ليس بجعحع تتغير لبنان – محمود فنون
في مقالتين سابقتين تعرضت للمعضلات الكبيرة أمام حراك لبنان العظيم.
لقدت تضامنت وأيدت الحراك بل إنني أعجبت به وبعمقه وجذرية الطرح الذي عبرت عنه أسئلة الناس المستطلعين من خلال شاشات التلفزة والتي بدأت سياسية مطلبة وتعمقت إلى ضرورة إسقاط النظام الطائفي بكليته ورموزه ومحاسبة الفاسدين واسترداد الاموال المنهوبة والتي تقدر بمليارات الدولارات وبحيازة شخوص هم من رجالات الحكم والطبقة السائدة ، وتركز جزء منها على البنك المركزي .
تعود بي الذاكرة إلى تقييم كوميونة باريس التي استشهدت في حينه بعد واحد وسبعين يوما . من الإنتقادات أن الكوميونة لم تستولي على البنك المركزي ومن هنا شاهدت أهمية شعار اللبنانيين عن دور البنك ورئيسه في الفساد وفي السياسات المالية وتنفيذ توجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .
إن الشعارات التي طرحها المتظاهرون باسقاط النظام وعلاقاته الدولية والمحاسبة هي محقة تماما كانت ولا زالت وهي يجب أن تكون مهمة الثورة الوطنية الديموقراطية في لبنان وفي غير لبنان .
ولكن المعضلات أمام هذا الحراك لم يجر بحثها ومعالجتها – فالثورات تكون ضد التيار أصلا وأمامها عقبات ومعيقات ويطرح عليها الواقع مهمات ربما متجددة وتزيد الأمر تعقيدا ،ومع ذلك تستمر وتنتصر وتحقق كل أهدافها أوتتحقق أهداف تساعد وتفتح الطريق أمام ما لم يتحقق بعد ولجولات أخرى .
إن أهم معضلة كانت ولا زالت أمام هذا الحراك أنه لم يأت بقيادة تنظم الأهداف الثورية وتعبيء بها وتتقدم إلى الأمام لتحقيقها بالوسائل المتاحة. ولم تتقدم قوى سياسية تطالب بتحقيق هذه الأهداف وبصيغ برامجية وتحالفات سياسية تمثل الغالبية الساحقة من الجماهير صاحبة المصلحة في التغيير .
لهذا وصفنا الحراك بأنه عفوي رغم جذرية الشعارات السياسية المرفوعة وأهمية الشعارات المطلبية التي دفعت مئات الآلاف من الجماهير اللبنانية للإحتشاد والتظاهر .
إن غياب القيادة الثورية ( في حدود الأهداف المطروحة ) وبرنامج سياسي يرسم صورة المستقبل يشكل مقتلا لأي حراك .
ليس هذا فحسب . بل والأهم يفتح الباب أمام القوى الرجعية للتسلل على الحراك وركوبه من أجل دحره عن مطاليبه واستبدالها من أجل الإلتفاف عليها وسحقها . ذلك أن قوى النظام والرجعية منظمة ومرتبة وتمتلك المقدرات المالية والبشرية والإدارية والإعلامية بما يمكنها وعبر بعض التماهي مع شعارات الجماهير ومطالبها تمكنها من الولوج داخل المشهد والإستيلاء عليه وقيادته والتحكم به .وهذا ما تفعله الآن.
إن القوى الرجعية في لبنان المرتبطة بالغرب الإستعماري ودول الرجعية العربية كلها شعرت بخطورة الحراك على وجودها ، كلها قد نشطت لمواجهة الحراك والعمل على الإستيلاء عليه وحرفه للحيلولة دون تحقيق أهدافه وإفشاله .
لقد كان مطلوباً من الحراك أن يشكل لجانه الشعبية وأن تلتف معه قوى اليسار والقوى الديموقراطية الموجودة في لبنان وتساهم في ترتيب وضع قيادي مصان من تسلل الأحزاب الرجعية وقوى الفساد، وفي نفس الوقت تتقدم بمطاليبها من النظام القائم تحت ضغط الشارع وإحداث النقلات الضرورية للتغيير وزعزعة النظام وخلق ازدواجية سلطة برؤيا للمستقبل ومحطاته.
