لماذا دول الشرق الأوسط هي الأكثر نسبة في رفد تنظيم داعش بالإرهابيين قياسا بالدول الأوربية ؟؟؟ – د.عامر صالح
كشف المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي ( أي.سي.أس.أر ) يوم الثلاثاء المصادف 27ـ01ـ2015 بأن عدد المقاتلين الأجانب الذين انظموا إلى صفوف تنظيم ” داعش ” يقدر بحدود ” 20.730 مقاتلا ” مشيرا إلى أن 20% منهم تقريبا من ” الدول الأوربية “, فيما أكد إن دول الشرق الأوسط تشكل النسبة الأكبر في رفد التنظيم بالمقاتلين, بين أن المعارك الدائرة في العراق وسورية تجعل تلك المناطق أكثر استقطابا للمسلحين الأجانب !!!.
وقال المركز الذي يتخذ من لندن مقرا, في تقرير له , تابعته ( المدى برس ), ” بأن العد التقريبي للمقاتلين الأجانب في تنظيم داعش والقادمين من كل أنحاء العالم يقدر بحدود 20.730 مقاتلا, وهو الأمر الذي يجعل من الحرب الدائرة في سورية والعراق من المناطق استقطابا للمقاتلين الأجانب في بلدان ذات غالبية مسلمة منذ العام 1945 “
وأضاف المركز إن ” الإحصائيات اعتمدت على معلومات موثقة شملت 50 بلدا حول العالم والتي جمعت ضمن فترة النصف الثاني من عام 2014 ” موضحا إن ” المعلومات تضمنت الأعداد الكلية من المسافرين الذين توجهوا إلى مناطق القتال في سوريا والعراق “
وأشار المركز إلى “تزايد عدد المقاتلين الأجانب القادمين من دول غربية أوربية, حيث وصل عددهم إلى 4 آلاف مقاتل تقريبا وهو ضعف الرقم الذي تم تحديده عام 2013″, مبينا إن تلك الإحصائيات تجاوزت تخمينات الاتحاد الأوربي”.
وأكد المركز, أنه ” أعتمد في إحصائيته على النسبة السكانية للبلدان, لذا فأن أكثر الدول الأوربية تصديرا للمقاتلين الأجانب هي فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وكذلك بلجيكا والدنمارك والسويد”, مشيرا إلى إن ” دول الشرق الأوسط تشكل النسبة الأكبر في رفد التنظيم بالمقاتلين الأجانب حيث يصل عددهم إلى 11 ألف مقاتل تقريبا, مع وجود 3 آلاف مقاتل قادمين من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق”.
وتابع مركز الأبحاث الدولي, “إن نسبة تتراوح من 5 إلى 10% من المقاتلين الأجانب قد قتل في المعارك, فيما تتراوح نسبة أخرى من 10 إلى 30% من المقاتلين يتوقع أنهم تركوا ارض المعركة عائدين إلى بلادهم أو تم احتجازهم في بلدان أخرى أثناء الترانزيت”, مؤكدا ” وبهذا يكون العدد الفعلي من المقاتلين الأجانب المتواجدين حاليا على الأرض في سوريا والعراق أقل من العدد المذكور”.
ويبين مركز الأبحاث, انه ” استمر بجمع المعلومات عن عدد المقاتلين الأجانب في تنظيم داعش في سوريا والعراق منذ العام 2012, فضلا عن نشر إحصائيات في نيسان وكانون الأول من عام 2013, إضافة إلى إحصائيات أخرى تم نشرها في أيلول 2014 “.
رغم إن الإحصائيات المذكورة أعلاه هي صماء لا تنطق كثيرا عن طبيعة الظاهرة, والإحصاء عادة كما هي تقاليد البحث العلمي عندما يكون عاريا عن التفسير لن يدعك أمام تصور واضح أو يفتقد إلى الإجابة على التساؤل: لماذا الإرهابيين في داعش معظمهم من بلدان الشرق الأوسط ؟؟؟.
الإرهاب بدون شك له بيئة حاضنة ومواتية لديمومته وبقائه, ولا يعني أبدا القضاء عليه مباشرة بالحشود العالمية العسكرية يعني اختفائه عن الظهور ثانية, لان سنة البحث العلمي تستدعي معالجة الظاهرة من خلال أسبابها وليست من خلال قطع دابر الأعراض وبقاء الأسباب, ومن هنا تأتي أهمية التزامن في القضاء على الأذرع العسكرية للإرهاب مع مجمل تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية في البيئة التي ينتعش فيها الإرهاب بمختلف مسمياته ” داعش وأخواتها ” !!!.
أسوق هنا بعض من العوامل العامة التي تعتبر بيئة حاضنة للتحجر العقلي وما يفرزه من مظاهر, وفي مقدمتها الارهاب, وأبرز هذه العوامل هي:
1 ـ حالة الفقر العامة في اغلب المجتمعات العربية, فالفقر بطبيعته التي تجبر الإنسان على التفكير بلقمة العيش فقط, فهي تحصره في ضيق الأفق والتقليل من مساحات الإبداع والحد من استثمار القدرات العقلية.
