لورنس فلسطين وفلسطينيوه الجدد! -عبد اللطيف مهنا
عام 2005، وتحت شعار “السلام من خلال الأمن”، والدور الأميركي المطلوب لتطوير أجهزة الأمن في سلطة الحكم الذاتي الإداري الفلسطينية المحدود تحت الاحتلال، شكَّلت الولايات المتحدة، بالتفاهم مع الاحتلال والسلطة، ما دعته ” فريق التنسيق الأمني الأميركي بين الطرفين، والمرمز إليه “USSC”، وأوكلت إدارته لأحد أمنييها المتمرسين هو الجنرال كيث دايتون، ومنحته صفة الملحق في سفارتها بتل أبيب، أما مهمته فكما وصفها الجنرال بنفسه هي الإشراف على صناعة فلسطينيين جدداً، بمعنى منزوعي العداء لمحتلي وطنهم. مهمة دايتون استمرت وجدِّدت حتى خلفه لاحقاً جنرال آخر هو مولر السائر على نهج سلفه.
فريق دايتون أميركي، لكن تم تطعيمه ببريطانيين وكنديين واتراكاً، ذلك انسجاماً مع توجهاتهم في العقدين الأخيرين نحو إعطاء حروبهم ومهامهم الكونية سمة أو تغطية أممية، كمسمى “التحالف الدولي، في حربيهم على افغانستان والعراق، أو حربهم هم والناتو التي قادوها من الخلف على ليبيا، وراهناً على سوريا تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب”…يقول دايتون ممتدحاً وملقياً ضوءً على مهام وتخصصات فريقه: “الكنديون والبريطانيون هم عيوننا وآذاننا”! ولم يقتصر الأمر على عيونه وآذانه، بل أشار إلى التعاون مع فريق آخر تابع للاتحاد الأوروبي يرمز له ب “EUPO” مسؤول عن “اصلاح النظام القضائي الفلسطيني”! ومع “الرباعية الدولية” في حقبة بلير ثم من خلفه، وكلة تحت ذات الشعار “السلام من خلال الأمن”، ومعزوفة ” حل الدولتين”، ألتي تبخرت بعد ان وضعها التهويد في خانة ما لا محل له من الإعراب…وهي بالمناسبة ذات منشأ صهيوني الأصل كان قد طُرحت عام 1951، أي بعد النكبة بثلاث سنوات، والآن باتت خلف ظهر طارحيها.
استذكاري ل”مصنع دايتون، هو بسبب من توسُّع المصانع الرديفة المتلطية خلف ما يدعى مؤسسات المجتمع المدني الناشطة مصانعها لإنتاج الفلسطينيين الجدد مركِّزة على السلام الاقتصادي في خدمة الأمني ومعهما الثقافي التطبيعي محققةً في هاته الحقول قدراً لا بأس به من طموحات دايتون…وأضف إليه، بيان لنقابة الصحفيين الفلسطينيين صدر مؤخراً في رام الله، سآتي إليه لاحقاً، بعد وجوب العودة لمصنع دايتون مرةً أخرى.
في السابع من الشهر الخامس من العام 2009 استضاف “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط”، المعروف بأنه الذراع الفكرية والبحثية للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، الجنرال دايتون محاضراً في ندوة حول مصنعه الفلسطيني، حيث قدَّم نفسه سوبرماناً ذو نجاحات من عيار هوليودي مبهر، بل كلورنس الفلسطينيين بامتياز، وبعد أن طمئن من يحاضر في معهدهم قائلاً: “نحن لا نقدِّم شيئاً للفلسطينيين ما لم يتم التنسيق بشأنه مع دولة إسرائيل”، وإن ثلاثة أجهزة استخبارات، هي ال”CIA” والاستخبارت البريطانية وثالثة عربية، تشرف مع فريقة على اختيار المنتسبين للأجهزة التي يعد هو وفريقة رجالها، بمعنى الجديرين بالانتساب لمنتج مصنعه، وبالتاي بتم نقلهم إلى معسكر الإعداد الخاص في الأردن، يجمل الجنرال إنجازاته على الوجه التالي:
“ما الذي بنيناه، أقول هذا تواضعاً، ما فعلناه هو بناء رجال جدد تتراوح أعمارهم بين 20، 22 عاماً، وهؤلاء الشبان يعتقدون أن مهمتهم هي بناء دولة فلسطين”. ويستشهد بما اقتطفه من خطاب لمسؤول كبير في السلطة في دورة لخريجين من هذه المدرسة الدايتونية، خاطب فيه هؤلاء قائلاً: أنتم لم تأتوا هنا لتتعلَّموا كيف تقاتلون إسرائيل، بل جئتم هنا لتتعلَّموا كيف تحفظون النظام وتصونون القانون، وتحترمون جميع مواطنيكم، وتطبِّقون حكم القانون من أجل أن نتمكَّن من العيش بأمان وسلام مع إسرائيل”.
وإلى جانب استشهاده بأقوال مسؤول السلطة، نقل انبهار ضباط الاحتلال بجودة منتجه وسؤالهم إياه: “كم من هؤلاء الرجال تستطيع أن تصنع وبأية سرعة؟!”…ويضيف من عنده “يا للروعة حدثت مظاهرات كبيرة ضد غزو غزة بالطبع، لم تخرج عن نطاق السيطرة، وطبَّق رجال الشرطة والدرك ما تدرَّبوا عليه في الأردن”!
…وبالعودة لبيان نقابة الصحفيين الفلسطينيين في رام الله، والتي عبَّرت فيه عن صدمتها من تواجد صحافيين وطواقم من القناتين الثانية والعاشرة من كيان الاحتلال في المقاطعة، أو مقر رئاسة السلطة، لتغطية الزيارة الملكية الأردنية الأخيرة، معتبرةَ في بيانها أن تسهيل أمر تواجدهم هذا “يشكِّل صفعةَ وإهانة لكل صحفي، خاصة أنها تأتي في وقت مازالت فيه دماء الفلسطينيين تنزف من رصاص وعصي الاحتلال في القدس ومختلف الأراضي الفلسطينية”، مشيرةً في بيانها إلى ما مجموعه 192 اعتداءً وانتهاكاً احتلالياً ضد الصحافيين في الشهر المنصرم وحده، بيد أنها في المحصلة قد افرغت بيانها من كل ما أوهم علواً في نبرتهً، ذلك بجعلها في حدود الغضبة النقابية المحضة، أي بما يعفيها من تهمة التعبير عن راهن غضبة شعبية ووطنية شاملة، وألحقته، بتجاهل أن وجود صحافة وطواقم أجهزة اعلام الاحتلال في المقاطعة ما كان له أن يكون لولا التنسيق الأمني المسبق لحفظ أمنها، وما كان هذا ليكون لولا موافقة المقاطعة عليه، الأمر الذي أوقع هذه النقابة في مفارقة مناشدة الرئاسة بمحاسبة من سهَّلت وجودهم في حماها ووفرت حمايتهم، أي ما جعل من غضبتها لا تخرج وفق المعايير الدايتونية عن “تحت السيطرة”!!!