كان هذا ولا زال ضروريا.
ما الذي حصل ؟
في مقالة عن معضلات الحراك في لبنان قلت : “إن نقطة الصراع الأبرز حاليا هي كيف يتصدر المعبرون عن الجماهير دون تغلغل الثورة المضادة بينهم .” ويبدو انها تتغلغل وتشكل خطورة توجب الحذر والدفاع عن الحراك.
سبق وقلنا أن الوضع حساس في لبنان لأن القوى الرجعية المدعومة من الغرب والرجعيات العربية وإسرائيل تستهدف رأس المقاومة وزعزعة وجودها وكشف أسرارها وأن هذا التوجه سيدفع القوى الرجعية كلها والمعادية للمقاومة وتحرير لبنان للتتكاتف لضرب الجماهير وتحاول ضرب المقاومة ، بينما ستدافع المقاومة عن الناس وعن نفسها وربما تنتقل إلى الهجوم وهي قادرة على ذلك.
لقد ظهر ت شخصيات مشبوهة تظاهرت بأنها مع الحراك بعضها تمكنت الجماهير من طرده من الشارع وبعضها وجد شارعه وأخذ يتصدر الحراك مثل جعجع العميل الصهيوني والعميل لكثير من الدول المعادية للبنان وبطل جرائم صبرا وشاتيلا وذبح المقاومة الفلسطينية في لبنان ، وبعده ميقاتي والسنيورة وشربل وغيرهم ، ثم ظهر التمويل وظهرت شعارات ضد المقاومة اللبنانية وكأن الحراك يستهدفها وظهرت شعارات القفز في الهواء .
لقد بدأ الحراك قويا وأرغم السلطة بسرعة على الإستجابة بمعنى التفاعل مع الحراك ومطاليبه المطلبية فكانت ورقة الحريري وورقة ميشال عون، وعقدت الإجتماعات واللقاءات . أي أعطى نتائج هي في الحدود الدنيا التي يتوجب أن يستمر الضغط من أسفل حتى تحقيقها وتطويرها والأخذ من قوة السلطة وإضافته إلى قوة الجماهير واستمرار التقدم إلى الأمام والتقدم بمطالب لإصلاح النظام والإنتقال إلى حالة دستورية وقانوني جديدة عبر تشكيل لجنة تأسيسية أو ما شابه من أجل إحداث تغيير عميق في بنية النظام . هذا فيما إذا كان الحراك منظما حول هذه الأهداف المطروحة بوضوح وتعبر عنه قيادة علنية أو سرية تحمي هذه المطالب وتستمر في الميدان من أجل تحقيقها وترسيمها .
ويبدو أن ما حصل في ليبيا ومصر والسودان يتكرر أو يكاد في لبنان حيث تتقدم شخصيات هي أقرب إلى النظام القائم وتتولى النطق باسم الجماهير ومن ورائها قوى النظام الرجعية ومن أجل إعادة انتاج النظام دون تغيير يذكر .
ففي ليبيا تشكل المجلس الوطني الليبي من 26 شخصية تقليدية ومعظمها مرتبط بالعدو الأجنبي وضمت أربعة فقط من المؤثرين في الحراك . وهذا المجلس هو الذي طالب بتدخل الناتو وقصف ليبيا وتدمير بنيتها التحتية والقضاء على الدولة قضاءا عدميا وتفتت ليبيا ولا زالت تتصارع في حروب دموية . لقد استولت قوى الإستعمار على الحراك وقتلوا الدولة وقتلوا القذافي وقتلوا ليبيا ولم تنتصر ليبيا .
إن جعجع لا يستهدف إدخال إصلاحات ثورية على بنية الحكم في لبنان بل يستهدف خلق ظروف للتدمير الذاتي ومحاربة المقاومة وخدمة العدو الإسرائيلي .
مطلوب من القوى القادرة أن تعمل على حماية الحراك ويبدو ان هذا اصبح غير ممكن .
لقد نجحت الرجعية والعملاء في زعزعة الحراك كما يظهر الآن .
فهل سيدافع الحراك عن نفسه وينظف نفسه من التسلل المعادي ويستمر إلى الأمام؟