كيف خاب ظنّ الرياض في القمم الثلاث؟- منير شفيق
ظاهر بيانَي القمتين العربية والخليجية شيء، وحقيقة مواقف غالبية دولهما شيء آخر. وإذا دلّ هذا التناقض على أمر فيدلّ على هزال الموقف العربي الرسمي العام، وضعف الموقف السعودي-الإماراتي-البحريني وعزلته.
ثلاث قمم عُقدت في مكة تباعاً خلال يومين. وقد بادرت الحكومة السعودية إلى عقد القمتين الأوليين العربية والخليجية لتستبقا القمة الإسلامية من أجل ضمان إدانة إيران من خلال اتهامها بأنها وراء ما حدث من تفجير جزئي لأربع سفن راسية في ميناء للإمارات العربية، وبضرب مواقع بترولية قرب الرياض من خلال سبع طائرات “درون”، علماً أن التفجير الأول كانت إيران من بين من استنكروه، وأما التفجير الثاني فأعلن الحوثيون من صنعاء مسؤوليتهم المباشرة عنه.وقد طرحوا وقف القصف المتبادل في آن واحد:قصف السعودية لليمن، وقصف الحوثيين للسعودية.
ولكي تضمن السعودية القرارين بتحميل إيران مسؤوليتهما دون امتلاك أي دليل قاطع ضدّ إيران، ومن ثم إدانة إيران من خلال القمتين اللتين لُفّق بياناهما، فقد حصرت موضوع القمتين في مناقشة التفجيرين المذكورين فقط، والإصرار على عدم التعرض لأي موضوع آخر.
من ثم كان البيانان حاضرين ليجري تمريرهما بإحراج البعض، وبتخجيل البعض الآخر، أو بدفع الثمن مقابل سكوت من تبقى. فقد كان المهمّ أن تخرج الإدانة لإيران، وذلك بغض النظر عن صعوبة إيجاد مشارك عربي غير السعودية والإمارات والبحرين، قد اتهم إيران بالتفجيرين، وعلى مدى عدة أسابيع. فما الذي جرى حتى تخرج الإدانة عن القمة العربية بتحفُّظ دولة واحدة هي العراق؟ وقد كتب تحفُّظه بعد صدور البيان الذي لم يصوَّت عليه، ولم يناقَش، وهو مشروع قرار، أي قبل أن يصبح قراراً.
لذلك، وعلى الرغم من عدم تسويغ مواقف الدول العربية التي سمحت بتمرير البيانين، فإن البيانين بعيدان كل البعد عن اعتبارهما معبّريْن عن كل من صدرا باسمه، عدا السعودية والإمارات والبحرين. ثم أوليس مما يلفت النظر، وله دلالته، كَوْن مصر التي تُعتبر “حليفاً” للثلاثي آنف الذكر، لم يشر رئيسها عبد الفتاح السيسي في كلمته إلى اتهام إيران؟ وهذا، لا معنى له إلاّ الاختلاف بين موقف مصر، وتمرير بيان القمة العربية، وهو ما ينطبق أيضاً على ثلاث دول عربية خليجية وهي الكويت وعمان وقطر، وقد مرّرت أيضاً بيان القمة الخليجية.
خلاصة، ظاهر بيانَي القمتين العربية والخليجية شيء، وحقيقة مواقف غالبية دولهما شيء آخر. وإذا دلّ هذا التناقض على أمر فيدلّ على هزال الموقف العربي الرسمي العام من جهة، كما يدل على ضعف الموقف السعودي-الإماراتي-البحريني وعزلته من جهة أخرى. ولهذا فما ينبغي للذين فرحوا بصدور البيانين أن يفرحوا طويلاً وكثيراً، لأن الحقيقة يجب أن تُبكِيهم، أو يجب أن لا تُفرِحهم.
ويجيء بيان قمة مؤتمر التعاون الإسلامي، وهو الذي أعطى صورة غير الصورة التي عبّر عنها بيانا القمة العربية والقمة الخليجية، وذلك عندما خلا من أي ذكر لإدانة لإيران. وهو ما حظي بتأييد غالبية من سبق لهم ومرَّروا بيانَي القمتين العربية والخليجية، مما يؤكد صحة ما سبق تحليله أعلاه في قراءة ما هو ظاهر وما هو حقيقي في القمتين العربية والخليجية.
فقمة مؤتمر التعاون الإسلامي جبّت القمتين اللتين سبقتاها من جهة، ووجهت ضربة غير مباشرة إلى ورشة البحرين المعادية للشعب الفلسطيني من جهة ثانية، كما سدّدت من جهة ثالثة ضربة مباشرة إلى ما سيعلنه جيراد كوشنر من صفقة قرنٍ إن أعلنها، كما وعد. طبعاً أفضل بالنسبة إليه، وهو لا يستحق أي خير، أن لا يعلنها، فتفشل وتُمَرَّغ في الوحل.
فكوشنر، كما بدا حتى الآن، لا يملك من المواهب غير كونه زوج بنت الرئيس. فقد راح يظن أن باستطاعته إقناع الفلسطينيين ببيع حقوقهم في فلسطين بالمال والرفاه الاقتصادي. وهو ظنٌّ ما كان ليخطر ببال أجهل الجاهلين في عرضه على الفلسطينيين. وقد أثبت هذا العرض أنه الوحيد الذي بإمكانه أن يحقّق إجماعاً فلسطينيّاً استثنائيّاً ضده. ولم يسبق أن تَحقَّق إجماع فلسطيني كالإجماع الراهن في رفض “صفقة القرن” التي يعدّها، أو أعدّها، جاريد كوشنر ومن لفَّ لفَّهُ من أمثال جيسون غرينبلات، والسفير ديفيد فريدمان، وجون بولتون.
وهكذا تكون السعودية والإمارات والبحرين في حالة عزلة وفشل حين توضع المؤتمرات الثلاثة في سلة واحدة، كما أرادت لها السعودية أن توضع في سلة واحدة. والأنكى كيف ستتصرف السعودية بمؤتمر قمة التعاون الإسلامي وروحية قراراته بعد أن تسلمت من تركيا رئاستها للدورة القادمة؟ وكيف يمكنها أن تتصرف بهذه الأمانة وهي التي تُصِرّ على مناصبة إيران وتركيا العداء؟
والسؤال: أي دور لمؤتمر التعاون الإسلامي إذا كانت السعودية من سيترأسه، وهي التي تضع ثقلها إلى جانب جاريد كوشنر في ورشة البحرين وتناصب عدداً من الدول الإسلامية العداء، ناهيك بالعداء الذي أعلنه ولي العهد محمد بن سلمان للفلسطينيين ولقضية فلسطين؟