للوطن نساء يعرفن صناعة الرجال – بقلم : عادل أبو هاشم
من أم نضال فرحات إلى أم عامر أبو عيشة
للوطن نساء يعرفن صناعة الرجال
بقلم : عادل أبو هاشم
نقف اليوم بإجلال وإكبار و نحن أمام ظاهرة عظيمة . !
نقف والكلمات تتلعثم في الأفواه عاجزة عن الكلام والوصف . !
كنا نفخر حين نقرأ قصص الأجداد عن بطولاتهم وتضحياتهم ، وكم يعتصرنا الألم ونشعر بالأسى عندما تبتعد المسافات بيننا وبين الأجداد في وقت يخيم فيه علينا الصمت والخنوع حيال ما يجري في فلسطين ، فيمر شريط الذكريات في خيالنا يحمل بين طياته صورًا لخولة بنت الأزور ، والخنساء ، ونسيبة بنت كعب وأم سعد بن معاذ وغيرهم .
أننا أمام ظاهرة جديدة في مسيرة الشعب الفلسطيني الجهادية الممتدة على مدار أكثر من مائة عام ، ظاهرة ” خنساوات فلسطين ” التي أرست قواعدها المجاهدة العظيمة الشهيدة مريم محمد فرحات ” أم نضال فرحات” ” النموذج الأبرز لجهاد الأم الفلسطينية المسلمة التي ما تركت التضحية لأن تكون خيالات وشعارات ، بل استطاعت أن تجعلها واقعاً يعيشه كل المراقبين لسيرة حياتها المجيدة .
هذه الأم الفلسطينية المجاهدة التي دفعت ولدها في ظلمات الليل لتجعل من جسده شعلة مضيئة على طريق تحرير فلسطين ، وهي التي أوت في بيتها ذات مرة القائد المجاهد الشهيد عماد عقل ، والتي كانت تستشعر أمومتها لكل مجاهد فلم تؤثر الصمت ، وظهرت في شريط الفيديو وهي تودع ابنها المجاهد وهي تعلم أنه لن يعود إليها .
ظهرت في الشريط وهي تعلم أن هذا قد يعرضها للأذى ، ولكن ظهورها أمر ضروري ليكشف عن حياة هذه الأمة وحيويتها ، وإن هذه الأمة التي أنجبت الخنساء ” تماضر بنت عمرو السلمية ” قادرة على أن تنجب خنساوات كثيرات في كل عصر طالما أن المحرك هو نفسه الذي حرك الأوائل ، ألا وهو الإيمان .
عاشت المجاهدة العظيمة ” أم نضال فرحات ” لفكرة ، ودافعت عنها ، وقدمت الغالي والنفيس ، وربت الرجال لتخلدهم أحياءً في جنات الخلد في عليين ، وماتت لتزرع بموتها شجرة مثمرة في قلوب من عاش تفاصيل حياتها ومماتها .
لقد أسست هذه المرأة العظيمة مدرسة بأكملها .. بإيمانها .. بتواضعها .. بصبرها .. بثباتها ورباطة جأشها.. إنها حجة على الأمة جميعها ، وقفت شامخة بكل تواضع تدعو إلى الجهاد ، تدعو الأمهات وتدعو شعب فلسطين وتدعو المسلمين جميعـًا .
نذرت ” أم نضال فرحات ” أبناءها لله ، فقالت لهم ذات يوم : محمد .. نضال .. مؤمن .. وسام .. رواد .. أرضكم مدنسة وأنتم تنظرون ، أريدكم منتصرين أو على الأعناق محمولين . !
استجابوا للنداء على الفور لأنهم بكتاب ربهم مؤمنون ، وبسنة نبيهم متمسكون ، وسام اعتقل أثناء تنفيذه مهمة جهادية و حكم عليه بالسجن لمدة 11 عاما قضاها متنقلا في عدة سجون إسرائيلية ، أما محمد ونضال ورواد فقالوا : ” إنا لفلسطين منتقمون ” ، فكان نصيبهم أنهم في حواصل طير خضر يسرحون ويمرحون بإذن الله .
لم تجزع أم نضال فرحات عند سماعها بنبأ استشهاد أيً من ابنائها ، بل قالت بصوت ملؤه الثبات أنها مستعدة لتقديم كل أبنائها للمقاومة .
