كيف يساعد الفلسطينيون في إنقاذ لبنان؟ – زاهر أبو حمدة
حدث أن طلبت شركة “سوكلين” موظفي نظافة بعد عدوان تموز عام 2006، لرفع آثار العدوان والاستدامة في العمل بعد ذلك. وتقدّم أكثر من فلسطينيّ للعمل اليومي، إلا أنّ الشركة رفضت توظيفهم بسبب الجنسية وقانون العمل، واستعاضت بعمال من جنسيات آسيوية. حينها، ربما لعبت قيمة الرواتب دوراً في التوظيف أيضاً، لكن خسائر بعيدة المدى وقعت وأدّت حالياً إلى سفر العمال بعدما حوّلوا أموالهم بالدولار إلى خارج لبنان. هذا حقهم بكل تأكيد، وتغربوا عن بلادهم بحثاً عن قوت يومهم وتأمين مستقبلهم، ولا يمكن القول إنّهم تركوا لبنان في أزماته. في المقابل، يخوض اللاجئ الفلسطيني غمار الأزمات المعيشية مع اللبناني، مع ضريبة مجتمعية أقسى منه لأسباب لها علاقة بالجغرافيا والمداخيل المالية.
لم ينقل الفلسطينيون أموالهم خارج لبنان كما فعل بعض رجال المال والسياسة، واحتجزت ودائعهم اسوة بالمواطنين اللبنانيين، واستمر المغتربون الفلسطينيون بتحويل “الفريش دولار” إلى ذويهم في لبنان، إضافة الى أكثر من عشرة ملايين دولار تحوّل شهرياً بدل رواتب لموظفي وكالة “الأونروا” ومناضلي الفصائل الفلسطينية.
ما يمكن تأكيده أنّ الفلسطيني أثبت انتماءه لأرض وُلد ونشأ فيها، وأزمة “كورونا” وانفجار مرفأ بيروت وغيرهما من المِحن تشير إلى ذلك. ليس فقط بتقديم شهداء وجرحى، إنما بفتح المستشفيات والمستوصفات الفلسطينية للعلاج من دون تفرقة بالجنسية والهوية. وهي فرصة الآن أن يُمنح الأطباء اللاجئون فرصة للعمل، ولا سيما أن زملاء لهم توفوا جراء جائحة “كورونا”، وهم يعملون في مستشفيات لبنانية بطرق غير قانونية. هم يستحقون الفرصة، خصوصاً أنّ الأطباء اللبنانيين يهاجرون مثل المهندسين، وهذا ينطبق على الوظائف الأخرى.
كانت الذريعة في وزارة العمل اللبنانية سابقاً، أنّ الفلسطيني سيزاحم اللبناني في الوظائف، لذلك كانت المستشفيات اللبنانية توظّف ممرضين فلسطينيين لحاجتها لكفاءتهم وتمنع ذلك عن الأطباء، علماً أنّ عددهم محدود ولا يتجاوز المئة طبيب. والآن، هناك فرص عمل متعدّدة في اختصاصات مختلفة يُقبَل فيها الفلسطيني ولو براتب زهيد.
يمكن الحكومة اللبنانية الجديدة الاستثمار في الفلسطيني المقيم، عبر تغيير القوانين وتشريع العمل له، خصوصاً أنه يصرف راتبه في لبنان ولا يحوّله إلى الخارج، كما يفعل العمال الأجانب الآسيويون والأوروبيون. ولتكن الكفاءة مع المهارة هي المعيار في التوظيف، وليس بطاقة الهوية.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الدولية العاملة على الأراضي اللبنانية مع اللاجئين السوريين والفلسطينيين، التي توظّف أوروبيين برواتب عالية جداً، مع أنهم لا يملكون الثقافة الكافية للعمل في هكذا بيئة، ويمكن فرض عدد معين من “جنسيات الرجل الأبيض” وتوظيف اللبنانيين والفلسطينيين بدلاً منهم.
كذلك يمكن البرلمان اللبناني مساعدة الحكومة بأن يسمح للفلسطيني بتملّك بيت، وإلغاء القانون 296 الذي يحرم الفلسطيني من تملّك منزل أو قطعة أرض، وهكذا تنعش القطاع العقاري المنتكس في هذه المرحلة، وهذا ينطبق على قطاعات أخرى يمكن الفلسطيني أن يساهم بقوة في إنعاشها إذا سمحت السلطات الحكومية بذلك. وبالتالي، يمكن المستثمرين الفلسطينيين أن يجدوا في لبنان مكاناً ملائماً للاستثمار وإطلاق المشاريع إذا وجدوا ترحيباً من الحكومة.
لا بد للسياسيين اللبنانيين التفكير بمنطق المصالح المشتركة، وليس من منطلق الخوف من الفلسطيني وسيمفونية التوطين التي يعزف عليها من يريد حين يريد، من دون النظر إلى واقع مغاير. فالفلسطيني شريك اللبناني بكل مناحي الحياة، ويستطيع تقديم المساعدة لنفسه ولبلد يعتبره وطنه الثاني.