لا..ليست حرب بوتين – رشاد أبوشاور
الثلج محايد: هذا ما رددته مرارا وأنا، ومن أترافق معهم، نرتجف من شدّة البرد، أثناء واحدة من زياراتنا، وما أكثرها، إلى الإتحاد السوفييتي، سواء في موسكو أو في ليننغراد التي أعيد اسمها القديم القيصري إلى سانت بطرسبورغ.
في حربين كبيرتين انتصر الروس، والسوفييت بقيادة (الروس) على أعدائهم،المرّة الأُولى في حربهم مع نابليون وجيوشه الجرارة الغازية، والثانيةعلى جيوش هتلر الألمانية النازية في الحرب العالمية الثانية التي يسميها الروس، وهو الإسم الذي أُطلق عليها في الزمن السوفييتي: الحرب الوطنية العظمى.
لتبخيس ( بطولة) الروس أُطلق على ثلج الروسيا: الجنرال ثلج..وجعلوا من الجنرال ثلج مصدر قوة الروس، وأنه كان السبب الرئيس بنصرهم على أعدائهم، وأنه لولا ذلك الجنرال لما انتصر الروس في حروبهم على أعدائهم، وكأن أجساد الروس قد( بُرمجت) وتعايشت مع ثلج بلادها، علما أن الثلج ببرودته هو نفس الثلج ببرودته في أي مكان، وفي أية بلاد، وتأثيره هو نفس التأثير على كل أجساد البشر.
رددت مرارا وتكرار بعد وقوفي مرتجفا غضبا وألما أمام ألوف أضرحة ضحايا( ليننغراد): لو أن هتلر قرأ رواية الحرب والسلام، رواية تولستوي الخالدة، لما دفع بجيوشه الجرارة لمهاجمة روسيا و..الاتحاد السوفييتي.. ولكن الطغاة لا يتعلمون من دروس التاريخ، بل إنهم يكررونها بغباء وغطرسة.
لا، لم يهزم الثلج جيوش هتلر، ومن يروجون هذا الكلام يهدفون إلى التقليل من تضحيات وبطولات شعوب الاتحاد السوفييتي بقيادة الأمة الروسية صاحبة التضحيات الأكبر في الحرب العالمية الثانية، والتي قدمت ما لا يقل عن 27مليون إنسان افتدوا البشرية، وأسهموا إسهاما كبيرا في هزيمة النازية..ووصول الجيش الأحمر إلى وكر( الذئب) في برلين حيث انتحر هتلر وعشيقته إيفا براون!
صحيح أن سينما هوليوود ضخّت سيلاً من الأفلام المبهرة بأبطال خارقين، وما زالت حتى أيامنا تواصل ضخ أفلامها عن البطولات ألأمريكية، مع إن تلك الحرب خيضت بعيدا عن أميركا وانخرطت فيها أمريكا في العام 1941..وجنت ثمار حرب مكنتها من إنهاء حقبة تسيّد الإمبرياليتين البريطانية والفرنسية..وأخذ مكانهما عالميا، ووراثتهما، رغم أن تضحياتها متواضعة إذا قورنت بتضحيات روسيا وشعوب الاتحاد السوفييتي!
بعد انهيار وتفكك الإتحاد السوفييتي وثقت أمريكا بأن السيادة عالميا تكرست لها، وبأنها باتت( القطب) الأوحد المهيمن على العالم، وبأن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن سيادتها، وتبارز المنظرون والصحفيون والساسة الأمريكيون في تنظيرهم السعيد بأن هذه هي الخاتمة، ونهاية التاريخ، وبخاصة مع ظهور قيادة روسية من رحم الإتحاد السوفييتي المُفكك والمتلاشي تتميز بالتفاهة والاستخذاء وسرعة الإستجابة لكل رغبات حُكام أمريكا!
لم يحسب حُكام أمريكا حساب ( روح) الأمة الروسية، وعراقتها، وكبريائها،واستهتروا بالروسيا..ولم يروا ما يمور في نفوس الروس الذين أُهينوا بوجود قيادة ( بائعة)، منها السكير والمرتشي والخائن لكل ما تربّى عليه وما أوصله للموقع القيادي الذي بلغه بسبب فساد نخر روح الحزب وجعله مرتعا للمنافقين والوصوليين.
ولأن الإمبراطورية الأمريكية جشعة، وتريد أن تضمن نهائيا هيمنتها على مقدرات العالم ومصائر الشعوب وتتحكم بها، فإنها بغطرسة لا تقبل أن ترى أمة على هذه الأرض تسعى لامتلاك حريتها وكرامتها واستقلالها، وترى في ذلك تهديدا لهيمنتها وتسلطها ونهبها.
