لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟!
بقلم المحامي محمد احمد الروسان
هناك ثلاثة أسرار في عمق تاريخ البشرية: الله، ثم المرأة، ثم سياسة دمشق، لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟انّ سياسة دمشق بالنسبة للغرب هي لغز.
المسألة تحتاج الى بعض الأيضاحات وعبر التساؤلات المختلفة في سياسات عواصم القرار، أو ان شئت عواصم المؤامرة على الشرقين الأوسط والأدنى، وفي ظل تداخلات الحسابات بين الساحات، ان لجهة الساخنة(القويّة والضعيفة)وان لجهة الباردة(تجميد الحلول فيها وعليها كونها خارج الحسابات التكتيكية مرحلياً، ويتم تأهيلها كساحات مخرجات).
عقيدة الأمن القومي لنواة مفاصل مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية، والتي صاغ مفاصلها وتمفصلاتها وتحوصلاتها الأممية، أعضاء الحكومة العالمية في البلدربيرغ الأمريكي، والفرنسي والبريطاني والصهيوني أعضاء فيها بجانب آخرين، عبر مجموعات من أمراء ليل وغربان موت، بزعامات من أمثال وأشكال كارل رووف(جنيّ)البيت الأبيض ومنظّر الربيع العربي برنارد ليفي، والتي عبّر عنها الناطق الرسمي باسم حكومة البلدربيرغ الأمريكي، الرئيس باراك أوباما، حيث تم الأيعاز الى المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي لتنفيذها وتوسيعها، فتشمل الآن الحرب على اليمن والذي تركوه جلّ أخوته في الجبّ ميتاً، وقد تمتد الى الجزائر والمغرب، كما أشرنا في أكثر من قراءة سابقة وفي أكثر من تحليل لنا في أكثر من مكان ومناسبة، وعبر الفضائيات ووسائل الميديا المختلفة وعبر مواقع التواصل الأجتماعي، وستضرب في قلب القارة الأفريقية حيث الصراع مع الصين وبريطانيا وفرنسا وايران وحزب الله هناك.
وهذه العقيدة أيضاً هي في جزء منها يتموضع في سعي حثيث للولايات المتحدة الأمريكية الى انشاء نسخة متطورة ومختلفة من حلف بغداد جديد في الشرق الأوسط، انّه الناتو العربي بمضمون القوّة العربية المشتركة، والتي لا نعرف حتّى اللحظة طبيعة النظام الداخلي لها، خاصةً بوجود(دولتان تلتزمان بمعاهدة مع الكيان الصهيوني).
عقيدة أمريكية جديدة صيغت، حتى تتمكن العاصمة واشنطن من سحب قوّاتها من المنطقة ومناطق شمال أفريقيا كي تعيد تموضع قواتها في الشرق الأقصى، فوفّرت الغطاء السياسي لعمليات حلف بغداد الجديد(الناتو العربي)على اليمن وما زالت توفرها.
أمريكا لا تريد انهاء الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما تريد ادارة الأزمات، لا بل وأزيد من ذلك، تستخدم الأزمات عبر الوكلاء من بعض عرب، كأسلوب ادارة لذات الأزمات، لذلك واشنطن دي سي تدرك أنّ العقدة الحقيقية في المنطقة تكمن في أنّ كل شيء ممكن وفي ذات الوقت ليس كلّ شيء متاح، وتدرك أنّ وكلائها في المنطقة لا يدركون ذلك، وان أدركوه تناسوه وبادروا الى الفعل لغايات آنية ضيقة، وجعلوا صراعاتهم كدول، صراعات شخصية بل وطفولية، في حين أنّ خصوم واشنطن في منطقتنا والعالم يدركون حقيقة ذلك، بل وأزيد من ذلك، بحيث يدركون معضلة الولايات المتحدة الأمريكية وكيف انتقلت دبلوماسية أمريكا من الأدمغة البشرية الى الأدمغة الألكترونية فبانت عورتها(مفاوضات السداسية الدولية مع ايران خير دليل على ذلك)، بعكس حلفائها من بعض عرب وبعض غرب، الذين لا يفكرون الاّ في كيفية ملىء البطون والجيوب، واشباع ما بين الأرجل حتّى ولو كان بين الأصول سفاحاً دون ضمانات.
