لماذا حركة القوميين العرب؟ – د فايز رشيد
الإخوة والرفاق الأحباء:
حقيقة أذهلني مدى تأييدكم لفكرة إنشاء “حركة القوميين العرب” بكل ما حمله هذا التأييد من تساؤلات واقتراحات عملية وموضوعية, وهو ما يؤكد أننا نسير على النهج السليم, بالتأكيد, فإن عجالة لن تجيب على كل التساؤلات المطروحة!. ننوي بإذن الله عقد اجتماع تشاوري خلال شهر كانون الثاني/يناير 2017. الآن نحن في مرحلة إعداد الأوراق, التي تجيب عن كافة التساؤلات,إضافة لتحديد الهوية السياسية, الفكرية, التنظيمية, الأهداف والشعارات وبنية الحركة, على أن نعلن عن إنشائها الرسمي في 15 /5/ 2017 كأحد الردود على إنشاء الكيان الصهيوني في ذكرى النكبة…
وإليكم ورقة أولية عن..”لماذا حركة القوميين العرب”؟
مطلق عربي في الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج, يدرك الحالة الرديئة التي يمر بها العالم العربي في هذه المرحلة التاريخية من حياة امتنا, فمن التعرض للمؤامرة الصهيو-أمريكية لإنشاء الشرق الأوسط الجديد (الكبير), إلى الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين والعرب, والإمكانية الفعلية لإعادة انتاج العدوان على لبنان وقطاع غزة! ,وصولاً إلى الصراعات المذهبية والطائفية والإثنية في أكثر من بلد عربي ,كما الصراعات السياسية المتمثلة في الانقسام الفلسطيني. كما الاحتمالية الكبيرة بتفجر مثل تلك الصراعات في دول عربية أخرى ,على قاعدة المحاولات الاستعمارية الجارية, لإحداث المزيد من التمزيق والتقسيم في بنية الدولة العربية,وإحداث المزيد من الصراعات العربية – العربية عبرَأنماط جديدة، عشائرية، بين شمال البلد وجنوبه، بين أهل القرى وأهل المدن، وأخرى مناطقية داخل الدولة الواحدة.بالطبع, فإن هذه الحالة العربية,فرضت تحولاً في أنماط الصراع, من الشكل الموجه ضد العدوان الخارجي وركيزته الصهيونية ,الذي يستهدف ليس فلسطين فحسب, وإنما كلّ الوطن العربي من المحيط إلى الخليج (وواهم كل من يعتقد أن بلده العربي بمنأى عن العدوان عليه, حتى لو كان لهذا البلد اتفاقية “سلام” مع الكيان), إلى الشكل الداخلي, الذي يُمعن في المزيد من التمزيق في الجسد العربي, وقد أصبح مثخناً بالجراح.
على صعيد النظام الرسمي العربي, فإن مهمته الأساسية تتمثل في هاجس الحفاظ على الذات, يتبين ذلك من عدم استجابته لحقائق العصر, والتي من أبرزها: أن هذه المرحلة هي عصر التجمعات الأقليمية على الصعيدين: الجيوسياسي, والآخر الاقتصادي, وذلك في محاولة التأثير في الحدث, ليس فقط دولياً, وإنما بالضرورة,الذي يطال أيضاً النظام العربي نفسه: كَمَثَلْ مطالبته على سبيل المثال لا الحصر, بتحقيق الديموقراطية, وبناء الإنجازات للمتطلبات الداخلية, في مختلف المناحي في بلدانه.
على الصعيد الشعبي العربي، والذي تأثر حكماً بالأحداث التي مرّت بها المنطقة، فإن من الوضح أنها ليست بالأحسن حالاً, إن من حيث الشرخ في العلاقة بين الشعوب العربية, والذي يتعمق يوماً بعد يوم, أو من حيث الأدوات الجماهيرية: قوى وأحزاب، نقابات، اتحادات، مؤسسات جماهيرية أخرى,وغيرها.. وغيرها…. وقصورها الواضح أيّاً كانت اتجاهاتها: وطنية, قومية, دينية تقدمية, ويسارية في التعامل مع متطلبات المرحلة تشخيصاً, وآداءً فعلياً متصدياً للاستهدافات من جهة, ومن جهة أخرى،,العمل على إنتاج صيغة عربية فعلية وعملية, ليست النقيض لما هو قائم, بل والمتعاونة معه.