عندما كان الرئيس الروسي بوتين يستعرض منجزات الجيش الروسي الجديدة المتفوقة عام2018 ، ومنها الصواريخ الأسرع من الصوت، كان يرسل تحذيرا للمستهينين بروسيا، ويطرح أمامهم بالوسائل التوضيحية مدى قوة الروسيا..و(لكنهم) تجاهلوا ما يرون، وكانت روسيا هي التي تضمر لهم ( عقابا) رادعا، وليس بوتين( الفرد).
كانت تلك صناعات جيش روسيا وعقول العلماء الروس، الجيش الذي أعيد بناؤه، بعد سنوات الضياع والفساد والتخريب واستحواذ أمثال( خيدروفسكي) الصهيوني على منجزات الدولة الإشتراكية. في تلك السنوات باع جنرالات الجيش الأحمر حتى أوسمتهم ليأكلوا هم وأسرهم!.
تلك كانت سنوات الذل والمهانة لروسيا الأمة العريقة، سنوات النهب من عصابات الصهاينة، والباعة الساقطين، في حقبة يلتسين وغورباتشوف، وهي سنوات توجت فساد الحزب الواحد الذي ترهل، ولذا لم نشاهد تظاهرة كبيرة واحدة ترفض تفكيك الاتحاد السوفييتي، وتطالب بمعاقبة الفاسدين واللصوص.
لا، لم يكن الرئيس فلاديمير بوتين ظاهرة فردية، ولكنه الفرد الأبرز بين قيادات عسكرية ومدنية وطنية نفضت كل عوامل الذل والمهانة عن روسيا العظيمة، وما كان لها أن ترضى بأن تمتهن أمتها، وأن تنتظر الهجوم النهائي، كما يدبره الأعداء لتمزيق أمتهم وتقطيعها، وتحويلها إلى أشلاء..فكانت حرب روسيا الدفاعية عن النفس، والتي نشاهدها ونعايشها هذه الأيام، والتي تُذهل أعداء روسيا..وتسّر الشعوب التي عانت من أمريكا وظلمها.
ليس في هذه المعركة ( جنرال) ثلج، فالصواريخ تتخطى كل الموانع، وتدمر كل ما يتهدد الحدود، وتصون سيادة البلاد..والبلاد هي الروسيا..الأمة العريقة التي لم( تتكون) بالإبادة لأصحاب البلاد الأصليين كما هو شأن أميركا.
عنوان المعركة الدائرة تحت أنظارنا: مستقبل البشرية.
وفي هذه المعركة لا بد من هزيمة مخططات أمريكا الهادفة بوضوح لإضعاف روسيا واستتباعها ومعاقبة قيادتها الوطنية الصلبة، وهو ما تدركه القيادة الصينية التي نرى مواقفها وردود أفعالها التي تتطور في مساندة روسيا حماية لنفسها فالعدوانية الأمريكية لن تترك الصين إذا هُزمت روسيا.
لا، ليست هذه حرب بوتين، إنها حرب روسيا الدفاعية عن سيادتها ودورها، بل عن وجودها..وحرب البشرية دفاعا عن سيادتها في وجه هيمنة القطب الواحد وعربدته: أميركا.
اعتادت أميركا شخصنة كل قائد لشعب، أو أمة، أو دولة تتصدى لها أو تقاومها، ولجأت لأبشع أساليب الاغتيال، أو الانقلابات –سمعنا تصريحات أعضاء في الكونغرس يدعون لذلك علنا وبوقاحة- أو بالتشويه للنيل من شخصية القائد، أو البطل الوطني، أو الثائر، فالرئيس بوتين مجرّد فرد يجب أن يُقتل ويتم الإنقلاب عليه!
أمّا رئيس أمريكا العليل الموهن فيشن حملة مسعورة على الرئيس بوتين، لأنه يدرك أن مصيره وحزبه والإمبراطورية التي يحكمها رهن بهذه الحرب الدائرة في أوكرانيا والتي تتسع لتشمل العالم.
بوتين بات أكبر وأهم من بطل روسي سواء في عين أمته، أو في عيون ملايين البشر في العالم، وفي عالمنا ملايين كثيرة تكره الظلم وسياسة النهب..وهل هناك أكثر ظلما ونهبا وعدوانية وتخريبا من أميركا؟!
بوتين ليس فردا يمكن التخلّص منه، بحملة إعلامية مسعورة، باغتيال، إنه يقود الأمة الروسية العريقة، وإنه يحظى باحترام ملايين البشر…
نُشرت في الميادين نت في 4/4/2022