وهناك بون شاسع بين الممكن والمتاح، وهو المسؤول عن تموضع الشكل والجوهر الذي ينتهي اليه مسرح العمليات، حيث تضيق الخيارات كل الخيارات، وزمن المتاح بدأ يتلاشى قبل الكارثة القادمة التي ستمزّق المنطقة وعبر حرب العرب بالعرب، حيث العرب ما زالوا يمارسون استراتيجية اللهاث وراء ايران، والأخيرة توظف وتستثمر في الأيديولوجيا لأحداث اختراقات جيواستراتيجية تخدم مصالحها، في حين أنّ العرب الأيديولوجيا عندهم تستخدم لحماية الأنظمة حتّى ولو قادت الى تفتيت المجتمعات أو حتّى الغائها.
الحرب والعدوان على اليمن، وقبله سورية، وقبلهما ليبيا، وقبلهم جميعاً فلسطين كل فلسطين فضيحتنا الكبرى كعرب، نقول: ايران وصلت الى هناك.. حسناً، من الذي أوصلها وفتح أمامها الأبواب؟ ألسنا نحن العرب؟ من الذي ترك اليمنيين طوال عقود خلت على تخوم العدم؟ ألسنا نحن العرب؟ أرادوا لليمن أن تكون رجولته عند حدود الجنبيّه(الخنجر)، وصدق من قال أنّ الحفره اليمنية بمثابة برمودا عربي، صحيح أنّه في اليمن شعب بهياكل عظمية بفعلنا كعرب، وصواريخ تنهال عليه عبر اعادة الأمل هذه المرة، ولكن جلّ العرب هياكل عظمية بعد أن دمروا جيوشهم بآياديهم فصارت المقاومة وجهة نظر، والأرهاب وجهة نظر، وحتّى الخيانة صارت وجهة نظر.
فمن يفشل في المعركة كما هو حاصل الآن في عدم تحقيق أي هدف من بنك أهداف الحرب على اليمن، والتي صارت تعصف بأصحابها، لن يكون قادراً على تكرارها بالمطلق لا على ذات الميدان اليماني ولا على الميدان السوري ان فكّر وقدّر، بل يذهب مكرهاً مجبراً الى مسرح آخر وميدان مسرح عمليات جديد، حيث وحدهم ووحدهم فقط أصحاب القضية من يكرر المحاولة، أمّا أصحاب المشارييع سواء كانوا من الأصلاء أو الوكلاء للغربي، فيبحثون دوماً عن البدائل تنفيذاً لدور مرسوم ومقدّر لهم بامتياز.
حل الأزمة السورية بحاجة الى اتفاق روسي وأمريكي مشترك، وحل المسألة العراقية يحتاج الى تقارب ايراني سعودي، والأخير مرفوض أمريكيّاً كما الأول تماماً، والأفكار المصرية غير المعلنة(دع عنك المعلنة) حول المسألة السورية لم ترقى بعد الى مستوى المبادرة السياسية الكاملة حتّى اللحظة(ما يجري في مصر الآن بعد اغتيال النائب العام المصري وبعد الأحداث في المجتمع السيناوي ومنطقة الشيخ زويد أجّلها).
ثمّة تساؤلات تطرح نفسها وتسوّق ذاتها وتشير الى أجوبه هنا وهناك، وان كان منطلقها الفكري التفكير بعقلية المؤامرة للوصول الى فهم المؤامرة نفسها، فمن أجل أن نفهم المؤامرة أي مؤامرة علينا أن نفكر بعقلية التآمر وما يحاك في المنطقة.
