كوميديا التحريك البريطانية “الإنسان الأول”(2018): – مهند النابلسي
بمناسبة انتهاء أولمبياد روسيا الدولي:
كوميديا التحريك البريطانية “الإنسان الأول”(2018):
“ايرلي مان”: معجزة العمل الجماعي وتحدي العصر البرونزي:
*يصور في فجر الزمان، عندما كانت مخلوقات ماقبل التاريخ كالديناصورات والماموث الصوفي العملاق، تجوبان الأرض، قبل ان تضربه النيازك الهائلة، وتبيد معظم المخلوقات، فيما عدا الصرصار العنيد والانسان الحجري العتيد، يحكي فيلم “ايرلي مان” قصة “دوغ” جنبا الى جنب مع صديقه “هوغ نوب”، عندما اتحدا ووحدا قبيلتهما في الأرض المقدسة، لمواجهة الأعداء الأشداء مع زعيمهم اللئيم الخبيث “لورد نورث”، عندما اقبل العصر البرونزي، وهيمن على الأرض آنذاك، وحاولت القبيلة البدائية جهدها للتعامل مع الكرات النيزكية الحمراء “الشديدة الحرارة” المنبثقة من الحمم البركانية، منتظرة برودها!
*فيلم تحريك بريطاني ظريف من اخراج “نيك بارك”، وتمثيل كل من: ايدي ريدماين، توم هيدلستون، مايسي وليامزتريد، ثيموني سبال، ريتشارد أبودي، سلينا جريفث، روب بريدون، كايفان نوفاك، ميريام مارغو نووث ونيك بارك المخرج ذاته بدور حيوان اليف بري (خنزير بري) مخلص يعمل لدى دوغ، وقد ابدعوا حقا باصواتهم وحركاتهم التفاعلية لتغطية ادوار الشريط المتنوعة المتمثلة بشخصيات كل من: رجل الكهوف الأول، زعيم عاصمة العصر البرونزي، لاعبة كرة قدم متعاطفة مع دوغ وتعشق كرة القدم (غونا)، طائر الرسائل الظريف، مستشار لورد نووث، الملكة اوفيفا المتعالية وبعض اعضاء القبيلة…
*في ليلة ما، يتم اخراج قبيلة “بوبنار” الرئيسية من موقعها القديم في ما يسمى “وادي الأرض المقدسة”، من قبل الجيش البرونزي المقاد من قبل الزعيم المتنفذ “لورد نووث” (توم هيدليستون)، الذي يدعي بتبجح ان العصر الحجري قد انتهى الى غير رجعة، وأن العصر البرونزي الجديد قد بدأ…، هكذا تجبر القبيلة على العيش في الأراضي البركانية الوعرة، ويحاول رجل الكهوف الجريء الشاب دوغ (ايدي ريدماين) يحاول المقاومة والهجوم، فيقذف بسلة الى عاصمة العصر البرونزي.
*يحاول عندئذ ان يختبىء من حراس اللورد نوت، وينتهي الأمر بهم، بأن يعتقدوا بالخطا أنه لاعب كرة قدم…فيقف امام اللورد المغرور والمتفرجين في الملعب، ليتحدى مع اعضاء قبيلته الفريق المحلي المرب جيدا، فيعقد معه اللورد نووث صفقة مفادها، ان يعودوا لقريتهم السهلية فيما لو ربحوا المبارة، او أن يعملوا في المناجم فيما لو خسروا.
شجاعة رجل الكهوف البدائية لمواجهة التحديات “الكروية”… والاحتفاظ بأرضه المقدسة الأصلية!
*يدرك دوغ ان اسلافه القدماء قد اخترعوا لعبة كرة القدم سابقا (ونرى ذلك في منحوتات الصخور القديمة في كهوف العصر الحجري القديمة)، ولكنه يدرك ايضا ان اعضاء قبيلته الصيادين السذج يفتقدون للمهارات والتدريب، اضافة لثقب الكرة الوحيدة بحوزتهم والتي لم تعد صالحة للعب، لذا يتسلق دوغ خفية مع صديقه “هوغ نوب” الى عاصمة العصر البرونزي، ويسرقان بعض الكرات الجديدة، وتساعدهم في مسعاهم هذا بائعة محلية متعاونة تدعى جونا (مايسي وليامز)، وهي التي كانت تحلم سابقا بأن تلعب الكرة ذات يوم، ولكن الفريق المحلي يستثني النساء…لذا فهي تنضم بحماس لفريق دوغ وتدربهمن وتقترح بتنه بالرغم من وجود لاعبين موهوبين في فريق المدينة، الا انهم لا يتقنون اللعب كجماعة، لذا ومع اقتراب موعد المباراة الحاسمة، تحدث تحسينات لافتة في فريق دوغ.
