لنواجه الإرهاب – رشاد أبوشاور
عندما اندلعت شرارة ( الحراكات) الشعبية العربية من سيدي بوزيد، في تونس، من لحم ودم محمد البوعزيزي، التونسي الفقير الغاضب، تفاءلنا خيرا، واستبشرنا بنهوض عربي عارم يكتسح طوفانيا كل الخراب العربي، والفساد العربي، والتبعية العربية، وحالة الانحطاط التي أزمنت في بلاد العرب، بتراكم من أنظمة التبعية والفساد العربي المتوارث..ولذا لم نقف متفرجين، بل انخرطنا في الحدث، وكتبنا محرضين، وأنشدنا مع التوانسة في شوارع المدن التونسية، والقرى:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولا بد للقيد أن ينكسر
ومع جماهير مصر أنشدنا:
بلادي بلادي بلادي
لك حبي وفؤادي
ومع شعبنا العربي السوري رفعنا الصوت مطالبين بنهاية للفساد والفاسدين، وكتبت شخصيا مطالبا بحذف المادة 8 من الدستور السوري، والتي تنص على أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو قائد الدولة والمجتمع، ولم نجامل، وذكّرنا بأن أي حكم لحزب واحد لا بد أن يفرض حكمه بالدكتاتورية، وبالظلم…
سورية بادرت بحذف المادة الثامنة، وأعلنت عن حرية الأحزاب، وسيادة القضاء، وحرية الصحافة، ولكن ما سميت بالثورة انتقلت من المطالب إلى رفع السلاح، والشروع في قتل الجنود، ورجال الشرطة، والتفجيرات، وكان هذا خروجا على المطالب الشرعية، والإصلاح، والتغيير بدون إراقة دماء.
افتضح بسرعة أمران: قفز الإخوان المسلمون، وبدون أقنعة على ما سميت بالثورات، والتدخل الخارجي التآمري، فبرنار هنري ليفي، اليهودي الصهيوني برز بشكل سافر في ليبيا، وكان يدعو للتدخل المسلح لحلف الناتو، ووضع اليد على ليبيا، ونهب ثرواتها النفطية، بل وتقسيم ليبيا، وزرع الفوضى في خاصرة مصر…
وظهر برنار هنري ليفي في تونس، ولكن التوانسة طردوه، بعد ما فضحوه، ثم تسلل من تركيا إلى سورية..وهكذا برز الدور الصهيوني ممثلاً بهذا المجرم الداعي لتقسيم بلاد العرب، ونشر الفوضى في ربوعها، ومصادرة ثرواتها..وهو ما نفذه حلف الناتو، برعاية أمريكية، وتجلّى في تدمير ليبيا، والتوجه، من بعد، لتدمير سورية، لولا لصمود الجيش العربي السوري، ومؤسسات الدولة السوري، والتدخل الروسي السريع، بعد افتضاح المؤامرة والخداع الغربي في ليبيا، والالتفاف من وراء ظهر روسيا، بل والعالم كله، لتنفيذ مشيئة الناتو، وأمريكا في المقدمة، وأحد أكبر المنتفعين: الكيان الصهيوني.
عرفت روسيا أن تدمير سورية سيفتح الباب لاندفاع الإرهابيين إلى خاصرتها في الشيشان، فتقدمت للدفاع عن نفسها في سورية، وهكذا على الأرض السورية دارت المعركة في مواجهة الإرهاب، الذي حمل أسماء فصائل إسلاموية: ( الدولة الإسلامية) داعش، النصرة، جيش الإسلام، فتح الشام، نور الدين زنكي..الخ، من هذه الفصائل التي افتضح ارتهانها أمريكيا، تركيا، سعوديا، قطريا، والتي بات ( مجاهدوها) يتعالجون في المستشفيات الصهيونية علنا، بل ويزورهم نتنياهو، ويبدي الاهتمام بهم، فإسلامهم ليس خطرا على الكيان الصهيوني، فهو فقط معني بتدمير سورية، ومصر، وتونس، وليبيا، واليمن، والجزائر، والعراق…
عندما زار السفير الأمريكي، في بداية الحراكات في سورية، مدينة حماة، واستقبل استقبال الفاتحين، وغمرت سيارته بأغصان الزيتون، قلت، وقال كثيرون: هذه ما عادت حراكات شعبية مطلبية، بل هذه مؤامرة على سورية وشعبها وجيشها، ودورها، وحاضرها، ومستقبلها…
يعرف كثيرون اليوم سر تآمر قطر على سورية: إنه الغاز، فقطر أرادت تمديد أنبوب ينقل غازها إلى أوربة، في حين كانت روسيا اتفقت مسبقا مع سورية على أنبوب ينقل غازها إلى أوربة..ومن هنا بدأت أحقاد الأسرة القطرية الحاكمة على سورية، والسعي لتدميرها.
أمّا السعودية فهي دائما وضعت سورية في مقدمة اهتماماتها، وتآمرها، ومن ينسى نُذكّره: أليست السعودية من دفعت ملايين الدولارات لفصل وحدة مصر وسورية في 28 أيلول 1961؟!
أليست السعودية هي التي تآمرت دائما على نظام 23 تموز بقيادة القائد جمال عبد الناصر؟ الم ينكشف دورها في هزيمة حزيران 1967؟!
