لا مصالحات في الفكر فكيف في الوطن – عادل سماره
الدعوة من بعض الكتاب للتوقف عن مناقشة مآلات الطيب تيزيني تثير شيئا من القلق على الفكر وعلى الوطن، وتحديداً على وعي الجيل الشاب الذي علينا حمايته طالما فشلنا في حماية جيلنا. وبقول آخر، إن استعادة الشارع هو أمر الأمور ومهمة المهام. وفي هذا السياق يجب التفريق بين المصالحات الاجتماعية والعشائرية التي تقوم بها الدولة السورية وبين اختلافات الجبهة الثقافية. وإذا كنت في مقالتي السابقة قد اشرت إلى تماسك الجدار الصهيوني مقارنة بتصدعات وحتى انهيار الجدار الثقافي الفلسطيني )انظر ادناه حديث الشاعر المناصرة) فإنني أُضيف هنا أن “مثقفي” الثورة المضادة وخاصة منهم مثقفو الدين السياسي هم أيضا بلا تصدعات، بل يُمعنون في الهجوم رغم انكشاف دورهم المضاد للوطن والشعب والتاريخ والإنسانية.
لعلي أزعم أنني من الفريق الذي يرفض “التطنيش” ولا يخجل من ذكر مثالب محور المقاومة، أو قوى العروبة القومية والشيوعية وليس ذلك بهدف ادعاء المرونة وإنما اساساً لأن الصدق أبقى وأشد إقناعاً ولو فيما بعد، الصدق إنتماء وإخلاص.
أعلم أن نقد القوى والأنظمة التقدمية والشيوعية والقومية يُزعج البعض من محورنا (إن جاز لي هذا التعبير)، ولكنني أُدرج هذه الحساسية في نطاق ترسبات ثلاثية تتكون من:
· تراث التطنيش
· وهشاشة القناعة
· ووجود سقطات في تاريخ البعض لذا يخشى ان تصله عملية Anti-Virus
ولكنني في الوقت نفسه أرى أن واجبنا تجاه استعادة الشارع أن نصارحه بالإيجابي والسلبي ، هذا كواجب، علاوة على أن بوسع الجيل الجديد أن يعرف ما لا نجرؤ على البوح به، فلنكسب ماء وجهنا.
سأحصر حديثي هنا في جانب من الأمر أسميه “قوميين وشيوعيين قُطْرِيين”.
كنت قبل أكثر من عشر سنوات على فضائية مع رفاق مصريين،وخلال حديثي نقدت مسألة ما في مصر، فإذا بالماركسيين المصريين يحتدون ويدافعون عن أمر لا يستحق سوى النقد فاضطررت للتعقيب بأن هذا ليس نهج شيوعيين بل نهجا قُطُرياً. لم أُفاجىء كثيراً لأنني على قناعة بأن الكثير من القوميين والشيوعيين هم قطريون جوهرياً.
في الجانب الفلسطيني، هناك كثر من المثقفين الفلسطينيين المعروفين والذين “يُدعى لهم من على مآذن المقاومة” لم يكتبوا عن المطبعين الفلسطينيين حرفا واحداً وخاصة عن عزمي بشارة وفي هذا تناقض واضح لا ارده إلى الجهل، ولكنني أخشى أن يكون البعض قد جرى اختراقه بمال او زيارة لقطر، أو لإقليمية فلسطينية لا تستقيم مع عروبي أو شيوعي…الخ. ولذا، قد تبين الأمور حينما تُنشر “قطر-ليكس أو بشارة-ليكس”.