*وبعد زيارة طارئة تقوم بها “حمامة الرسائل” (روب بريدون) المرسلة من قبل “الملكة اوفيفا”، يحاول الماكر اللورد نووث احباط دوغ وفريقه المتحمس بالادعاء بأن اسلافه كانوا سيئين في لعبة كرة القدم، وأن عليه حفاظا على كرامته أن يتخلى طوعا عن فكرة التحدي، ويحاول ان يعقد معه صفقة مرضية كبديل ولكن دوغ يرفض ويصر على المباراة.
*ثم ياتي يوم لمباراة وتحضر الملكة اوفيفا (ميريام مارغويلز)، ولعدم وصول اعضاء فريقه، يقبل دوغ بعرض لورد نووث مضطرا، الذي يتمثل بعمله وحيدا في المناجم، فيما ستبقى قبيلته في الأراض الوعرة، ولكن فريقه يصل في اللحظات الأخيرة، ممتطيا ظهر بطة عملاقة تكافىء اللورد نووث من فوق باغراقه بكمية هائلة من البراز اللين الطازج، فيفرض الأمر الواقع ذاته، ويقتنع بالمضي قدما في تحدي المباراة الحاسمة المصيرية، وينجحون بتسجيل هدف واحد فقط مقابل ثلاثة اهداف للفريق البرونزي، وهكذا ينتهي الشوط الأول مخيبا امالهم.
*ثم يبدأ الشوط الثاني بحماس منقطع النظير، فيتم التعادل، ولكن اللورد نووث يستاء من نتيجة المباراة، فيقيل الحكم ويتولى هو شخصيا قيادة المباراة، فيتخذ قرارات منحازة كمنح فريق المدينة “ضربة جزاء” لا لزوم لها، ثم يطرد حارس مرمى الفريق الحجري، فيضطر دوغ للسماح للخنزير البري الوفي “هوغ نوب” باللعب كحارس مرمى بديل، وهكذا ينجح الفريق الحجري في صد “ركلة الجزاء”، وصت اندهاش الجمهور البرونزي المتحيز، ثم تعود الكرة الى الملعب بحماس، فيحقق فريق دوغ مفاجأة النصر في الدقائق الأخيرة للمباراة.
*وحسب الوعد المبرم وكمكافأة، يسمح للقبيلة الحجرية الطيبة بالعودة للعيش في الوادي الزراعي الخصب (مسقط رأسهم)، بعد أن فازوا اخيرا باحترام الملكة اوفيفا وحشد الجمهور، ويتم اكتشاف فساد اللورد نووث الذي كان يجمع اموال الرهونات لكي يسرقها، فيتم ايقافه من قبل بطة ضخمة ويعتقل.
*في المشهد الطريف الأخير: تظهر القبيلة مع صديقتهم المخلصة غونا وهي تحاول العودة لاصطياد الأرانب البرية في أرضهم التي عادوا لها، ونسمع ما يعتقد بانه حركات وهمسات “خرتيت بري ضخم”، ثم تحدث جلبة كبيرة يهرب جميعهم خوفا على أثرها، ليتبين أن ارنبا ظريفا يحاول متخفيا وساخرا ان يقلد حركات واصوات الخرتيت لكي يخيفهم!
الفكاهة والطيبة ومغزى المثابرة “والمجاز المشبوه”:
نال هذا التحريك ثناء نقديا عاليا يتجاوز ال80% على موقع “الطماكم الفاسدة” العالمي، ولوحظ وجود منهجية جديدة بطريقة اخراجه، حافلة بالنكات التلقائية المنعشة، وبدا كما لو ان المخرج الفطين يشارك الأطفال لعبتهم الشيقة بدفء ودقة، والفيلم يفتقد بالتأكيد لمنهجية “هوليوود” التحريكية الاستعراضية الصاخبة، ولكنه يملك بالمقابل سحرا سينمائيا ملموسا بنكهة خاصة، وهو يحمل جملة رسائل حب تشجيعية ذكية حول مغزى “مثابرة الانسان” لتحقيق اهدافه في الحياة، كما انه يحاول اثبات اصالة “كرة القدم” كلعبة بريطانية تقليدية، وقد نجح المخرج بخلق قصة طريفة تتماثل لحد بعيد مع “لوحات الكهوف” المنحوتة التي تظهر مرارا بمشاهد الفيلم. وأخشى أخيرا أن يكون هناك دور لليهود المتنفذين في صناعة السينما (العالمية والبريطانية) كالعادة، باقحام قصة العودة للأرض المقدسة بعد قصص “التشرد والتيه والمعاناة” الكاذبة والمكررة والمجترة، وان كان هذا المجاز واردا بالفعل فهو يحط من قيمة هذا التحريك فنيا وفلسفيا، ويحوله لعمل دعائي سخيف بالمطلق!
مهند النابلسي/mmman98@hotmail.com