السؤال الذهبي المطروح الآن في كواليس كيميائيات العلاقات المتعددة والمختلفة، وسلاّت الجهود الروسية وغيرها ازاء الحدث السوري من زاوية البحث عن حلول سياسية لمفاصله وترسيماته على أرض الواقع هو:
لماذا هذا الدخول المصري المفاجأ على خطوط البحث عن الحل السياسي للحدث السوري الآن، وبعد انطلاق المبادرة الروسية المتكاملة والمقنعة الى حد ما قبل أكثر من تسعة أشهر وأزيد، خاصةً أنّها صارت تحقق نجاحات متفرقة تحتاج الى الجمع فيما بينها للخروج بمشهد متكامل، حيث تجيء دعوة فلادمير بوتين(هي دعوة للرياض والدوحة وتركيا)لتشكيل تحالف رباعي لمحاربة عصابة داعش، التي صارت تسونامي ارهابي عميق لا يستثني أحداً في عمق هذه السياقات السياسية والصياغات المرحلية، عبر توحيد جهود الحكومة السورية ودول المنطقة(خصوم الدولة الوطنية السورية)؟ هل قرار القاهرة جاء مستقلاً أم تم بايعاز من الآخر الطرف الثالث بالحدث السوري الخصم للدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي الحالي، بالرغم من دعوة الرئيس الروسي لتشكيل تحالف رباعي، والأخير قد يكون بالون اختبار روسي في عمق منظومة الخصم للنسق السياسي السوري؟ هل الجهد المصري في سياق البحث عن حل سياسي لما يجري في سورية هو لبعثرة الأوراق الروسية؟ هل يمكن أن تصل الأفكار المصرية الى مستوى الفعل والمبادرة التي تقبل بها كافة الأطراف السورية المعارضة، ان لجهة الداخل السوري، وان لجهة الخارج السوري، بما فيها الحكومة السورية والطرف الثالث بالحدث الشامي، ان كان غربيّاً وان كان عربيّاً هو بالأصل صار مأزوماً؟.
هل الأفكار المصرية(المعلنة)من شأنها وفعلها أن تلغي المبادرة الروسية، أو على الأقل اضعافها ومن ثم افشالها، لحين أن تلوح الفرصة المواتية لجلّ الأفكار المصرية غير المعلنة بالحدث السوري، وخاصةً بعد استيعاب القاهرة لما جرى فيها من ارهاب أخذ النائب العام، وما يجري في الشيخ زويد خاصةً وفي صحراء سيناء ومجتمعاتها السيناويّة، حيث نلحظ دوراً أمريكياً خفياً متقاطعاً مع دور اسرائيلي متخفي على استحياء؟ ما هي مصلحة مصر في ذلك لجهة النتيجة في خانة الألغاء أو الأضعاف ثم الأفشال للمبادرة الروسية، ثم الخروج بشيء مختلف عن ما يطرحه الروسي؟.
مبادرة الكرملين المتكاملة والتي ما زالت مستمرة تقوم على مفاصل وأساسيات الحل الداخلي(حوار سوري سوري)وبعيداً عن التدويل، بينما أحسب وأعتقد أنّ الأفكار المصرية(المعلنة على الأقل)حتّى اللحظة تعمل على اعادة جلّ المسألة السورية من جديد لتطرح كرزمة واحدة على طاولة الحوار الأممي وتعتمد جنيف واحد منطلقها، في اطار جنيفات جديدة تشارك فيها جميع الأطراف الأقليمية والدولية، بجانب المحلية السورية ان لجهة الحكومة، وان لجهة المعارضات وحتّى تلك التي ليس لها ترسيمات على الميدان، وبدون أثر يذكر في سياقات لغة الفعل الميداني وتفاعلاته العسكرية؟ وهل يمكن أن نصف من يطبّل ويزمّر ويرقص للتقارب المصري السوري واقعاً في فخ السذاجة والوهم السياسي بامتياز، أم أنّه محق لدرجة ما بسبب الدور المصري الخفي والمريح ازاء دمشق؟ أم هل الهدف من جلّ الأفكار المصرية وغيرها، هو لحين تغيير المعادلات وموازين القوى الأقليمية والدولية، والأستثمار في الزمن عبر الأستنزاف لسورية من قبل الطرف الثالث، لحين انتزاع الدولة والنسق السياسي السوري من تحالفاته الأستراتيجية على الساحتين الدولية والأقليمية الى خانة ما يسمّى بمحور الأعتدال العربي(عفواً الأعتلال العربي)، والذي يعمل الجميع في المحور الخصم لسورية على احيائه من جديد في ظل ما يسمّى بالتحالف الدولي لمحاربة دواعش(الماما والدادا)الأمريكية في العراق المراد احتلاله وتقسيمه، وسورية المراد اسقاط نظامها ونسقها السياسي وبالتالي تقسيمها والحاقها، التحالف غير الشرعي وخارج قرارات الشرعية الدولية، والذي جاء تشكيله وفرض المشاركة فيه برؤية أمريكية عبر منطق القوّة لا قوّة المنطق؟.
