لست مع التوهم – نضال حمد
الرئيس بوتين ليس شيوعياً ولا اشتراكياً ولا يسارياً وهو أصلاً معادي لكل هذه الأفكار وللينين ورفاقه. لكنه قومي روسي حالم بروسيا العظمى ويريد تحقيق حلمه بتعزيز مكانة وقوة وسيطرة القومية الروسية في مواجهة الهيمنة الغربية الأمريكية، ولمنع استمرار هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم. ويريد ايجاد حلف عالمي تقوده روسيا ويقف في مواجهة حلف الولايات المتحدة الأمريكية والناتو والاتحاد الاوروبي. أما الغرب والناتو فقد فعلوا كل شيء يلزم لتمهيد الطريق لروسيا لغزو أوكرانيا لأنهم استفزوا الروس بما فيه الكفاية. وهم يعلمون أنه من المستحيل أن يقبل الروس بانضمام اوكرانيا للناتو أو وجود قواعد وجنود من الحلف على أبواب روسيا. كما كان الأمريكان رفضوا وجود الصواريخ والجنود السوفييات في كوبا وعلى حدودهم وهددوا يومها بالحرب النووية. ثم سحب السوفييت صواريخهم مقابل سحب الامريكان صواريخهم من تركيا.
الأطلسيون أرادوا انهاك الروس وإلهاءهم بالحرب وتدمير قوتهم واقتصادهم عبر تعزيز حصارهم ومقاطعتهم الاقتصادية. لكنه الغرب يبدو نسي أن روسيا ليست سوريا. وأنها دولة عظمى وتملك قوة الردع النووي.
الرئيس الروسي بوتين لا يريد من إرث الاتحاد السوفيتي السابق سوى الأمبرطورية والجغرافية والقوة العسكرية والحضور السياسي والنفوذ الاقتصادي والرع النووي. وحماية الروس المنتشرين في كل جمهوريات الأتحاد السوفيتي سابقاً وتأمين استقلالهم إن استطاع ذلك لضمهم الى الاتحاد الروسي.
لا يهم بوتين لا العرب ولا فلسطين.
تدخل الروس في سوريا لأنهم أرادوا حماية مصالحهم وآخر معاقل السوفييت سابقاً في الشرق الأوسط. أنظروا كيف ومنذ سنوات يسمح الروس للصهاينة بقصف الأراضي السورية والجيش السوري والقوات الحليفة مثل مقاتلي الحزب (الله) والحرس الثوري الايراني.. يقصفون بشكل دائم وبلا توقف وبتنسيق معهم. ولا يمارس الروس أي تدخل أو ضغط عليهم ولا يطلبون منهم حتى عدم التسبب بإحراج لهم أو أنهم لا يحرجون من هذا الأمر، ويعتبرونه أمراً عادياً مقابل خدمات ربما نحن نجهلها ولا نعرفها يقدمها اللوبي اليهودي والصهيوني للروس عالمياً.
هناك مصالح مشتركة مميزة وقوية ومتينة جداً تجمع قيادة البلدين وسياستهما ورؤيتهما للشرق العربي. لا يهم الروس لا فلسطين ولا قضيتهم بل يهمهم علاقاتهم مع الصهاينة ومليوني روسي يحملون الجنسية “الاسرائيلية” ولهم تأثيرهم الانتخابي والاقتصادي والسياسي والبرلماني والحزبي في الكيان الصهيوني. من بين هؤلاء نجد قادة أحزاب وأعضاء كنيست ووزراء من أبشع العنصريين والساديين الفاشيين الصهاينة مثل ليبرمان واخوته واخواته من اليهود المستوطنين السوفييت سابقاً.
الوقوف ضد اليانكي ليس معناه الوقوف مع الروس على العميانة …
أن تقف ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو والكيان الصهيوني لأنهم الأعداء الأوائل والحقيقيين للأمة العربية وللشعب الفلسطيني هذا شيء محمود ومقبول وطبيعي، لأن كل ما حصل في بلادنا من ويلات ونزاعات وحروب ودمار يقف خلفه هؤلاء الغربيون، بدء من فرنسا وبريطانيا وصولاً الى الولايات المتحدة وألمانيا وحلف الأطلسي – حلف العدوان والحروب والويلات.
أمريكا وحلف الأطلسي سبب دمار وتقسيم العراق وقتل وجرح وتشريد ملايين العراقيين. هم أنفسهم صنعوا الربيع العربي ودمروا سوريا وليبيا واليمن وحاولوا ايصال جماعاتهم الطائفية والمذهبية للحكم في البلدان العربية وخاصة البلدان القومية والمتحضرة.
استخدموا الجماعات الدينية المتطرفة والمتشددة والارهابية في عمليتهم البشعة… وهم أنفسهم منعوا وواجهوا وقمعوا أي حراك في دول محميات النفط والخليج مثل البحرين والسعودية وأخواتهن. لأن مصالحهم تقتضي بالحفاظ على قاطعي الرؤوس ومقطعي أجساد الضحايا، وكذلك الحفاظ على مصادر الطاقة والنفط والثروات البقرة الخليجية الحلوب والمقدسة للغرب. وهم أنفسهم حاصروا وجوعوا شعوب كثيرة وعديدة في العالم ولازالوا يحاصرون ايران ولبنان وفنزويلا والخ.
هم أنفسهم يتصارعون على النفوذ والسيطرة ونحن لا أحد يأخذنا بعين الاعتبار. فقد بان العهر والانحياز الاوروبي سياساً واعلامياً واقتصادياً وحتى بمعاملة اللاجئين من أول أيام الحرب. صحيح أن أوروبا استقبلت ملايين اللاجئين العرب والمسلمين والأفارقة واللاتينيين والآسيويين، خلال السنوات السابقة لكنها اليوم على ما يبدو وضعت حداً لذلك وقررت أن تستقبل فقط اللاجئين من البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الزرق والخضر.
بالأمس قصف الروس مسرحاً في مدينة ماريوبول وفي المسرح الذي كان يرفع شعار كبير أنه مكان يحتمي فيه الأطفال بالإضافة لمئات المدنيين من سكان المدينة المنكوبة. قتل من قتل في القصف الروسي. هذا على كل حال يعيدنا الى عشرات المجازر التي ارتكبها الصهاينة في فلسطين ولبنان من خلال قصف المدنيين في بيوتهم وملاجئهم وحتى في المستشفيات. كما يعيدنا الى ملجئ العاملية في بغداد الذي قصفته الطائرات الامريكية والاطلسية حيث قتلت مئات الأطفال والنساء والعجزة. هذا العالم الغربي المنحط والمنحاز لم يتحدث عن ذلك مع أنه منذ الأمس يتحدث عن مسرح ماريوبول. ولا ننسى ما حصل في البوسنة من مجازر وتصفية عرقية بحق المسلمين هناك وكانت أوروبا الغربية الداعمة لأعداء الصرب تتفرج على المذبحة البوسنية. فيما الروس يناصرون الصرب لأسباب سياسية ودينية وعرقية. حتى عناصر قوات السلام الأوروبية من الجنود الهولنديين شاركوا في اغتصاب النسوة البوسنيات خلال الحرب.
أوروبا للأسف على طريق العودة الى أزمنتها السوداء والمظلمة والانحطاطية والقذرة.
نضال حمد في 17-3-2022