لكم رؤيتكم ولي رؤيتي 1-2
على هامش قتل الأبرياء
نضال حمد
بينما كنت قبل أيام قليلة نائما وذلك بعد سفر طويل ومتعب أخذ مني أكثر من ثلاثين ساعة لم انم خلالها سوى دقائق معدودة ومتقطعة، كان يقطعها صوت محرك الطائرة أو سؤال أحد أطفالي الذين رافقوني رحلتي الشرق أوسطية حيث جذورهم العربية وهويتهم الفلسطينية، وحيث الشعب الفلسطيني المُعرض لسيف الإرهاب اليومي، هو الأحب على قلوبهم وقلبي من العالم أجمع. فالذي يصيبه يصيبنا والذي يوجعه يوجعنا والذي يقصده يقصدنا، فهو لنا ونحن منه وإليه وكلنا في الهوى العربي واحد…
بينما كنت غاطا في النوم حضر إلى غرفتي شخص إدعى أنه من عالم آخر أي من العالم الذي لا يفهمه سوى الذين يرون ما لا نراه نحن، ويعرفون ما لا نعرفه ويتحققون مما لا يمكننا نحن الناس العاديين أن نتحقق منه.
هؤلاء الزوار يقومون أيضا وحسب رأيهم بما يقومون به نيابة عنا وعن الأمة التي بحسب زعمهم قد أصابها العمى، فلم تعد تفرق بين الصديق والعدو والشقيق والغريب.
أمة بحسب رأيهم صارت ممسحة للغرباء، تحولت لمجموعة سكانية من العميان والعجزة. أمة مصابة بعجز آني بالرغم من كل مملوكات وموروثات الحضارة المخزنة في تاريخها وحاضرها، والتي تواصل دق جدران خزانها. برأي زائري أنها أمة أصيبت بالعمى وفقدت البصر والبصيرة. يعني أن زائري ومن هم على شاكلته مبصرون في بلاد عميان، هذا كما يقول المثل الشعبي العربي.
في هذه الأيام وحيث أن كل مبصر من جماعة زائري الليلي صار يرى ويفكر ويعمل نيابة عنا جميعا، فنحن بحسب زعمهم أصابنا العمى من كل الجوانب والجهات، عمى حضاري وتاريخي وديني وسياسي وثقافي وجغرافي وواقعي وديمقراطي، عمى الألوان، وعمى الأديان وعمى الإنس والجن.. والحمد لله انه لم يضف إليهم العمى الليبرالي الجديد، فهذه من التهم البشعة، لان العمى الليبرالي بمفهومه الاستحماري مرهون بالأذناب، فهو الذي أصاب البعض من أبناء جلدتنا، أصابهم بالجرب الليبرالي الجديد بعد أن فقدوا البصر والبصيرة فصارت الكلاب الأمريكية والبريطانية والصهيونية تجرهم وتوجههم وتقوم بكل شيء نيابة عنهم، بينما هو يلقون بين الفينة والأخرى ما في دلوهم من نفايات سامة.
قال زائري انتم لا تبصرون ولا ترون وهناك منكم أيضا من لا يسمع ولا يشعر ولا يحس ولا يمس.. أصبحتم مثل الأطرش بالزفة كما كانت تردد الحاجة شيخة رحمة الله عليها. هذا الزائر الذي أشبعني مواعظ واتهامات، يعتقد انه مبصر جيد وأنه يرى الأمور بوضوح ويكتشفها أسرع من الحاسوب الأمريكي. رجل بعشرة وليس كما بعض أشباه الرجال في حارات الفقر العربية، وفي أزقة الخبز الحافي، حيث عاش ومات محمد شكري*…هذا الزائر يبيح لنفسه كل ما حرمه منه النظام العربي القديم والجديد. يبتزني ويستفزني ويتهمني ويتحدث نيابة عني وعن أمة كاملة، وفوق هذا وذاك يقض مضجعي ويفسد علي منامي وأحلامي.
لم يكن الذي يقف فوق رأسي الآن من ثوار جرش وعجلون وجبل النار والأغوار والجولان وجنوب لبنان ومخيماته، بل هو من جيل جديد من المجاهدين العرب والمسلمين الذين يريدون تغيير العالم كي ينصروا المظلومين على الظالمين.
لكن هذا الجيل الخارج بقوة والصاعد بسرعة، المستند لملايين من الذين جعلتهم أمريكا عدوا لها، ذلك بسبب سياساتها الاستعلائية العدوانية ضد الشعوب العربية وخاصة في فلسطين والعراق. هذا المجاهد العائد على جناح طير من طيور الثورة لم يترك للآخرين فسحة من الوقت للتفكير، بل كان يستند في كل كلامه للاءات ثابتة، استمدها من الكتاب والسُنَة، وأستند أيضا إلى عمليات سماها غزوات حصلت في أوروبا وأمريكا والعالم أجمع. ولم يأبه لما نتج عنها من احتلال لأفغانستان والعراق وتكريس للظلم في فلسطين والشيشان والبوسنة وكشمير وغيرها من المناطق العربية والإسلامية. إذ اعتبر ان تلك كانت خطتهم لجر أمريكا إلى الوحل العربي وبالذات العراقي. قلت له نحن ضد الظلم والاضطهاد والاحتلال والإرهاب ونفهم الأمور بغير ما يفهمها الذين أشعلوا العالم باحتلالهم العراق، أي أن ما يحدث في العراق إرهاب دولي علني. ولكننا نرى بما حدث في لندن أيضا إرهاب علني. يعني نحن ضد قتل الأبرياء هنا وهناك وهنالك. لكننا نطالب العالم المتحضر والمتمدن بالبحث عن السبب. فالإرهاب لم يأت من السماء ولم يبحر مع سفن السياحة بل جاء متصديا لأساطيل تحتل البحار والمحيطات وتفرض ما تريد على الضعفاء. ونحن نقول أيضا أنه على كل من يريد التطرق إلى عمليات لندن الدموية أن يؤشر أيضا على أسبابها الرئيسية. وأن يتذكر أن ثلثي الشعب البريطاني أشار إلى أن احتلال العراق ومشاركة القوات البريطانية فيه وفي قتل وترويع وتعذيب العراقيين هو السبب الأول في حدوث العمليات التفجيرية. وهذا لا يعني أننا مع العمليات المذكورة بل نحن ضدها وضد مسبباتها.