هل الرفض السوري ان حدث لسلّة الأفكار المصرية(المعلنة وغير المعلنة) يعني استمرار الوضع على ما هو عليه، وبالتالي التقسيم السلس بنعومة فائقة لجلّ الجغرافيا السورية؟ هل هناك تنسيق مصري روسي ان لجهة الرأسي، وان لجهة الأفقي، على طول خطوط علاقات موسكو القاهرة؟ أم أنّ المسألة تتموضع حول الفكرة التالية: الجهود المصرية والأفكار الخلاّقة(على الأقل المعلنة)تلتقي عفوياً وصدفةً بالجهود الروسية(المبادرة الروسية) لكنها لا تنسق معها؟
هل آعادت القاهرة من جديد انتاجات وصياغات لمفهوم الأمن القومي العربي وبالتالي تطويعه وتوظيفه وتوليفه للعب ذات الدور السياسي السابق لها وعبر البوّابة الشامية، حيث علامات الأستفهام كانت متعددة عليه وقت الرئيس المخلوع مبارك، خاصةً بعد نجاحات حقيقية لمصر السيسي(قد تعجبك وقد لا تروق لك)في المسألة الفلسطينية وبعد حرب غزّة الأخيرة، فكانت سلّة النتائج بمستويات أكثر من رائعة ومذهلة لمحور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من بعض عرب وعربان، وكل ذلك على حسابات نضالات الشعب الفلسطيني المقهور وطموحاته في سياقات الصراع العربي الأسرائيلي؟.
من الذي لعب دور الصانع والعرّاب المقنع لواشنطن في ضرورات الأعتماد على مصر ودورها المحوري في المنطقة، باعتبارها قوّة عسكرية يمكن الركون اليها باعتماد حقيقي، ان لجهة فلسطين المحتلة وسورية المتآمر عليها، والعراق المراد احتلاله من جديد وتقسيمه، وان لجهة لبنان وسلاح حزب الله، وان لجهة العدوان البربري على اليمن(مصر شعرت بالفخ لاحقاً، والى حد ما اتخذت مقاربة ومداخلة اقليمية بعيداً عن الرياض، وكذلك فعلت عمّان وبربع استدارة أو أقل من ذلك)، وحتّى ان لجهة ايران ومسألة المواجهه معها لاحقاً خاصةً في ظل احياءات جديدة للدور المصري في لبنان، والذي صار ساحة وغى وصراع لصراعات كافة الأطراف الدولية والأقليمية بأدوات الداخل اللبناني؟.
هل أخضع مجتمع المخابرات والأستخبارات الروسية(الأنعطافة المصرية)غير الجادّة وغير الحادة، على أرضية خطوط العلاقات الروسية المصرية بعد عزل الرئيس محمد مرسي، لمزيد من الدراسة والتحليل والتمحيص؟ هل تسرّعت موسكو وأعطت منظومات اس 300 المتطورة لمصر ان صدقت صحة المعلومة؟ لماذا أرسلت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي عشر طائرات هلوكوبتر من نوع آباتشي(طائراتهم بأسماء ضحاياهم الهنود)لمصر، بعد تواصل ما عبر الأثير بين الرئيس أوباما والرئيس عبد الفتّاح السيسي، حيث الدور الواضح للملك عبدالله الثاني ومنظومات حكمه في احداث مقاربات شاملة على طول خطوط العلاقات المصرية الأمريكية لضرورات تطورات سياقات الحدث السوري لاحقاً؟ وهل التغيرات التي حصلت قبل أزيد من عشرة أشهر في قيادة جهاز المخابرات المصرية(اللواء خالد محمود فؤاد فوزي مديراً واللواء محمد طارق عيسى سلام نائباً له)لم تكن كنتاج للرؤية الأمريكية السعودية القطرية الأماراتية كما كنّا نعتقد، في توظيفات جديدة وعسكرية للدور المصري ازاء الحدث السوري، والمسألة العراقية، ولجهة لبنان وسلاح حزب الله، ولجهة فلسطين المحتلة وحتّى ايران نفسها كما أسلفنا، بعد اعادة هندسة لمسار العلاقات المصرية القطرية(قد تنجح)؟.