2 ـ هيمنة الفكر السياسي والديني المتعصب في الحياة العامة والذي يرفض جميع أشكال التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي, ويتشبث في الماضي لإيجاد الحلول لمشكلات الحاضر, ويرفض ممارسة النقد والنقد الذاتي لفكره وممارساته, فيعتبر ما عنده هو صالح لكل زمان ومكان, وبالتالي يشل قدرة العقل على التواصل مع معطيات الحضارة العالمية.
3 ـ الاستبداد السياسي المتمثل بفقدان حرية الرأي وغياب الديمقراطية في كل مفاصل الحياة, ابتداء من السلوكيات الفردية والمؤسساتية صعودا الى قمة النظم السياسية القمعية, التي تحاصر الحريات الفردية اللازمة لتطوير شخصية الفرد وعطائه, وتحول الكيان الاجتماعي الى كتلة هامدة عديمة التمايز والفاعلية, تجيشها متى ما تشاء وتخرسها عند الحاجة وتساوي أفرادها هلاكا, حيث أن التمايز الفعال بين الأفراد في القابليات والقدرات هو احد حقائق الوجود الإنساني وصيرورته.
هذه العوامل مجتمعة وعبر إعادة إنتاجها وتكريسها لعقود قادرة على خلق عقل متحجر وبوابة واسعة للعنف والقتل والإرهاب. وهنا ألخص محددات العقل المتحجر والمهيأ لشتى صنوف الإرهاب والعنف الفردي والجماعي بعدد من المعايير, كما عرضها هاشم صالح في مقدمته لكتاب لمحمد أركون والموسوم: الفكر الإسلامي .. قراءة علمية, وعلق عليها لاحق الكاتب محمد المطيري, وهي مأخوذة من المفكر ” ميلتون روكيش ” وقمت بمطاوعتها لطبيعة مقالي هذا, وهي كالأتي:
1 ـ يمكن تحديد دوغمائية عقل ما من خلال حدة أو شدة فصله بين المعتقدات التي يقتنع بها والمعتقدات التي يرفضها, حيث لا يستطيع أن يتصور أن في العالم سوى فريقين, فريقه هو وفريق خصمه, وأن هذا الحد أو الفصل يلغي منطقة الوسط. ومن أجل أن يحافظ العقل الدوغماتي على هذا الفصل الحاد فأنه يؤكد باستمرار على الخلافات بينه وبين المخالفين له, وأن اغلب خطاباته توجه لتحقيق هذا الهدف مما يضمن له تجيش أتباعه وشحنهم بشحنة انفعالية سالبة تسهل سوقهم كالقطيع بأي اتجاه يريد. أيضا يهاجم هذا العقل أية محاولة للتقريب والحوار بين الطرفين. أيضا يلجأ العقل المتحجر إلى تجاهل وإنكار الوقائع والأحداث التي تكشف زيف ادعاءاته. أيضا لدى العقل المتحجر قدرة على تقبل التناقضات داخل منظومته الفكرية. هذه العقلية بصورة عامة تشكل أرضا خصبة للسلوك الإرهابي, ولا تؤمن بالحوار بين الأديان والعقائد الأخرى,كما يتصور عالمه ” على سبيل المثال العالم الإسلامي ” بالعالم المتحضر والمتقدم والعالم الآخر ” الغربي ” يقبع في الجهل والظلام متجاهلا كل الحقائق الموضوعية التي تنفي إدعاءه, وهذا العقل أيضا يكفر الآخر ويلغيه بكل الوسائل المتاحة وبشراسة.
2 ـ من معايير الحكم على عقل ما بأنه دوغماتي متحجر أنه لا يميز بين العقائد والأفكار التي يرفضها. فهو يضعها في سلة واحدة هي سلة الخطأ والضلال, دون أن يكلف نفسه بالبحث في نقاط الالتقاء والتقارب مع الأفكار المخالفة. ونلاحظ ذلك بشكل واضح لدى الأوساط الإسلامية المتشددة عندما يجمعون غير المسلمين كلهم في دائرة الكفار, وكذلك ما يمارسه الكثير من الدوغمائين الايديولوجين وحملة العقائد السياسية من إلغاء للآخرين وعدم الاعتراف بهم بعيدا عن التفاصيل التي تميز بينهم.
