لعيون أطفال فلسطين وأبطالها أوّلاً. – هادية العبدالله
أعيد نشر هذا النصّ لعيون أطفال فلسطين وأبطالها أوّلاً… ولعيون العزيزة منى ثانياً:
منذ فترة ليست ببعيدة، عرضت معلمة ولدي على طلاب صفها فيلماً يتحدّث عن “المحرقة اليهودية” وكيف أن النازية قامت بقتل اليهود نساء ورجالاً اطفالاً وشيوخاً باستخدام وسائل عديدة منها الغرف المغلقة الممتلئة بالغاز فيختنقون ويموتون.
يومها عاد طفلي ناقماً على هتلر وبحسب تعبيره “المجرم العنصري”.. “معقول يا ماما تخلّص منهم لأنهم يهود فقط؟”؟!! ودخلنا بعد ذلك في نقاش يومي عن خبث اليهود واجرامهم و كيف استباحوا فلسطين وهجّروا أهلها وسرقوها ووو..وطبعاً بما يتناسب ورأسه الصغير الجميل النظيف. لكن عبث،بقي في ذهنه أنّ اليهود أيضا ظُلِموا وأنه علينا ان نتعاطف معهم على الأقل تاريخياً…لن تصدّقوا كم سبّب لي كلامه صداعاً مضاعفاً في رأسي وقلبي… “آخ يا هادية كيف ستقنعين هذا الذي لم يأخذ منك سوى عنادك و”نمردتك” كما تقول أمي.. بالاضافة الى ذكائه المفرط الذي يرعبني دائماً!”
كنّا في السيارة في طريقنا الى نادي التكواندو، كان متذمّراً، لا يحبّ هذه الرياضة يقول أنها عنيفة وأظرف ما قاله يوم عرضتها عليه: بدّك ياني كـ(ثّ)ـر الناس؟
ضحكت يومها من قلبي، هذا الصغير ينظر الى أمه كما لو أنها هتلر بصيغة انثى،،، “لا حبيبي، لا أريد منك أن تؤذي أحداً، هذه الرياضة تتعلّمها للدفاع عن نفسك في حال أراد أحدٌ ما أن يؤذيك”..ولم يقتنع.. هي في النهاية رياضة قتالية وذهنه لم يتهيأ بعد لمعنيّ الهجوم والدفاع، لا يفرق بين جيشين متحاربين ، رأسه الجميل لا يفكر الا بالسلام… السلام فقط!
عدنا بعد التكواندو الى البيت وطلبت منه أن يجهز نفسه لسهرة “عرمرمية”، ما إن يسمع صغيري هذه العبارة حتى يتحوّل الى “قَفّازة”، ينطّ قلبه من الفرح، سنحضر البوشار ونشاهد فيلماً!
فتحت محرك اليوتوب…وكتبت: ا ل مُ ت ب ق ي..نعم “المتبقي”.
ها هو .. وجدته….. تهيّأ يا طفلي لترى التاريخ كما ينبغي لك أن تراه، تعال يا بهجة قلبي نبكي ما فعل الأوغاد في فلسطين..وما زالوا..
جلس محمد.. جلست قربه، حضنته، وفلسطين تتحرك أمامنا كأمّ، أمّ تشعر بي وبخوفي، حتى شعرت أنها قربنا، تحضننا معاً.
كانت عينا طفلي تتحركان مع كل مشهد، وتسأل عن كل حركةٍ تراها، وكنت أجيب كمن كان ينتظر كل هذا المطر..وأنا التي هيّأت للغيم كلّ هذه السماء من الأسئلة. بكيَ صغيري ،صرخ استنكر توعّد هدّد فعل كلّ ما نفعله نحن ..كلّ ما يفعله الكبار لما يشاهدوا يومياً مأساة فلسطيننا، وكنت احتضنه كالمنطاد وأرتفع به وأحلق في عينيه ليرى كل شيء أكثر وأكثر، ولم ينم ليلتها تلك قبل أن يعترف أن لا مكان لليهود في فلسطين وعليهم أن يرحلوا.. حتى لو استدعى ذلك عودة هتلر من قبره ليحرقهم جميعاً.
منذ يومنا ذاك تحوّل حديثنا من المحرقة الى النكبة، صار محمّد كلّما رأى مفتاحاً تذكّر من تركوا بيوتهم واحتفظوا بمفاتيحها فيسألني:
هل لي أن أحتفظ بهذا المفتاح؟
أنا أحب فلسطين أيضاً .. ولا بدّ لي من مفتاح كي أعود وأراها..