كثيرون ممن لا يفهمون فلسفة الموت والحياة في الإسلام ، ولم يتعرفوا إلى المجاهدة العظيمة خنساء فلسطين ” أم نضال فرحات ” وجدوا صعوبة كبيرة في استيعاب معنى وداع الأم لابنها وإعداده للجهاد حين قالت :
” لا توجد أم في الدنيا يهون ابنها عليها ، وأنا لم أكن أتحمل أن يشاكوا بشوكة ، ولكن في سبيل الله يهون كل شيء ، والغالي يرخص في سبيل إعلاء رايته وتحرير الوطن المقدس ، والأساس في هذه الحياة هو الإيمان بالله والإيمان بالجهاد ، وإن لم نجاهد نحن الآن فمتى سنجاهد ؟! ثم إذا أنا منعت أبنائي من الجهاد ، وهذه منعت ، وتلك منعت أبنائها ، فمن الذي سيدافع عن الإسلام وفلسطين ، ويحرر الأقصى ، ويقف في وجه العدوان الصهيوني ويصده ويدافع عن وطننا وأمتنا ؟
فالإسلام ليس صلاة وعبادة وشعائر دينية فقط ، إنما هو صلاة وصوم وجهاد وقتال ضد الكفرة المعتدين المحتلين ، والرسول ( عليه الصلاة والسلام ) حينما سئل : أي الإيمان أفضل ؟ قال : الجهاد في سبيل الله .
وفي عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كانت راية الجهاد مرفوعة فانتصر الدين وارتفعت راية الإسلام خفاقة ، وما أصابنا اليوم من ذل وهوان سببه تركنا للجهاد ، وسعادتي أن أبنائي أبطال مجاهدون يدافعون عن الوطن ويعملون من أجل ورفع راية الدين والحمد لله ” .
وفي المسيرة الجهادية للمرأة الفلسطينية خطت على نفس طريق المجاهدة العظيمة خنساء فلسطين ” أم نضال فرحات ” أم مجاهدة أعادت لشعبنا الفلسطيني كبرياؤة و كرامته التي حاولت زمرة من رموز التنسيق الأمني ” المقدس ” ، ودعاة الاستسلام والانبطاح للعدو الإسرائيلي أن تسلبه من شعبنا ، إنها المجاهدة البطلة ” أم عامر أبو عيشة ” والدة المجاهد البطل عامر عمر أبو عيشة الذي تتّهمه قوات العدو الصهيوني ــ مع سلطة رام الله ـــ مع المجاهد البطل مروان سعدي القواسمة بالمسؤولية عن خطف وقتل الجنود الثلاثة في الخليل .
(كشف حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أن السلطة هي من أبلغت الاحتلال بمن يقف وراء خطف جنوده الثلاثة في الخليل ، وقال : أبلغنا ” إسرائيل ” أن المخطط والمنفّذ لعملية الاختطاف ، هي حركة حماس ) . ! !
ذاقت ” خنساء الخليل ” الأم المجاهدة ” أم عامر أبو عيشة ” مرارة و ألم استشهاد ابنها المجاهد البطل زيد عمر أبو عيشة يوم الجمعة 18 / 11 / 2005 م ، والذي استشهد خلال محاولته اقتحام مستوطنة في مدينة الخليل ، ثم هدم العدو بيتها .
تقول الأم المجاهدة ” أم عامر أبو عيشة ” :
” لن يفاجئني شيء ، أعيش منذ 25 عاماً في مقاومة مستمرة ، الاحتلال أوجع قلبي حين قتل ابني زيد ، وقبلها شردني وأطفالي عندما هدم منزلي واعتقل زوجي ، لا يوجد وجع لم يجرّعني إياه الاحتلال من قبل لأخشاه اليوم “.
لم تجزع والدة المجاهد البطل المطارد عامر أبو عيشة لهدم منزلها، بل أبدت افتخارها بابنها ، وأكدت إن هدم المنزل الذي جرى هدمه للمرة الثانية هو بيت جهاد ، وسيجري إعادة بنائه من جديد ، ولن يفلح الاحتلال في كسر العائلة وصمودها .
وتعهدت بتربية أبناء عامر الثلاثة على نهج والدهم ، على الجهاد ومحاربة الاحتلال ، واصفة إياه بأنه :
” بطل وتاج رأسها ورأس العائلة وكل أحبابه “.