وهل ضغطت واشنطن على مجاميع المعارضة السورية الخارجية لتغيير وجهة قبلتها من موسكو باتجاه القاهرة؟ وهل ثمّة سيناريو يرقى درجة أو مستوى المؤامرة على الفدرالية الروسية قبل سورية ونسقها السياسي؟ هل تتخلّى دمشق العاصمة عن استراتيجيات الأستثمار في الوقت والأنتظار وبالتالي ترك استراتيجية شعرة معاوية، لصالح استراتيجيات الحسم الشامل ان لجهة الحسم السياسي، وان لجهة الحسم العسكري، بالتعاون مع دول حلفائها الأقليميين والدوليين وحركات المقاومة المختلفة والتي هي في بعضها أكثر من حزب وحركة وأقل من دول؟.
في الخلاصة هنا: نجد أنّ العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي ضد أي تقارب سعودي ايراني، كون من شأن هذا التقارب أن ينهي العدو الذي صنعته أمريكا ورعته من ايران(فوبيا ايران)لتبتز به السعودية وشقيقاتها الصغرى من دول الخليج. وواشنطن تريد اسقاط سورية ونسقها بالحل السياسي أو الدبلوماسي أو العسكري، ومن ثم تقسيمها الى ثلاث دول لسبب عميق جيواستراتيجي يتموضع في ضرورة الألتفاف على مشروع روسيّا لمد أنبوب الغاز عبر تركيا، بحيث يصار الى تحويل الجغرافيا السورية الى ممر للنفط والغاز السعودي القطري الأسرائيلي الى أوروبا عبر جغرافية تركيا، انّها حرب الطاقة نفطاً وغازاً والتي أنتجت ديبلوماسيات الطاقة بمفهوم جديد، حتّى ولو تطلب الأمر اسقاط أردوغان نفسه(نتيجة الأنتخابات التركية الأخيرة تعتبر الخطوة الأولى)، حيث الأخير صار يخشى انقلاباً داخلياً عليه، وهنا قد يكون من المفيد أن نقول أنّ فلادمير بوتين قد تسرّع في رهانه الثاني بعد الرهان الأول، على حصان خاسر لأختراق حلف شمال الأطلسي ومن البوّابة التركية وان حدثت ارتباكات هنا وهناك في مفاصل صنع القرار في حلف الناتو في البدء!.
الأزمات تراوح مكانها في المنطقة، وتحاول التعايش مع الواقع الصعب بفعل التباعد بين الأقطاب، أن لجهة دواخل المنطقة، وان لجهة خوارجها الجدد، وان لجهة الطرف الثالث والذي يعمل على اعادة رسم حدودها بالدم والنار. بامتياز هناك تحالف سوري عراقي ايراني حزب الله موجود في المنطقة، ولقاءات طهران درست وبحثت قوننته وترسيمه استعداداً للسيناريوهات الدموية القادمة(افشال ما سميّت بعاصفة الجنوب من قبل الجيش العربي السوري ووحدات المغاوير، بجانب مساعدة معلوماتية من أحد أطراف من داخل غرفة العمليات المسماة بالموك وصلت نواة الجيش العربي السوري قبل بدء العملية بشهر تقريباً)، أيضا ما جرى في الشمال السوري في ادلب وجسر الشغور وأريحا، ثم استعادة الجيش العربي السوري لزمام المبادرة في أكثر من 500 نقطة اشتباك مع المسلّحين الأرهابيين على مساحة جغرافية الوطن السوري، وازاء ملفات الخلاف والبؤر الساخنة تمهيداً لأي مواجهات قادمة، خاصةً وأن مضمون هذا التحالف أو المحور بمضمون عسكري مخابراتي اقتصادي سياسي ديبلوماسي، يجري العمل على تفعيل جلّ هذه الروابط وتوحيد الجهود لمنع الأستفراد بكل ساحة على حدى.
