كيف “تُمنهج” البحرين التطبيع تربوياً؟
فصل من الخدمة وشيطنة الفلسطينيين..
استراتيجية التجهيل التدريجي بالقضية الفلسطينية استبقتها في المناهج التربوية البحرينية مؤشرات عدة، كحذف كل ما يتعلق بمواجهة الاحتلال، سواء داخلياً أو على المستوى الدولي، وتفسير المصطلحات المتعلقة بها على أنها إرهاب بمسميات مختلفة.
“لا نستطيع الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الحرب الصهيونية على ذاكرة الأجيال المقبلة”.. عبارة تكاد تسمعها يومياً كيفما تنقّلت في البحرين، في ظل الخشية المتصاعدة من بلوغ التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ذروته، وتسلّله إلى المناهج التربوية، من باب طموح هذا الكيان إلى “قتل فلسطين” في الوعي الشعبي العربي.
دور مشتبه فيه لقسم “إدارة المناهج”
من يتابع استراتيجيات الكيان الصهيوني في اعتماد حرب الإلغاء بحق كل ما يشكّل مصدر خطر عليه، لا يستغرب ما يحصل اليوم في البحرين بعد توقيع اتفاقية التطبيع العلني في أيلول/سبتمبر 2020. فهذا الكيان الذي احتلّ فلسطين ودمّر معالمها الأساسية وغيّر أسماء شوارعها ومدنها، وسرق عدداً من مكوّنات ثقافتها الأصلية، يستنسخ هذه الخطوات بطرق موازية في علاقته بالأنظمة المطبّعة.. ولعلّ أخطر ما يقوم به اليوم هو إرساء “التطبيع التربوي”، الذي بدأت ملامحه تتضح تدريجاً في البحرين، تحت غطاء “التعايش وتقبّل الآخر”.
استراتيجية التجهيل التدريجي بالقضية الفلسطينية استبقتها في المناهج التربوية البحرينية مؤشرات عدة، كحذف كل ما يتعلق بالمقاومة، سواء داخلياً أو على المستوى الدولي، وتفسير هذا المصطلح على أنه إرهاب بمسميات مختلفة، وإلغاء كثير من النقاط المتعلقة بفلسطين وتغييرها أو تغييبها من الكتب. وعلى الرغم من التصدّي الشعبي الواسع وانكشاف هذه المخططات، تؤكد مصادر تربوية خاصة للميادين نت أن إقحام المناهج التربوية في البحرين في عملية التطبيع أمر سهل إلى درجة لا يمكن أن يتخيلها أحد، “فواضعو المناهج ومحوّلوها إلى مواد تربوية هم في حقيقة الأمر عبارة عن فريق واحد رسمي يعرف بقسم “إدارة المناهج”، وهي الإدارة التي لا تخضع لأي رقابة مجتمعية أو نقابية باعتبارها إحدى إدارات وزارة التربية والتعليم”.
وتتابع المصادر لتقول إن من بين مسهّلات عملية التطبيع التربوي، غياب أي لجنة تربوية عليا متوازنة ومكوّنة من مختصّين في دراسة المجتمع وتطوره وحاجته إلى مناهج تواكب المتغيرات – أسوة بعدد من الدول – على الرغم من مناداة جمعية المعلمين البحرينية سابقاً وعدد من المهتمين بالشأن التربوي بوجودها، مؤكدة أن “عدم القبول بإعادة جمعية المعلمين البحرينية إلى العمل بعد أن جرى حلها سياسياً عام 2011، يعكس مدى الرغبة في عدم وجود كيان مستقل يدافع عن التعليم والمعلمين والطلبة”.
