لا تدعوهم يمضون قبل تدوين شهاداتهم
نضال حمد
قبل أيام قليلة ودع أهالي بلدة الصفصاف المرحوم الحاج خالد يونس – أبو فؤاد، أحد وجهاء بلدة الصفصاف المميزين، صاحب العلم والمعرفة والتاريخ الملتصق بقضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان .. عمل ابو فؤاد يونس مديراً لبعض المخيمات، مثل مخيم الرشيدية ومخيم بعلبك كما ابن بلدته وزميله الاستاذ الحاج ابو مروان حمد مدير مخيم البداوي أمد الله في عمره …
عرف عن أبي فؤاد أخلاقه العالية وعلاقاته الجيدة والمتينة بكل الذين عرفهم . عرفه أهل فلسطين اللاجئين رجلاً مسالماً، محباً للمعرفة والعلم والتعليم والتقدم … وكان يحث أهالي بلدته وأفراد حمولته على العلم والدراسة والمثابرة والمواصلة حتى نيل أرفع الشهادات الدارسية والجامعية.
رحل الحاج أبو فؤاد عن عمر ناهز ال 95 عاماً بعد صراع مع المرض أضناه في آخر شهور حياته.
جدير بالذكر أن المرحوم أبو فؤاد ولد سنة 1915 في بلدة الصفصاف الجليلية الفلسطينية المحتلة من قبل قطعان اليهود الصهاينة، الذين احتلوها كما جاراتها الرأس الأحمر وطيطبة وقديثا والجش وعين الزيتون وميرون وعكبرة وكل قرى منطقة صفد.. فقد احتلوها بعدما جاءوا الى فلسطين من كل بقاع الدنيا، مسلحين بالحقد والكراهية والضغينة والعداء لكل من كان يقيم على تلك الأرض المسماة فلسطين والتي ستبقى تسمى كذلك الى يوم الدين.
لم يكتف القتلة اليهود الصهاينة باحتلال البلدة وتشريد سكانها وأبو فؤاد كان واحداً منهم، بل ارتكبوا مجزرة رهيبة بحق من اعتقلوهم من سكانها الآمنين وكذلك بحق من لجأ اليها من سكان القرى المجاورة. فأستشهد حسب أقوال أهالي البلدة 111 من أبناء الصفصاف وأبناء البلدات المجاورة، الذين احتموا فيها بعد سقوط بلداتهم نهاية شهر تشرين الأول – اكتوبر 1948 . وللعلم فأن آل يونس فقدوا في تلك المذبحة ثمانية ضحايا من رجال العائلة. فيما سقط 11 من آل زغموت و10 من آل شريدي و7 من آل حمد وآخرين من كافة عائلات البلدة.
ترك أبو فؤاد يونس شهادته قبل أن يعود الى ربه حيث كانت قناة المنار أجرت معه مقابلة تحدث فيها عن بلدته الصفصاف. ولا بد أن تلك المقابلة غنية ومليئة بالمعلومات المفيدة والهامة عن الصفصاف وقضاء صفد. فالحاج أبو فؤاد كان شاباً يبلغ من العمر 23 عاماً عندما هاجم اليهود الصههاينة البلدة وأحتلوها كما أحتلوا كل فلسطين.
إن رحيل من تبقى على قيد الحياة من جيل أبو فؤاد يونس وأبو عفيف حمد والأجيال التي جاءت بعدهما ولا نقول قبلهما لأنه لم يعد هناك من هو على قيد الحياة من الذين ولدوا قبلهما يدعونا لدق ناقوس الخطر. ويلح علينا بأن نطلق صرخة إستغاثة نأمل أن تصل الى كل الذين تعنيهم الذاكرة الشفوية، وتعني لهم حكاية الصفصاف والقرى المهجرة والمهدمة في فلسطين المحتلة سنة 1948 شيئاً ما .
أيها الشباب ابدأوا بمتابعة هذه الملفات وبتسجيل الشهادات لهذا الجيل الذي لم يعد كثيرون منه على قيد الحياة. فهذه أمانة في أعناقكم …
أيها المهتمون بالصفصاف وبكل قرية وبلدة ومدينة فلسطينية نكبت وسرقت وسلبت ودمرت. تسجيل ذاكرة الكبار قبل أن يرحلوا عن عالمنا أمانة كبيرة في عنق كل وطني غيور لديه الإمكانية لتسجيل مقابلة أو حديث مع أيٍ من هؤلاء ولم يقم بذلك.
رحم الله الحاج أبو فؤاد يونس ورفيقه الحاج أبو عفيف حمد الذي رحل قبل عدة شهور دون أن يترك للأسف شهادته. والتي نعتقد أنها كانت غنية ومفيدة بحكم أن شقيقه محمد طالب حمد ( أبو طالب حمد ) كان واحداً من اهم وجهاء الصفصاف في البلاد وفي الشتات. وهناك حكاية طريفة عن المرحوم أبو طالب حمد، وهي أنه بعد اللجوء من فلسطين الى لبنان وبعد سنوات العيش بمذلة ومهانة وفقر وتشريد وعوز وقمع وظلم، كتب هذا الأخير رسالة وجهها الى الله سبحانه وتعالى، وشكا فيها هم شعبه اللاجئ المشرد والطريد، الذي يعامل بمهانة وإذلال من قبل السلطات الأمنية في لبنان. ومن قبل الاحتلال الصهيوني في فلسطين. وضع رسالته في البريد وكتب على غلافها ” رسالة من لاجئ فلسطيني الى الله “.. أرسلها فلم تذهب الى العنوان المرسلة إليه ولا هي عادت الى مرسلها، الذي بدوره رحل بعد الرسالة بعدة سنوات عن عالمنا ليصبح بين يدي الرحمن.
علينا حفظ حكاياتهم وشهاداتهم وأرشفتها وصيانتها والمحافظة عليها لتكون في عهدة الأجيال القادمة، ولتبقى فلسطين بكل بلداتها ومدنها حيّة وحاضرة في الصغار وفي الأجيال القادمة، الى أن يتم تحريرها من رجس الإحتلال الصهيوني وإعادة رفات كل موتانا وشهداء شعبنا وضحايانا الى بلدتهم الصفصاف والى بلداتهم ومدنهم في فلسطين المحررة.
* مدير موقع الصفصاف
31/03/2010