لا ثقة بالقيادة في (اسرائيل) / د. رأفت حمدونة
الروح الطلائعية المضحية ، بوتقة الصهر ، والأرض واللغة العبرية ، الحركة الصهيوينة ، الثقة بالملوك والجنرالات ، التاريخ والتجربة العسكرية والأمنية ، وقولبة الجيش الذى يقهر برئاسة أركان ووزارة حرب وقيادة حاربت خارج أرضها ، والانتصارات على الجيوش النظامية ، ومفهوم الردع للآخر لسنوات ، وحياة التقشف من أجل المستقبل ، وندرة الحديث عن الفساد والرشوة ، الحنكة السياسية والعسكرية ، الشخصيات التاريخية ” دافيد بن غوريون ، حاييم وايزمان ، موشيه شاريت ، إسحاق بن زفي ، ليفي اشكول ، زلمان شازار ، غولدا مئير ، إفرايم كاتسير ، مناحيم بيغين، إسحاق نافون ، حاييم هيرتزوج ، يتسحاك رابين ، يتسحاك شمير، عيزر فايتسمان ، شمعون بيرس ” قدرات ومفاهيم وطموحات ومصطلحات تلاشت في ذهن الجمهور الاسرائيلى ، واختزلت فى مواد ومساقات تدرس كالأساطير رغم حداثتها لطلاب الاعدادى والثانوى ، في ظل التحقيقات وتهاوى القيم ، وتثبيت ملفات الفساد والرشوة ، واللاأخلاق ، والإخفاقات السياسية والعسكرية ، والائتلافات المصالحية ، والابتزازات الحزبية .
وتجسدت في ذهن المواطن الاسرائيلى منذ الألفية الثالثة غياب القيادة الكرزماتية على حجم الحاجة اليها ، ، وتلاشت ” نظافة الكف” في اسرائيل في كافة المستويات ، بدءا من رئاسة الدولة ورؤساء وزراء وقيادات أحزاب سياسية ، والشواهد كثيرة ، كقضايا رئيس وزراء الحكومة بنيامين نتنياهو ، ولعل أبرزها القضية 3000 ، حيث شبهات الفساد وخيانة الأمانة ، وصفقة مالك صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’، نوني موزيس، والحصول على ‘هدايا’، على شكل سيجار وزجاجات شمبانيا ثمينة بمئات آلاف الشواقل ، وعزل الرئيس الأسبق عيزر فايتسمان، من منصبه كرئيس لإسرائيل في أعقاب قضية ” سروسي”، لتلقيه مئات آلاف الدولارات بشكل غير قانوني ، وقضية الرئيس السابق موشيه كتساف ، كأكثر حالة مذكورة في التاريخ السياسي الإسرائيلي، والتى انتهت بإدانته بتهمة الاغتصاب والسجن لسبع سنوات ، وقضية رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون لتورّطه في السيطرة على أراضي الدولة ، وتورطه في قضية “الجزيرة اليونانية” ، وارتكابه مخالفات احتيال وتعيينات سياسية ومخالفات لقانون تمويل الأحزاب ، وقضية إيهود أولمرت وقد أجريت معه عدة تحقيقات أدت في نهاية المطاف إلى إسقاط حكومته ، لتورّطه في محاولة الانحياز في مناقصة بيع بنك مركزي ، بالإضافة إلى التعيينات السياسية غير الشرعية في إدارة القطاع الخاص ، وقضية وزير المالية الأسبق ” أبراهام هيرشزون ” الذى خضع إلى تحقيق جنائي اعتُقل فيه بعض المسؤولين الكبار في إحدى الجمعيات الكبرى لسرقتهم مبالغ كبيرة من أموال الجمعية لصالح ودائع مختلفة في أماكن عدة، من بينها ودائع في السوق السوداء ، وقضية وزير الداخلية ” أرييه درعي ” لتلقيه الرشاوى والاحتيال وخيانة الأمانة ، وحُكم عليه بثلاث سنوات سجن ، وشواهد أخرى وتحقيقات وملفات كثيرة ، نعم تشهد للرقابة العامة ، وأن لا أحد فوق القانون ولكنها تشير لتهاوى منظومة الأخلاق والقيم التى قامت عليها اسرائيل منذ نشأتها .
الأمر الذى أشارت اليه استطلاعات للرأى حديثة في اسرائيل، وقد أظهرت أن ما نسبته 58% من الجمهور (الإسرائيلي) لا يثقون بالقيادة الحالية لقيادة المواجهة العسكرية المقبلة ، و 75% من قوات الاحتياط في الجيش ، و 60% من الجمهور الواسع لا يثقون يالقيادة العسكرية العليا ، وما نسبته 80 % من الإسرائيليين يقلقهم الفساد المستشري لدى السياسيين وفي هرم السلطة ، و 51 % لا يثقون مطلقاً أو بشكل جزئي بالمؤسسات العامة ، و 16 % فقط من الإسرائيليين يثقون بمساعدة الشرطة الاسرائيلية عند الحاجة، و11 % يثقون بمساعدة الحزب الذي ينتمون إليه، فيما أعرب 40 % فقط عن ثقتهم بالجيش، وقد أضحت الصورة النمطية في اسرائيل أن المجتمع الاسرائيلى أكثر مادية واستهلاكية ، وتتفشى فيه قضايا الفساد وانتشار المحسوبية ، واستغلال الميزانيات ، واستشراء الكذب ، والغطرسة، وعدم التمييز بين الجوهر والمظهر، والاستخفاف بالقانون، وتغليب المصالح الشخصية، والتهرب من المسؤولية .
أعتقد أن القولبة الايجابية السابقة والصورة التاريخية في اسرائيل بدأت تأخذ منحنى تنازلى في اتجاهات عدة ، كعدم الثقة بمستقبل أفضل للدولة ، وبقياداتها السياسية والحزبية ، والأكثر خطورة بكفاءة القيادة العسكرية والأمنية وقدرة الجيش وامكانياته في ظل متغيرات وفوضى اقليمية محيطة ، وعدم الثقة بتمثيل الدولة ، وبمبادىء الديمقراطية والقيم والعدالة الاجتماعية ، وبنجاعة المؤسسات العليا ومكانتها وخدماتها العامة.