إجبار المعلمين على التكيّف مع المناهج وشرحها
لا يستطيع المعلّمون في البحرين السير في خطوات ترمي إلى التصدي لمشروع التطبيع التربوي، فهم ملزمون قانوناً شرح وتنفيذ كل ما تنص عليه مناهج وزارة التربية والتعليم مهما كانت صحتها، ومهما كان الخطأ، وإلا فسيكون الفصل من الخدمة هو الجزاء الذي سيقع عليهم، وهذا ما حدث فعلاً عندما جرى تغيير المناهج والدروس، بما يتماشى وسياسات “شيطنة المعارضة”، بحيث “جرى إجبار المعلمين على شرح الحدث للطلاب من باب التضرر من أحداث 2011، ووصف المعتقلين والمهجّرين بأنهم أعداء للوطن، حتى وإن كان هذا المعتقل من أقرباء الدرجة الأولى للمعلمين، الذين لم يكن لديهم خيار سوى أكل الجمر والتزام ما ورد في الكتب خشية إنهاء خدماتهم”، وفق ما صرّح أحد المعلّمين للميادين نت، الذي رأى أن خطر التطبيع بدأ بوجود جيل حالي لا يعرف إلا الفتات عن فلسطين وقضيتها، خصوصاً بظهور أفراد أخيراً يرون أن التطبيع من مواضيع الحرية الشخصية وغيرها، “كلّ ذلك من نتائج تسميم الأفكار وزراعة معتقدات جديدة”، مؤكداً أن “شعب البحرين في غالبيته المطلقة لا يقبل التطبيع، ولذا ينشط أفراد وجمعيات لتوعية الجيل الجديد بمخاطر هذه الثقافة الدخيلة على مجتمعنا المحافظ على عروبته ودينه”.
سعي صهيوني حثيث لاختراق المجتمع البحريني تربوياً
في الرابع من تموز/يوليو الماضي، أصدرت المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني بياناً استنكرت فيه استقبال مسؤولين في وزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين وجامعة بوليتيكنيك لممثلي الجامعات في الكيان، وأبدت رفضها بقوة لكل ما طرح من تبادل للأساتذة والطلبة بين المنامة و”تل أبيب”، داعية جميع الطلبة وأولياء الأمور والأكاديميين والعاملين في سلك التعليم إلى التمسك بالقيم الأخلاقية والثوابت الوطنية والدينية والإنسانية من رفضٍ للتعاطي مع المحتل ومقاطعة كل ما يمت إليه بصلة.
هذه المقاطعة نابعة من الخطر الكبير في التطبيع عموماً والتربوي منه على وجه التحديد، باعتباره يميّع القضية الفلسطينية ومفاهيمها، وهذا ما يؤكده منسق جمعية مناصرة فلسطين علي العوضي للميادين نت، “فأنت عندما تطبّع في هذا المجال فأنت تشوّه العملية التعليمية، وتحجب الأجيال عن الاستفادة من الموارد التعليمية بالشكل الصحيح الذي يخدم الوطن والإقليم، كما أنك تنقل بعض المفاهيم الخاطئة إلى أذهانهم فيخرج جيل مشوّه تربوياً بسبب هذه العملية”.
يرى العوضي أنّ الكيان الصهيوني يحاول اختراق المجتمع البحريني تربوياً، “لأنه كيان غريب ويسعى للحفاظ على وجوده عبر هدم بعض القيم التي هي بطبيعتها ضده، ومتى سنحت له الفرصة في ذلك لن يتوانى عن اقتناصها، وسيدخل هذا المجال من كل أبوابه”. وفي هذا الإطار، يشير إلى وجود لقاءات بين عدد من الوزراء في البحرين مع سفير الكيان الصهيوني لدى النظام، “حصل خلالها اطّلاع على بعض المناهج وجرى تبادل الآراء، وهذا كله طرح في الإعلام الرسمي، وفي مختلف وسائل الإعلام البحرينية والمحلية، إضافة إلى وجود دعوات بين نظام البحرين والكيان المحتل إلى حضور مؤتمرات وتعزيز التبادل الطالبي والثقافي”.
كل هذه التطوّرات تضع الأسر البحرينية –وفق العوضي– أمام مسؤولية كبيرة، عبر “زرع قيمة حب فلسطين وقيمة كره الظلم والاحتلال والبطش الذي يحصل هناك، وعلى هذه الأسر أن تقوم بالدور الذي يسد الفجوة أحياناً، إذا -لا سمح الله- حصل تغيير في المناهج أو تغيير في مواضيع معيّنة، فلا يمكن أن يقيّدها أحد في طرح هذه المواضيع داخل المنازل”، مضيفاً أن التصدي للتطبيع التربوي يتطلّب أيضاً من المتخصصين في المجال القِيَمي وحتى التعليمي اتخاذ خطوات متعددة، ككتابة المقالات وتبيان مساوئ التطبيع من وجهة نظرهم التخصصية، “وهذا كلّه يفيد ويؤدي إلى تعزيز الموقف الثابت لشعب البحرين ضد التجهيل بفلسطين”.