في مصر قفز الإخوان المسلمون على الثورة، ووضعوا أيديهم عليها، واحتكروا كل شىء، وبدا أنهم لن يتركوا الحكم إلاّ بالدم، فكانت الثورة الثانية، وتم إسقاط حكمهم برئاسة محمد مرسي، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة مصر، ومع ذلك فإن التفجيرات تتوالى في مصر، من سيناء والعريش إلى القاهرة، وهي ترمي على تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني المصري.
لم يُسقط شعب مصر حكم مبارك الفاسد ليُنّصّب الإخوان المسلمين، وها هم، وما يمثلهم، يضربون قلب مصر يوميا، بأعمالهم الإرهابية المجرمة، ويحاولون تفكيك المجتمع المصري، بين مسلم ومسيحي قبطي…
* * *
فشلت الحراكات الشعبية العربية لأنها بلا وجهات محددة، وبلا قيادات، وبلا تنظيم، فهي عفوية، ولذا قفز عليها الإخوان، وتلاعبت بها كل القوى المعادية لأمتنا العربية، ولآمالها، ولطموحاتها، ولحقها في الحياة الحرّة الكريمة.
قوى الشر يقلقها أن تنهض الجماهير العربية، لأنها ستستعيد حقها في ثرواتها المنهوبة، ولأنها ستتخلص من قوى التبعية التي ترعاها أمريكا ، والكيان الصهيوني، وقوى الغرب الاستعماري: بريطانيا، وفرنسا…
هناك تزوير لوجه الحراكات الشعبية العربية، وحرف عن المسار، يلعب في هذا ، وبدور بارز، إعلام مرتزق، مموّل خليجيا، وموجه من قوى مهمتها التضليل، والتشويه، والتزوير. هل يمكن أن تصدّر السعودية وقطر الديمقراطية لسورية، ومصر، وتونس، والجزائر، وليبيا، واليمن، ولبنان، والعراق؟!
مجتمعات بدوية متخلفة محكومة عشائريا، لا تملك أن تقدم سوى التخلف والمال الذي ترشو به مثقفين ساقطين بلا ضمائر، يخونون الأمانة التي يفترض أن يحملها كل مثقف في عقله وضميره تجاه شعبه، وإنسانيته، بنزاهة، وبدون أي مردود سوى راحة الضمير، والشعور بالرضى عمّا يفعل.
في هذا الكتاب يلتقي القارئ العربي ببعض ما كتبت، وأنا أتابع كل ما يجري في وطني العربي الكبير، بنزاهة ضمير، وبتحمل للخسارات مهما كانت، من أجل أن أسهم في رد أذى قوى الظلام التي تجتاح كثير من بلادنا العربية، وتنشر الموت والخراب والجهل، وتأخذ بلادنا العربية، وإنساننا العربي، إلى متاهات كارثية…
هذه القوى التي تدّعي ( الجهاد) تكشف فلسطين كذبها، وزور دعواتها، فهي هجّرت الفلسطينيين من مخيماتهم، تحديدا في سورية، وما مأساة مخيم اليرموك، وغيره، سوى البرهان على أن الهدف تشريد الفلسطينيين بعيدا في المنافي حتى ينتهي هدف العودة، والتمسك بحق العودة…
هذه المجموعات الإرهابية المجرمة تنسج العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهي تنفذ كل ما يضمن مصالح أمريكا في وطننا العربي الكبير..أمريكا عدو أمتنا، داعم الكيان الصهيوني، وراعية عدوانه الدائم واحتلاله، أمريكا راعية أنظمة الفساد والجهل والتخلّف، وناهبة ثروات العرب.
كل مثقف شريف نزيه عليه واجب ( ذاتي) دون تكليف من أحد، أن يتصدّى لفصائل الإرهاب والجريمة التي تقتل المسيحي في كنيسته، والمسلم في مسجده وحسينيته، والمواطن في شارع مدينته، والتلميذ والطالب في جامعته ومدرسته، وحتى الطبيب والممرضة في مستشفاهم، والصحفي وهو يكتب لينير العقول…
أنا مع سورية، لأنني مع وطني فلسطين.
أنا مع مصر ووحدتها الوطنية…
أنا مع اليمن وشعبه المظلوم بالعدوان السعودي
أنا مع شعب ليبيا العربي الممزق
أنا مع لبنان ومقاومته الباسلة
أنا مع تونس منطلق الثورة، وشعب تونس العربي الأصيل الذي يتحسس باستمرار آلام الأمة، سيما في فلسطين.
أنا مع كل عربي يقاوم الجهل، والتخلّف، ويرفع الصوت مطالبا بالحرية، والعيش، والكرامة الإنسانية..ويؤمن، من قبل ومن بعد، بتحرير فلسطين قلب الأمة، وواسطة العقد..وبأن فلسطين هي قضية قومية عربية بامتياز.
من جديد اشكر صديقي الإعلامي الكبير والأديب خالد محمد غازي على نشر كتابي هذا، وأحيي صموده في زمن باتت مهنة النشر صعبة، وغير مربحة، ولكن الأديب فيه يقاوم، وينتصر للخطاب التقدمي ، الديمقراطي الحقيقي، ولحق القارئ العربي في المعرفة، والتصدي لخطاب الجهل والتضليل…
رشاد أبوشاور