ليبرمان وحملتان…واحدة في الخليل والأخرى في نابلس!
عبداللطيف مهنا
صنَّف وزير الحرب ليبرمان الفلسطينين إلى نوعين، “عرب اخيار” و”عرب اشرار”. الأخيار هم المتعاونون مع الاحتلال والقابلون به، والأشرار هم رافضوه ومقاوموه. هذه ليست بدعة ليبرمانية ولا هي من بنات أفكاره. سبقه اليها كافة القادة الصهاينة، وسبق هؤلاء كل الغزاة والمستعمرين عبر التاريخ، وفي اية بقعة وطئتها اقدامهم تعود لأي شعب ابتلي بهم. وعلى ضوء هذه النظرية الاستعمارية التليدة، وبما لم يزد عن ما فعله من سبقوه في تطبيقها، رسم ليبرمان خريطة لما يبيِّته لبقايا أشلاء الضفة الغربية، ومأسوري معازلها المسورة بالمستعمرات، خلاصتها، رشوة الأخيار ومعاقبة الأشرار.
الرشوة، تسهيلات حياتية للمتكيفين مع الاحتلال، أهمها السماح لهم في المنطقة المعروفة ب”ج”، أي تلكم المفترض وفق معاهدة أوسلو أن تُسلَّم لسلطة الحكم الذاتي الإداري تحت الاحتلال ولكنها لم تُسلَّم وبقيت تحت إدارة الاحتلال العسكري المباشرة، ببناء منازلهم، وللقرى التي لا يقاوم أهلوها المحتلين بإقامة ملاعب كرة قدم، وحدائق تنزُه. بل زادهم تكرُّماً فـأبدى استعداده لأن يمن عليهم بسماحه بإنشائهم لبنى تحتية تجارية وأخرى تتعلق بالكهرباء والمياه والطرق، على أن يتم هذا بالطبع على حسابهم!
أما العقاب، الذي يعد به “الأشرار” الرافضين والمقاومين، فهو تطويل قائمة صنوف العقوبات الاحتلالية المعهودة وزيادة مناسيبها، ومنها تكثيف الحملات والمداهمات والملاحقات القمعية وسائر اشكال العقوبات الجماعية المتبعة ضد المدن والقرى والتجمعات المناوئة للاحتلال. من مثل، فرض المزيد من القيود وسبل التضييق، واعاقة الحركة، وإيقاف تصاريح العمل، إلى جانب حظر التجوُّل، والإغلاقات الخ. وهذا لن يقتصر على المنطقة “ج”، ولكنه يتعداها إلى “ب”، أو الخاضعة ادرياً للسلطة وأمنياً للإدارة العسكرية الصهيونية المباشرة، كما ولن تستثنى منه أيضاً المنطقة “ا”، أو الخاضعة نظرياً للسلطة ادارياً وأمنياً. وكله، الرشوة والعقاب، بالتوازي مع البحث عن قيادات “خيِّرة” بديلة تحوطاً لشغور قيادة ابومازن…بالنسبة لغزة، لم يزد ليبرمان على إعادة صياغة أكثر وضوحاً لذات السياسة الصهيونية المتبعة حيالها منذ أن ضُرب عليها مزدوج الحصار الصهيوني العربي منذ عقد، بطرحه لمعادلة “الترميم في مقابل نزع السلاح” المقاوم، بمعنى الحصار حتى نزعه!
على ضوء بادي تهتك واقع السلطة تحت الاحتلال، والمتجلي في تفاقم مظاهر الفوضى الأمنية الضاربة اطنابها داخل المعازل الأوسلوستانية، كترجمة موضوعية للصراعات الدائرة بين أجهزتها وتنظيمها، وكذا تياراتها، وحتى عائلاتها ومعشر منتفعيها، وبما لا يمس أمن الاحتلال، وآخره المأساة المخزية التي ابتليت بها مدينة مناضلة مثل نابلس…على ضوئه، سارع البعض لتلقف خارطة ليبرمان، أو عصاته وجزرته المشار اليهما، للتنظير لكون السلطة قد باتت عبئاً على الاحتلال، الأمر الذي قد يدفعه لتلمس سبل التخلص منها، أو فكها وإعادة تركيبها، ومنهم من يقول ترويضها، وصولاً إلى الكلام عن “روابط قرى” ترثها وباتت تتناسب أكثر مع المرحلة التهويدية التي قطعتها تطبيقات الاستراتيجية الصهيونية التاريخية التي لم تتبدل أو تتغيَّر منذ أن بدأ الصراع.
حين تقليب هذا الكلام نجده لا يخلو من وجهين هما من حيث النتيجة لعملة واحدة، واحدهما ايهامي خبيث، وثانيهما ينم، إن احسنا ظناً، عن ضحالة في وعي وانعدام للرؤيا. الأول، يريد التغطية على كون السلطة كنزاً استراتيجياً لعدوها، وفر له احتلالاً مريحاً لم يسبق وأن حظي به غاز او مستعمر عبر التاريخ، ويمكن القول أيضاً كنزاً تهويدياً، إذ وفرت له غطاءً في ظله زرع في الضفة مليوناً إلا ربع مستعمر حتى الآن وإلى مزيد. والثاني، عاجز عن فهم وظيفة عصا وجزرة ليبرمان، أي كونه لا يلوُّح بهما إلا لاستدراراً للمزيد من تخادم مثل هكذا سلطة مع محتلها، أمنياً وتصفوياً، وابتغاءً لمردود أكبر من هذا التخادم. وهى إذ ليست في حاجة لمن يروُّضها، لأن نهجها تكفَّل بترويضها، يكفى ليبرمان مجرَّد التلويح بخطته لمثلها …الأول يحاول ايهامنا، والثاني عاجز عن ادراك أن جل ما يخشاه الصهاينة هو انهيارها، أو سيطرة قوى مقاومة عليها، وعليه هم الأحرص منها عليها، لكنهم يتحسبون فعلاً لما بعد أبو مازن ويبحثون فعلاً لاستنساخه.
هناك ما يربط، والحالة هذه، ما بين الحملة العقابية، التي تتم على طريقة ليبرمان وهدي خريطته، في الخليل، والحملة الأوسلوستانية التي وازتها في حي القصبة في نابلس. الأولى تطارد “العرب الأشرار”، والثانية، وبذريعة التصدي للانفلات الأمني وتجارة السلاح وتصنيعه ومطاردة الزعران، تستهدف المقاومين وتلاحق المطاردين من قبل العدو واجهزة الأمن الدايتونية. وفي ذات الوقت تعكس، وكما اشرنا، صراعاً يدور بين هذه الأجهزة نفسها، وبينها وقطاعات واجنحة وتيارات داخل حزب السلطة، أو تنظيمها، وأهل نابلس وسواهم في الضفة يعلمون ويشهدون ويكابدون كون السلطة واجهزتها ومحاسيبها ومنتفعيها وعائلاتها هي المنتجة والراعية للانفلات والحامية للزعران والمتاجرين بالسلاح. السلاح الذي مصدره عدو يفتش حقائب التلاميذ بحثاً عن السكاكين، لكنه هنا يبارك ويرقب ويضبط ولا يتدخل!
…ما الذي يريده ليبرمان من هكذا سلطة أكثر من مشهد تصفية اجهزتها ميدانياً لأسير محرر من مناضلي كتائب الأقصى ورعيلها الأول هو محمد حلاوة رفساً بالأرجل وسحلاً حتى الموت، بينما هو يرسل طائراته ويوجِّه مدفعيته باتجاه خمسين هدفاً في غزة المحاصرة خلال ساعة واحده؟؟!!