وفي موازاة ذلك، يتحدث عضو الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع عبد الرسول عاشور في تصريح للميادين نت عن “نشاط ملحوظ من الصهاينة في البحرين على الصعيد التربوي”، بعد افتتاح سفارة الكيان في المنامة، منها “زيارة وفد من الكيان لجامعة البحرين ولقاؤه مسؤولين فيها ومسؤولين في وزارة التربية والتعليم، كما التقى أخيراً وزير التربية والتعليم البحريني ماجد النعيمي في نيويورك نظيرته في الكيان الصهيوني، في حين جرى طرح منحة تعليمية أخيراً لطلبة البحرين في تل أبيب”. وبينما أشار عاشور إلى أنه حتى اليوم لا بوادر ملموسة وعلنية للتطبيع التربوي في البحرين، بيّن وجود عدد من التغييرات الجوهرية في المناهج تتعلق بالدعوة إلى التسامح بين الأديان والأعراق و”طبعاً المقصود هو التسامح مع الكيان الصهيوني”، على حد وصفه.
3 اتجاهات للتطبيع التربوي في البحرين
بعد إبرام اتفاقيات التطبيع العلني بين الكيان الصهيوني والنظام في البحرين، أظهرت التجربة استحالة إمرار التطبيع الاجتماعي بين مكونات الشعب، لذلك جرى العمل على مسألة التطبيع التربوي عبر 3 اتجاهات، أوضحها رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان باقر دوريش خلال حديثه إلى الميادين نت، “الاتجاه الأول يكمن في تشويه صورة القضية الفلسطينية من خلال المناهج الدراسية، سواء في كتابة تاريخ مزور يشيطين الفلسطينيين أو في إمرار مصطلحات تنال من شرعية القضية مثل مصطلح (جيش الدفاع) الذي يبرر فيه جرائم الاحتلال بأنَّها إجراءات دفاعية. أما الاتجاه الثاني فهو في إكراه أو إجبار الكوادر التربوية المناهضة للتطبيع من خلال القرارات الوزارية على متابعة الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتطبيع، التي قد تشمل دورات مشتركة أو نشاطات مشتركة، في حين أن ثالث الاتجاهات هو في الاستفادة من صلاحيات وزارة التربية لتوسعة مشروع التطبيع في منطقة الخليج من خلال النشاطات المشتبه فيها”. ويسأل: “هل سيبدو مستغرباً تنظيم مؤتمر تعليمي تدعى له الكوادر التعليمية في الخليج أو المنطقة العربية إلى جوار ممثلين عن كيان الاحتلال؟”.
وأوضح درويش، في سياق منفصل، أن ” السلطات البحرينية تحيل المهمات الحساسة في ملف التطبيع إلى الشخصيات ذات الخلفية العسكرية، وكما هي الحال في سيرة السفير البحريني في كيان الاحتلال، الذي عيِّن بعد تنقله في مناصب عدة أمنية قبل اشتغاله في الخارجية، فإنَّ وزير التربية والتعليم في البحرين كان أساساً في قوة دفاع البحرين قبل تعيينه وزيراً، والحصيلة أنَّ التطبيع التعليمي والتربوي يشرف عليه وزير غير مدني (عسكري سابق)، يضاف إلى ذلك أن هذه الوزارة هي من الوزارات المعروفة بالتمييز والاضطهاد اللذين يمسان الطلبة والكوادر التعليمية”.
ومن هنا، فإن التصدي لهذه المشروعات، يلقي على عاتق البحرينيين مسؤولية كبيرة لتعزيز البيئة الداخلية من الاختراق الثقافي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي مسؤولية تتوزع على الأسر والمنظمات والأحزاب والقيادات والمثقفين في مواجهة أي تشويه يشوب هذه القضية، وإحباط معركة كي الوعي التي تقبل عليها البحرين.