لقد خضع زائري لعملية تحول جذري في الفكر والرؤية والتحالفات. نعم تبدل زائري الذي كان حليفا لأمريكا ضد المد الشيوعي الأحمر ثم أصبح مع الأيام من ألد أعداء أمريكا، وأصبحنا نحن الذين كنا نرى في الولايات المتحدة الأمريكية رأس الأفعى الإمبريالي على يمينه. فهو يرى فيها عدو الحياة والأرض والإنسان والكتب المقدسة.. وهو الذي هاجمها في عقر دارها، وهو الذي يواجهها في العراق وأفغانستان، رافضا سياسة الستريبتيز التي تتبعها تلك البلاد مع بلاده المحتلة بشكل مباشر أو غير مباشر. فرضت سياسة أمريكا على كل الحكومات العربية التعري حتى من ورقة التوت التي كانت تسترها. ورأينا كلنا كيف تسابق العرب من المحيط إلى الخليج يطلبون عفوها ورضاها. فقدموا ولازالوا يقدمون لها خدمات كبيرة. فحين تعجز سجون أمريكا وحلفائها عن انتزاع اعترافات من المعتقلين العرب والمسلمين في سجونها تقوم بإرسالهم إلى سجون بعض الدول العربية حيث يتم ذلك بالتعذيب والتنكيل والإرهاب والاغتصاب. فقوانين بلادنا العربية فوق القوانين الدولية وتسمح باستخلاص العبر من كل أسير أو معتقل، أما قوانين الدول الغربية فلا تسمح بالتعذيب لا من بعيد ولا من قريب. لذا يكون الحل الأفضل بإرسال المعتقلين إلى سجون وأقبية الدول العربية المشهود لها بخرق أبسط حقوق الإنسان. وهذا الكلام موثق لدى الدوائر الدولية المهتمة والمختصة بحقوق الإنسان والمعتقلين. مع تذكيرنا بتميز سجني غوانتانامو وأبو غريب في سادية وعنصرية وهمجية ووحشية القائمين عليهما.
مشكلتنا مع زوارنا أنهم يرون في كل من يركب الموجة الجديدة في زمانهم الجديد أن يصبح من الذين يرون أفضل من الذين أعمت بصرهم طيور الظلام الغربية، فصار النور في عيونهم ظلام موحش، وغدت العتمة تسيطر عليهم. فلم يعد أصحاب تلك العقيدة يرون فيهم غير ناس بدون مواقف حازمة وبدون انحياز لمصلحة الأمة. ونحن الذين يطلق علينا زوار الأحلام والمنامات والليالي عميان الأمة، لازال بمقدورنا التفريق بين الألوان والأشياء والبشر، لازلنا نستطيع أن نفرق بين الصحيح والغلط وبين الفالح والطالح وبين الرديء والجيد والسيئ والأسوأ ..لأننا لم نركب موجة العمى العقائدي ولم نواجه الإرهاب بمثله، ولم نقتل أبرياء بلادهم لأجل الانتقام لدماء الأبرياء في بلادنا. نحن التزمنا مواقفنا من الاحتلال والغزو والعنصرية الغربية الأمريكية المتصهينة، المنفلتة والتي ملأت العالم بالبشاعة والرعب والضغينة. ونحن نرفض الاحتلال الأجنبي ونؤيد مقاومة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، ونقول أن الذي حدث ويحدث في الفلوجة والرمادي وأبو غريب وجنين ونابلس وغزة هو الذي أسس لما يحدث في لندن وشرم الشيخ ولما قد يحدث مستقبلا في أمكنة أخرى من العالم. وعلى البريطانيين أن يدينوا موقف حكومة بلادهم التي ورطتهم في مستنقع العنف الشرق أوسطي الذي ساهم توني بلير الى جانب جورج بوش وارييل شارون وغيرهم من العنصريين الاستعلائيين في صنعه ودعمه وتعزيزه، فاحتلال البلاد العربية وترويع سكانها وإرهاب شعوبها وتبديل وتغيير ثقافتها وحياتها بمشاركة ومباركة بلير جعل من بريطانيا هدفا أساسياً للجماعات التي نفذت عمليات لندن الأخيرة. ويمكن لتوني بلير أن يأخذ العبرة من الحكومة الإسبانية الاشتراكية التي فضلت مصلحة شعبها وأمنها القومي على مصالح إدارة بوش وشركاتها الشرسة.
لا يسعنا إلا أن نؤكد رفضنا المطلق لتلك الخيارات الدموية خاصة عندما تمس حياة وأمن المدنيين الأبرياء أينما كانوا. ولكننا نقول أن الذي يريد مكافحة الإرهاب عليه بداية وقف أسبابه ولجم مسبباته. إذن البحث يجب أن يجري في لندن وواشنطن وتل أبيب وغيرهم من عواصم الظلم والاستبداد العالمي الجديد في زمن النظام الأمريكي الوحيد.
انتهت الحلقة الأولى …. يتبع