هل استمع دهاقنة ومنظري اتفاق أوسلو الذين أدخلونا في متاهات وزواريب أوسلو الذي جلب الخراب والدمار على شعبنا ، ورموز التواطؤ مع العدو الإسرائيلي ممن نصبوا أنفسهم زورا وبهتانـًا للتحدث باسم الشعب الفلسطيني ، و ممن ارتبطت مصالحهم الشخصية بالمشروع الأمريكي ــ الصهيوني لوضع اللمسات الأخيرة علي تصفية القضية الوطنية لشعبنا ، ومن أزلام سلطة الفساد والإفساد والتفريط التي فرضت على شعبنا لأكثر من عقدين من الزمان من المنتفعين ، والانتهازيين ، والمتسلقين ، والوصوليين ، وأباطرة الفساد الذين لم يتركوا وسيلة للتشهير بشعبهم والتحريض عليه إلا واستخدموها لما قالته الأم المجاهدة ” أم عامر أبو عيشة ” ؟ ! ! !
إن ظاهرة ” خنساء الخليل ” الأم المجاهدة ” أم عامر أبو عيشة ” ليست حالة معزولة فردية أو فريدة ، فأم نضال فرحات ، وأم نبيل حلس ، وأم أحمد العابد ، و أم رضوان الشيخ خليل و أم نافذ شهوان ، و أم إبراهيم الدحدوح ، و أم خالد الزهار ، و أم جهاد دوفش ، و أم جمال نصار و المئات غيرهن من خنساوات فلسطين يشكلن اليوم ثورة حقيقية على واقع الهزيمة والجبن والضعف والتردد ، ثورة على الشعور بالنقص والدونية ، ثورة على تيار التنازلات بلا حدود ، ثورة على الزعامات التي باعت الوطن في سوق النخاسة ، ثورة على التثاقل إلى الأرض على حساب الكرامة ، ثورة على ” فئران السفينة الفلسطينية ” التي تسابقت في السنوات الماضية ــ إرضاءً لأسيادها في البيت الأبيض الأمريكي والكنيست الإسرائيلي ــ إلى تشويه تاريخ نضال وجهاد الشعب الفلسطيني ، وإشاعة روح الانهزامية والاستسلام ، وتشجيع العدو على مواصلة عدوانه ..!!
هكذا هي الأم الفلسطينية ، وهكذا عودتنا دائما أن تكون مصنعـًا للرجال .
إن شريط الذكريات توقف ليتحول إلى حقيقية حين نقف أمام التضحيات الجسام التي تقدمها الأم الفلسطينية المؤمنة التي تتقبل استشهاد فلذة كبدها بالزغاريد ، وتحمد الله وتشكره على هذه النعمة الذي انعم عليها الله بها .
إن هؤلاء النسوة من المجاهدات الفاضلات يشكلن مدرسة عظيمة لها ما بعدها ، فعطاءهن المتميز يشكل منعطفا تاريخيا في حياة الأمة بأسرها ، ونقلة نوعية في مفردات العمل الوطني ، خاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو المشؤم الذي حول مسار شعبنا السياسي إلى مسار بدون هوية..!! وجعل تاريخنا يبدو وكأنه سجل مفتوح للأحباط و اليأس و الخيانة..!
لذا نحن اليوم أمام مرحلة جديدة لا تعرف التراجع ولو كان الثمن مهجة القلب وفلذة الكبد ، فهؤلاء المجاهدات قدمن أغلى ما يملكن لأجل فلسطين .
المجاهدة العظيمة ” أم عامر أبو عيشة ” :
كم أنت عظيمة كما كانت “أم نضال فرحات ” و جميع الخنساوات ، وكم زرعت الأمل في نفوس القاعدين الخاملين ، ومن كلماتك رسمت خيوط الانتصار والهمم العالية التي تعبد الطريق له .
نحن بحاجة إلى مدرستك لنتعلم منها دروس التضحية والثبات وقوة الإيمان ونستخلص منها العبر بان الآجال مقدرة من عند الله وأن الفوز بالشهادة هو الانتصار الحقيقي والمنتظر .
كنت مثال الأم الحنونة ، وكنت نموذج الأم المعطاء والمحسوس والمجبول بدم فلذات الأكباد .
فقد أكدت مقولة الشهيد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي :
” إن للوطن نساء يعرفن صناعة الرجال ، ورجالا يعرفون صناعة الموت ” .