3 ـ كما أن من معايير انغلاق عقل ما وتحجره هو الوثوقية المغرقة وتكاثر المسلمات في منظومته الفكرية. فأن كانت كل منظومة فكرية تقوم على عدد بسيط من المسلمات تؤسس للفكر ثم تترك الحرية للناس أن يجتهدوا, فأننا نجد أن مسلمات العقل الدوغمائي تتوالد باستمرار لتقفل كل منافذ للاجتهاد والتفكير. ولذا نجد عندنا أن مقولات لأشخاص عاشوا في القرن الثامن الهجري تتحول إلى مسلمات لا يجوز النقاش حولها أو نقدها. وكذلك نجد أن التفاسير والشروح والفتاوى تتحول من كونها اجتهادات بشر تقبل الصواب والخطأ إلى كونها مسلمات وثوابت لا يجوز المساس بها, ومن أقترب منها تعرض لأصناف الهجوم من تكفير وتفسيق وتضليل وغيرها من أدوات الإقصاء. كما نلاحظ اليوم في عالم السياسة والإيديولوجيات المنتشرة شيوع ظاهرة الحفظ والتلقين للمقولات والشعارات واختزال عالم السياسة المتنوع من خلالها وتحويلها إلى نصوص جاهزة تبنى عليها برامج ” تنموية ” دون العودة إليها ونقدها في عالم متغير, وقد تلحق أفدح الأضرار بنتائجها النهائية, وتشكل مقولات ” قائد الضرورة ” و ” ملهم الشعب ” و ” حجة الإسلام ” و ” خليفة المسلمين ” و ” راعي الشعب ” وغيرها من المسميات, استراتيجيات عمل لعقود قادمة جالبة المزيد من الكوارث !!!!!.
4 ـ تزداد وثوقية عقل ما وانغلاقه وتحجره كلما توقف عند لحظة زمنية محددة وتشبث بها وعاش فكريا وروحيا فيها, مما يجعله لا يعيش واقعه و لا يفكر من خلاله, وهذا ما يتسبب في غربته وإحداث تناقضات وانفصامات هائلة في أتباعه. دائما تكون هذه اللحظة في الماضي, لحظة نشوء الفكر أو لحظة وقوع أحداث مهمة و جذرية في تاريخه. العقل ألوثوقي المتحجر لا يفكر بمنطق تأريخي و لا يعترف بتغير الأزمان وتغير الظروف, لأن من صفاته الثبات والاستقرار بينما منطق الحياة والواقع هو الحركة والتغير والتحول. يحاول العقل المنغلق أن يعوض غربته عن واقعه بأحلام وردية في المستقبل يعيشها لتملأ عليه خواءه وغربته وتناقضاته.
تلك هي ابرز الملامح السيكولوجية والفكرية والعقلية والتي تشكل استعدادا لا ياستهان به في خلق وإدامة الإرهاب وإعادة إنتاجه دوريا, وهي تشكل ابرز ملامح العقل الشرق أوسطي, ولعلها تفسر غلبة نسبة المساهمين في التنظيمات الارهابية, من داعش والقاعدة وغيرها !!!.
أما لماذا يساهم الأوربي بنسبة ما في رفد تنظيم داعش من المقاتلين ؟؟ أو بصياغة أخرى لماذا تلك المساهمة من حملة الجنسية الأوربية والقادمين من الشرق الأوسط في معظمهم, فالإجابة قد لا تحتمل الاجتهاد, وهي إن معظمهم من المهاجرين القادمين للبلاد الأوربية في نهاية الثمانينات والتسعينيات والمحملين نسبيا ببيئة التطرف الأم, ولكن فشلت الدول الأوربية في احتضانهم واندماجهم وخلق بيئة مواتية لتطورهم, فبقوا على هامش المجتمع الأوربي رغم أوربيتهم بالتجنس, يعانون من البطالة في أوساط شبابهم, مما يسهل اندفاعهم للانكفاء في مجتمعات مغلقة مع أبناء جلدتهم مما يسهم في إعادة إنتاج قيم التطرف من خلال مختلف التنظيمات الدينية والمذهبية السياسية ويضعف رؤاهم لعالم أوسع !!!.
أما من الأوربيين الأصليين في التجنس وهي حالات استثنائية قياسا بما يرفده الآخرون من مقاتلين لتنظيم داعش وغيره, فهم في معظمهم من أقاموا علاقة تواصل فكري وعقائدي وتأثروا بفكرة المغامرة والقتال ممزوجة بقناعة دينية متطرفة. أما دول مقاتلي دول الاتحاد السوفيتي سابقا فلهم خصوصيتهم في انتشار الإسلام المتطرف هناك وما ينتجه من مقاتلين لداعش وغيرها والقائم أصلا على إبقاء القضية الفلسطينية دون حلول تذكر, والتي تتحمل الحكومات الأوربية بعض من مواقفها الهشة وغير الواضحة بهذا الصدد والمتأثرة بالموقف الأمريكي. وهنا نستطيع القول إن الإرهاب الدولي ودوافعه متشعبة, منها ما هو خاص بالبيئة المزمنة المنتجة له, وعوامل أخرى خاصة بمجمل المواقف من قضايا الصراعات الإقليمية, وفي مقدمتها قضية فلسطين وهشاشة الموقف الأوربي والأمريكي منها !!!!.