في ظل هذه الحالة العامة العربية الرديئة, المملوءة بالصراعات الدموية, والتي إن لم تَجْرِ معالجتها على وجه السرعة, فإنها تهدد بالمزيد من التمزيق في الحالة العربية, وتؤسس لصراعات أخرى وانقسامات أكثر حدةً في تأثيراتها, بحيث يصعب على الأجيال القادمة (والتي من الخطأ والخطيئة أن يتم توريثها لها) إيجاد أية حلول لها, لأنها تكون قد استفحلت وطالت وأصبحت جزءاً أساسياً من عموم الحالة العربية ,ومن مكوناتها الرئيسية.من هنا, تنبع أهمية تجاوز هذه الحالة التمزقية, الإنقسامية, التناقضية الصراعية,والتناحرية الخطيرة.. إن من أجل الانتصار عليها واحتواء مظاهرها السلبية, على قاعدة وأسس سليمة, تعمل على وضع حلول لها بما يضمن عدم إعادة أنتاجها مستقبلا, هذا من جهة. ومن جهة أخرى، التأسيس لمستقبل يكون قوياً, ثابتاً وراسخاً في مفاهيمه الوطنية والقومية, مهما تعرض للتأثيرات العدوانية والمؤامرات, التي قد تتخذ أشكالاً داخلية في استهدافاتها العديدة والبعيدة المدى.
إن إحدى الظواهر الأبرز خلال الراهن, هي,الانفضاض الجماهيري, بالمعنيين النظري والعملي عن نظرية الوحدة, بما تعنيه من تكامل عربي في كلّ أشكاله, حيث يبدو من يطرح, حتى شكلا بسيطا من هذا التكامل حاليا, يبدو, وكأنه يعيش في الوهم, بل آتٍ من كوكب آخر.نقول هذا على ضوء الحقائق التالية: أولا, أن أسباب الإشكالات العربية كلها, هو الوجود الصهيوني في المنطقة , وتحالفه مع القوى الامبريالية (شريطة أن لا تُلقى كل التقصيرات الذاتية على شماعة هذا الوجود!). ثانيا, أن لا حلّ لقضية وطنية لمطلق دولة عربية, دون اعتمادها على بعدها القومي العربي. على ضوء هذا الواقع الظلامي العربي للأسف ,وعلى ضوء تقصير كلّ الصيغ القومية العربية النخبوية القائمة ,علينا تجاوز مرحلة إصدار البيانات العرمرمية إلى ما بعدها, بشكل عملي, ذي آلية تطبيقية ,مستمدة من تشخيص ومجابهة إشكاليات, وصياغة مهمات الحركات الوطنية العربية في أقطارها , بالشكل الذي يزاوج بين الوطني والقومي عموما ,على طريق مراكمة الإنجازات, لإحداث التغيير النوعي ,على طريق حلم الانتصار.لن يتم تجاوز عقبات وإشكاليات وصراعات المرحلة, إلاّ بآلية عملية علمية من خلال حركة/ حزب تنظيمي , ونقترحه “حركةً للقوميين العرب” , تطلق مشروعا نهضويا عربيا تحرريا. مشروع نهضوي يأخذ بعين الاعتبار الجوانب السلبية وعوامل الفشل لكافة المشاريع النهضوية السابقة. مشروع نهضوي لا يقف عند التحديد النظري للأسس, وإنما يدخل في آليات تحقيق بنوده واقعاً فعلياً ملموساً. مشروع جمعي عربي ينطلق من قاعدة الهرم, أي من الجماهير الشعبية, وليس من البنى النخبوية الفوقية, التي تُبقي قراراتها وتصوراتها للعمل الجماعي العربي المشترك في أدراج الخزائن .
مشروع نهضوي عربي, يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية عالمياً, والحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية, التي أفرزتها مرحلة الصراعات الداخلية وتداعياتها على المجتمعات العربية في أقطارها, وعلى المجموع العربي بشكل عام.كما وضعُ الآليات العملية الكفيلة بإعادة مفاهيم الوحدة إلى سابق عهدها, تجذرا في مجمل الشعور العربي .نعم لا نريد إعادة إنتاج حركة القوميين العرب السابقة , فلكل مظهر سياقه التاريخ وفقا للفلسفة, ومن الصعب إعادة التاريخ إلى سابق عهده. نريدها حركة عربية عريضة ,ممتدة في داخل النسيج الاجتماعي العربي ضمن آفاق مجابهة للوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة, التي تفرض نفسها (أو تُفرضُ) علينا. حركة ذات برنامج سياسي بمهمات مقرّة من العموم ,لكل مجتمع عربي في هذه الدولة أو تلك. حركة ذات أسس تنظيمية, توضح العلاقة التكاملية والتراتبية في الآداء العملي ,كما علاقة الفرد بالمجموع والهيئات بعضها مع بعض. حركة ذات برنامج فكري واضح. حركة تعقد مؤتمراتها الخاصة والعامة على أسس ديموقراطية سليمة.
ومثلما قيل, يبدأ الحلمُ الكبير بخطوة عملية واحدة. مشروع أطرحه على المثقفين العرب,للتداول أولا, شريطة أن لا يمتد سوى بضعة شهور, ثم تبدأ التحضيرات العملية من خلال الاتفاق, لإقرار مشاريع الصيغ النظرية ,السياسية, الفكرية, البنيوية بعد مناقشتها من مجموع المؤسسين, لتقرّ في مؤتمر لإطلاق المشروع جماهيريا وعلنيا على أرض الواقع.