبل بنقل التهمة منه إلى( فريق ) القتل الذي ضمّ عددا من المقريبن منه، والذين يصطحبهم في زياراته الخارجية !
والده الملك سلمان اتصل بأردوغان مرتين..ماذا دار في الاتصالين؟!
كولمبو التركي برّا الملك، ولكنه أصر على أن من أمر بالقتل مسئول رفيع المستوى، وليس أي ضابط أمن..فانتقال هذا العدد من المنفذين في طائرتين، ودخولهم القنصلية، وتنفيذهم للجريمة ليس عملاً يجرؤ على اتخاذه ضابط أمن مهما كان موقعه الأمني.
كولمبو التركي يريد أن يسقط القناع عن وجه المجرم، ولا يرضى بمجرم ( دوبلير) – كما في أفلام الأكشن حيث ينفذ محترفون قفزات وحركات خطرة بدلاً من الممثل الرئيس _ ولا يرضى بغير بن سلمان المجرم الحقيقي كما بات واضحا أمام العالم الذي تكشّف عن حقد ونفور لا يوصف لحكام آل سعود.
حملة إعلامية عالمية تبدأ من أميركا، وعلى صفحات أكبر صحفها: الواشنطن بوست التي كان يكتبها فيها الخاشقجي، والنيويورك تايمز، وغيرهما، ناهيك عن الفضائيات الكبرى : السكاي، والسي أن أن، وكلها تنفر من ترامب، ولها مصلحة في إسقاط ( رجله) في السعودية، وزعزعة حضوره شخصيا.
في أوربا حملة صحفية على ابن سلمان، والدولة السعودية المستبدة، وكثيرون من المؤثرين في الرأي يطالبون ويلحون على التوقف عن بيع السلاح للسعودية، مع تواصل الحملة الإعلامية على وحشية الجريمة، وبشاعة سلوك من أمر بها.
في أسابيع قليلة، ومنذ الكشف عن جريمة تقطيع جسد جمال الخاشقجي بالمنشار وتذويب قطع جسده تتفاقم خسائر آل سعود ومملكتهم غير السعيدة.
أعادت الجريمة فتح عيون العالم على الجريمة الأكبر: حرب التدمير على اليمن، وما نجم عنها من خراب لكل ما بناه اليمنيون من مستشفيات، ومدارس، وجامعات، ومرافق صحية، وطرق، مما تسبب في نشر الكوليرا وموت ألوف الأطفال بسبب الكوليرا وسوء التغذية.. وهكذا نبّهت جريدة قتل الخاشقجي إلى وحشية آل سعود في اليمن، فبدأت الأصوات ترتفع مدينة للحرب الوحشية، ومطالبة بإيقافها، وهو ما يترافق مع صمود اليمنيين ومقاومتهم للتحالف السعودي وآلة الدمار الأمريكية!
طال المسلسل غير الممتع لولي العهد السعودي ووالده، فهل سيفلت ( المجرم) من الشبكة التي ورّط نفسه بالسقوط فيها، والتي يضيقها على عنقه كولمبو التركي؟!
كولمبو التركي، وقد وقعت الجريمة، وانكشف المجرم، يريد الكثير والكثير جدا، وأحسب أن كل متابع للعلاقات التركية السعودية المتردية، وللصراع الخليجي بين قطر وتحالف السعودية..يُقدّر أن كولمبو لن يرضى بالقليل، وأنه سيواصل تزويد المتابعين للمسلسل بعناصر تشويق إلى أن يصل لقبض الثمن كاملاً وهذا لا يخفى على المتابعين، والعرافين بخفايا النوايا التركية…
حتى اللحظة يواصل كولمبو التركي تضييق الخناق على ( الفريسة) الجاهلة، ويتلاعب بأعصابها ببراعة، وقد يقال بانتهازية وخبث..ويجعل من حكّام آل سعود مسخرة تدعو للشماتة من كل من تسببوا لها بالأذى.
المسلسل بات مسلسلاً تركيا ممطوطا، والملل دخل إلى نفوس المشاهدين.
كلمة أخيرة: إذا عقد كولمبو التركي صفقة تبرّيء بن سلمان فستنتهي سمعته كمحقق بارع نزيهة ببيعه للقضية لقاء مكاسب غير شريفة!
رشاد أبوشاور