مع التأكيد أنّ أذرع الموك في عمق الجغرافيا السورية الجنوبية تتجه نحو الأنحسار، وعاصفة الجنوب تنخفض سرعة رياحها، مقابل ارتفاع حرارة الضربات النارية التي تسددها وحدات الجيش العربي السوري، نحو عمق الخطوط الخلفية للتنظيمات الأرهابية المسلّحة والتي تشكل عصب تلك العاصفة الارملية.
أنقرة ورغم الموقف منها فهي تقع في اطار محطات ومفاصل العلاقات الثلاثية على طول خطوط ايران بغداد سورية بجانب حزب الله ولك أن تقول حماس أيضاً والجهاد الأسلامي لاحقاً في ظل تموضعات جديدة لحركة حماس، تركيا بعلاقاتها مع ايران وان كانت فوق الطاولة تعاون وتحت الطاولة تنافس يصل درجة الصراع، الاّ انّها بمجملها مقبولة ويمكن البناء عليها في ظل التقارب التركي الروسي والذي فتح صندوق هدايا روسية متعددة لأنقرة، والسؤال هنا:
هل من شأن كلّ ذلك أن يفرض قراءات تركية جديدة ازاء الدولة السورية ونسقها السياسي، وفي ظل تعرض أردوغان لمحاولات انقلابية داخلية بفعل الخيوط الأمريكية الأوروبية المختلفة وكما أسلفنا سابقاً؟ وهل يمكن أن نعتبر تقدم وحدات حماية الشعب الكردي في تل أبيض وعين عيسى وعلى طول الحدود السورية التركية، بمثابة فخ سوري جديد نصب للرئيس أردوغان بعناية فائقة، تنم عن حقيقة العقل الدمشقي العميق بتفكيره ورؤيته؟.
وهنا لا يمكن وصف تركيا بأنّها لا تتصدّر الحرب على دمشق ونظامها، كما يحاول البعض المتأترك بالمعنى التكتيكي لا الأستراتيجي، من العربان قوله وتسويقه للوصول الى أنّ هناك مشتركات وتقاطعات وبعد أربع سنوات وأزيد من الحرب الأممية على سورية، والصراع فيها وعليها وحولها وعقابيل ومآلات ذلك؟!.
محور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من بعض غرب وبعض عرب وبعض مسلمين، وضعوا كل من سورية وايران في خانة الأستهداف العميق وعبر اخضاع سلعة النفط وادخالها في الصراع السياسي ازاء سورية والمنطقة، فموسكو وطهران تشتركان بمصير واحد والمصالح المشتركة في تزايد كما المخاطر أيضاً نحوهما، وبعد العقوبات الدولية على موسكو بفعل المسألة الأوكرانية، وهي بالمناسبة ليست عقوبات كونها خارج الأمم المتحدة، بل هي أعمال عدائية من قبل منظومات الناتو، من هنا أقر فلادمير بوتين عقيدة عسكرية روسية جديدة للجيش الروسي، اعتبر بموجبها تمدد الناتو لضم كييف له، خطراً عسكرياً يهدد الأمن الداخلي الروسي كما يهدد الأمن القومي الروسي أيضاً.
