مؤتمر الجاليات الفلسطينية في دمشق ودلالات «الانتماء والوفاء» – رامز مصطفى
حدث فلسطيني بارز من خارج الأراضي الفلسطينية، استحوذ على اهتمام المراقبين، وكان لافتاً في دلالاته إنْ لجهة التوقيت أو المكان. الحدث تمثل في انعقاد المؤتمر العام الثالث لاتحاد الجاليات الفلسطينية في الشتات «أوروبا»، وتحت شعار «مؤتمر الانتماء والوفاء»، والذي عُقد في العاصمة السورية دمشق.
هذا المؤتمر في توقيته وإنْ جاء متزامناً مع التاسع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. إلاّ أنه ولمجرّد عقده على أرض الجمهورية العربية السورية في دمشق، وهي التي تتعرّض منذ ما يقرب السنوات الأربعة، وعلى خلفية مواقفها الداعمة والحاضنة لقوى المقاومات العربية، وفي مقدمتها مقاومة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، منذ العام 1948، وما دفعته من أثمان باهظة من دماء أبنائها وقواتها المسلحة، ومقدراتها وقواها. وهي التي شرّعت أبوابها أمام كلّ من يرفع شعار مقاومة الاحتلال «الإسرائيلي»، ويناهض السياسات الأميركية ومشاريعها في المنطقة، ونهب خيرات وثروات دولها. مجرّد عقد مؤتمر الجاليات الفلسطينية في شتات أوروبا، إنما جاء ليؤكد بما لا يدعو للشك أنّ الشعب الفلسطيني ومن كلّ أماكن تواجده وشتاته يحفظ لسورية الدولة والشعب والقيادة مواقفها وما قدمته ولا تزال تقدّمه للقضية الفلسطينية وشعبها. كيف لا وهي التي تعاملت مع الفلسطينيين على أراضيها ومنذ النكبة، على أنهم ليسوا ضيوفاً، بل أشقاء تشاركوا وأشقائهم السوريين في كلّ شيء. ووفرت لهم سبل الحياة الحرة الكريمة، ولم تتعاط معهم بأي تمييز أو تمايز، من خلفية رؤى قومية وعروبية خالصة، وثقافة صقلت الوعي الوطني السوري المشبع بإرث كفاحي على مدار عقود طويلة منذ ما قبل نكبة فلسطين عام 1948. جعلت من تبني قضايا الأمة العربية عموماً، وفلسطين على وجه الخصوص غير خاضعة لحسابات السياسة في تقلباتها ومصالحها. وهذا ما ذهب إليه الدكتور راضي الشعيبي رئيس رابطة أبناء القدس في الشتات، ورئيس الأمانة العامة للجاليات والمؤسسات الفلسطينية في شتات أوربا، بقوله: «نحن سوريون ونرفض أن يُقال عنا فلسطينيون. زحفنا اليوم إلى دمشق عاصمة بلاد الشام من كلّ أصقاع أوروبا، من برشلونة وأوسلو وأمستردام… الخ. من أجل تأكيد حبّنا لهذا البلد العظيم، الذي تكسّرت على أبوابه كلّ المؤامرات والمخططات الهادفة لتصفية فلسطين القضية المركزية للشعب العربي»، وأضاف الدكتور الشعيبي: «تحدّينا أسوار الحصار والظلم لنعقد هذا المؤتمر في دمشق، ولنقول لأهلها إننا معكم ونعلن براءتنا من تلك الحفنة التي لبست عباءة الدين لخدمة التنظيمات الإرهابية». وليؤكد فيه المؤتمرون ومن على الأرض السورية ومن دمشق عاصمة العروبة والعروبيين، أنّ القضية الفلسطينية ومستقبلها، وإنْ كان سيتقرّر على ضوء ما ستنتهي إليه صورة الأحداث المستجلَبة والمستورَدة من خلف الجغرافية الوطنية السورية، ومن خارج الوعي والثقافة لأبناء الشعب العربي في سورية. إلاّ أن المؤتمرين وسائر الشعب الفلسطيني وقواه ونخبه الحية، مطمئنون إلى أنّ هذه الأحداث وعلى جسامة التضحيات، ستنتهي لصالح الشعب والجيش والقيادة في سورية.
