لو قرأ هتلر الحرب والسلام..لو! – رشاد أبوشاور
أثارتني حلقة من برنامج ( رحلة في الذاكرة) الذي يقدّمه على فضائية RT ARAB الإعلامي خالد الراشد، وأنا أحرص على متابعة هذا البرنامج الغني بمن يحاورهم معد ومقدم البرنامج، وهم غالبا شخصيات متميزة غنية العلم والمعرفة في السياسة والاقتصاد والأمن وكل صنوف المعرفة.
في هذه الحلقة التي شاهدتها يوم الجمعة 1 أيّار، وبمناسبة الذكرى ال75 للحرب الوطنية العظمى التي انتصر فيها الجيش الأحمر على الجيوش النازية الألمانية..وطاردها حتى رفع جندي سوفييتي العلم الأحمر المزيّن بالمنجل والشاكوش على مبنى الرايخستاغ في برلين.
قدّم معد البرنامج حوارا مع سيدة روسية متميزة، هي غاليناسليساريفا، مختصة بالبحث عن الألغام التي ما زالت مزروعة في أراضي روسيا..وأيضا بالبحث عن جثث الجنود القتلى في تلك الحرب.
تلك السيدة المتميزة في عمل هو وقف على الرجال، لما فيه من مخاطرة، هي السيدة الوحيدة التي تؤدي هذا العمل منذ أربعين سنة.
تلك السيدة قالت: أنا لا أُفرّق بين جثث الجنود الروس..والجنود الألمان، فكلهم يجب أن يدفنوا…
ثم نتجول معها في متحف يضم بقايا تركها الجنود الروس و..الألمان.
الجنود الألمان كانوا مزودين بكل شئ يحتاجونه: معجون وفراشي أسنان، أحذية عسكرية ممتازة وصباغ أحذية، وأمشاط وعطور وشوكوطة..وحتى واقيات ذكورية!
فسّرت السيدة السبب: الألمان لا يهتمون للعذرية في بلادهم..وقادتهم توقعوا أن النساء الروسيات مثل الألمانيات يفقدن عذريتهن قبل الزواج..ولذلك زودوا جنودهم وضباطهم بالواقيات حتى لا تنتقل لهم العدوى الجنسية بالممارسة مع الروسيات!
الجنود الألمان كانوا مزودين بألبسة ممتازة، وأسلحة متفوقة، وأحذية قوية متينة أنيقة..والجنود الروس كانوا يصنعون أحذيتهم، غالبا، من لحاء الشجر، وكانت أسلحتهم متواضعة أمام أسلحة الألمان…
اندفعت فرق الجيش الألماني بغرور واستهتار، فهي كانت قد احتلت باريس العاصمة الفرنسية، وكثير من بلدان أوربا الغربية في أيام..فخط ماجينو الفرنسي الحصين تم الالتفاف من خلفه..وهب..وإذا بالجيوش الألمانية تتسكع منتشية في باريس..وتستقبلهم فتيات باريس بالزهور! ( طبعا تفجرت مقاومة بقيادة الجنرال ديغول..حتى لا ننسى).
القيادة الألمانية، وجنرالات الفوهرر المنتصرين في أوروبا الغربية اعتبروا أن الحرب على روسيا مجرّد نزهة!
إحدى الرسائل في متحف تلك السيدة أرسلها رقيب لخطيبته يقول لها فيها بأنه سيعود بعد شهر ونصف..ليتزوجا!
ذلك الرقيب لم يعد إلى خطيبته لأنه قتل..والحرب امتدت من عام 1941 وحتى العام 1945، وتكللت بانتصار الجيش الأحمر السوفييتي على الألمان..وتم تدمير ( وكر الذئب) مقر هتلر ..الذي انتحر مهزوما لسوء التقدير في حربه على روسيا، وفي مسلسل حماقاته العنصرية.
يقول ضابط سوفييتي: أنا مندهش: كيف انتصرنا؟! كانت أسلحتهم متفوقة، وكانوا مزودين بكل ما يحتاجونه..وكانت أسلحتنا متواضعة…
ذلك الضابط السوفييتي يعرف أسباب انتصار(هم)..ولكنه يعبّر عن سعادته بالانتصار بذلك التعبير الذي يوحي بعظمة ما حققه الجيش الأحمر، والشعوب السوفييتية، والقيادة السوفييتية وفي مقدمتها ستالين الحديدي..وجنرالات الجيش الأحمر العظيم التضحيات.
لو قرأ هتلر رواية الحرب والسلام لتولستوي العظيم، الذي عبّر بتلك الملحمة عن عظمة الشعب الروسي وصبره، وعظم وطنيته وأصالته وقدرته على تحمل قسوة الحرب..فلربما تعلّم منها..من هزيمة الروس لجيوش نابليون الجرارة المسلحة جيدا، والمدربة جيدا، والمجهزة لخوض حرب مدمرة على روسيا…
يقال بأن ( الجنرال) ثلج هو سبب هزيمة نابليون..ولكن لا، فالثلج عامل من العوامل، ولكنها روح الروسيا..وعظمة الأمة الروسية..والثلج قاس الطرفين المتحاربين.
الروس أحرقوا كل شئ حتى لا تستفيد جيوش نابليون من طعام ولباس في ثلج روسيا الرهيب – أنا جربته عدّة مرات أثناء زياراتي لموسكو و..ليننغراد ..بطرسبورغ كما عادت لاسمها القديم، وكنت في مكان دافئ وبملابس شتوية ثقيلة – وتركوا له نيرانا تشتعل في القرى والبلدات، وكل ما عجزوا عن حمله..وانسحبوا تاركينه وجيوشه يلهثون خلفهم إلى أن فقد ثلاثة أرباع جيشه..وانسحب مهزوما ذليلاً..وكانت تلك النهاية الحقيقية لحروبه المجنونة.
أذكّر بأن أول هزائمه كانت أمام أسوار عكا في مواجهة الفلسطينيين الذين اعتصموا بمدينتهم وراء قائدهم أحمد باشا الجزار والي المدينة..ويقال أن نابليون عندما يئس من اقتحام أسوار وأبواب عكاء طوّح بقبعته من فوق أسوارها!
لم يقرأ هتلر وجنرالاته رواية الحرب والسلام، ولعله سمع بأن سبب هزيمة نابليون كان الثلج..فقرر الاندفاع بجيوشه الرهيبة قبل سقوط الثلج..بحيث تنتهي المعركة في شهرين على أبعد تقدير!
دائما تنتهي حسابات الطغاة بجر كوارث على بلدانهم..وتصيب العالم القريب والبعيد بخسائر في حروب لم يكن لهم فيها مصلحة.
الطغاة لا يقرؤون سوى التقارير..وهتلر لم يكن عنده وقت يبدده في قراءة ( رواية) لكاتب روسي كتب عن روح أمته، وقدمها بما يليق بها..بجوهر عظمتها، ولم يخترع شيئا، ولكنه تعمق وأبحر في عظمة تلك الروح…
تحتفل روسيا ببطولات الجيش الأحمر، ومعها الشعوب التي كانت فاعلة في تلك الحرب الرهيبة..ومن دولة الاتحاد السوفييتي التي وإن تهاوت وتفككت فقد تركت تراثا بات ملكا للبشرية جمعاء.
روسيا بحسب تقديرات شبه دقيقة قدمت حوالي 28مليون إنسان، ناهيك عن تدمير كل شئ على أرضها..بنته بعرق وجهود عمالها وفلاّحيها..وانتصرت لنفسها و..للبشرية.