وهنا اقتطف مما قاله الشاعر الكبير عز الدين المناصرة:
مؤخراً، كشف الرئيس محمود عباس (9/4/2018) في التلفزيون الفلسطيني الرسمي، عن الأسماء السرية والعلنية لـ(لجنة الحوار الإسرائيلي – الفلسطيني)، التي شكلها بنفسه عام (1987)، وهم: (محمود عباس رئيساً – عبدالله حوراني – ياسر عبد ربه – محمود درويش – عبدالرزاق اليحيى – سليمان النجاب)، هذه اللجنة، هي التي فاوضت (الموساد الإسرائيلي) في تموز 1987 في باريس سراً وعلناً. بالنسبة لي، شهر تموز 1987، هو الشهر، الذي اغتيل فيه الفنان العظيم ناجي العلي، بنذالة، وفهمكم كفاية!!. والشعراء على دين ملوكهم، ولمن يدفع أكثر.”
https://www.diwanalarab.com/spip.php?article49733
ولنأخذ هنا محمود درويش وهو حالة أشبه بحالة الطيب تيزيني من حيث الإنتاج والموقف. فدرويش الفنان بلا جدال، هو مطبِّع بلا مواربة. لذا حين ننقده يثور مريدوه دفاعا عن شعره، بينما في الحقيقة هم يدافعون عن سقوطه التطبيعي. ولعل أبلغ من نقد درويش كان المرتحل الشاعر والكاتب أحمد حسين.
في حالة الطيب تيزيني، لاحظت أن رفاقا بعثيين قد تضايقوا من النقد الموجه للرجل، ولا أدري إن كان مرَدُّ الدافع هو الخوف من اتساع نقد البعث، أو إن كان البعض منهم يقف في الوسط بين دعم الدولة في قتالها ضد حروب الثورة المضادة وخاصة الإرهاب السني الوهابي، وبين عواطف داخلية مع المعارضة الخبيثة التي، كما أعتقد، بها شبق الوصول إلى السلطة حتى لو انهار الوطن، ولا ترى فارقا بين النظام السوري وأنظمة النفط!
وفي هذا الصدد، ألم يكن بوسع من يدافع عن تيزيني اليوم أن يرى منذ البداية الإرهابية ضد سوريا أن هذا الرجل والكثير ممن يقفون في الوسط الرمادي، حيث يستخدمون الرمادية ليناموا في الليل في معسكر الثورة المضادة للوطن، كانوا قد حجُّوا إلى قطر للاستماع لتعليمات عزمي بشارة؟ وهم يعرفون أنه يتلقى التعليمات الأمريكية باللغة العبرية من تل ابيب بما هو عضو كنيست وبأنه تنطح للتنظير ضد سوريا وباسم العروبة؟ هنا يسأل المرء، اين وضع تيزيني وعارف دليله وغيرهما تراثهما الفكري حينما ينتهوا تلامذة أمام عضو كنيست، وأين ؟ في قطر ! فاية ديمقراطية سوف يُحقنون بها من هناك؟
أما المعارضة العراقية، فهي تتحدث عن نفسها كل يوم حيث هي في السلطة ولا أعتقد ان أحداً لا يرى حال العراق.
لو انتبه الشخص منا للتعقيبات على ما يكتب لوصل إلى نتائج طريفة ولكنها هامة:
يضع البعض (لايك) أو تعقيب إيجابي حين تنقد غير حزبه او حتى غير بلده، او زعيما غيرالذي يؤيده. هذا مع أن بلده أو زعيمه يستحقان النقد.
وأقول لهؤلاء المحترمين بأن تيزيني حين انتهى إلى اعتبار أن حزب الله يخدم الصهيونية، فإن الرجل إما فقد عقله أو اضاع تراثه أو كليهما.
لذا، أختم بملاحظتين:
الأولى: حدثني الراحل احمد علي العيساوي أحد قادة النضال الفلسطيني حتى عام 1948، قال: أًدخل إلى السجن العسكري البريطاني في عتليت رجل من عائلة ارستقراطية باعتباره مجاهدا، فهتف المعتقلون ب: مرحى مرحى مرحى.
لكن الرجل لم يكن بهذا الحجم، فتقدم منه مجاهد كهل من عائلة النوباني محني الظهر ووضع يدا وراء ظهره المحدوب ووضع الأخرى فوق جبهته ونظر في وجه الرجل وقال:
“أراهم يهتفون بألف مرحى…ومرحى لا تليق إلى أخينا”.
حبذا لو يلتزم المثقف المشتبك بجوهر هذا النقد الوطني الطبقي العميق.
والثانية: يجب الاستمرار في النقد والتشريح، فلا تتوقفوا حتى لو أُتهمتم بالشخصنة.