فكان التقارب الروسي التركي وعبر الورقة الأقتصادية وورقة الطاقة(خطوط الغاز خط سيل الغاز الجنوبي ومنها الى أوروبا)وانشاء مجمّع للغاز على الحدود التركية اليونانية لتزويد ايطاليا بالغاز، وليعوّض عن خط سيل الغاز الشمالي والذي ترفض بلغاريا مروره بآراضيها بضغط من الأتحاد الأوروبي، ثم تحييد الخلافات على خطوط العلاقات التركية الأيرانية والبحث عن أي مشتركات وهذا من شأنه أن يقود الى التموضعات في جبهة موحدة ضد محور واشنطن تل أبيب، خاصةً وأن نواة البلدربيرغ الأمريكي تضع في عينها وتمام عقلها وفكرها تقسيم تركيا وعبر الورقة الكردية، حيث البدء تأسيس اقليم كردستان سوري على غرار العراقي ليمهد لدولة كردية قادمة في المنطقة، وتحت ضغط الحرب على سورية ونسقها السياسي كانت الأدارات الكردية المحلية، فتركيا فهمت واستوعبت الرسالة التالية: أن تنسب الأنتصارات في العراق على داعش للبشمركة(على ضعفهم)لا الى الجيش العراقي والعشائر، يعني بمجمله يصب في تحقيق كيان كردي مستقل في الشمال العراقي، مع كيان كردي مستقل في شمال سورية، وتحت ضغط الحرب عليها مما يعني تقسيم تركيا لاحقاً، مع أنّ هناك في استراتيجيات البلدربيرغ الأمريكي تأسيس كيان كردي في شمال غرب ايران عبر الكرد الأيرانيين وحزبهم حزب الحياة الكردي الأيراني(بيجاك).
وعلى هذا الأساس يرى البعض من خصوم تركيا، أنّ أردوغان دون كيشوت تركيا الجديد، ومساعده سانجو رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلوا يهندسان لتحسين العلاقات مع مصر، لحين تحقيق مقاربات مصرية تركية قد تقود الى نصف استدارات لحاجة الطرفين لبعضهم البعض، خاصة ما يخطط لتركيا عبر الورقة الكردية(الكيانيّة الكردية التي يجري الحديث عنها الآن هي فخ لتركيا لتفجيرها من الداخل)، ومصر عبر سيناء ومجتمعها حيث الأرهاب وحواضنه، وعبر ليبيا باتجاه المسار المصري لاحقاً، بالرغم من أنّ العلاقات الديبلوماسية لم تنقطع بين القاهرة وأنقرة وكذلك العلاقات الأقتصادية والتجارية والسؤال هنا: هل تسمح واشنطن وبلدربيرغها بعودة حقيقية للعلاقات المصرية التركية؟ ما هو نوع وطبيعة الأعتراض الأسرائيلي الصهيوني المتوقع على عودة العلاقات؟ وهل تطبيع العلاقات التركية الأسرائيلية الآن لتجاوز الفيتو الأسرائيلي على عودة العلاقات المصرية التركية؟ هل ثمّة اعاقات سعودية اماراتية أو فيتو سعودي اماراتي مشترك لعودة العلاقات على خطوط علاقات القاهرة أنقرة؟ وفي حال رفع الفيتو السعودي الأماراتي المشترك عن عودة العلاقات بين أنقرة والقاهرة، ما هي التنازلات التركية المطلوبة سعوديّاً واماراتيّاً؟ وهل تستجيب تركيا لما هو مطلوب من الزاوية السعودية والأماراتية؟ كيف يكون الدور البريطاني في مسألة الرغبة المصرية التركية المشتركة لتحسين العلاقات وعودتها، في ظل وقوع الجيش التركي تحت المظلة البريطانية والجيش المصري تحت المظلة الأمريكية؟.
هناك معلومة تتحدث عن لقاءات حدثت قبل التغير الأخير في قيادة جهاز المخابرات المصري منذ أقل من عام، مع المخابرات التركية وبمبادرة تركية وفي القاهرة نفسها، بحثت مسألة تحسين العلاقات وما يعترضها والفيتوهات المتوقعة من بعض الأطراف الخليجية، والطرف الأمريكي والطرف الأسرائيلي الصهيوني، والان يتولى هذا الملف اللواء محمد طارق عيسى سلام نائب مدير المخابرات المصري، مع رئيس شعبة مكتب المخابرات التركية في المخابرات المصرية.