المؤتمر الذي عُقد تحت شعار «الانتماء والوفاء»، إنما جاء ليدلل على أنّ الشعب الفلسطيني متمسك بانتمائه لهذه الأمة العظيمة والعريقة من خلفية أنّ قضية فلسطين كانت وستبقى قضية العرب الأولى، على الرغم من حالة التخلي التي ينتهجها متعهّدو الحرب على الدولة الوطنية في سورية. بهدف دفع شعبنا وقواه ونخبه الحية إلى الكفر بأمتنا العربية. وإلى القول إنّ قضيتهم لم تعد القضية المركزية لأبناء أمتنا الذين أُشغلوا بحروب وصراعات عملت عليها ولأجلها الدوائر الأميركية و«الإسرائيلية»، وأدواتها الوظيفية في الغرب والمنطقة… وإذا نجحت أميركا وحلفاؤها وأدواتها الوظيفية في أخذ الشارع العربي إلى خارج وجهته، وسياق صراعه الطبيعي مع الكيان «الإسرائيلي» الغاصب. فهذا النجاح آني، سرعان ما سيعود شعبنا العربي إلى تفاعله وانخراطه في الصراع الأزلي والأبدي مع الحركة الصهيونية التملودية وكيانها المصطنع على أرض فلسطين، لأنّ مستقبل وتطوّر وازدهار وتقدّم هذه المنطقة، سيبقى مرهوناً في سقوط الكيان «الإسرائيلي»، وهزيمة المشروع الأميركي الحاضن والحامي لهذا الكيان الهجين في المنطقة. لذلك جاء أحد عنواني شعار المؤتمر في التأكيد على انتمائنا لهذه الأمة وما تختزنه من إرث وقيم وطنية وقومية عروبية ناظمها قضية فلسطين وشعبها ومقاومتها ومقدساتها.
أما في الوفاء وهو العنوان الثاني لشعار المؤتمر، فإنّ حضور هذا العدد من دول الاغتراب والشتات في أوروبا وتحمّل مشقات السفر، وما سيرتب على عقدهم لمؤتمرهم العام الثالث في دمشق وما اتخذوه من قرارات وتوصيات، إنما تسديد لجزء من فاتورة الوفاء لسورية ومواقفها وما قدمته للقضية الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني، وما تحمّلته وتتحمّله نتيجة لهذا الدعم والاحتضان والدعم اللامحدود، لأنّ الفلسطينيين في الوطن المحتلّ أو الشتات والاغتراب يعبّرون عن الامتنان والتقدير العالي لدور سورية شعباً وقيادةً ومؤسسات في توفير كلّ أسباب الصمود والمنعة والحضور لقضية فلسطين وشعبها ومقاومتها في كلّ المحافل والهيئات والمؤسسات الدولية والجامعة العربية وقممها، ومنظمة التعاون الإسلامي. حيث عبّر المؤتمرون عن وفائهم ووقوفهم إلى جانب سورية وشعبها وجيشها وقيادتها ورئيسها الدكتور بشار الأسد الذي أكد لأعضاء الأمانة العامة لاتحاد الجاليات الفلسطينية «أنّ اختيار سورية لانعقاد مؤتمركم على الرغم من الظروف التي تمرّ بها إنما هو تقدير لمواقف سورية ودورها المحوري في دعم القضية الفلسطينية، ويشير من ناحية أخرى إلى استمرار الشعب السوري في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني مهما كانت التحديات»، لافتاً الرئيس الأسد «إلى أنّ المتضرّر الأكبر من الأحداث التي تشهدها الساحة العربية منذ عدة سنوات هو القضية الفلسطينية».
رغم ما تعانيه سورية وتواجهه من صعوبات بسبب الحرب الكونية التي تشنّها قوى الاستكبار الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأدواتها الوظيفية في المنطقة. لا تزال سورية بكلّ مكوناتها تلتزم القضية الفلسطينية، وتتبنى خيار شعبها في مقاومة الاحتلال «الإسرائيلي». وأنّ الصراع مع العدو الصهيوني يبقى في أولويات عملها وخياراتها، كما يشكل التصدّي للإدارة الأميركية وحلفائها ومشاريعهم في المنطقة والهادفة إلى تطويع وإركاع كلّ مرتكزات القوة والصمود في أمتنا من خلال إسقاط الدولة السورية ومحور المقاومة والممانعة. كما أنّ الشعب الفلسطيني وقواه ونخبه ومقاومته سيبقون على التزامهم في الوفاء للتضحيات السورية، ومواقفها القومية المشرفة.
وجاء انعقاد المؤتمر الثالث لاتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا على الأرض السورية رسالة بالغة الوضوح لمن راهن على فصم عُرى العلاقة الفلسطينية مع الشقيقة سورية. أنّ رهاناتكم أسقطتها الجماهير الفلسطينية التي أعلنت وقوفها إلى جانب سورية في تصدّيها وحربها دفاعاً عن الهوية العربية والقومية لأمتنا.