وفي ظل ما يخطط لتركيا من استراتيجيات بلدربيرغيّة وفي عين نواته وهدفه نتساءل التالي:-
هل عوامل الربط التركي مع ايران وروسيّا والصين صارت أقوى مما هي عليه مع واشنطن، خاصةً بعد تغير المشهد السياسي التركي كنتاج للعملية التشريعية الأخيرة؟ وهل من شأن ذلك أن ينعكس على جلّ المسألة والحدث السوري؟.
صحيح مئة بالمئة أنّ أردوغان الآن ورغم أنّه قطع كل خيوط علاقاته مع النسق السياسي السوري، قد لا تكون لديه مشكلة من بقاء النظام والنسق السياسي السوري ورمزه الرئيس بشار الأسد، حيث العامل الكردي يدفعه للتنسيق مع السوري ونسقه السياسي، ان بصورة مباشرة، وان بصورة غير مباشرة، عبر الأيراني والروسي والألماني(برلين تعتبر الكرد جزء أصيل من العرق الآري الألماني).
أعتقد وأحسب أنّه سيحدث تمنّع تركي واضح في البدء، لكن في النهاية سيتعاملون مع معطيات الواقع السوري في حالة تظهير التحالف الأقليمي الجديد المدعوم روسيّاً وصينيّاً ومن باقي دول البريكس، في السياسة والديبلوماسية والأقتصاد والتسليح، مع وجود حزب الله وأدواره في المنطقة لاحقاً والتي قد تتجاوز الحدود اللبنانية نحو حدود الدم والنار التي يرسم بها محور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به حدود الساحات وفقاً لمصالحه.
انّ نوتّت ونغمة أردوغان الكلاسيكية مع استمرار النزاع مع المسلحين الراديكاليين ستستمر، وهنا سيردد الأردوغان الرئيس: أنّ سبب هذا النزاع الميداني هو بقاء الأسد، وأعتقد هنا أنّ هذه النوتت والنغمة الكلاسيكية الأردوغانية لم تعد تقنع أردوغان نفسه، ولا حتّى كيسنجر تركيا أحمد داوود اوغلوا ومدير المخابرات التركي هاكان فيدان.
الشرق الأوسط منطقة يعاد تفكيكها وتركيبها من جديد، حيث تفكيك كيانات قائمة واطاحات لحدود ومحاولات لرسم وتأسيس اتحادات اقليمية، قد تقود لوقائع وترسيمات جغرافية ديمغرافيىة حديثة، حيث الحدود والخرائط صارت ترسم بالدم. والشرق الأوسط منطقة لم تتهيأ بعد لتلك الديمقراطيات الغربية والتي ثبت فشل ترويجها وتسويقها، من قبل الليبراليين الجدد في المنطقة، برامكة الساحات الشرق الأوسطية، ومن هنا اتساءل السؤال التالي:
هل المنطقة فعلاً بحاجة الى آتاتورك عربي، يحدد ترسيمات المجتمع بالقوّة، بعد ما عمّت فوضى التطرف والأرهاب بفعل المؤامرة والتي اشترك بها بعض عرب وعربان، وبعض مسلمين، بجانب الأمريكي والأسرائيلي الصهيوني وبعض غرب أيضاً؟!.
مع التأكيد أنّ أي تدخل تركي عسكري مباشر في شمال سورية يحتاج الى غطاء دولي واقليمي(لم يتوفر في السابق)وغير متوفر الان، وأنّ هذا التدخل سوف يعمّق التلاحم بين الأكراد والجيش السوري، وهذا من شأنه أن يؤثر على استراتيجيات الغرب في محاربة داعش في الداخل السوري، بالأعتماد على وحدات حماية الشعب الكردي كبديل عن التعاون مع الجيش السوري والدولة الوطنية السورية، وأنّ أي صدام عسكري تركي مع الكرد والجيش السوري في الداخل السوري، يتيح وبقوّة لنقل الصراع والصدام الى الداخل التركي، بسبب أنّ الديمغرافية المحاذية وعلى طول الحدود التركية السورية هي ديمغرافية كرديّة نقية مئة بالمئة.
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
هاتف منزل – عمّان : 5674111 خلوي : 0795615721
سما الروسان في 5 – 7 – 2015 م.
17 رمضان